Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
رياض الصالحين, باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال, باب الصبر, باب…
رياض الصالحين
أهم ما يدخل في سنة النبي ﷺ هي الأمور الكبرى والمركزية في الدين. ولا ينبغي أن ينصرف الذهن إلى الأمور غير الواجبة عند سماع لفظ السنة.
فالسنة هي ما حرص عليه النبي ﷺ وما دعى إليه وأكد عليه وما ربى عليه أصحابه.
فإذا أعطيت السنن الكبرى حقها، كان التزامك بالسنن الصغرى يعطيها قيمتها التي جعلها الشارع لها بحيث تكون تابعة لا مستقلة.
-
الاستهداء بالسنة معناه أن يتخذ المسلم سنة النبي ﷺ وسيرته سببا للهداية.
ومطلب الهداية هو أعظم مطلب يطلبه المسلم في حياته اليومية فإن من أهم ما يوصل إلى هذا المطلب هو اتباع النبي ﷺ والاستنارة بهديه واقتفاء خطواته وفقه سيرته.
إلا أنه ثمت أسباب كثيرة تجعل الإنسان يتخلف عن الوصول إلى حقيقة هذا الشعار، وإن ادعى اتباع النبي ﷺ.
فشعار اتباع النبي ﷺ شيء وحقيقة اتباعه شيء آخر.
هناك أسباب للوصول إلى حقيقة اتباع النبي ﷺ:
شيء منها نفسي
شيء منها متعلق بفقه كيفية معرفة هديه وحقيقة اتباعه ﷺ.
فاتباع النبي ﷺ لا يكون بتجزئة أعمال النبي ﷺ ثم اتباع كل عمل على حدة، بل لا بد من فهم أولويات العمل النبويي: على ما ركز النبي ﷺ ؟ أي شيء من الأعمال قدمه وأعطاه أولوية واهتماما؟
وبناء على هذا التفاوت فيما أعطى النبي ﷺ لكل عمل من الاهتمام، فإنك أنت كذلك تتعامل مع كل عمل بحسب الأهمية والتركيز الذي أعطاه النبي ﷺ.
حسن الاقتداء بالنبي ﷺ يحتاج إلى هداية وإلى فقه. فليس كل من علم حديث النبي ﷺ وفق للاقتداء به.
فالقضية في كيفية فقه الهدي النبوي وإعطائه الأهمية وفق الميزان النبوي.
-
على من يطلب الفقه في الدين أن يدرسه على شموليته وشمولية موضوعاته كما كان النبي ﷺ يقدمه شاملا بمختلف جوانبة وموضوعاته.
فلا يصلح أن تكون علاقتنا مع الدين بعلم الفقه فقط مثلا، أو بعلم العقيدة فقط...
-
باب الصبر
كثيرا ما كان النبي ﷺ يقص القصص على أصحابه كما أن الله سبحانه وتعالى كثيرا ما قص على نبيه أحوالا وقصصا من الأمم السابقة.
السحر صنعة كثيرا ما كانت تستعمل في تخويف الناس وحفظ سلطان الملوك. وقصة فرعون دليل على ذلك، إذ كان من أعظم ما يعتضد به ويستند إليه هم السحرة والكهنة.
الإخبار بخلاف الحقيقة الأصل أنه محرم في مختلف الأحوال، لكنه قد يباح في بعض الأحوال كحال الإكراه والضرورة حين يضطر الإنسان. فله أن يخبر بخلاف الحقيقة للخروج من الضيق الذي هو فيه، أو ليخرج غيره.
أسلوب الدعاء بشرط مقابل طلب الله أن يفعل أو يأذن بشيء هو أسلوب جائز.
وهو أسلوب مما يهتدى به إلى الحق.
لكن لا ينبغي أن يُتخذ مسلكا يسلكه الإنسان في كل دعائه، فالأصل أن يطلب الإنسانُ الله طلبا مباشرا.
لما رجع الغلام إلى الراهب وأخبره بالكرامة التي حصلت له فقَالَ لَهُ الرَّاهبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَومَ أفْضَل منِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى
جواب الراهب فيه بيان لنتيجة تلك الكرامة.
وجوابه فيه فقه عظيم في الدين وفي سنن الله تعالى، وهو جواب يجب أن يفقهه كل من يسير في طريق الخير ونصرة الدين.
-
الغلام تسبب في قتل نفسه وهو يعلم أنه سيؤمن الناس.
أخذ العلماء من هذا أن المصلحة العامة وحفظ الدين مقدم على حفظ النفس.
هل انتصر الغلام أم لم ينتصر؟
قطعا انتصر، وإن مات وعذب وتألم لكنه انتصر انتصار كسرت به كلمة الأعداء وكلمة الباطل على حساب كلمة الحق.
ونصر كلمة الحق على كلمة الباطل نصر أهم من النصر بالشوكة، فالشوكة تبع للكلمة.
والجهاد جهاد لسان وسنان.
وقد تهزم العساكر الكبار ولكن كلمة الحق لا تهزم.
إذا كانت كلمة الحق مرتفعة وعالية فهذا نصر وانتصار، وإن وقعت خسارة بالمقاييس الدنيوية المادية.
أما إذا مكنت كلمة الباطل وحوربت كلمة الحق وأبعدت فلا قيمة لأي نصر دنيوي بعد ذلك
لذلك فالسحرة الذين آمنوا وثبتوا على الحق في زمن فرعون، قد انتصروا على فرعون نفسه. لا نقول أن انتصارهم إنما كان في خاصة أنفسهم بثباتهم على الحق، هذا لا ريب فيه، لكن نؤكد أنهم انتصروا على فرعون
كل هذا الكلام نقوله من خلال معيار الوحي، والحرب حرب معايير.
أما إذا فسدت معايير الإنسان فلن يدرك هذه المعاني.
فالنصر في الدنيا هو أن ترتفع كلمة الحق وتكسر كلمة الباطل ولا يضر هذا النصر تخلف جسدك عنه.
الجنود الذين خدموا الملك وقبلهم الذين خدموا فرعون هم أخسروا الناس صفقة، باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم.
وهم منزوعو العقل والشخصية.
ولا يدوم ملك إلا ملك الله تعالى.
٢٥ - وعن أبي مالكٍ الحارث بن عاصم الأشعريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمان، والحَمدُ لله تَمْلأُ الميزَانَ، وَسُبْحَانَ الله والحَمدُ لله تَملآن - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَينَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدقةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والقُرْآنُ حُجةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ (١). كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُها». رواه مسلم.
كان كلام النبي ﷺ فصلا، كما قالت أمنا عائشة "إذا عده العاد أحصاه". وهذا مما سهل حفظ السنة على الصحابة.
وهذه الخصلة جعلت من سمات النبوة.
-
إن فسر الإيمان بالصلاة فالمقصود بالطهور هو الطهور الحسي، وإن قصد بالإيمان مسماه فالطهور يفهم أنه التزكية وتطهير القلب والتخلص من الذنوب...
-
الصلاة نور ... الصبر ضياء
﴿هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءًۭ وَٱلْقَمَرَ نُورًۭا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ﴾
الضياء ارتبط بالشمس ففيه معنى الإحراق مع الإضاءة. فالصبر محرق، مؤلم، شديد...
كلاهما اشتركا في إنارة طريق الإنسان في الدنيا أوالآخرة أو كلاهما (النص مطلق)
كما يغدو الإنسان ويروح في أموره الدنيوية، فهذا الغدو والرواح يؤثر في مصيره الأخروي إذ قد يكون سببا في أن يوبق نفسه في نار جهنم أو أن يعتقها من عذاب الله.
-
٢٧ - وعن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ، ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلَاّ للمُؤْمِن: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيرًا لَهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا لَهُ». رواه مسلم.
حديث يلخص حياة المؤمن بين هذين الشقين، الصبر والشكر.
﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍ﴾ ٣٣ الشورى
الشكر لا يقل أهمية عن الصبر، فالإنسان ما بين نعمة وبلاء، النعمة لها واجبها والبلاء له واجبه.
حقيقة الشكر هو الاعتراف القلبي لله تعالى بالنعمة وبالتالي لا يكون إلا بعد ملاحظة النعمة، وحقيقة الصبر هو حبس النفس والتحمل والتجلد وعدم الاستسلام والوهن الداخلي أمام ما يواجهه الإنسان.
السر في الشكر هو ملاحظة النعمة ثم ملاحظة المنعم.
أما الإنسان الذي اعتاد النعيم فيغفل عن ملاحظة النعمة. بل قد يصل به الأمر إلى أن يعتبر النعمة نتيجة صناعته الشخصية وكسبه الذاتي، ولا يرضى ولا يقبل أن توصف بأنها نعمة كما كان حال قارون.
وملاحظة المنعم وما ينبغي أن يقدم له من مقابلة هذه النعمة بالعمل.
هناك تجاه النعم أكثر من واجب.
واجب الاعتراف بالنعم + واجب الشكر على النعم وهذا الشكر على درجات (شكر باللسان، شكر بالقلب، شكر بالعمل).
-
٣١ - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتّقِي اللهَ وَاصْبِري» فَقَالَتْ: إِليْكَ عَنِّي؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي وَلَمْ تَعرِفْهُ، فَقيلَ لَهَا: إنَّه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فقالتْ: لَمْ أعْرِفكَ، فَقَالَ: «إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى (١)». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
هناك أحوال يجدي فيها الصبر أكثر من غيرها.
الصبر يتفاوت أجره بقدر المثيبة وبقدر ما يقع في القلب من تسليم واستسلام.
الصدمة الأولى يكون لها استجابة تلقائية من الشخص.
وهنا يظهر أثر التكليف الشرعي، إذ هو يخرج الإنسان من ردات فعله التلقائية إلى أن يهيمن عليها بقرارات عقله الناتجة عن امتثال أمر الله تعالى، فيمنع نفسه عن ما لا يريد الله. وهنا الابتلاء والامتحان وهنا الأجر والثواب.
الذي يصبر عند الصدمة الأولى هو الذي له تجربة سابقة في مجاهدة النفس، وله قدم تسير به في طريق الإيمان والعلم بالله ومخالفة الهوى والمجاهدة.
كان الوصول إلى النبي ﷺ سهل وسريع
نستفيد كذلك أهمية التمييز بين مقامات الإنكار، وبين ما يحتاج إلى نصيحة وتوجيه مباشر وما يحتاج إلى توجيه عام جماعي.
٢٦ - وعن أبي سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري رضي الله عنهما: أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ: «مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ. وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر (١)». مُتَّفَقٌ عليه.
جملة عجيبة في بيان فضل الصبر.
أي عطاء يعطاه الإنسان يبقى ناقصا ما لم يكن معه صبر.
كل أمور الدنيا والآخرة مفتاحها هو الصبر. وأفضل ما يدخره الإنسان هو الصبر.
الإنسان المصلح المربي عليه أن يعلم أن هناك من الحقائق النظرية ما لا يستطيع أن يبلغه في الناس حق الإبلاغ إلا إذا أحسن إليهم أو بعد أن يستنفذ ما يمكنه من الوسع والطاقة في تلبية ما يريدون، ثم بعد ذلك تأتي النصيحة والوصية في موضعها.
٢٨ - وعن أنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ (١) النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: وَاكَربَ أَبَتَاهُ. فقَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ». فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ! يَا أَبتَاهُ، جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ! يَا أَبَتَاهُ، إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ! فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضي الله عنها: أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ؟! رواه البخاري.
صبر النبي ﷺ، وحياته ﷺ كلها صبر من أولها إلى آخرها.
حتى قال ﷺ كما في حديث أنس رضي الله عنه: لقد أُخِفتُ في اللهِ وما يخافُ أحدٌ ولقد أُوذيتُ في اللهِ وما يؤذى أحدٌ ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يومٍ وليلةٍ ومالي ولبلالٍ طعامٌ يأكلهُ ذو كبدٍ إلّا شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ
صبر النبي ﷺ استمر حتى وفاته.
وهذا فيه تأسيس عملي على ملازمة الصبر من بداية الطريق إلى نهايته، إذ قد يظن الظان أن الصبر له مرحلة ثم يتجاوز.
الصبر مستمر إلى لحظة خروج الروح وهي لحظات داخل التكليف وليست خارجه.
٢٩ - وعن أبي زَيدٍ أُسَامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ مَوْلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وحِبِّه وابنِ حبِّه رضي اللهُ عنهما، قَالَ: أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّ ابْني قَد احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرىءُ السَّلامَ، ويقُولُ: «إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ». فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا. فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ، وَرجَالٌ - رضي الله عنهم - فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّبيُّ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ: يَا رسولَ الله، مَا هَذَا؟ فَقالَ: «هذِهِ ⦗٢٦⦘ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ» وفي رواية: «فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (١)
وَمَعنَى «تَقَعْقَعُ»: تَتَحرَّكُ وتَضْطَربُ.
-
الحديث يبين المعنى الذي من أجله يصبر الإنسان، وهذا ذُكِرَ في الدعاء الوارد في الحديث.
واستحضار معنى الحديث عند المصيبة ليس بالأمر السهل، لكنه إذا حصل فبه تهون المصيبة ويقل وقعها في النفس.
هذا المعنى هو أن كل شيء عطاء وهبة من الله، فهي له وإليه.
أما أنت فلا تملك شيئا على الحقيقة.
فإن أخذها الله، فإنما أخذ ما أعطى.
-
٣٢ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ (١) مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَاّ الجَنَّةَ». رواه البخاري
-
-
٣٣ - وعن عائشةَ - رضيَ الله عنها: أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطّاعُونِ (١)، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلَاّ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلَاّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ. رواه البخاري.
-
نفس الحدث قد يكون نقمة في سياق معين، ويكون نعمة في سياق آخر.
وإنما يفرق بين السياقين من كان له علم بالله وبسننه وبأقداره.
الصبر هو من أعمال الدين وعناوينه الكبرى.
والتفقه في مثل هذه الأبواب هو من صميم الفقه في الدين.
فالصبر أمر ملازم للمؤمن وبه يبلغ الجنة، وهو لا ينحصر في مجرد الصبر على الأقدار المؤلمة.
قالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب} [الزمر:١٠]
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: ٣١]
باب التقوى
٦٩ - فالأول: عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ: يَا رسولَ الله، مَنْ أكرمُ النَّاس؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ (١)». فقالوا: لَيْسَ عن هَذَا نسألُكَ، قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ⦗٤٣⦘ ابنُ نَبِيِّ اللهِ ابنِ نَبيِّ اللهِ ابنِ خليلِ اللهِ» (٢) قالوا: لَيْسَ عن هَذَا نسألُكَ، قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ (٣) تَسْأَلوني؟ خِيَارُهُمْ في الجَاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الإِسْلامِ إِذَا فقُهُوا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
السؤال عن أكرم الناس هو سؤال عن أعلاهم منزلة ومكانة.
والصحابة سألوا عن الكرامة المتعلقة بالحسب والنسب
من هدي النبي ﷺ أنه كان يصرف اهتمام أصحابه أو من يسأله إلى ما هو أهم مما يشتغل به أو يسأل عنه.
فهنا عدل النبي ﷺ عن المقصود الذي يريدون إلى المقصود الذي ينبغي أن يسألوا عنه.
الفقه في الدين من شروط ظهور الخيرية.
والفقه هنا ليس محصورا أبدا بالفقه الاصطلاحي. فالفقه في الدين يشمل كل أبواب الدين من اعتقاد وآداب وتزكية وفقه ...
٧٠ - الثَّاني: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسرائيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ». رواه مسلم.
-
الوحي والشريعة أتى لإضافة البصيرة المعنوية. فهي تضيف التعريفات التوجيهية إلى المعنى الطبيعي الذي بين الإنسان وما حوله من أمور
على المؤمن المحب لرسول الله ﷺ أن يبتعد عن ما حذر ويجعل في قلبه الحساسية والانتباه الذي يشير إليه النبي ﷺ تجاه بعض الأعمال.
-
كثرة ذكر اسم من الأسماء في الشريعة يضفي عليه أهمية خاصة وعلينا التعامل معه بعناية خاصة.
ومن أهم وسائل التعامل مع هذا الاسم
جمع مواطن ذكر هذا الاسم في الكتاب والسنة ثم تصنف هذه الآيات موضوعيا
مثلا آيات تتكلم عن فضل التقوى هي موضوع معين، آيات تتكلم عن ثمرات التقوى...
-
-
وَقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢ - ٣]، وَقالَ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
هذه الآيات تجعل المؤمن يحرص على التقوى ويطمع في فضائلها.
ويجتهد في الكف عن الذنوب والمعاصي.
فالكف عما يكره الله من أهم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
٧١ - الثالث: عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، وَالغِنَى (١)». رواه مسلم.
-
٧٣ - الخامس: عن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءَكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ». رواه الترمذي، (١) في آخر كتابِ الصلاةِ، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
طاعة الأمراء لها شرطان:
- أن يكون أمره لك ليس فيه معصية الله تعالى
- طاعة الأمراء المأ مور هي ما كان تحت مظلة الشريعة عموما، أي الأمراء الذين يحكمون بالإسلام.
هؤلاء طاعتهم من طاعة الله. أي أن منظومة الإمارة هي ضمن الشريعة الإسلامية والحكم الإسلام ولو كان فيها بعض الأخطاء.
وَقالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} # وهذه الآية مبينة للمراد مِنَ الأُولى، فتقوى الله حق تقاته ما استطعتم
٧٢ - الرابع: عن أبي طريفٍ عدِيِّ بن حاتمٍ الطائيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أتْقَى للهِ مِنْهَا فَليَأْتِ التَّقْوَى». رواه مسلم.
باب الصبر 2
٣٨ - وعن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دخلتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يُوعَكُ، فقلت: يَا رسُولَ الله، إنَّكَ تُوْعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: «أجَلْ، إنِّي أوعَكُ كمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُمْ» قلْتُ: ذلِكَ أن لَكَ أجْرينِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، ذلِكَ كَذلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلَاّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
-
القضية في ميزان الله تعالى مختلفة عنها في ميزان الرحمة البشرية العادية.
إلا أن الله أرحم بعبده من الأم بولدها، والمرض سبب لتكفير السيئات ولا يعرف قيمته إلا في يوم القيامة.
إلا أن الأذى المعنوي كان أشدا على النبي ﷺ، من أشد الأذى المعنوي تكذيب الناس له ﷺ.
ولذلك في القرآن ربط الله تعالى بين حزن النبي وضيق صدره من جهة وبين "الذي يقولون" من جهة أخرى.
حياة النبي ﷺ كانت محاطاة بالبلاءات والمشكلات والتحديات والعقبات، وكانت مصادرها متعددة ما بين منافقين ومشركين وأهل الكتاب والأعراب وعموم الناس من كثرة طلباتهم وحاجاتهم.
٣٩ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ». رواه البخاري.
-
-
العافية مطلوبة والمسلم يسعى لها، لكن على المسلم أن يعلم أنه لا بد أن يبتلى في ميزان الله وأقداره. فالمؤمن لا ينفك عن الابتلاءات.
وعدم الابتلاء من المؤكد أنه من نقص إيمانه، وهو علامة تنبيه.
عنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عنْ أَبيهِ قالَ: سُئِلَ النَّبيُّ ﷺ: أيُّ النّاسِ أشَدُّ بَلاءً؟ قالَ: «الأَنبياءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأمْثَلُ، فإذا كان الرَّجُلُ صُلْبَ الدِّينِ يُبْتَلى الرَّجُلُ على قدْرِ دينِهِ، فَمَنْ ثَخُنَ دينُهُ ثَخُنَ بَلاؤهُ، ومَنْ ضَعُفَ دينُهُ ضَعُفَ بَلاؤهُ».
النبي ﷺ يقول "لكنكم قوم تستعجلون" لمن هم داخل الابتلاء وداخل معركة نصرة الحق والدين وعانوا وكابدوا ووجدوا شدة.
واليوم ناس في رخاء تام وهم يستعجلون
-
-
٣٥ - وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ، قَالَ: قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما: ألَا أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنّي أُصْرَعُ (١)، وإِنِّي أتَكَشَّفُ، فادْعُ الله تَعَالَى لي. قَالَ: «إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أَنْ يُعَافِيكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أَنْ لا أَتَكَشَّف، فَدَعَا لَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
النبي ﷺ يعرض لها خيارين، أن تصبر على مرضها وتكون لها الجنة أو أن يكشف عنها مرضها.
ولو كشف عنها مرضها فقد كان لها رصيد من صبر على هذا المرض سابق ولها أعمال صالحة أخرى تكون لها سببا في الدخول تحت رحمة الله ثم الجنة.
-
وحتى قول عطاء لابن عباس رضي الله عنهما يشير إلى أنهم فهموا أن الأمر حتمي، فكأن تلك المرأة دخلت الجنة وصارت من أهلها
٣٦ - وعن أبي عبد الرحمانِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِياءِ، صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ». مُتَّفَقٌ علَيهِ.
هذه الأحاديث تؤسس معنى الابتلاء، وأن كون المرء كريما عند الله - ومن أكرم من الأنبياء - فلا يعنى هذا أنك لا تبتلى.
هذه الأحاديث يؤخذ منها العلم بالله وبسننه وأقداره.
وهي تجيب عن سؤال "ما الذي يقدره الله تعالى ويأذن بوقوعه؟"
٣٧ - وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلَاّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ (١)». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
من الفضل الخاص للابتلاءات أنها سبب لتكفير الذنوب والخطايا.
وقد يرتفع هذا السبب ليكون أهم سبب دخول الجنة.
المتأمل في نصوص الوحي التي تتكلم عن الابتلاء يجد حبا لمعنى الابتلاء من حيث كونُه سببا لنيل رضى الله ومحبته ولتكفير سيئاته وذنوبه.
فالمؤمن لا يحب أن يبتلى لكن يحب هذا الثواب في الابتلاء.
-
٤٢ - وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا في القسْمَةِ، فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ، وَأَعطَى نَاسًا مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ: واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ؟» ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر». فَقُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثًا (١). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (٢)
وَقَوْلُهُ: «كالصِّرْفِ» هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ: وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر.
-
أكثر نبي اقترن ذكره مع ذكر النبي ﷺ هو سيدنا موسى عليه السلام.
وفي سورة الأحزاب جاء ذكر أذى سيدنا موسى عليه السلام وأذى النبي ﷺ
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوْا۟ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا۟ ۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهًۭا﴾ ٦٩
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدْخُلُوا۟ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ وَٱللَّهُ لَا يَسْتَحْىِۦ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـٰعًۭا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۢ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓا۟ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا﴾ ٥٣
٣٤ - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الله - عز وجل - قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ» يريد عينيه، رواه البخاري.
النظر إلى ثواب الأصل وثواب الفروع المنيثقة من هذا الأصل يوفق إلى مزيد من العمل ومزيد من الاحتساب.
من النصوص التي تشير إلى الثواب في أصل الصبر قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب} [الزمر:١٠].
وهذا الحديث من باب الثواب الخاص الذي ورد في الصبر على أشياء معينة.
٤٠ - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَليَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيرًا لِي، وَتَوفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيرًا لي». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
-
باب الصبر 3
٥١ - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّهَا سَتَكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها!» قَالُوا: يَا رَسُول الله، فَمَّا تَأْمُرُنا؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ (١)». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (٢).
«وَالأَثَرَةُ»: الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ.
هذا الحديث ورد في الأنصار ومعناه عام.
فالأنصار يكون عليهم أثرة في المناصب السياسية.
والمعنى يعم كل من كان أحق بشيء ثم يبتلى بأن يُهضم حقه ولا يعطى ما ينبغي له.
وقع في السابق أن يكون الحاكم مسلما، قائما بأمور من الدين ويحكم بالشريعة ويجاهد في سبيل الله ويدافع عن الأمة ولا يوالي أعداء الله من اليهود والنصارى...وفي نفس الوقت يكون ظالما (أما لو كان خائنا فالقضية مختلفة) إما بطشا أو منعا وقمعا.
من أهم التوجيهات التي يستصحبها المسلم في مثل هذه الحال هو توجيه الصبر وألا يكون الموقف الأساسي للإنسان المسلم عند وجود الظلم عليه هو المسارعة إلى المواجهة واستيفاء الحق الدنيوي. بل عليه أن يفقه أن هذا قد يؤدي إلى ضرر أكبر وعليه أن يستحضر الآخرة.
والمسأل فيها ضوابط وتفاصيل.
قال النبي ﷺ: من قتل دون ماله فهو شهيد.
فهل هذه القاعدة تشمل من يمنع ماله من الحاكم إن كان هو الآخذ، أم أن هذه الصورة تدخل في قوله ﷺ: اصبروا حتى تلقوني على الحوض.
المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال أن تدخل في باب الصبر.
إلا أن الأمر بالصبر لا يعني عدم إنكار المنكر وعدم القول بالحق.
نصوص السمع والطاعة نصوص حق ثابتة عن النبي ﷺ، وهي من أهم أسباب حفظ المجتمع المسلم.
وفي نفس الوقت لا ينبغي أن تكون سببا لتضييع الدين وخيانة المسلمين.
وعد النبي ﷺ أصحابة بلقائه على الحوض سبب قوي يعينهم على الصبر والتصبر.
فهم الذي صاحبوه ثم فارقهم ﷺ، فكيف يكون شوقهم أن يلقوه مرة أخرى؟!
-
خرجت أم سليم وهي في الشهر التاسع مع النبي ﷺ مشيا!!
ومثل هذه القصص تفيد في فقه قوله تعالى ﴿وقرن في بيوتكن﴾ وسياقاتها وتنزيلها.
-
النبي ﷺ نهي العائد من سفره أن يدخل على أهله مفاجأة، فكان النبي ﷺ يتأخر قبل الدخول إلى المدينة حتى يصل خبر رجوعهم إلى الأهالي والزوجات في المدينة.
في هذا الحديث معية الله للمؤمنين إذ رفع الله ألم المخاض عن أم سليم حتى استطاعت المشي للدخول إلى المدينة.
٥٣ - وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا (١)، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ».
ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، (٢) وبالله التوفيق.
-
عدم تمني لقاء العدو لا يعني عدم الرغبة في الجهاد في سبيل الله.
لأن الإنسان لا يضمن نفسه ولا يعلم ما يبدو منها عند مواجهة الموت فإنه لا يتمنى هذا الأمر، وإن كان يتمناه من جهة فضل الجهاد وثوابه.
كأن الحديث يشير إلى عدم الاعتداد بالنفس وأن يظن الإنسان أنه قادر على الثبات يقينا
﴿وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ ١٤٣
هذا الحديث قاله النبي ﷺ في سياق جهاد، فهذا الحديث ليس مساقا مساق التعطيل وإنما هو مساق مساق التهذيب للنفس عن الاغترار بها.
يؤخذ من دعاء النبي ﷺ قبل القتال المعنى الكلي لأهمية الدعاء والاستعانة بالله قبل الاقدان على الأعمال الكبيرة.
٤٨ - وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم: أوصِني. قَالَ: «لا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرارًا، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ». رواه البخاري.
النهي عن الغضب فيه نهي عن التماس مع الأسباب المؤدية للغضب وفيه نهي عن القيام بالأفعال غير المنضبطة الناتجة عن الغضب..
قد يظن أن ترك الغضب وكظم الغيظ هي من الكمالات، إلا أن كلام الأئمة والحفاظ يشير إلى أن هذا العمل له منزلة كبيرة جدا في الإسلام.
ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وابن حنبل رضي الله عنهم جميعا، فسروا حسن الخلق بترك الغضب على أنه من أهم ما يدخل فيه.
الإنسان لن يظفر بمجامع الأخلاق الحسنة إلا إذا كان تاركا للغضب، أما إذا كان غضوبا لا يملك نفسه عند الغضب فمتى يكون حسن الخلق؟
هذا لا يعني أن الإنسان لا تفلت منه فلتات لكن الفكرة أن لا يكون من طبع الإنسان الدائم الغضب وعدم السيطرة على النفس عند الغضب.
والذي يستطيع أن يسيطر على نفسه عند الغضب فهو أقدر على التزامه ببقية الأخلاق.
كظم الغيظ من العبادات الشريفة التي ينبغي أن يعود الإنسان نفسه عليها.
وكظم الغيظ لا يكون إلا بتجرعه، ويعينك على تجرعه أن تذكر بأنه من أعظم الأعمال الصالحة التي تلقى الله بها فتحتسبه عند الله.
وكظم الغيظ لا يكون بلا ألم أبدا
-
٤٩ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ». رواه الترمذي، (١) وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
تصحيح الترمذي له وزنه وقيمته. ومن يصف الترمذي بالتساهل بسبب المراجعة عليه في الأحاديث التي حكم عليها بالحسن فقط. وذلك من خلل في فهم اصطلاح الحسن عند الترمذي رحمه الله.
والترمذي حينما يصف حديثا بأنه صحيح فالأغلب أن الحديث صحيح، وإن كان حكمه ليس كحكم البخاري أو الإمام أحمد وأمثالهما.
من أعظم ثمرات البلاء أنه يزيل الذنوب ويكفرها.
ويفهم من هذا الحديث أن طول البلاء له اعتبار أكثر في تكفير السيئات، فاستمرار البلاء درجة أعلى من مجرد وجوده.
وقد تكون ثمرة طول البلاء هي مغفرة جميع الذنوب والخطايا.
الابتلاءات التي تأتي المؤمن متنوعة وتأتيه من جهات مختلفة.
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ ١٥٥
٥٠ - وعن ابْنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ - رضي الله عنه - وَكَانَ القُرَّاءُ (١) أصْحَابَ مَجْلِس عُمَرَ - رضي الله عنه - وَمُشاوَرَتِهِ كُهُولًا (٢) كانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ: يَا ابْنَ أخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ، فاسْتَأذَن فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: هِي (٣) يَا ابنَ الخَطَّابِ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ (٤) وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أميرَ المُؤْمِنينَ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٨] (٥) وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا، وكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. رواه البخاري.
عيينة بن حصن من كبار الأعراب ورؤوسهم وصميمهم.
وكان من المؤلفة قلوبهم الذين تألفهم رسول الله ﷺ في غزوة حنين.
الآية قطعت دواعي الحركة الطبيعية النفسير عند عمر. فهل طبيعة تفاعلنا مع آيات القرآن مثل هذه الطبيعة؟ هل ترسم الآيات حدود طريقنا؟
-
هذا من آثار تربية النبي ﷺ لأصحابه، ولتربية الله تعالى لهم من خلال نزول القرآن وارتباطه بالأحداث التي يعيشونها.
فارتبط القرآن في أذهانهم وقلوبهم بواقعهم وعملهم وأنه موجه، مبين، معلم، مرب.
-
٤٣ - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ».
وَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ». رواه الترمذي، (١) وَقالَ: «حديث حسن».
هذا أول حديث خارج الصحيحين الذي ذكره النووي رحمه الله.
وهو حديث فيه شيء من الضعف في إسناده وهذا لا يتعارض مع قول الترمذي حديث حسن.
لأن قول الترمذي عن حديث أنه حسن لا يراد منه المعنى الاصطلاحي للحسن (ما اتصل إسناده برواية العدل الذي خف ضبطه عن مثله من غير شذوذ ولا علة)، فالحسن عند الترمذي قد يطلق على الضعيف، بل تجده يقول "هذا حديث حسن وليس إسناده بمتصل" في نفس الجملة.
لفظ "عجل له العقوبة في الدنيا" فيها شيء من الضعف.
ويمكن حملها على تعجيل شيء من العقوبة في الدنيا، أو عجل له ما برحمته تعالى يسقط عنه بها عقوبة الآخرة.
٤٦ - وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ (١)، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ذَهَبَ منْهُ مَا يَجِدُ». فَقَالُوا لَهُ: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
حديث يبين مدى ارتباط الشيطان وأذاه بأحوال الإنسان.فكثير من أحوال الإنسان الشيطان له مدخل فيها.
ومن هذه الأحوال حالة الغضب
٤٧ - وعن معاذِ بنِ أَنسٍ - رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيظًا (١)، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ». رواه أَبو داود والترمذي، (٢) وَقالَ: «حديث حسن»
-
باب الصدق
٥٤ - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: «إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
العبادات على قسمين:
ما يقود إلى غيرها من العبادات التي تكون أعظم خيرا منها
وهناك عبادات متعلقة بذاتها.
فالفقيه يتحرى العبادات التي تنقله إلى مقامات وعبادات أخرى.
وهنا الصدق يهدي إلى البر.
من أعظم العبادات التي تفتح أبواب الخير هي عبادة الخشية، والله تبارك وتعالى في كثير من الآيات جعل الخشية شرطا للاستفادة من العبر والآيات والتذكرة والنذارة
الطريق إلى الله له فقه، وأعمال القلوب لها فقه يهدي إلى حسن أدائها.
ومعرفة مقامات ودرجات العبادات عند الله تعالى بمقتضى ما جاء بيانه في الوحي.
-
-
٥٥ - الثاني: عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدْقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ». رواه الترمذي، (١) وَقالَ: «حديث صحيح».
قوله: «يَريبُكَ» هُوَ بفتح الياء وضمها: ومعناه اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ.
"ما يريبك" أي ما ترتاب فيه وتشك فيه.
فالريبة والشك فيهما حالة من الاضطراب أما الطمأنينة فهي حالة سكينة وقرار.
بيان صحة أو ضعف الحديث الذي ليس في الصحيحين.
هذا الحديث خارج الصحيحين، أخرجه الترمذي وقال فيه "حديث صحيح".
والأصل أن الترمذي إذا قال "حديث صحيح/حسن صحيح/ حسن صحيح غريب...
فالأصل أن الحديث صحيح، وحكم الترمذي حكم عال جدا. ولم يخالف الترمذي هذه القاعدة فقط في مواضع يسيرة.
لكن إذا قال الترمذي كلمة حسن أو كلمة حسن غريب ففي الغالب أن فيه ضعف.
معنى الحسن عند الترمذي لا يطابق تعريفة عند المتأخرين.
فالتحسين عند الترمذي يختلف عن التحسين الاصطلاحي عند المتقدمين، فهو يستعمله للإشارة إلى نزول الحديث عن مستوى الصحة بوجود سبب من أسباب الضعف كالانقطاع أو ضعق الراوي...
-
٥٧ - الرابع: عن أبي ثابت، وقيل: أبي سعيد، وقيل: أبي الوليد، سهل ابن حُنَيْفٍ وَهُوَ بدريٌّ (١) رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ». (٢) رواه مسلم.
-
"منازل الشهداء" أعلى وأزكى ما يصل إليه الإنسان في الآخرة، وهذه الدرجات بينها الله سبحانه وتعالى والنبي ﷺ.
قد يكون لمنازل الشهداء طريق آخر غير القتال والقتل والجهاد في سبيل الله، وهي صدق القلب في الدعاء لله بأن يبلغه منازل الشهداء.
﴿لَّا يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُو۟لِى ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ دَرَجَةًۭ ۚ وَكُلًّۭا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًۭا ٩٥ دَرَجَـٰتٍۢ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةًۭ وَرَحْمَةًۭ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًۭا رَّحِيمًا ٩٦﴾
وللشهداء درجات
صحيح البخاري - 2790
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ .
-
٥٦ - الثالث: عن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ - رضي الله عنه - في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ (١)، قَالَ هِرقلُ: فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ - يعني: النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أبو سفيانَ: قُلْتُ: يقولُ: «اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ، وَالصِّدْقِ، والعَفَافِ، وَالصِّلَةِ» (٢) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
استحى أبو سفيان أن يكذب وتؤثر عليه كِذبة كان ذلك من أخلاق السادة حتى في الجاهلية.
وكون هذا الخلق لا يليق بالسادة له إشارة في حديث النبي ﷺ:
مسند أحمد بن حنبل - 10370
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنِ أَبِي حَازِمٍ , عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ , قََالَ : قََالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ "
ففي هذا الحديث 3 أفعال لا موجب لها من أصحابها ولا دافع يدفعهم لاقترافها، فكيف يزني الشيخ وهو قد هرم، وكيف يستكبر الفقير وهو ضعيف وكيف يكذب الملك وله سلطان وهيبة.
ما قاله أبو سفيان هو خلاصة ما فهمه سادة العرب من رسالة النبي ﷺ. فالمقام مقام اختصار وإيجاز، فاختار أبو سفيان أهم ما دعى إليه النبي ﷺ ليجيب ملك الروم.
كل القضايا التي أشار إليها أبو سفيان كانت مما دعى إليه النبي ﷺ في مكة.
-
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "...الصادقين الذين حققوا أقوالهم بأفعالهم"
-
ما قاله النبي، المذكور في الحديث، وهو يكلم قومه "لا يَتْبَعَنِّي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ (١) امْرَأةٍ وَهُوَ يُريدُ أَنْ يَبْنِي بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلا أحَدٌ بَنَى بُيُوتًا لَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلادَها"
هو ليأتي معه في الجهاد من ليس وراءه شيء من أمور الدنيا بدأه ولم يتمه وخو في غاية الانتظار والترقب لتمامه، فكل الحلات المذكورة هي حالات دنيوية تتعلق القلوب بها ولمَّا تتم.
هذه إشارة إلى أن التعلق بالدنيا مما قد يضاد الصدق أحيانا.
فمن تعلق قلبه بالدنيا لا يكمن أن يعطي الجهاد حقه، أي لا يمكن أن يصدق في الجهاد.
﴿طَاعَةٌۭ وَقَوْلٌۭ مَّعْرُوفٌۭ ۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا۟ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْرًۭا لَّهُمْ ٢١﴾
الذي يضاد الصدق في القتال أحد أمرين: الجبن (وهو شعبة من النقاق) والتعلق بالدنيا.
في عصرنا الآن، أكبر مشتت الذي يحول بين الإنسان والصدق حقيقة هو ضغوط الحياة المعاصرة.
لذلك وجب إخراج وتفريغ أناس من العاملين للدين من هذه الضغوط وتفريغهم لهذه الرسالة.
٥٩ - السادس: عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «البَيِّعَانِ بالخِيَار (١) مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
-
العبادات والأعمال القلبية هي من أهم العبادات التي ينبغي التفقه فيها. وعبودية القلب هي أساس عبودية الجوارح.
الإخلاص، الخشية، الرجاء، اليقين...هي عبادات تُتَعلَّم وتدرس.
فأعمال القلوب من أهم ما يدخل في قول الصحابة "تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن"
أهم محل الصدق هو القلب، ثم ينعكس ذلك على الجوارح واللسان.
﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓا۟ أَن يَقُولُوٓا۟ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا۟ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ ٣﴾
أي صدقوا بعملهم في قولهم "آمنا"، أي أنه سيظهر إن كان عملهم يصدق قولهم
باب اليقين والتوكل 2
٧٧ - الرابع: عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَقْوامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثلُ أفْئِدَةِ الطَّيرِ». رواه مسلم. (١)
قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رَقيقَةٌ.
٧٩ - السادس: عن عُمَر - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا». رواه الترمذي، (١) وَقالَ: «حديث حسن».
معناه: تَذْهبُ أَوَّلَ النَّهَارِ خِمَاصًا: أي ضَامِرَةَ البُطُونِ مِنَ الجُوعِ، وَتَرجعُ آخِرَ النَّهَارِ بِطَانًا. أَي مُمْتَلِئَةَ البُطُونِ.
الحديث 79 هو أصل في بابه.
والتوكل على درجات.
والحديث يذكر "حق التوكل".
فالعمل الواحد من أعمال القلوب يتفاوت وفيه درجات.
من صميم ما يدخل في تحقيق التوكل صدق التفويض إلى الله وصدق الاستغناء عن غيره.
اضطراب القلب لا يناقض أصل التوكل لكنه يقدح في درجته.
-
موقف النبي ﷺ عجيب، وهو موقف اجتمعت فيه المفاجءات.
فالنبي ﷺ كان مع أصحابه في غير قتال، والنبي ﷺ كان نائما.
وهذه المواقف تذهب معها المعاني وإنما يبقى ما هو في صميم القلب.
هذا من المواقف الدالة على نبوة النبي ﷺ.
فتوكله ﷺ دليل على نبوته، وكذلك عفوه ﷺ عنه بعد إذ قدر عليه هو من دلائل نبوته.
أعظم ما يعين على التفقه في العبادات القلبية هو النظر إلى أعمال النبي ﷺ المتصلة بهذه العبادة.
فالنبي ﷺ أعظم المتوكلين
صحيح البخاري - 2125
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قُلْتُ : " أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَآذَانًا صُمًّا ، وَقُلُوبًا غُلْفًا " ، تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ هِلَالٍ ، وَقَالَ سَعِيدٌ ، عَنْ هِلَالٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ ، غُلْفٌ كُلُّ شَيْءٍ فِي غِلَافٍ سَيْفٌ أَغْلَفُ ، وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا .
٧٦ - الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا، قَالَ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، قَالَهَا إِبرَاهيمُ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أُلقِيَ في النَّارِ، وَقَالَها مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالُوا: إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيْمانًا وَقَالُوا: حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكيلُ. رواه البخاري.
هذه الجملة هي دليل على التوكل.
وهي في ألفاظها مفسرة لمعنى التوكل.
أما حقيقة التوكل فهي في الأصل عمل من أعمال القلوب الذي ينعكس بعد ذلك على الجوارح.
-
٨٢ - التاسع: عن أم المُؤمنينَ أمِّ سَلَمَةَ وَاسمها هِنْدُ بنتُ أَبي أميةَ حذيفةَ المخزومية رضي الله عنها: أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ، قَالَ: «بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ أَنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» حديثٌ صحيح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحةٍ. (١) قَالَ الترمذي: «حديث حسن صحيح» وهذا لفظ أبي داود.
هذا الحديث فيه انقطاع يسير بين الشعبي وأم سلمة، فعدد من المحدثين يرى أنه لم يسمع منها. إلا أن مراسيل الشعبي فيها قوة. فهو من الأحاديث المقبول للاعتبار قبولا حسنا.
-
٨٤ - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَخَوانِ عَلَى عهد النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ أحَدُهُمَا يَأتِي النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أخَاهُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ». رواه الترمذي بإسناد صحيحٍ عَلَى شرطِ مسلم. (١)«يحترِف»: يكتسب ويتسبب.
الإسناد ذكره الترمذي قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داوو الطيالسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك.
الترمذي رحمه الله تعالى صحح هذا الحديث
-
٨٠ - السابع: عن أبي عُمَارة البراءِ بن عازب رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا فُلانُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فراشِكَ، فَقُل: اللَّهُمَّ أسْلَمتُ نَفْسي إلَيْكَ، وَوَجَّهتُ وَجْهِي إلَيْكَ، ⦗٤٧⦘ وَفَوَّضتُ أَمْري إلَيْكَ، وَأَلجأْتُ ظَهري إلَيْكَ رَغبَةً وَرَهبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلَاّ إلَيْكَ، آمنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ؛ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيلَتِكَ مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، وَإِنْ أصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيرًا» (١) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في رواية في الصحيحين، عن البراءِ، قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجِعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءكَ للصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيمَنِ، وَقُلْ ... وذَكَرَ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ».
الأذكار المتعلقة بأعمال اليوم والليلة تجد فيها من المعاني ما يعيد تعريف هذه الأعمال العادية ويربط بينها وبين حقائق عظيمة.
فالشريعة عموما كثيرا ما تعيد تعريف الأشياء تعريفات شرعية.
٨١ - الثامِنُ: عن أبي بكرٍ الصِّديق - رضي الله عنه - عبدِ اللهِ بنِ عثمان بنِ عامرِ بنِ عمر ابنِ كعب بنِ سعدِ بن تَيْم بنِ مرة (١) بن كعبِ بن لُؤَيِّ بن غالب القرشي التيمي - رضي الله عنه - وَهُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ صَحَابَةٌ - رضي الله عنهم - قَالَ: نَظَرتُ إِلَى أَقْدَامِ المُشْرِكينَ وَنَحنُ في الغَارِ وَهُمْ عَلَى رُؤُوسِنا، فقلتُ: يَا رسولَ الله، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبا بَكرٍ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
هذا التوكل من علامات نبوته ﷺ، فهذا أعلى من التصرف العادي الطبيعي حتى للرجل الشجاع.
النبي ﷺ بذل كل ما عليه من السبب فيعلمنا كيف يكون التوكل على الله حق توكله إذ لم يبق إلا الثقة بالله تعالى. #
٨٣ - العاشر: عن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ - يَعْني: إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ: بِسمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلَاّ باللهِ، يُقالُ لَهُ: هُدِيتَ ⦗٤٨⦘ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى (١) عَنْهُ الشَّيطَانُ». رواه أبو داود والترمذي والنسائي (٢) وغيرهم. وَقالَ الترمذي: «حديث حسن»، زاد أبو داود: «فيقول - يعني: الشيطان - لِشيطان آخر: كَيفَ لَكَ بِرجلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟».
هذا حديث معلول نبه إليها بعض الحفاظ الكبار كالبخاري. فيه انقطاع بين ابن جريج وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة.
باب التوبة
١٣ - وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سمعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «واللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إِلَيْه فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». رواه البخاري.
١٤ - وعن الأَغَرِّ بنِ يسار المزنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإنِّي أتُوبُ فِي اليَوْمِ مِائةَ مَرَّةٍ». رواه مسلم.
هذا الحديثان يبينان شيئا من الهدي العملي اليومي للنبي ﷺ.
النبي ﷺ كان قدوة عملية بين أصحابه. فكيف يكون مقدار وطبيعة اقتداء من كان مع النبي ﷺ ويشاهد فعله وهديه.
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ١٠١﴾
لذلك فالذين عاشوا مع النبي ﷺ أدركوا شيئا من الفقه لم يدركها ما جاء بعدهم.
عن أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد رضي الله عنه قال: رَأَيتُ شَيخًا بالأهْوازِ يُصلِّي العَصرَ ولِجامُ دابَّتِه في يدِه، فجَعَلَتْ تَتأخَّرُ وجَعَلَ يَنكِصُ معها، ورَجُلٌ قاعدٌ مِن الخَوارجِ يَسُبُّه، فلمّا صَلّى قال: إنِّي قد سَمِعتُ مَقالتَكم، غَزَوتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ستَّ غَزَواتٍ أو سَبعَ غَزَواتٍ، فشَهِدتُ أمْرَه وتَيسيرَه، فكنتُ أرجِعُ معي دابَّتي أحبُّ إليَّ مِن أنْ أدَعَها، فتَأتيَ مَألَفَها فيَشُقَّ عليَّ، قال: قُلتُ: كم صَلّى؟ قال: رَكعتَينِ، قال: وإذا هو أبو بَرْزةَ.
انظر إلى الفرق بين الخارجي وبين الصحابي الذي صحب النبي ﷺ ففقه ما لا يفقهه من لم تكن له صحبة ومخالطة للنبي ﷺ.
فبصحبة أبي زرعة للنبي ﷺ فإنه رأى وأخذ هديا شموليا يعرف به ما كان ليفعله النبي ﷺ لو كان في موقفه. ففعل ما فعل بدابته وهو في صلاته، عالما أنه لو رآه النبي ﷺ في تلك الحال ما أنكر عليه إذ هو أقرب من معنى التيسير الذي شهده في فعل النبي ﷺ.
أفعال النبي ﷺ مركزية وجوهرية في الاستهداء.
الدين لا يؤخذ بمجرد الاقتصار على استخلاصات العلماء ومتونهم التي تجمع الفقه وترتبه وتضبطه حتى تسهل الاستفادة منه وحفظه والعمل به.
لكن من النقص أن تصير حاجزا بينك وبين الهدي النبوي والنظر في أفعاله ﷺ والعيش مع هديه ﷺ.
ومن تربى على الجانب الأول فقط يؤدي إلى خلل في النتيجة التي يصل إليها.
-
العلم ليس مجرد معلومات تحشد وتجمع، بل لا بد أن تقتدي وتأخذ أدبا وهديا من النبي ﷺ أولا ومن خلال مخالطة من يعلمك ويربيك
لماذا كان النبي ﷺ يستغفر هذا العدد في اليوم؟
وهذا السؤال يفتح باب أنواع النيات في العبادة الواحدة.
والذي يفقه هذا الباب فإنه يفقه بابا من أجمل وأزكى وأحلى أبواب التعبد والتقرب إلى الله.
مثلا، ما المقصد من التسبيح؟
أحيانا يكون تعظيما وأحيانا يكون تنزيها.
والذي يستحضر في القلب يختلف بحسب المقصد المطلوب.
-
الاستغفار:
قد يستحضر أثناء الاستغفار الذنوب
وقد يكون الاستغفار من حال ماضية تاب منها المرء.
قد يكون الاستغفار من التقصير في الطاعة، وإن لم يكن سبب التقصير ذنب يأثم عليه الإنسان. أي تستغفر لنقص الكمال.
قد يكون الاستغفار لاستحضار عظمة الله وجلاله وما ينبغي له سبحانه وتعالى، وفي المقابل يستحضر. نقص الإنسان وضعفه وأنه مهما فعل فإنه لا يؤدي.
يكون الاستغفار لأن المسلم يتحرى الأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه وتعالى.
-
١٩ - ...كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ (١): يَا مُحَمَّدُ، فأجابهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَحْوًا مِنْ صَوْتِه: «هَاؤُمْ (٢)» فقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ (٣)! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا! فقالَ: والله لَا أغْضُضُ. قَالَ الأعرَابيُّ: المَرْءُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ». فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَابًا مِنَ المَغْرِبِ مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عامًا - قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ: قِبَلَ الشَّامِ - خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحًا للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ. رواه الترمذي وغيره، (٤) وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
كل أجوبة الصحابي رضي الله عنه كانت بصيغة "كنا مع رسول الله ﷺ..."، فنرى أهمية الهدي العملي الذي استفاده الصحابة من صحبة النبي ﷺ، والذي اختصوا به. وإنما سبيلنا لإدراك شيء منه عبر عنايتنا بالأحاديث والروايات.
الذي يسأل هو التابعي وهو قريب من زمن النبي ومع ذلك فإننا نرى الفرق الواضح بين من صاحب وخالط وعاشر النبي ﷺ في حياته، وبين من لم يحظ بتلك النعمة.
علاقة المؤمن بالملائكة، وعلاقة طالب العلم خاصة بالملائكة.
ففي نفس عالم الشهادة الذي نعيش فيه، فمن ورائه مساحات من الغيب هائلة. وعالم الغيب هو عالم مرتبط بالإنسان وليس عالما مستقل.
هذا الحديث عده بعض الصحابة وبعض العلماء من أرجى الأحاديث.
فالمرء بصدق محبته للنبي ﷺ وللصالحين فقد يبلغ من المنازل في الآخرة ما لا يبلغه إياه عمله.
إياك أن تتكل وتعتمد وتراهن على عملك، اعلم أن المحبة شرط أساس وأنها رياح حاملة ومبلغة للإنسان يقطع بها درجات ويختصر بها مسافات
١٥ - وعن أبي حمزةَ أَنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ - خادِمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ (١)». مُتَّفَقٌ عليه. (٢) ⦗١٥⦘
وفي رواية لمُسْلمٍ: «للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا (٣)، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ».
وصف "خادم" هو شرف فات كل من جاء بعد النبي ﷺ.
فكيف نعامل الصحابة كأنهم مثلنا ونحن مثلهم؟! وهم أدركوا من المنازل لا تدرك بعدهم.
الله تعالى يفرح بتوبة عبده إذ وافق الغاية التي من أجلها خُلق وعاد وتحرر من أسر عدوه منيبا إلى الله تعالى.
والله تعالى هو الغني إلا أنه هو الرحمن الرؤوف الودود يحب عباده المؤمنين التوابين.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٣١]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٣]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا﴾ [التحريم: ٨].
الأوصاف والقيود التي تأتي بعد الأعمال مهمة جدا.
فالشريعة كما أتت بأساس التكليف فقد أتت بحدود التكليف.
فالله تعالى عندما أمرنا بالتوبة فإنه تعالى يحب منا أن نراعي ما حدده في هذه التوبة.
"التوبة النصوح"
من لوازمها ومقتضاها عدم الرجوع إلى الذنب أصلا، أو على الأقل العزم الصادق على عدم الرجوع إلى الذنب.
١٦ - وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها». رواه مسلم.
١٧ - وعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ». رواه مسلم.
١٨ - وعن أبي عبد الرحمان عبد الله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الله - عز وجل - يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (١)». رواه الترمذي، (٢) وَقالَ: «حديث حسن».
الله سبحانه وتعالى رحيم وقد فتح باب التوبة على مصراعية، يستقبل التائب مهما كان مذنبا عاصيا مقصرا.
هو باب عنوانه "من تاب تاب الله عليه".
لكن هذا الباب له أمد يغلق بعده.
وهذا الأمد أمد عام وهو طلوع الشمس من مغربها، وأمد خاص وهو حياة المرء.
وهذا ينبغي أن يشغل بال كل مسلم، عليك أن تدرك أن هناك بابا مفتوحا أمامك قد يغلق في أي لحظة باعتبار أنك قد تموت في أي لحظة.
فتعريف الحياة بأنها فرصة مهم بالنسبة للإنسان المؤمن.
قال الإمام النووي رحمه الله: "وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ والسُّنَّةِ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ"
قد يغفل المسلم أن التوبة واجبة، أي أن هناك تكليف شرعي هو "التوبة".
فالإنسان حين يتوب، يكون قد لقي الله بذنبين، الذنب الذي استوجب التوبة وذنب عدم التوبة منه.
فالوقوع في الذنب شيء والاستمرار فيه وعدم الإقلاع عنه شيء آخر، وأحيانا الثاني سكون أعظم جرما عند الله تعالى.
فالوقوع في الذنب قد يكون بسبب غلبة نفس في مرة من المرات، وهذا من حيث الطبيعة البشرية متصور ومفهوم وإن كان ذنبا. لكن أن تضل دون توبة على ما فعلت فهذا غير مفهوم باعتبارك مسلما مؤمنا باليوم الآخر.
باب التوبة 2
٢١ - حديث كعب بن مالك وتخلُّفه عن غزوة تبوك
كعب بن مالك من أعظم شعراء الصحابة بعد حسان مباشرة
من أهم ما يعرف به هدي النبي ﷺ هو هذه القصص التي فيها تفاصيل ووصف لأحوال النبي ﷺ مع أصحابه ومحاوراته ﷺ معهم ...
-
-
حسن تدبير النبي ﷺ وضرورة الحذر من الأعداء وعدم الغفلة.
من عادة النبي ﷺ أنه مان يوري عن خروجه في غزواته ﷺ، لكن في غزوة تبوك تحديدا لم يور النبي ﷺ وإنما أظهر الوجهة بشكل صريح لاستثنائة هذه المعركة. فالوضع يحتاج إلى استعداد والحر شديد.
الابتلاء بالنفس المسوفة غالبا ما يكون بسبب ما كسبه الإنسان من الذنوب والمعاصي. وأحيانا يكون من الشيطان.
بعض الطاعنين يأتي بالآيات التي في المنافقين ويشعرك كأنه لا وجود للصحابة وأنهم كلهم منافقين إلا القلة القليلة. وهذه وسيلة من وسائل التشكيك المعهودة عند الطاعنين.
كلام كعب بن مالك فيه رد على هذه الشبهة: "...فَطَفِقْتُ إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْزُنُنِي أنِّي لا أرَى لي أُسْوَةً، إلاّ رَجُلًا مَغْمُوصًا (١) عَلَيْهِ في النِّفَاقِ، أوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الضُّعَفَاءِ..."
استخلف النبي ﷺ عليا بن أبي طالب، وهنا قال له "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"
النبي ﷺ ما سأل عن كعب إلا بعد ما افتقده وما افتقده إلا بعد أن رأى جميع من كان حاضرا معه.
وهو ﷺ سأل عنه باسمه. وهذا كعب رضي الله عنه ليس بمنزلة الأعلام من الصحابة.
طبيعة تعامل النبي ﷺ مع الصحابة مختلفة كثيرا جدا عن تعامل كثير ممن يدرس العلوم الشرعية ويدرس الطلاب.
فالنبي ﷺ يعرفهم ويعرف أحوالهم ويتفقدهم وينتبه إليهم ويعرف خصائصهم.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ والنَّظَرُ في عِطْفَيْهِ (٢). فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه: بِئْسَ مَا قُلْتَ! واللهِ يا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلَاّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم.
الأول أقرب لوصف واقع كعب وحاله، لكن معاذا أصوب في تصرفه.
وما فعله معاذ هو المنهج في التعامل مع الناس. فقوله رضي الله عنه "ما علمنا عنه إلا خيرا" هذه أهم قاعدة في إحسان الظن بالمسلمين
-
حتى وإن ارتفع اللبس وثبتت التهمة وأنه أخطأ، بدون إصرار واستمرار واستهتار...
هنا أيضا مبدأ الحكم بمجموع الحال هو مبدأ شرعي.
ومبدأ استحضار الحسنة العظيمة في مقابل بعض الزلات التي قد تحدث.
-
استجاب الصحابة لأمر النبي ﷺ بهجرانهم وعدم مكالمتهم وآثروا الامتثال على كل المقتضيات النفسية، الأخوية...
وهذه صورة واضحة لأثر تربية النبي ﷺ للصحابة الكرام.
كان النبي ﷺ يتعامل مع المنافقين على ظاهرهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، طالما لم يظهروا العداء ولم يقترفوا شيئا يثبت عليهم شرعا.
وإن كان النبي ﷺ يعرف أكثرهم.
نستفيد من هذا أنه ليس كل من كان فيه شيء من الشر والسوء يتعامل معه بحزم وشدة. طالما أنه لم يفعل ما يستوجب العقوبة شرعا
-
كعب رضي الله عنه يقول " إنّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى الله - عز وجل" والنبي ﷺ يقول "قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فيكَ"
-
-
قول كعب رضي الله "حَتَّى تَنَكَّرَتْ لي في نَفْسي الأَرْض"
يفهم أن المعنى الأساس الذي كانوا يعيشون من أجله هو خدمة الإسلام والنبي ﷺ.
فلما هجرهم النبي ﷺ وأمر بهجرهم كأن حجبوا عن هذا الذي يعيشون من أجله، انتهى كل شيء بالنسبة لهم.
بخلاف من يعيش لمعاني دنيوية كثيرة، ولا يأخذ الدين إلا حيزا صغيرا من عمره.
السوية النفسية لبيئة الصحابة رضوان الله عليهم.
ما كانوا يتشفون بذنب من أذنب ولا خطإ من أخطأ.
الكل يريد أن يبشر كعب بن مالك، فالناس ما بين صارخ وما بين فارس يركض بفرسه. الكل ليبشروا كعبا بالفرج.
"وَانْطَلَقْتُ أتَأمَّمُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهنِّئونَني بالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِي: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ"
النبي ﷺ دائما حوله الناس ومعه الناس.
إلى أن قالت حفصة رضي الله عنها "فلما حطمه الناس صار يصلي جالسا".
هذا رسول الله ﷺ كان دائما معه الناس، يعلمهم، يوجههم، يربيهم...
"فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور"
الذي حفظ لنا ليس فقط قول النبي ﷺ، بل حتى تأثير كلامه ومشاعره على ملامحه ووجهه ﷺ.
وكان الصحابة خبيرين بملامح وجهه ﷺ.
«أبْشِرْ بِخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»
مع أن كعبا رضي الله عنه بايع وجاهد وصبر وثبت ونصر، لكن يبقى اليوم الذي تاب الله عليه فيه هو خير يوم مر عليه مذ ولدته أمه.
لهذا أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث في باب التوبة وبيان فضلها وقيمتها.
أهميتها بكونها فعلا من العبر، وأهميتها وقيمتها من حيث كونها قبولا من الله لهذا الفعل من العبد.
خلاصة قصة كعب بن مالك أنه صدق فنجى.
فمنزلة الصدق عنده أعلى بمن لم يذق ما ذاقه وما ظفر به بعد أن صدق.
من أعظم ثمرات للذي يعيش مقتديا بأحوال الأنبياء في سبيل الدعوة والتضحية للدين والتحمل... يكون للآيات القرآنية عليه وقع أكثر من غيره ممن لم يعش هذه الأحوال.
القرآن فسيح في معانيه فإذا لم تكن حياتك فسيحة بقدر هذه السعة في المعاني التي تناولها القرآن فستظل مساحات كثيرة من القرآن لا تتماس معك.
٢٠ - حديث القاتل المئة نفس...فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ. فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا، مُقْبِلًا بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى، وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ: إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ - أيْ حَكَمًا - فقالَ: قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ». مُتَّفَقٌ عليه.
أهمية القصص وأن النبي ﷺ كان يخاطب أصحابه بالقصص، وكان لها أثر كبير على الصحابة رضوان الله عليهم.
والقصة لا تنسى من حيث مشهدها العام. وحتى بعض القصص القرآنية يكون فيها قدرا من الاختصار فيأتي النبي ﷺ فيذكر قدرا أكبر من التفاصيل، كما هو الحال في قصة موسى عليه السلام مع الخضر.
-
فضل العلم ومنزلته واحتياج الناس في مختلف أحوالهم إلى العالم، وأن وجود العالم أهدى وأكثر خيرا وبركة من وجود العابد.
من أهم سبل التعامل مع المذنبين والعصاة هو فتح باب الأمل، وأن العاصي والمذنب متى ما رأى أبواب التوبة مغلقة دونه فإنه في الغالب يزيد شره.
على الإنسان أن يعلم أن هناك أمل وهذا الأمل يكون بحقيقة الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
خطورة الفتيا والقول على الله بلا علم.
والإنسان لا يتكلم في الدين بعاطفته وإن كان يتغيى الخير ومصلحة الدين.
فتقدير المصلحة لا يكون بمجرد الاستحسان الشخصي والنفسي ولو كنت عابدا.
الفتيا في الدين مبنية على ما أنزله الله تعالى من الأمر والنهي لا على ما تتوقعه أو تستحسنه.
-
٢٢ - وَعَنْ أبي نُجَيد - بضَمِّ النُّونِ وفتحِ الجيم - عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزَاعِيِّ رضي الله عنهما: أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فقالتْ: يَا رسولَ الله، أصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَليَّها، فقالَ: «أَحْسِنْ (١) إِلَيْهَا، فإذا وَضَعَتْ فَأْتِني» فَفَعَلَ فَأَمَرَ بهَا نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. فقالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله وَقَدْ زَنَتْ؟ قَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بنفْسِها لله - عز وجل؟!». رواه مسلم.
يبين هذا الحديث طبيعة المجتمع المسلم، وأن هذا المجتمع لا يخلو من الأخطاء ويبين كيف نتعامل مع الأخطاء بالنظر إلى تعامل النبي ﷺ معها.
وفقه التعامل مع الخطأ من الأمور المهمة التي ينبغي الاعتناء بها.
فقد يكون سوء التعامل مع الخطأ سببا في نقد كل الصواب.
-
على القائمين على التربية ومن لهم تعامل مع الناس وسياسة لهم أن يحسنوا التعامل مع الخطأ كما يحسنون التعامل مع الصواب.
-
التعامل مع الأخطاء لا يكون بمجرد الوسيلة بل كذلك من حيث المبدأ.
هل المبدأ هو التشديد أم التيسير؟
هل المبدأ هو العفو أن المحاسبة؟
متى يحاسب المسلم على خطئه ومتى يعفى عنه؟
هل نوع التعامل مرتبط بطبيعة الذنب؟ أم بطبيعة الشخص؟ أم بطبيعة المرحلة؟
هل هناك إنذار مسبق أم لا؟
ما آثار الخطإ ودرجتها؟
التولي يوم أحد أم التخلف يوم تبوك، أيهما أشد؟
في ذات الذنب التولي يوم أحد أشد لما ورد من النصوص في عقاب التولي يوم الزحف، وهذا الفرار تسبب في قتل عدد من المسلمين وأذية النبي ﷺ.
على عظم هذا الخطإ فقد كان التعامل معه في القرآن بالعفو التام، وحتى العتاب الذي أنزله الله في القرآن كان بلطف.
في حين كان التعامل مع من تخلف يوم تبوك أشد، مع أن تخلفهم لا يغير شيء في الميزان العسكري وأن من تخلف ليسوا من رؤوس الجيش.
لماذا؟
هل يمكن أن يقال أن الأمر اختلف بسبب اختلاف المرحلة؟ فأحد في البدايات وتبوك بعد ما استقرت الأمور.
فالأمة في أحد لا زالت في مراحل النشأة والبناء فكانت تحتاج إلى قدر من العفو مع العتاب طبعا.
﴿فَأَثَـٰبَكُمْ غَمًّۢا بِغَمٍّۢ﴾
كان هذا من العقوبات الإلهية في يوم أحد.
وفسره المفسرون، قيل: "كما غممتم النبي ﷺ بانسحابكم فأثابكم الله غما، فجازاكم على غمكم إياه بأن أصابكم الغم".
ولا شعور أكثر إيلاما في أن تكون سببا في جرح النبي ﷺ واختلال الصفوف.
فهذا الشعور بالندم وصل إلى أعلى حالاته نظرا لآثار خطئهم.
لا مساحة اجتهادية في التعامل مع الذنوب الموجبة للحدود الثابتة نصا، إذا وصلت إلى الإمام الشرعي الذي يقيم الحدود على الناس.
السياقات الدعوية والبنائية والإصلاحية هي في أمس الحاجة لفقه التعامل مع الخطإ كما هي بحاجة إلى فقه التعامل مع الصواب وبنائه والقيام عليه.
وتزداد الحاجة إلى فقه التعامل مع الخطأ في زمن وسياق يكثر فيه الفساد والشر ويقل فيها الصواب والإصلاح، فتتسع مساحات الخطأ.
والنبي ﷺ كان حريصا جدا على أن لا ينفر الناس عن الدين
لاشك أن باب تطبيق الحدود من أهم صور تطبيق الشريعة، لكن ينبغي فهم معناها وموقعها في شريعة الله تعالى.
انظر كيف وصف النبي ﷺ هذه الصحابية ولخص فعلها في عبارة "جَادَتْ بنفْسِها لله".
فمجيؤها لإزهاق روحها اعتبر في ميزان النبي ﷺ في مرتبة من جاهد في سبيل الله فمات، فيكون قد جاد بنفسه لله.
فمعنى إقامة الحدود في الشريعة لا ينبغي أن ينظر إليه أنه انتقام وتشفي في من وقع في الخطإ ورغبة في الانتقام منهم.
فمن جملة المقاصد الكبرى التي فيها هو مقصد التطهير من الذنب
٢٣ - وعن ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ أنَّ لابنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أحَبَّ أَنْ يكُونَ لَهُ وَادِيانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلَاّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ». مُتَّفَقٌ عليه.
-
في القرآن والسنة نصوص كثيرة تبين حقائق النفس البشرية وتجليها بدقة.
وهذا الحديث يبين أن الإنسان لا يقنع ولايرضى ويحب الاستكثار بطبعه، فه هكذا.
لكن الوحي يبين للإنسان كيف يخرج من دائرة العبودية لهذه الأهواء وكيف يتعامل معها.
بل إن مقصد الشريعة الأعظم هو إخراج الناس من عبادة أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله خالصين.
والعدو الأساسي لعبودية الله تعالى
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ﴾
من أكثر ما يسهل على الإنسان الامتثال لله تعالى هو أن يضع الموت نصب عينيه.
كلما كان الإنسان مستحضرا للموت وللآخرة، سهل عليه أن يتخلص من هواه، وسهل عليه التكليف.
لذلك أهم ما يفعله الشيطان أن ينسي هذه الحقيقة وعلى الأقل يجعلها تبدو بعيدة
﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾
-
٢٤ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَضْحَكُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتلُ أَحَدهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتلِ فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ». مُتَّفَقٌ عليه.
-
-
باب المراقبة
هذا الحديث قال فيه القرطبي رحمه الله تعالى أنه يصح أن يلقب بأم السنة النبوية، ووصفه العلماء بأنه أصل من أصول الإسلام.
فهذا الحديث مدرسة.
"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
ذكر بعض العلماء أن المقام الأول كأنه مقام رغبة والمقام الثاني كأنه مقام رهبة.
-
الحديث عن الساعة وأشراطها هو من الدين وأبواب العلم التي ينبغي العناية بها دون الغلو فيها.
ومن شدة عناية النبي ﷺ بهذا الباب أنه قام فيهم مرة من الفجر إلى المغرب وهو يحدثم عن ما سيكون ﷺ.
تفسير أن تلد الأمة ربتها قيل أنها علامة على اختلال الموازين، فمن شدة عقوق الأبناء لآبائهم فكأن الأم تلد سيدها أو ربتها لا ابنها أو بنتها.
وهذا التفسير منسجم مع سياق ذكر علامات الساعة الأخرى التي فيها كلها اختلالا للموازين والله أعلم.
فالعلامة التي بعدها هي تطاول العراة الحفاة رعاء الشاة في البنيان.
وإذا رأيت هذه العلامات في زمن فلا ينبغي التعامل معه على أنه أي زمن، فلا تن ممن يصدق فيهم قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍۢ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ١٠٥﴾
فهي علامات إذا رأيتها فاعلم أن الساعة اقتربت.
هل يفهم من علامات الساعة ذما أم لا؟
كثيرا ما يراد بها الذم لكنهما غير متلازمين.
هل يؤخذ منها أحكام أم أنها مجرد أخبار؟ هل يؤخذ منها توجيه في العمل؟
قوله ﷺ "...موتي ثم قتح بيت المقدس" هل فيه حث على فتح بيت المقدس؟
-
٦٧ - الثامن: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». حديث حسن رواه الترمذي وغيرُه.
-
-
قال ابن حجر: "هذا الحديث أصل من أصول الأدب"
وقال أيضا "فإذا ترك ما لا يعنيه وأتى يما يعنيه كمل إسلامه"
من أهم وأعظم ما ينفع في الآخرة هو مضاغفة الحسنات، ومن أهم الأسباب التي بها تضاعف الحسنات هو أن يحسن المرء إسلامه.
-
حسن الإسلام = إقبال على الخير واجتناب الذنوب والمعاصي ويحقق التقوى ويواظب على الخير ويضحي من الدنيا حبا للآخرة.
٦٦ - عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ , عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ "
رواه الترمذي وقال حديث حسن
هذا حديث ضعيف الإسناد، وقول الترمذي "حسن" معناه أنه لا يرى أن "أَبِو بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ" ثقة، وهو من الضعفاء المشهورين.
واختلف فيه هل هو ضعيف (فلا تعارض مع قول الترمذي "حسن") أم أنه متروك (وهذا يعارض قول الترمذي "حسن").
لو كان الراوي متروكا لقال فيه الترمذي أنه حديث "غريب"، وهذا اصطلاح الترمذي رحمه الله. فأضعف الأحاديث عند الترمذي يقول فيها "حديث غريب"
قال ابن عدي في أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: "الغالب على حديثه الغرائب (تعليل بالغريب) وقلَّ ما يوافقه عليه الثقات، وأحاديثه صالحة وهو ممن لا يحتج بحديثه ولكن يكتب حديثه"
وهذا هو المعنى الذي يقصده الترمذي من خلال قوله "حديث حسن".
الترمذي إمام، وكتابه ثمين جدا.
وله تعليقات مهمة للغاية، وتعليقاته في بيان حكم الحديث وكذلك بيان معناه وأيضا بيان مذاهب العلماء
قال الترمذي تعليقا على هذا الحديث:
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مَنْ دَانَ نَفْسَهُ يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ القِيَامَةِ " وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا
محاسبة النفس من أهم الأعمال التي تقود إلى إعمال الخير الأخرى. #
وكثير من الأعمال التزكوية تقوم على المحاسبة.
محاسبة النفس من علامات الخير.
قالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}
وَقالَ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم} (٣) [الحديد:٤]، وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}
الله مع العباد أينما كانوا وهي معية لجميع العباد.
والمعية نوعان:
معية إحاطة وتدبير وهي أن الله يراه على جميع أحواله وأن الله محيط به ويعلم كل أحواله الظاهرة والباطنة، وهذا المعنى من أهم م ينبغي أن يربى عليه الإنسان المؤمن. وملاحظة هذا المعنى من أهم أسباب دخول الجنة وأهم ما يحول بين المرء والجرأة على محارم الله.
من أهم ما يدخل في المراقبة أن تستحضر هذا المعنى وقت العبادة: قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: ٢١٩ - ٢٢٠]،
باب اليقين والتوكل
٧٤ - فالأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأيْتُ النَّبيَّ ومَعَهُ الرُّهَيطُ، والنبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، والنبيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فقيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَومُهُ، ولكنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرتُ فَإِذا سَوادٌ عَظِيمٌ، فقيلَ لي: انْظُرْ إِلَى الأفُقِ الآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظيمٌ، فقيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ (١) ألفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ»، ثُمَّ نَهَضَ فَدخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ في أُولئكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمْ الَّذينَ صَحِبوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقالَ بعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا في الإِسْلامِ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِالله شَيئًا - وذَكَرُوا أشيَاءَ - فَخَرجَ عَلَيْهِمْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟» فَأَخْبَرُوهُ، فقالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ (٢)، ⦗٤٥⦘ وَلا يَسْتَرقُونَ (٣)، وَلا يَتَطَيَّرُونَ (٤)؛ وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُون» فقامَ عُكَّاشَةُ ابنُ محصنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلني مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أنْتَ مِنْهُمْ» ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
-
لفظ "لا يرقون" غير صحيح كما قال ابن تيمية، فالنبي ﷺ كان يرقي، وهو سبب من أسباب الإحسان إلى الناس ولا يمكن أن يكون الإحسان سببا في التأخير عن هذه المنزلة.
-
التطير هو التشاؤم.
اختلف في معنى يسترقون هل هم الذين يطلبون الرقية أم الذين يستعملونها.
وهل نفي الرقية هو نفي رقى معينة فيها إشكال أو شرك... أم هو نفي لكل الرقى؟
فإن قلنا أن المقصود هو الرقى عموما فيصير المذموم هو جانب طلب الناس والاسترقاء صورة من صور طلب الناس.
ونفي الاكتواء هل المقصود نفي التداوي مطلقا توكلا على الله؟ أم المقصود نفي صور معينة من التداوي توكلا على الله؟
فمن قال أنه نفي لصور معينة قال لأن الاكتواء هو تعذيب من من عذاب الله. وورد النهي عن الكي كراهة والنبي ﷺ لم يستعمل الكي في نفسه وإن رخص فيه.
هذا الأسلوب هو إما تمثيل لأمر كبير أو هو بيان لأمور محصورة بعينها.
والذي يبدو والله أعلم أنها ليست للحصر بل المقصود هو المعنى.
وأهم مقصد من هذه الجملة هو في تحقيق التوكل وتجنب ما يضاده ويخدشه.
هذا الحديث فيه بيان لفضل التوكل على الله وفضل الاستغناء عن الناس وعدم الافتقار إليهم.
فالمذموم من سؤال الناس هو ما كان فيه تذلل وانكسار وافتقار.
أما السؤال العادي فلا يدخل في هذا، واستدلوا بقول النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: "ناوليني الخمرة"
جامع الترمذي - 2437
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ ، قَال : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِهِ " , قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
الصالحون على مر الزمن يجمعهم منطق واحد: إذا بشروا فإنهم يزدادون عملا وعبادة وشكرا لله تعالى.
هذه قاعدة لا يفهمها البطالون.
عُكَّاشة رضي الله عنه من أهل بدر وشهد المشاهد مع النبي ﷺ.
وكان من أوائل المجاهدين في حروب الردة التي استشهد فيها.
٧٥ - الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ أعُوذُ بعزَّتِكَ؛ لَا إلهَ إلَاّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، (١) وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري.
أدعية الأنبياء عموما والنبي ﷺ خصوصا هي سبب من أسباب التفقه في العبودية لله تعالى وهذا من أعظم أبوبا الفقه في الدين.
فلا نغفل عن هذه الأدعية العظيمة
دعاء الفاتحة مقدماته الحمد، أعظم موضع للدعاء في الصلاة هو السجود ومقدمته الحمد بعد الرفع من الركوع...
فكل دعاء له مقدماته التي بها تتذكر وتستجلب الخشوع وحضور القلب قبل المسألة.
-
الإنسان المؤمن الموقن المتوكل على الله تعالى، يزداد حسن ظنه بالله تعالى عند اشتداد الأزمات. في حين أن اشتداد الأزمات لغيره هو سبب لسوء الظن بالله.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ ⦗٤٤⦘ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَاّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}
في حين أن المنافقين قالوا في نفس الموضع ﴿وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌۭ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورًۭا ١٢﴾
-
-
باب المراقبة 2
٦١ - الثاني: عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمانِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه الترمذي، (١) وَقالَ: «حديث حسن».
(١) أخرجه: الترمذي (١٩٨٧) عن أبي ذر ومعاذ. وقال: «حديث حسن صحيح».
الحسن عند التمرذي:
أن يروى من غير وجه عن النبي ﷺ
أن لا يكون شاذا
أن لا يكون في إسناده متهما.
أما إذا كان في إسناده راو فيه ضعف أو انقطاع فهذا لا يعارض قول الترمذي "حسن"
شرح ابن رجب للأربعين النووية - جامع العلوم والحكم.
(تحقيق الشيخ كارق عوض الله)
تكلم عن صحة الأحاديث في الأربعين النووية، ومن جملة الأحاديث التي تكلم عنها، هذا الحديث.
الحديث عن ميمون عن أبي ذر، وذكر أبو حاتم الرازي أن ميمون م يسمع من أبي ذر، فيكون الإسناد فيه انقطاع.
هذا لا يعني عدم الاستشهاد به ولا عدم ذكره من جهة الفوائد.
-
٦٢ - الثالث: عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كنت خلف النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فَقَالَ: «يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ...
هذا الحديث يدخل في قول جندب رضي الله عنه "فتعلمنا الإيمان".
وفيه ربط للغلام بالله سبحانه وتعالى سؤالا واستعانة واستمدادا وتوكلا ويؤمن إيمانا تاما بالقدر وبأن الله تعالى هو الذي بيده النفع والضر
-
-
٦٣ - الرابع: عن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالًا هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المُوبِقاتِ. رواه البخاري.
الحالة العامة للناس وزمانهم تؤثر في معيار النظر إلى الذنوب والمعاصي من جهة استصغارها أو تعظيمها.
والصحابة شهدوا التغير في هذه المعايير خاصة من طال به العمر بعد النبي ﷺ
انتشار ذنب ما وقلة الحساسية تجاهه لا تغير من حقيقته وعظمه، إنما قد يتغير فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
من أعظم الأمور التي تجعل الذنوب في أعين الناس صغيرة هو ترك إنكار المنكرات.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم صمامات الأمان لهذه الأمة.
٦٤ - الخامس: عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الله تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيرَةُ الله تَعَالَى، أَنْ يَأتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ الله عَلَيهِ (١)» متفق عَلَيهِ.
الله تعالى يريد منا أن نحافه سبحانه وتعالى : فَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ
ومعرفة الله تعالى تقود إلى بابين عظيمين: باب الخوف والخشية وباب المحبة والرجاء.
-