Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
كتاب الإيمان - صحيح البخاري, وَقَوْلُِ (٣) النَّبِيِّ ﷺ: "بُنِيَ…
كتاب الإيمان - صحيح البخاري
وَقَوْلُِ (٣) النَّبِيِّ ﷺ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ". وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ (٤) وَيَزِيدُ (٥) وَيَنْقُصُ، قَالَ (٦) اللَّهُ تَعَالَى (٧): ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ (٨) ﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (٩)، ﴿وَيَزِيدُ (٥) اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ (١٠)، ﴿(١١) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ (١٢)، ﴿وَيَزْدَادَ (١٣) الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ (١٤)، وَقَوْلُهُ: ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ (١)، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ (٢)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَ (٣) مَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (٤)، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إِنَّ لِلْإِيمَانِ (٥) فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ.
الآيات والآثار المذكورة هي استدلال على قوله "الإيمان قول وفعل يزيد وينقص"
الإمام البخاري لم يذكر "الاعتقاد" صراحة.
لعل ذلك يرجع إلى أن الاعتقاد داخل في قول القلب.
فالقول والفعل كل منهما ينقسم إلى قسمين:
قول القلب وقول اللسان
عمل القلب وعمل اللسان
حقيقة الإيمان على أنه قول وعمل هو إجماع بين أصحاب رسول الله ﷺ والسلف المتقدمين من القرنين الأولين الهجريين.
الإمام ابن رجب في فتح الباري ذكر إجماع السلف أن الإيمان قول وعمل
فتح الباري لابن حجر هو الأشهر
فتح الباري لابن رجب لم يكتمل
الأقوال في الإيمان
من يقول أن الإيمان اعتقاد فقط
يحصرون الإيمان في عمل القلب فقط
من يقول أن الإيمان هو اعتقاد وقول
من يقول أن الإيمان اعتقاد قول وعمل
وهذا هو قول الصحابة وأهل السنة
حقيقة الإيمان يترتب عليها أشياء كثير وخطرة، من أهمها قضية الكفر.
بم يكفر الإنسان ومتى يكفر؟
من يقول أن الإيمان هو التصديق معناه أن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب
من يخرج العمل من الإيمان معناه أن الإنسان لا يكفر بالعمل، وحتى الاعمال التي أجمعت الأمة على أنها كفر كالسجود للصنم مثلا فهي عند هؤلاء دلالة على الكفر الذي في القلب وليست هي كفر بعينها.
انتشرت نقالة الإرجاء في أزمنة كثيرة من تاريخ الأمة الإسلامية، ولا يزال إلى اليوم منتشرا.
فتسمع من يعلق أعمال الكفر الصريحة بالاستحلال.
فلا يكفر بهذا العمل إلا بأن يجحد بقلبه وجوب أو تحريم هذا العمل
محور الخطأ والأصل الذي قامت عليه البدع في باب الإيمان هو القول بأن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ فإما أن يثبت كله أو يذهب كله.
الخلاف في الإيمان هو من أول الخلاف الذي وقع في هذه الأمة وترتب عليه سفك الدماء.
فالوعيدية يقولون: إذا ذهب بعضه ذهب كله
والمرجئة قالوا أنه إذا أتى فإنما يأتي كله ولا يؤثر عليه إلا الجحود واجتثاته من أصله. ولو فعل الأمر ما فعل فلا ينقص إيمانه، ويبقى إيمانه كإيمان الرسل والصديقين.
مسائل العقيدة الكبرى لا تجد الصحابة اختلفوا فيها البتة فلم يختلفوا في باب الأسماء والصفات ولا في باب الإيمان ولا في باب القدر...
هذه الآيات أدلة صريحة على أن الإيمان ليس شيئا واحدا وإنما هو يزيد وينقص.
وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الأعمال الشريفة وهو من الْإِيمَانِ
كلام الإمام عمر بن عبد العزيز يشير صراحة إلى أن العمل من الإيمان.
٣٧ - بَابُ (١) خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ (٢) أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذَّبًا (٣).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ (٤): مَا خَافَهُ (٥) إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ (٦) وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ (٧) تَعَالَى (٨): ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٩).
[٤٨] حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ".
كلام عن الإسناد
شيوخ شعبة بن الحجاج
قتادة
الأعمش
أبو إسحاق السبيعي
تلاميذ شعبة
محمد بن جعفر
غندر
يحيى القطان
وكيع
عبد الله بن المبارك
عبد الرحمن بن مهدي
فوائد
وصف بعض الأعمال بأنها كفر ليس لأن صاحبها يكفر الكفر الأكبر لكن هو للدلالة على شدة بشاعة هذا العمل (كفر دون كفر)
الإمام البخاري ذكر معلقات في بدايات الباب، فالبخاري لم يدرك إبراهيم التيمي ولا أدرك ابن أبي مليكة.
إذا علَّق البخاري إلى صاحب الكلام بصيغة الجزم مثل "قال" فهو عنده صحيح.
أما إذا علَّقه بصيغة التمريض مثل "يُذكر" فقد يكون ذلك لأن البخاري اختصر الكلام فكأنه يذكره بالمعنى.
فهنا صيغة التمريض لا تعني أن الكلام لا يثبت عن الحسن البصري وإنما للسبب الذي ذكرناه.
الخوف من الله سبحانه وتعالى وعدم الوثوق الثقة التامة بالعمل.
هذا الشعور لا يجتمع مع مقالة الإرجاء التي تؤخر العمل عن الإيمان فتشعر بأمان زائف يخالف ما كان عليها الصحابة رضوان الله عليهم.
فلا أمان تام من مكر الله سبحانه وتعالى ولا يأس ولا قنوط، وهذا هو التوازن في العبودية
ابن أبي مُليكة أدرك أجلة من الصحابة
عائشة رضي الله عنها
أسماء رضي الله عنها
عبد الله بن عمر رضي الله عنه
عبد الله بن عباس رضي الله عنه
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
نتيجة لتربية النبي رضي الله عنه كان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يتَّكئون على عملهم وإذا قارن بين ما يستحقه الله تعالى وبين ما عمله، عاد على نفسه بالتهمة.
فالصحابة لا يأمن أحدهم النفاق على نفسه.
النفاق درجات ودائرته واسعة.
ومخالفة العمل للقول هو حالة من الحالات التي يُخشى منها النفاق.
[٤٩] أخبرنا (١) قُتَيْبَةُ بْنُ (٢) سَعِيدٍ (٣)، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ (٤) أَنَسٍ (٥) قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى (٦) رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: "إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ الْتَمِسُوهَا (٧) فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ (٨) وَالْخَمْسِ".
كلام عن الإسناد
قتيبة هو شيخ أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه
حميد بن أبي حميد الطويل هو من تلاميذ أنس وممن يروي عنه الإمام مالك.
وإسماعيل بن جعفر المدني يُكْثِرُ عن حميد الطويل
هنا رواية صحابي عن صحابي
علاقة الحديث بالباب:
تلاحي الرجلان كان برفع الصوت والجهر
وفي سورة الحجرات:
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرْفَعُوٓا۟ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا۟ لَهُۥ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾
فربط بين حبوط العمل ورفع الصوت فوق صوت النبي ﷺ.
فوائد
شؤم اختصام واختلاف رجلين رفعت بسببه بركة معرفة ليلة القدر، فما بالك باختصام جماعات من المسلمين.
ما يحدث من الشر من الجيد أن تُتلمس فيه جوانب الخير أيضا " وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ".
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلْإِفْكِ عُصْبَةٌۭ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّۭا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌۭ﴾
ينبغي أن توضح الأخطاء بصراحة وأن تربط الأمور بأسبابها حتى يستفاد منها وتجتنب بعد ذلك ولا نقع في نفس الخطإ والأسباب التي أدت إليه.
تابع المقدمة
• [٨] حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا (٥) حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
رجال هذا الإسناد ليسوا مشهورين، وإن كان شيخ الإمام البخاري عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ممن أخرج له البخاري كثيرا
من المهم معرفة تلاميذ الصحابة عموما والصحابة الذين نقلت عنهم الفتوى ونقل عنهم الفقه ولهم كلام في الحلال والحرام والشريعة عموما، والصحابة الذين لهم أكثار في الرواية.
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ممن تتوفر فيه كل هذه الشروط، وأخذ عنه العلم بالمدينة جماعات كثيرة.
أكثر من يروي أحاديث ابن عمر:
سالم بن عبد الله بن عمر وهو من الفقهاء المسلمين
نافع مولى عبد الله بن عمر، هو من أهم وأبرز شيوح الإمام المالك
يوجد راويان اثنان في نفس الطبقة ونفس الوقت، كلاهما يسمى عكرمة بن خالد.
أحدهما ثقة والآخر ضعيف، والعلماء ميزوا بينهما (المتفق والمفترق)
أركان الإسلام علمت من السنة النبوية.
وهذا دليل على مركزية السنة وشرفها.
مراتب الأمر والنهي ومراتب الخبر.
فالإسلام وشرائعه هي مراتب ومنازل.
إذا زالت هذه الأمور الخمسة لم يبق إسلام باتفاق أئمة السنة.
لكن اختلفوا هل زوال بعض هذه الأركان يؤدي إلى زوال اسم الاسلام؟
(راجع المسألة بتوسع من كتاب جامع العلوم والحكم من شرح الحديث)
نقل ابن رجب في فتح الباري إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة.
جامع الترمذي - 2622
حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ ، قَالَ : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ , لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " , قَالَ أَبُو عِيسَى : سَمِعْت أَبَا مُصْعَبٍ الْمَدَنِيَّ , يَقُولُ : مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ .
بعض المتقدمين جعل القول بعدم تكفير تارك الصلاة من أقوال المرجئة، لكن هذا القول لا يستقيم مع قول المتقدمين
وَقَالَ مُعَاذٌ (٨): اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً.
هذا الأثر أخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح من طريق الأسود بن هلال
طبعا لا يفهم منه إيمان بعد كفر، فهم مؤمنون.
وإنما المراد "اجلس بنا نزداد إيمانا"، وكانا يذكران الله تعالى ويحمدانه ويشكرانه.
نستفيد أن حتى الصحابة كانوا يحتاجون إلى أعمال تزيد إيمانهم
ذكر ابن رجب رحمه الله وجه زيادة الإيمان بالذكر
يجدد من الإيمان والتصديق في القلب ما درس منه بالغفلة.
كما قال ابن مسعود: "الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرعَ"
الذكر نفسه من خصال الإيمان، فيزداد الإيمان بزيادة الذكر
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ والصبر نصف الإيمان
يقول ابن رجب: المراد أن اليقين هو أصل الإيمان كله فإذا أيقن القلب بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، انبعثت الجوارح كلها للاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة. وذلك ناشئ عن اليقين.
ليس المراد أن الإيمان ليس هو إلا اليقين. بل المقصود أن كل ما يأتي من الخير هو نبع من ينابيع اليقين.
قال الحسن البصري: ما طلبت الجنة إلا باليقين ولا هرب من النار إلا باليقين وما أديت الفرائض إلا باليقين وما صبر على الحق إلا باليقين
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ (٩) حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ.
قال الإمام ابن رجب: إنما ذكر البخاري هذا الأثر في هذا الباب لأن خصال التقوى هي خصال الإيمان
الورعُ من خصال الإيمان وعبر عن الورع بما حاك في الصدر.
متى يكون ما حاك في الصدر معيارا؟
راجع جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب في شرح حديث "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ (٦): ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾
ما العلاقة بين قول سيدنا إبراهيم في الآية وبين ما يريد الإمام البخاري أن يقرره من زيادة الإيمان ونقصانه؟
البخاري يقصد من إيراده هذه الآية، تفسير أئمة التابعين لها، وبالخصوص تفسير سعيد بن جبير وتفسير مجاهد.
وهما ممن يكثر الإمام البخاري نقل أقوالهم في صحيحه. وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاووس هما من تلاميذ عبد الله بن عباس.
قال سعيد بن جبير في تفسير الآية: يطمئن قلبي أي يزداد يقيني.
وقال مجاهد: لأزداد إيمانا إلى إيماني
قال الإمام ابن القيم: اليقين 3 أنواع، علم اليقين، عين اليقين وحق اليقين.
فإيمانك بالجنة وأنت موقن هو علم يقين، حتى إذا رأيتها ولم تدخلها بعد فهذا عين اليقين، فإذا دخلتها فأنت في حق اليقين.
وإبراهيم عليه السلام طلب الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين في قضية إحياء الموتى.
صحيح البخاري - 3372
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي سورة البقرة آية 260 وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ " .
الشك هنا ليس المراد به التردد بين طرفين وعدم الترجيح، وإنما أطلق عليه شكا لغة باعتبار المقارنة بين منزلة علم اليقين وعين اليقين.
وذكر ابن رجب في فتح الباري
صحيح ابن حبان - 6213
أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ، قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى : إِِنَّ قَوْمَكَ صَنَعُوا كَذَا وَكَذَا ، فَلَمَّا يُبَالِ ، فَلَمَّا عَايَنَ ، أَلْقَى الأَلْوَاحَ " ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : أَبُو بِشْرٍ : جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ .
الله تعالى أخبر سيدنا موسى عليه السلام لكنه عندما رأى قومه حصلت له الحالة التي وصفها الله في كتابه.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ (١٠)﴾ (١١): أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُم دِينًا وَاحِدًا.
دين الأنبياء دين واحد وهو الإسلام العام المشتمل على أركان الإيمان الخمس.
معلقات الإمام البخاري
هذه الآثار المعلقة لا ينبغي أن تنسب إلى صحيح الإمام البخاري إلا بوصفها أنها معلقة، فيقال "أخرجه البخاري معلقا". ولا يقال "أخرجه البخاري" مطلقا.
ما يتوافق مع عنوان الكتاب هو ما يصح وصفه بأنه أخرجه البخاري بإطلاق.
فاسم الكتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه".
فما كان مسندا هو ما يصح نسبته إلى الكتاب.
"المسند" تدل على وجود الإسناد والاتصال
ما لم يكن مسندا فإنما هو من مكملات صحيح البخاري وليس من صلبه
هي الآثار التي لا تذكر بأسانيدها أو بكامل أسانيدها، وإنما ينسبها إلى الشخص القائل أو لأحد من طبقة من طبقات الإسناد.
كما فعل مع أثر عمر بن عبد العزيز المذكور مقدمة الكتاب، فبين وفاة عمر بن عبد العزيز وولادة الإمام البخاري قرابة قرن كامل. ولم يحك الإسناد
حتى هذه المعلقات هي عند أكثر العلماء صحيحة إلى من نسب إليه الإمام البخاري القول إذا كانت بصيغة الجزم.
وهذا من دقة الإمام البخاري واهتمامه بالصحة.
الآثار المعلقة كثيرة في صحيح البخاري، ولعل الإمام لم يسندها حرصا منه على الاختصار.
الإمام ابن حجر رحمه الله تتبع كل معلقات صحيح البخاري وهي كثيرة جدا، وأخرجها من الكتب بأسانيدها وجمعها في كتاب واحد سماه "تغليق التعليق" كلها في وصل معلقات الإمام البخاري.
الكتب التي تستخرج منه أحكام الإمام البخاري على الأحاديث التي لم يخرجها في صحيحه
جامع الترمذي
العلل الكبير للترمذي
التاريخ الكبير
١٨ - بَابُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (٥): ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (٦)، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (٧): ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (٨): عَنْ (٩) قَوْلِ (١٠) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ﴿لِمِثْلِ (١١) هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾
أعمال الجوارح من الإيمان
فالإيمان تصديق وقول وعمل
توضيح الغريب والإشكال
النبي ﷺ يقول: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله"
والآية هنا تقول ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
هل الباء هنا سببية أم أنها للمقابلة؟
الباء سببية، فالمعنى أن هذه الجنة أورثتموها بسبب أعمالكم وإن كانت أعمالكم ليست مكافئة لمقدار الجنة وليست موجبة إيجاب استحقاق للجنة.
أما في الحديث فالباء هي باء مقابلة، فمعنى الحديث أنه لا يوجد عمل تعملونه يقابل قيمة الجنة ويجعلكم تستحقون دخولها.
[٢٦] حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ (١): "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ (٢) ".
كلام في الإسناد
الزهري اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هو من أئمة المسلمين على الإطلاق، وهو من أهم شيوخ الإمام الزهري ومن أهم الراوفد العلمية التي أخذ منها الزهري رحمه الله، فلا يستغرب أن يكون الإمام الزهري مدارا من مدارات الرواية والأسانيد الكبرى
أهم شيوخ الإمام الزهري
سعيد بن المسيب
يصب على الزهري من نهر أبي هريرة
أنس بن مالك
سالم بن عبد الله بن عمر
يصب على الزهري من نهر ابن عمر
عروة بن الزبير
يصب على الزهري من نهر عائشة
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
يصب على الزهري من نهر ابن عباس
الأعرج
عامر بن سعد بن أبي وقاص
يصب على الزهري من نهر سعد بن أبي وقاص
فوائد
النبي ﷺ سئل أسئلة مشابهة لهذا السؤال لكن الأجوبة اختلفت.
من أشهر التوجيهات لهذا الاختلاف في أجوبته ﷺ أن النبي ﷺ لم يكن يجيب باعتبار الأفضلية المطلقة في ذاب العمل وإنما كان يجيب باعتبار أحوال السائلين والمخاطبين.
الصحابة كانوا يطلبون العلم الذي يزيدهم قربا من الله والعلم الذي به يركزون على ما هو أحب إلى الله تعالى.
النبي ﷺ إنما ذكر من الأعمال ما هو مفروض ولم يذكر أعمالا تطوعية.
فالنبي ﷺ يلفت الانتباه إلى أن الأفضل هو الأكثر فرضية.
بالتالي فمن المهم عند أداء الفرائض استحضار فضلها، وأن لا يكون المسيطر على المرء هو فقظ أداؤها وإبراء الذمة وإسقاط الواجب.
هذه الصيغة في التبويب بنسبة قول لمن قاله، لا يعني أن البخاري لا يتبنى هذا القول بل العكس.
٤٢ - بَابُ (١) مَا جَاءَ أَنَّ (٢) الْأَعْمَالَ (٣) بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى
فَدَخَلَ (٤) فِيهِ الْإِيمَانُ، وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّوْمُ، وَالْأَحْكَامُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (٥) ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ (٦) عَلَى نِيَّتِهِ. نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا (١) صَدَقَةٌ (٧)، وَقَالَ (٨): "وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ".
[٥٤] حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا (٩) مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا (١٠) يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
[٥٥] حدثنا حَجَّاجُ (١) بْنُ مِنْهَالٍ (٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي (٣) مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ (٤) لَهُ صَدَقَةٌ".
[٥٦] حدثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا (٥)، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي (٦) امْرَأَتِكَ"
كلام عن الإسناد
الحكم بن نافع هو أبو اليمان الذي دائما يروي عن شعيب بصيغة "أخبرنا"
فوائد
الانتباه إلى أمور من العادات تعملها على أنها عبادات.
وهذا فيه استسهال للعمل والسعادة به
ضرورة مجاهدة النفس حتى لا تسيطر العادة وتؤدي إلى غياب معنى العبادة.
باب أمور الإيمان
حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ (٥) وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ".
ما يتعلق بالإسناد
عبد الله بن محمد شيخ البخاري في هذا الحديث، وكان يلقب ب"المُسْنَدِي" نظرا لاهتمامه بالمسانيد ورغبته عن المراسيل، أو لأنه أول من جمع مسند الصحابة على التراجم.
وهذا متكرر في عدد من الرواة الذي صاروا يعرفون بألقاب لها علاقة بصنعة الحديث
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وأَبو صَالِحٍ السمان كلاهما تابعيان. فهذه رواية تابعي عن تابعي
عبد الله بن دينار مدار هذا الحديث.
أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه
أبو هريرة له ف صحيح البخاري 446 حديثا غير مكررة المتون.
ذكوان أبو صالح السمان
سعيد بن المسيب
الأعرج
همام بن منبه
محمد بن سيرين
هو من فضلاء التابعين وأشهرهم
ورد الحديث بلفظ "بضع وسبعون شعبة" وورد بلفظ "بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة"
اللفظ الأرجح والله أعلم هو ما اكتفى به البخاري رحمه الله.
ما يتعلق بألفاظ ومعنى الحديث
هل العدد له مفهوم؟ أم أن المقصود هو التكثير.
فائدة هذا الاختلاف أن القول بالتعيين معناه أنه يمكن حصر هذه الشعب وتتبعها من نصوص الوحي.
قام بعض أهل العلم بذلك واستخلصوا الأعمال التي يصلح وصفها بأنها شعبة من شعب الإيمان.
الإمام ابن حجر لخص كلام المتقدمين في عد الخصال وهي 69 خصلة ذكرها في فتح الباري قائلا "قد لخصت مما أوردوه وما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن..."
العدد هو على سبيل تعيين أنواع خصال الإيمان لا تعيين أفراد الأعمال.
هذا القول هو فرع عن القول بأن العدد يفيد التعيين.
أعمال الإيمان كثيرة وكل الطاعات من الإيمان فلا معنى للحصر. وإنما المراد حصر أنواع هذه الأعمال لا حصرها بعينها.
فوائد الحديث
نذكر رواية الإمام مسلم لهذا الحديث لزيادة المنفعة، فالإمام مسلم زاد:
"الْإِيمَانُ بِضْعٌ (٥) وَسِتُّونَ شُعْبَةً، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذن عن الطريق وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ"
الأعمال والعبادات في الشريعة على مراتب (مراتب الأمر والنهي).
والفقه هو إعطاء كل عمل ما أعطاه الله له ورسولُه من الأهمية والمركزية.
قيمة التوحيد ومركزيته من جهة أفضليته في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
وهو أعلى من الأعمال التي فيها نفع العباد، وإن كانت أيضا هي من الإيمان، لكن التوحيد فيه تحقيق لما خُلق العبد له فهي أعلى من كل ما سواها.
تحقيق العبودية لله من جهة إفراده بالعبادة هو أعلى الأعمال وأصلها.
كثرة أبواب الخير التي يمكن أن يتقرب بها العبد إلى ربه تعالى.
وهذا يعين على العبد على التنوع في القربات
أبواب العبادات متنوعة من حيث تعلُقُها بالإنسان فمنها ما يرجع إلى اللسان ومنها ما يرجع إلى البدن ومنها ما يرجع إلى القلب.
مركزية الحياء وأهميته.
وكثير من شعب الإيمان الأخرى تقوم عليه.
وكما قال النبي ﷺ: "الحياء لا يأتي إلا بخير".
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (٨): ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ (٩) الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (١٠) وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (١)، ﴿قَدْ (٢) أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (٣) الْآيَةَ
باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
قالَ أبو عَبدِ اللَّه (١): وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ (٢)، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ (٣)، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
حدثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا (٧) شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ (٨)، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ".
كلام متعلق بصنعة الحديث
عبد الله بن عمر له في البخاري 26 حديثا
شعبة بن الحجاج (160هـ) من الأعلام المركزية في رواية الحديث.
المتأمل في سيرته يرى وكأن الله سبحانه وتعالى لحماية سنة النبي ﷺ وتأسيسس القوانين التي تعين على تثبيتها، وإذا ذكر شعبة يذكر ميزان الحديث وقوانين الحديث.
أول من تكلم في الرجال، شعبة بن الحجاج ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تبعه يحيى بن معين واحمد بن حنبل.
قال ابن رجب عن شعبة: "هو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها ونقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم"
لُقِّبَ بأمير المؤمنين في الحديث، قالها سفيان الثوري وكان يقول عن شعبة "هو أستادنا"، ولما مات شعبة قال سفيان "مات الحديث".
أغلب روايات شعبة عن التابعين (عمر بن دينار، قتادة...).
على يده خرج يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي.
وعلى يد يحيى بن سعيد القطان تخرَّج أحمد بن حنبل وعلي بن المديني (شيخ الإمام البخاري) ويحيى بن معين (إمام الجرح والتعديل).
فوائد
مركزية كف الأذى عن الناس وهي ليست قضية هامشية، فهنا نرى أنها تدخل في أساس تعريف المسلم.
الهجرة المعنويى تقتضي استدبار الذنب والابتعاد عنه. فيبتعد عن الحرام وما يقرب منه
بَابٌ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟
[١١] حدثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ (٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
ما يتعلق بصنعة الحديث
أبو موس الأشعري له في البخاري 57 حديثا.
وهو الذي قال فيه النبي أنه أوتي مزمارا من مزامير داوودو.
وأبو بردة كثيرا ما يروي عن أبي موسى الأشعري
تقدير "ذوي" في السؤال: أي ذوي الإسلام أفضل؟"
فوائد
أنواع الأسئلة التي كانت تشغل بال الصحابة، وهي معبرة عن هموم المجتمعات. فمن أسئلتهم تعرف أولوياتهم وهمومهم. ومن أدوار المربي أن يرفع من نوع أسئلة طلابه
"أفضل" يدل على التفاوت ومراتب الطاعات
بَابٌ (٥) إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الْإِسْلَامِ
حدثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ (٧) ﷺ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ (١): "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ"
كلام متعلق بصنعة الحديث
هذا الحديث مسلسل بالمصريين، فكل رجال إسناده مصريون. وهذا قل ما يجتمع.
الليث بن سعد (175هـ) هو مركزي في حديث المصريين. وهو الذي قيل فيه "الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به"
من الإحسان أن يقوم الطلاب بعلم شيخهم ويعملون على حفظه وبثه.
الليث بن سعد من تلاميذ الزهري.
ومن المهم معرفة الرواة المركزيين حسب البلدان
هنا تقدير "أي خصال الإسلام خير؟"
فوائد
أهمية إطعام الطعام وهو من الأعمال التي يحبها الله تعالى. فليستحظر المسلم نية التقرب إلى الله عند قيامه بهذا العمل.
إقراء السلام على من عرفت ومن لم تعرف من الأعمال الجليلة، وفيه معان من الإحسان وسلامة الصدر والقلب.
ما يترتب عنه هو مقاصد الإسلام الكبرى وهو إفشاء المحبة بين المسلمين. فإفشاء السلام وسيلة لتحقيق هذه الغاية العظمى.
بَابٌ (٢) مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا (٣) يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
حدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ (٤) ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ (٥) حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
تعليق عن الإسناد
يحيى بن سعيد القطان أحد المراكز الكبرى في الصنعة الحديثية.
الإمام أحمد بن حنبل كان يحب يحيى كثيرا، وبالنسبة له فلا يكاد يوجد مثل يحيى في الصنعة الحديثية ممن رآهم الإمام أحمد.
كان حازما وشديدا في قضية الرواة والجرح والتعديل. ومع هذا الحزم والقوة إلا أنه كان رجلا رقيقا في نفسه وكان ربما بكى إذا حدَّث.
أنس بن مالك (93هـ) هو من آخر الصحابة وفاة:
أنس رضي الله عنه كان شديد الحب للنبي ﷺ. وأكرمه الله تعالى بأنه يرى النبي ﷺ تقريبا كل ليلة في منامه بعد وفاته ﷺ.
أنس رضي الله عنه عاش في البصرة، وتلاميذه بعضهم من البصرة وبعضم من أمصار أخرى
تلاميذه:
قتادة بن دعامة السدوسي (117هـ): هو بصري ومن أهم الرواة عن أنس بن مالك ومن المكثرين عنه وهو من أئمة التابعين ومن أئمة التفسير.
و"شعبة عن قتادة عن أنس" هو إسناد من أصح الأسانيد.
علي بن المديني قال أن قتادة أحد الستة الذين تدور عليهم الأسانيد.
الزهري كذلك من تلاميذ أنس بن مالك.
وهو أيضا من الستة الذين قال فيهم علي بن المديني ان الرواية تدور عليهم
ثابت البناني: كان يصاحب أنس بن مالك كثيرا
عبد الله بن زيد الجرمي البصري أبو قلابة: كان من العباد، وهرب من البصرة فرارا من القضاء.
وهذا كان منتشرا بين علماء الحديث
بل كانوا يتهمون من له علاقة شديدة بالسلطة ويتوجسون منه.
عبد العزيز بن صهيب
علاقة المحدثين بالسياسة هي عكس ما يطرحه المستشرقون من أنهم أبناء السياسة وأبناء السلطة وأن كثيرا من أحاديثهم كانت خدمة للسلاطين وللسلطة عموما.
وهذا فكر سخيف جدا
يحيى هو الذي روى عن حسين المعلم
ما المراد بنفي الإيمان هنا؟
المتفق أن نفي الإيمان هنا ليس المراد به نفي أصل الإيمان.
الخلاف هنا هو هل هذه الخصلة مستحبة أم واجبة؟
أي هل نفي الإيمان هنا هو نفي كمال الإيمان الواجب أم كمال الإيمان المستحب.
الإمام ابن حجر يرى أنه انتفاء كمال الإيمان الواجب.
قاعدة: "كل صفة نُفِي لأجلها الإيمان فهي صفة واجبة"
الفوائد والاستنباطات
هذا نص إضافي ينص على مركزية تحقيق التآخي والمودة بين المسلمين.
وهنا نفي كمال الإيمان عن من لم يحقق هذه الخصلة.
هذه الخصلة تصعب على من أصيب بالحسد والغل والغش والحقد.
لابد أن يطهر المرء نفسه من هذه الخصال، أي أن لا تبقى مؤثرة عليه تأثيرا سلبيا. وإن وجد تأثيرها السلبي فيجاهدها ويدفعها.
الأنصار تميزوا بأعلى مراتب هذا العمل، فهم آثروا المهاجرين على أنفسهم.
طبيعة الحياة التي نعيشها تجعل الإنسان يحرص على التميز وأن يكون عديم المنافسة والمثيل، وأن لا يرضى أن يكون معه في نفس الصف والمنزلة أحد. وهذا معارض لمقصد الشريعة والمعنى المذكور في هذا الحديث.
ماذا لو حصل تفرد من شخص هبة من الله، هل يظهره أم لا؟ هل يلاحظه أم لا؟
يقول الإمام ابن رجب: لا إشكال أن يحدث به على وجه الشكر، واستدل على ذلك بقول النبي ﷺ "أنا سيد ولد آدم ولا فخر". وكذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغع الإبل لأتيته".
بَابٌ حُبُّ الرَّسُولِ ﷺ مِنَ الْإِيمَانِ
حدثنا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا (٦) أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (٧) ﷺ قَالَ: "فَوَالَّذِي (٨) نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ (٩) ".
حدثنا (١) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ (٢)، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. ح وَحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (٣) ﷺ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
كلام عن الإسناد
أبو اليمان يروي عن شعيب دائما بصيغة "أخبرنا" ليشير إلى الإجازة
شعيب يروي عن اثنين:
(تلاميذ الأعرج؟)
الزهري
أبو الزناد
سلسلة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة هو من الأسانيد التي تتكرر كثيرا في صحيح البخاري
الفوائد المنهجية
الإسلام يركز على جانب أعمال القلوب فينبغي أن يكون هذا الموضوع حاضرا في الخطاب الدعوي الإصلاحي، وأن يكون هناك توازن بين الكلام عن الظاهر والباطن.
يجب أن تظهر آثار الحب على الجوارح وإلا فهو مجرد ادعاء وكذب.
كما أن آثار هذا الحب ومظاهره يجب أن تكون موافقة لمراد المحبوب.
المحبة محكومة بالاتباع
معايير المحبة
"إذا تعارضت طاعة الرسول ﷺ في أوامره مع طاعة المحبوب الآخر، فبحسب تقديم طاعة الرسول ﷺ يكون صدق دعوى المحبة. هذا في امتثال الواجبات وترك المحرمات.
فإن عكست كان نقصا في المحبة الواجبة.
أما إن تعارض دواعي محبة محبوب معين مع مندوبات الشريعة كان ذلك نقصا في كمال المحبة.
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌۭ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌۭ وَمِنْهُمْ سَابِقٌۢ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ٣٢﴾
من آثر مندوبات الشرع على دواعي محبوباته يكون من المقربين، ومن لم يؤثرها كان من المقتصدين ومن لم يؤثر الواجب على محبوباته كان من الظالمين لأنفسهم.
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًۭا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَشَدُّ حُبًّۭا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًۭا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ ١٦٥﴾
كثير من الشرك والكفر منبعه المحبة، فمحبته لمحبوبه تتمادى به إلى أن يتجاوز حدود الشريعة.
أين أنت من مواطن نصرة الدين والدفاع عن سنة النبي ﷺ.
منهجيات البخاري في كتابه
إذا قال البخاري "باب" دون أن يذكر له عنوانا أو ترجمة خاصة
#
فذلك لأن الباب يكون بمنزلة الفَصْل مما قبله مع تعلقه به، كصنيع مصنفي الفقهاء
إذا كان متعلقا به فلما لا يدرجه ضمنه؟
لأن أحاديث هذا الباب الذي لم يترجم له البخاري لها وجه ارتباط مع الكتاب غير وجه ارتباط أحاديث الباب السابق مع الكتاب (المقصود بالكتاب: كتاب الإيمان أو نزول الوحي....)
أحيانا يذكر الحديث في موضع مختصرا ويكرره في موضع آخر مطولا.
ابن حجر في فتح الباري يشرح الحديث بتفصيل في موضع واحد وأحيانا يسهب في مسألة بحسب علاقتها بالباب في موضع آخر.
بيان المشكل
المشكل معنى
المعاني تشكل إذا تعارضت مع نص آخر.
وهذا هو موضوع علم مختلَِف الحديث: العلم الذي يتناول الأحاديث التي ظاهرها التعارض
المشكل لفظا وهو غريب الكلمات أو الكلمات التي تحتاج إلى تنبيه من وجه ما.
١٥ - بَابُ (٣) تَفَاضُلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْأَعْمَالِ
[٢٢] حدثنا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ (٤): حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى (٥): أَخْرِجُوا مَنْ (٦) كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ (٧)، فَيُخْرَجُونَ (٨) مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا (٩) - أَوِ الْحَيَاةِ شَكَّ (١٠) مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ (١١) فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً".
قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: "الْحَيَاةِ". وَقَالَ: "خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ"
كلام في الإسناد
جملة "شك مالك" تدل على الدقة المتناهية في هذا العلم الشريف، علم الحديث.
فوائد
كل لحظة عاشها الإنسان ففي يوم القيامة إما سيفرح بها أو يندم عليها.
وفي ذلك اليوم تقلب الموازين وتختل، فالمرء يفر من أقرب الناس إليه والمحبة في أعلى درجاتها تنقلب عداوة ﴿ٱلْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍۭ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ﴾
[٢٣] حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ؛ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا : فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ".
كلام في الإسناد
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ هو من تلاميذ الزهري
وصالح بن كيسان كذلك من تلاميذ الزهري.
وإبراهيم يروي عن صالح مع أنهما اشتركا في شيخهما وهما قرينان، هنا يستدل النقاد على علو نزاهة الراوي وصدقه إذ لم يُؤثر علو الإسناد على الدقة في النقل. فهذا دلالة على نزاهة إبراهيم بن سعد.
غريب الحديث
القميص : هو أقرب للثوب العربي الآن
أما الثوب في اللفظ القديم فهو أقرب للإحرام.
الثُدي: جمع ثدي.
فبعض القمصان التي رآها النبي ﷺ لا تصل إلا إلى صدر الإنسان وبعضها إلى البطن وبعضها إلى الركبة... أما عمر بن الخطاب فعليه قميص يجره.
فوائد
الرؤى لها قيمة كبيرة في حياة النبي ﷺ وفي النصوص الشرعية.
وهذا الباب ميزانه في الهدي النبوي فلا ينبغي أن يكون إفراط فيه ولا تفريط.
كان النبي ﷺ بعد صلاة الفجر يسأل أصحابه من رأى رؤيا، فيستمع لأصحابه ويفسرها.
الأذان تفاصيله شرعت بإقرار النبي ﷺ لرؤيا عمر رضي الله عنه.
القميص في الرؤى يدل على الدين
الأحوال المكروهة في الواقع ليست مكروهة في الرؤى، فجر القميص مكروه في الواقع لكن حكمه في الرؤى يختلف.
أن يخرج هذا الحديث للدلالة على مسألة عقدية وهي تفاضل أهل الإيمان فهذا استنباط عالي من الإمام البخاري.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من أفضل الناس بشهادة النبي ﷺ.
"الناس" هو من العام الذي أريد به الخصوص فالسياق لا يدل على أن اللفظ يراد به كل الناس (وأبو بكر رضي الله عنه ليس منهم)
من المسائل العقدية التي تذكر في هذا الباب، هل قول الله تعالى أنه على كل شي قدير هو من العام المحفوظ أم من العم المخصوص أم من العام الذي يراد به الخصوص. الراجح أنه من العام المحفوظ والمستحيل ليس شيئا أصلا.
١٩ - بَابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَانَ عَلَى الاِسْتِسْلَامِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى (٣): ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ (٤)، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ (٥) الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾
شرح الغريب والإشكال
هل هؤلاء الأعراب كانوا منافقين وأن إسلامهم كان من قبيل الخوف من القتل؟ أو لأنهم حققوا درجة في الدين لكنها لم تصل إلى درجة الإيمان؟
اختلف العلماء في الجواب عن هذه المسألة.
من خلال تبويب البخاري نفهم أنه كان يتبنى القول الأول، فبالتالي هو لم يكن يرى أنه ثمت فرق بين الإسلام والإيمان وأنهما شيء واحد.
ومن يرى أن الإسلام والإيمان شيء واحد تشكل عليه الآية التي فيها التفريق بينهما.
ويكون الإجابة عن هذا التفريق، أن إسلام الأعراب لم يكن على الحقيقة وإنما كان إسلاما ظاهرا.
القاعدة أن الإيمان والإسلام إذ اجتمعا في الذكر افترقا في المعنى وإذا افترقا في الذكر اجتمعا في المعنى.
فتبويب البخاري هنا هو للإشارة إلى أن لفظ الإسلام يطلق ويكون المراد ما يُتَّقَى به العقوبة من الشهادة الظاهرة وإن لم يكن هناك إسلام حقيقي وهذا من باب آية ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ وقد يطلق الإسلام ويراد به الإسلام الحقيقي كما في آية ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.
مطلق الإيمان: أدنى ما يصدق عليه الإيمان
الإيمان المطلق: الإيمان المطلق
لما نقول أن الإيمان المراد به العمل الباطن، هل نقول أنه يراد به مطلق العمل الباطن أم درجة أعلى؟
الصواب أنه يقصد به درجة أعلى لأن الإسلام لا يصح أصلا إلا بوجود مطلق التصديق، فالأسلام لا يصح أن يكون عملا بدون تصديق.
فالإيمان يقصد به درجة عالية من التصديق والتي تقتضي وتستلزم درجة عالية في العمل
ودليل التلازم بين الإيمان والعمل في سورة الجرات نفسها ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ﴾
نتيجة إيمانهم جهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
[٢٧] حدثنا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا (٧) شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَى رَهْطًا (١) - وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، فَوَاللَّهِ، إِنِّي (٢) لَأَرَاهُ (٣) مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ (٤): "أَوْ مُسْلِمًا"، فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ (٥) لِمَقَالَتِي (٦) فَقُلْتُ (٧): مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ (٨) مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا"، ثُمَّ (٩) غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ، إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ (١٠) إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ (١١) اللَّهُ فِي النَّارِ".
وَرَوَاهُ (١٢) يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
كلام عن الإسناد
ابن أخ الزهري ليس بذاك من جهة الحفظ فكيف يكون من رجال البخاري؟
هذا هو ما يسميه العلماء "أخرجه البخاري مقرونا" أي لم يخرج له حديثا منفردا لم يعضده أحد معه.
فابن أخ الزهري هنا وُجِد مقرونا مع شعيب وصالح ويونس ومعمر.
وهذا مثل قولهم "أخرجه مسلم في المتابعات أو الشواهد"
شرح الغريب والإشكال
أعجبهم إلي = أكملهم إيمانا وأفضلهم
فوائد
تثبيت الإيمان لبعض ضعاف الإيمان والنفوس بالأمور الدنيوية هو أمر مشروع بل سنة النبي ﷺ
فالنبي ﷺ كان يتألف أقواما ليدخلوا في الإسلام بمتاع الدنيا رحمة بهم وطمعا في نجاتهم من النار.
فقلة إيمانهم تحتاج إلى جبر دنيوي لارتفاع معيار الدنيا ومتاعها في أعينهم. خاصة لما يكون سبب إعطاء ذلك المتاع الدنيوي هو بسبب الإسلام (زكاة، إعطاء النبي ﷺ...).
المؤلفة قلوبهم إما كافر يطمع في إسلامه، أو مسلما مهزوز الإسلام.
أحوال المخاطبين هو عامل مهم في طبيعة وطريقة دعوتهم إلى الله فلا يتعامل مع الناس بدرجة واحدة.
حديث يشهد لنفس المعنى:
صحيح البخاري - 923
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا فَحَمِدَ اللَّهَ ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي ، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ
وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ
فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ " ، فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ ، تَابَعَهُ يُونُسُ .
النبي ﷺ لفت انتباه سعد إلى عدم الجزم في التزكية من جانب الإيمان الكامل لعدم معرفة الباطن.
فعلى المسلم أن ينتبه إلى التساهل في التزكية.
قد تخفى بعض المسائل على كبار الصحابة وأوائل من أسلم منهم.
والنبي ﷺ رفيق في تعليمهم.
بَابٌ إِفْشَاءُ (١) السَّلَامِ مِنَ الْإِسْلَامِ
قَالَ عَمَّارٌ: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ (٢) جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ (٣)، وَالْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ (٤).
[٢٨] حدثنا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".
كلام علي الإسناد
قتيبة هو من الرواة المتأخرين المهمين جدا. فالزهري وقتادة ... هم متقدمون بالنسبة لقتيبة.
هو من أهم من تدور عليهم الأحاديث في الطبقات المتأخرة، قتيبة بن سعيد، فهو شيخ البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي والنسائي. فكل أصحاب الكتب الستة أخذوا وتلقوا عن قتيبة.
الإمام البخاري رحمه الله عنون الباب بأثر معلق (أي أثر لم يذكر الإسناد إلى قائله) فهو معلق على عمار بن ياسر.
الإمام البخاري رحمه الله، لم يكتفي فيه بالأحاديث المرفوعة إلى النبي ﷺ وإنما ضمن الكتاب أمورا أخرى تكمله، أهمها الآيات القرآنية وكلام الصحابة رضوان الله عليها.
٢٢ - بَابٌ (١) الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُكَفَّرُ (٢) صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، وَقَوْلِ (٣) اللَّهِ تَعَالَى (٤): ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (٥).
[٣٠] حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ (٦)، عَنِ الْمَعْرُورِ (٧) قَالَ (٨): لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ (٩) وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ (١٠) جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
كلام في الإسناد
شيخ البخاري في هذا الحديث هو سليمان بن حرب وهو من أفاضل المسلمين وهو تلميذ شعبة. وهو مكثر من الرواية
سماه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء شيخ الإسلام.
أغلب الشيوخ الذين روى عنهم هم بصريون، فهو أصله بصري وانتقل بعد ذلك إلى مكة.
بيان الغريب ورفع الإشكال
الربدة: هي موضع يبعد 3 أيام مشي من المدينة، واعتزل فيها بعض الصحابة منهم أبو ذر وسلمة بن الأكوع
الحلة: وصف لثوبين يكونان من جنس واحد
خولكم: خدمكن، والمقصود بهم العبيد.
فوائد
لا يمنع التقدم في الفضل والديانة أن يوصف بوصف فيه نقص نتيجة عمل من الأعمال التي عملها مما له تأثير بالغ في الحكم على فاعله.
إذا لم يبرئ أبا ذر كبير عمله الصالح من أن ينعت بهذا النعت، فغيره من باب أولى
عظمة الصحابة واستجابتهم للنبي ﷺ وكيف يستفيدون بكلام النبي ﷺ.
فأبو ذر جعل تعامله مع عبيده ومواليه فيه إكرام زائد عن القدر المطلوب شرعا، نتيجة كلمة النبي ﷺ.
علينا أن نقتدي بهم في تعاملهم مع الكلمة التي يتلقاها الإنسان إثر خطئه.
وهنا نرى صورة من صور هذا الإكرام، فأبو ذر وغلامه كلاهما يلبس حلة وهذا ليس من المعهود في لبس العبيد والموالي
دقة النبي ﷺ في ألفاظه في تقييم الأشخاص.
لم يقل النبي ﷺ "إنك امرؤ جاهلي" وإنما قال "إنك امرؤ فيك جاهلية"
علينا اجتناب المبالغة والتعميم الخاطئ الذي فيه غلو
أبو ذر هو من يحكي هذه القصة على نفسه والتي فيها إبراز لعيب من عيوبه وخطإ من أخطائه.
في هذا دلالة على صدق الصحابة في الرواية وأنهم لا يتحرجون من رواية ما فيه منقصة لهم.
ما أكرم به الإسلام الموالي والعبيد وحَسَّن من أحوالهم.
إذ جعل لهم منزلة لم تكن لهم من قبل.
"الجاهلية" هي عنونة مبني على معيار معين ومحدد.
إذ كان في تلك لمرحلة أمور مما يضاد الجهل، كرم العرب وشجاعتهم ومكارم الأخلاق وعزتهم.
فمعيار تقييم الحقبة ما قبل الإسلام بالجاهلية هو في مقابلة الإسلام والنور والعلم الذي جاء به. وأهم نور وأهم علم هو حقيقة عبادة الله وحده لا شريك الله.
فكل زمن حاد عن هذه الحقيقة وغابت فيه فهو حري أن يسمى بزمن جاهلية.
٢٥ - بَابُ (٩) عَلَامَةِ (١٠) الْمُنَافِقِ
[٣٣] حدثنا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ".
حل المشكل
هذه الصفات المذكورة ليست موجبة للكفر فكيف يكون من كن فيه منافقا خالصا والمنافقون في الدرك الأسفل من النار؟
البخاري يحل هذا الإشكال من خلال التبويبات التي سبقت هذا الباب، فهذا الباب يأتي بعد "باب ظلم دون ظلم" و "بَابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ و"باب كفران العشير".
فكما أثبت البخاري في هذه الأبواب أن الكفر يأتي ولا يراد به الكفر الأكبر فكذلك النفاق يأتي ولا يراد به النفاق الأكبر بل يراد به النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الملة.
فوائد
الإيمان ليس اعتقاد فقط، والعمل بالعلم أمر مركزي والعمل معيار للإيمان.
فالصفات المذكورة في الحديث هي صفات عملية خارجية ظاهرة، وهي علامات دالة على النفاق الذي في الباطن.
فالعمل فرع لازم عن الاعتقاد لا ينفك عنه.
وهذه الأعمال تكذب ما يدعيه من الإسلام.
نعرف عظمة وقيمة العمل في الإسلام من جهتين: جهة التأكيد على فضله أو جهة بيان إثم تاركه أو من يفعل ما يضاده.
الخصال المذورة في الحديث ينبغي الحرص على تركها والتخلق بما يقابلها. فالأمانة والصدق والوفاء والاستقامة في الغضب والرضى هي صفات أساسية من صفات المؤمن.
[٣٤] حدثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ (١) فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".
تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ.
كلام عن الإسناد
سفيان الثوري
العادة في أصحاب الكتب الستة أنهم عندما يخرجون حديثا لسفيان الثوري يكون بينهم وبينه رجلان لأن سفيان الثوري قديم (سفيان بن عيينة متأخر)، لكن في هذا الحديث بين البخاري وسفيان رجل واحد.
كيف يميز بين سفيان الثوري وسفيان بن عيينة لأنهما كثيرا ما يذكران في الأسانيد باسم سفيان فقط دون نسبة؟
من العلامات أنه في الغالب يكون بين أصحاب الكتب الستة وبين سفيان الثوري اثنان وبينهم وبين سفيان بن عيينة واحد فقط.
لكن في البخاري وأبي داوود أحيانا يكون بينهم وبين سفيان الثوري شيخ واحد فقط منهم قبيصة بن عقبة.
فإذا روى البخاري "عن قبيصة عن سفيان" فهو الثوري.
هذه طريقة التمييز بين السفيانين بالشيوخ.
هو من أحفظ حفاظ الدنيا ولا يكاد يضاهيه أحد من أصحاب الكتب الستة في الحفظ.
هو مشهور بالفقه والفتيا على مذهب الكوفة، وهو مشهور أيضا بالعبادة والزهد.
يروي عن الأعمش
تلاميذ الأعمش:
سفيان الثوري وهو أثبت من يروي عن الأعمش
شعبة بن الحجاج
وكيع
مسروق هو من الرواة المكثرين عن عبد الله بن مسعود.
مسروق وعلقمة لهم روايات عن عائشة رضي الله عنها.
٢٦ - بَابٌ (٢) قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الْإِيمَانِ
[٣٥] حدثنا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
٢٧ - بَابٌ (٢) الْجِهَادُ مِنَ الْإِيمَانِ
[٣٦] حدثنا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ (٣)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "انْتَدَبَ (٤) اللَّهُ (٥) لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ (١) بِرُسُلِي أَنْ أَرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ (٢) فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ
شرح الغريب
"انتدب الله" أي تكفَّل اللهُ.
فوائد
الجهاد في سبيل الله من أعظم ما يمكن أن يعمله الإنسان المسلم
تكفل الله تعالى للمجاهد في سبيله بأحد أمرين، إما الجنة أو أن يرجعك إلى منزلك الذي خرجت منه بما نلته من أجر وغنيمة.
تمني النبي ﷺ أن يقتل في سبيل الله يعني أن ما يناله الشهيد في سبيل الله في غاية الشرف والعظمة.
وفي حديث آخر للبخاري أنه ما من أحد يدخل الجنة يتمنى أن يخرج منها ويرجع إلى الدنيا إلا الشهيد فهو يتمنى أن يرجع ويقتل مرة أخرى لما لهذه المنزلة من الكرامة.
٢٨ - بَابٌ (٤) تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ (٥) مِنَ الْإِيمَانِ
[٣٧] حدثنا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
ذكر البخاري هذين البابين لعد خصال الإيمان وذكر شيء منها.
٢٩ - بَابٌ (٤) صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الْإِيمَان
[٣٨] حدثنا ابْنُ (٦) سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا (٧) مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
٣٠ - بَابٌ (١) الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ (٢) النَّبِيِّ ﷺ: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ (٣) السَّمْحَةُ"
[٣٩] حدثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ (٤) الدِّينَ (٥) أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا (٦) وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا (٧) وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ (٨) وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ (٩) ".
كلام عن الإسناد
تلاميذ أبي هريرة رضي الله عنه
سعيد بن المسيب
الأعرج
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
محمد بن سيرين
سعيد بن أبي سعيد المَقبُري
حميد بن عبد الرحمن
أبو صالح السمان
بيان الغريب
"الحنيف" أصلها من الميل والمراد منه الميل عن الباطل إلى الحق.
لا يكفي أن يسير الإنسان على طريق الحق دون أن يعلم أنه مخالف للباطل.
"سددوا وقاربوا" إذا أصبت الهدف بالسهم فهذا تسديد وإن لم تصبه تحديدا تكون مقاربا له.
السداد هو الصواب.
"الغدوة" هو السير في أول النهار
"الروحة" هو السير في وسط النهار
"الدلجة" هو السير بليل
فوائد
النبي ﷺ يشبه السير إلى الله بسير المسافر في سفره. فكما أن المسافر يستعين بأوقات نشاطه ليصل، كذلك المسافر إلى الله في طريق الآخرة يجب أن يستعين بأوقات نشاطه ليصل.
استغلال أوقات إقبال النفس على الطاعات للاستزادة من الطاعات.
فإذا رأيت من نفسك مزيد إقبال على العبادة فدعها تتعبد، وفي المقابل إذا رأيت منها تعبا اجعلها ترتاح.
معيار الصواب والخطأ فيما يتعلق بالتعبد لله تعالى مرجعه إلى ما حدده الشارع.
فالنبي ﷺ في هذا الحديث يعلمنا أن طريقة التعبد الأدعى والأضمن للوصول ليس في كثرة العمل بل هو السير المتأني الذي لا يهلك فيه الإنسان نفسه. والمداومة والاستمرار على العمل أحب إلى الله.
قول النبي ﷺ "قاربوا" إشارة إلى أن الإسلام يعتني ببذل السبب الاجتهاد والإخلاص أكثر من اعتنائه بتحقق الثمرة
#
أهمية الاستبشار وإحسان الظن بالله تعالى. والفرح بنعمة الله تعالى.
وهو لا يساوي الاغترار بالله تعالى
قول الإمام البخاري {وَقَوْلُ (٢) النَّبِيِّ ﷺ: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ (٣) السَّمْحَةُ"} هذا حديث لم يذكر البخاري إسناده لأنه ليس على شرطه.
فمن طريقة البخاري أنه إذا أراد أن يستدل بحديث ليس على شرطه ولا يبلغ درجة الصحة التي يريد فإنه يذكره في الباب دون إسناد.
فنقول أن هذا الحديث أورده البخاري معلقا ولا نقول أنه أخرجه البخاري فذلك غير صحيح.
٣٢ - بَابُ (٤) حُسْنُِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ
[٤١] قال (٥) مَالِكٌ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقُولُ: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، يُكَفِّرُ (٦) اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا (٧)، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ (٨): الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا".
كلام عن الإسناد
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري على هيئة التعليق، والبخاري لم يدرك الإمام مالك. والبخاري كثيرا ما يصل إلى الإمام مالك عبر عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن يوسف التنيسي وكذلك إسماعيل بن أبي أويس.
الحديث الثاني في الباب يجبر هذا التعليق، كما أن هذا الحديث هو نفسه موصول في مواضع أخرى
بيان الغريب
"حسن إسلامه"
إحسان الإسلام قال بعضهم هو إتيان الفرائض واجتناب المحرمات.
"زلفها" أي أسلفها وقدَّمَها
فوائد
الأجور تتفاوت وتتضاعف بقدر حسن إسلام المرء والتزامه به.
هل إسلام المرء يكفر حتى السيئات التي أصر عليها بعد إسلامه؟
خلاف بين العلماء، فمنهم من قال نعم لحديث في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال "الإسلام يهدم ما كان قبله"، ومن نفى ذلك استدل بأن ما وقع بعد إسلامه لا يكفره إسلامه.
مضاعفة الحسنات ليست على درجة واحدة
[٤٢] حدثنا (١) إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا (٢) عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ (٣)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا".
كلام عن الإسناد
عبد الرزاق هو صاحب كتاب المصنّف وهو شيخ الإمام أحمد.
وأشهر شيوخ عبد الرزاق على الإطلاق هو معمر لمَعْمَر.
عبد الرزاق وشيخه معمر كلاهما من اليمن.
والإمام أحمد رحل هو ويحيى بن معين من بغداد إلى اليمن لأجل السماع من عبد الرزاق
شيوخ معمر
الزهري
همّام بن منبه
"عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة"
هو إسناد يأتي كثيرا في البخاري.
٣٤ - بَابُ (١) زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (٢): ﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (٣) ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ (٤) وَقَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (٥) فَإِذَا تَرَكَ (٦) شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ.
[٤٤] حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَخْرُجُ (٧) مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيَرةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ (٨) مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ (٩) مِنْ خَيْرٍ"
قالَ أبو عَبدِ اللهِ (١٠): قَالَ (١١) أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "مِنْ إِيمَانٍ" مَكَانَ "مِنْ (١٢) خَيْرٍ".
كلام على الإسناد
قتادة من أهم الرواة المكثرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
أهم تلاميذ قتادة
هذه هي المدرسة البصرية وأهم أعلامها
شعبة بن الحجاج
هشام بن عبد الله الدَّستوائي
سعيد بن أبي عَروبة
فوائد
مركزية قول لا إله إلا الله في النجاة من النار وأنها مقدمة على غيرها ولا ينفع غيرها بدونها.
تفاوت الإيمان في القلوب
لا تحقرن من المعروف شيئا. فهؤلاء نجوا بقليل إيمان، فقد يكون سبب النجاة من النار في ذلك العمل الذي لا تراه شيئا.
[٤٥] حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ (١)، سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا - مَعْشَرَ الْيَهُودِ - نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (٢) قَالَ (٣) عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ (٤) فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ (٥) ﷺ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ
كلام في الإسناد
عند قراءة الإسناد لا بد أن تقول "حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ
أنه
سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ..."
فوائد
قد يلاحظ غير المسلم الذي له خلفية أخرى شيئا إضافيا قد لا يلحظه المسلم.
فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتواضعه للعلم إذ استمع للذي يخاطبه ولم يستعل عليه.
٣٥ - بَابٌ (٧) الزَّكَاةُ مِنَ الْإِسْلَامِ
وَقَوْلُهُ (٨): ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (٩) حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (١٠)﴾
[٤٦] حدثنا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي (١) مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (٢) عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ (٣) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ (٤) دَوِيُّ (٥) صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، فَقَالَ (٦): هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ (٧) "، قَالَ (٨) رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَصِيَامُ (٩) رَمَضَانَ" قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الزَّكَاةَ، قَالَ (١٠): هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"
كلام عن الإسناد
إسماعيل بن أبي أويس هو من الرواة الذي يصل بهم الإمام البخاري إلى الإمام مالك
شيوخ الإمام مالك
الزهري
هشام بن عروة
نافع مولى بن عمر
فوائد
الداعية يواجه طبائع مختلفة من الناس، والنبي ﷺ قد واجه مختلف فئات وأنواع الناس. فلا بد من التعامل مع هذه الأصناف بما يناسب كل منها.
لا بد من الصبر في كلها
ما يقال من الدين لا ينبغي أن يكون بنفس المستوى وبنفس المقدار للجميع.
كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "ليس كل الحق ينبغي أن يقال".
من الناس من لا يحتمل كثرة التفاصيل والدقائق فهم لا يحتاجون ذلك ولا يستوعبونه أصلا.
٣٦ - بَابٌ (١) اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنَ الْإِيمَانِ
• [٤٧] حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ (٢)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنِ اتَّبَعَ (٣) جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ (٤) حَتَّى يُصَلَّى (٥) عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ (٦)، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ".
تَابَعَهُ (٧) عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ.
كلام عن الإسناد
الحسن هو الحسن البصري ومحمد هو محمد بن سيرين
كانا قرينين وهما من المدرسة البصرية
هما من طبقة المتوسطين من التابعين، في حين أن قتادة هو من صغار التابعين.
فوائد
مركزية التآخي والتواسي بين المسلمين والأسباب التي تقوي الأواصر بين المسلمين.
قيمة العمل أحيانا تكون خلاف ما يتصوره الشخص، فمن الأعمال ما نتقالُّها وهي عند الله ذات منزلة عظيمة
العلم يعرفك بمنزلة الأعمال وفضائلها، والناس يتفاوتون في التقرب إلى الله بقدر علمهم وعملهم بهذا العلم.
٣٩ - بَابٌ (١)
[٥١] حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ (٢) أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً (٣) لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ.
حديث هذا الباب له علاقة بآخر كلمة في الحديث السابق حيث وقع الربط بين الدين والإيمان.
وهنا نجد هذا الربط كذلك بين الدين والإيمان "هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً (٣) لِدِينِهِ" "كَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ"
٤٣ - بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلِهِ (٧) تَعَالَى (٨): ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (٩)
[٥٧] حدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ
كلام عن الإسناد
مسدد يروي كثيرا عن يحيى القطّان
الإمام البخاري يدرك يحيى القطان من خلال
مسدّد
محمد بن المثنى العنزي
قيس بن حازم روى عن العشرة المبشرين بالجنة، وتوفي النبي ﷺ وقيس في طريقه إلى النبي ﷺ.
[٥٨] حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ (١) يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا (٢) لِأَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ قُلْتُ (٣): أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: "وَالنُّصْحِ (٤) لِكُلِّ مُسْلِمٍ"، فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ، إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.
الإمام البخاري يختم بهذا الحديث كتاب الإمام، فكأنه هو الذي استغفر ونزل من المنبر بعد أن أنهى كتاب الإيمان ويقبل على استئناف باب جديد.
فوائد
بقي لدى جرير قيمة النصح لكل مسلم تبعا لما قاله له النبي ﷺ.
فهو هنا بعد 40 سنة من وفاة النبي ﷺ عمل عملا بمقتضى ما كان قد بايع عليه النبي ﷺ.
المربي يمكن أن يخص بعض طلابه بتوصيات خاصة يظن أنها تنفعهم أو ينتفع الناس بها عن طريقهم.
فالنبي ﷺ لم يبايع كل الصحابة على النصح لكل مسلم.
دور العالم في الأحداث العامة (هنا وفاة الأمير المغيرة بن شعبة أمير الكوفة في ظل ملك معاوية رضي الله تعالى عنه)
٩ - بَابُ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ (٥)، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
تعليق على الإسناد
محمد بن المثنى هو أحد الشيوخ المهمين في الكتب الستة فهو شيخ للإمام البخاري وللإمام مسلم وللإمام أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
فهو شيخ لكل أصحاب الكتب الستة.
وهو من تلاميذ يحيى بن سعيد القطان.
لكنه ليس من مدارات الإسناد لأنه ليس متقدما في الزمن.
أيوب بن أبي تميمة السختياني هو من سادات المسلمين وفضلائهم.
قال فيه الإمام البخاري: "كان سيد المسلمين"
سيادة علمية، سلوكية، تعبدية، أخلاقية...
كان من عباد المسلمين وفقهائهم ومحدثيهم وهو من تلاميد محمد بن سيرين.
قال فيه شعبة "سيد الفقهاء".
كان من الرواة الذين إذا شكوا في الحديث هل هو مرفوع أم موقوف قصر بالحديث.
أي يأخذ جانب الاحتياط فيجعله موقوفا.
من أثبت تلاميذه: حماد بن زيد، اسماعيل بن علية، عبد الوهاب الثقفي
فوائد الحديث
فقه مراتب العلم من حيث الأهمية، أن تمر بمعلومة معينة فتدرك أهميتها من جهة كونه مركزيا في العلم.
النووي رحمه الله قال في هذا الحديث أنه أصل من أصول الدين.
الحديث لم ينف تحقق حلاوة الإيمان بغير الأمور المذكورة، وإنما أثبت أن هذه الثلاثة تحقق حلاوة الإيمان.
ما الذي يترتب عن تحقق حلاوة الإيمان عند الإنسان؟
الثبات على الدين، يشهد لذلك قول هرقل لما سأل هل يرتد أحد سخطة عن الدين وقيل له لا، فقال "فذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب"
التشبت بالإيمان والتعلق به
من كان تشبته بالإسلام معرفيا مجردا هو أكثر عرضة أن يفقد الإسلام إذا تعرض لشبهات.
إذ تعارضت الحلاوة مع العلم والمعرفة فالغالب أن يقدم الإنسان الحلاوة.
فالمعرفة المجردة ليست هي التي تقود إلى الالتزام وإنما هي شرط له.
فمن يعيش الحلاوة المبنية على موافقة أعظم الحقائق والمعارف لا بد أن يستمسك بها ولا يفرط فيها.
أما من لم يذق ولو أدنى صورها فإنه لا يجد فقدا إن ترك الإسلام، فالإسلام والكفر سواء عنده. فمن لم يدق حلاوة الإيمان لن يذوق مرارة الكفر. وقال الإمام ابن رجب: "فإذا وجد القلب حلاوة الإيمان وجد مرارة الكفر والفسوق والعصيان" ويقول أيضا "لو وكمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي".
الموجب للاستقامة هو توافق الشعور والحلاوة مع المعارف والحقائق.
وهذان الجانبان هما أساس التأسيس للثبات على الدين
علاقة الإنسان بالدين ليست علاقة معرفة فقط بل هي علاقة محبة وتذوق.
المعرفة إنما هي أساس العمل والسير إلى الله تعالى وتحقيق العبودية له سبحانه.
معرفة ثم علم ثم عمل وهذا يترتب عليه المحبة وتذوق حلاوة الإيمان.
والخطأ في صورتين:
من اكتفى بالخطوات ولم يتغيى المحبة
ومن أراد تحقيق الغاية دون الخطوات الصحيحة الموصلة لها
أسباب تحقيق حلاوة الإيمان
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
موجبات المحبة
العلم بالله وبالنبي ﷺ.
لا تتأتى محبة الله ورسوله وتقديمها عن ما سواها إلا بالعلم بهما
ملاحظة الإحسان والنعمة
وكل خير تجده من لذة الاستسلام لله والانقياد له فللنبي ﷺ سهم فيه.
وأعظم إحسان النبي ﷺ إلينا هو تبليغه للدين.
وهذا مقام غير مجرد العلم بالله تعالى أو بالرسول
نعم الله لا تحصى
أن يحب المرء لا يحبه إلا لله
شدة محبتك لله تجعل معيار محبة الناس هو مدى محبتهم لله التعال
حبك لهذا الشخص إنما هو فرع عن محبتك لله تعالى. فحبك لله تعالى يجعلك تحب في سبيله
نتيجة حبك لله تعالى يجعلك تحب من أحبه.
أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار
وهذا السبب كذلك مبني على محبة الله وقلنا أن محبة الله مبنية على معرفة وعلم، ومن مقتضيات هذا العلم أن تعلم انحطاط ما يضاد الإيمان والمحبة.
من أهم موجبات كراهية الكفر هو العلم به
معرفة آثار الكفر عليك من موجبات كراهية الكفر
بَابٌ (١) عَلَامَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ
حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا (٣)، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ"
تعليق حول الإسناد
من هم تلاميذ شعبة بن الحجاج
عبد الله بن المبارك
وكيع
عبد الرحمن بن مهدي
أبو الوليد الطيالسي
يحيى القطان
فوائد
الله سبحانه وتعالى هو الذي سمى "الأنصار" بهذا الاسم، فليس هم من سموا أنفسهم بهذا الاسم. وهذا لقب شريف.
لكن استعمال هذا الاسم، على شرفه، للتفرقة بين المسلمين هو دعوى من الجاهلية.
صحيح البخاري - 4905
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ عَمْرٌو : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كُنَّا فِي غَزَاةٍ ، قَالَ سُفْيَانُ : مَرَّةً فِي جَيْشٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ، فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ "
مركزية الغايات التي خلق الإنسان لأجلها، فهذا اسم متعلق بالغيب والآخرة فهو نصرة لله ورسوله.
المقصود بالحديث هو عموم وجملة الأنصار والجهة التي لقبوا بها بالأنصار - نصرة الله ورسوله -
وليس المقصود هو أفراد الأنصار
فلو حصل موقف بين صحابي وصحابي آخر فهذا لا يدخل في معنى الحديث.
هذا المعنى مرتبط بمعنى الحديث السابق، فمن علامات الإيمان أن تحب المرأ لا يحبه إلا لله.
محبتك للأنصار هي من أول ما يدخل تحت معنى الحب لله.
لا بد من حب الأنصار لأن بغضهم آية النفاق.
قيمة وشرف من ينصر الله ورسوله عند الله تعالى، ليس مجرد حبهم فيه ثواب بل بغضهم علامة على خلل كبير في الإيمان.
الحب مناطه نصرة الله ورسوله، وهذا الترابط ليس خاصا بالأنصار بل يصدق على كل من سار في طريق نصرة الله ورسوله
كما أن الحب مطلوب فالبغض كذلك مطلوب إذا وضع في محله.
مدار هذا الحديث ليس هو الأفراد وإنما هو معنى نصرة الله ورسوله.
مناقب الأنصار
النبي ﷺ كان يحب الأنصار.
وصح أن النبي ﷺ قام ممتنا للأنصار ثم قال ﷺ "والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي"
شرف الأنصار يبدأ من ليلة العقبة من حين بايعوه على الإسلام وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم.
ولعله من أعظم المواقف في السيرة النبوية في نصرة الله ورسوله. ولايكاد ينافسه إلا بدر. فهذه الليلة لها في الإسلام شأن عظيم جدا.
كان أحد مواقف عرض النبي ﷺ نفسه على الناس أشد موقف عليه في حياته كلها. ومن هنا ندرك قيمة من قبلوا إيواء ونصرة النبي ﷺ.
قصة تقسيم الغنائم في حنين.
النبي ﷺ لم يعطهم من الغنائم لما يعلمه من إيمانهم.
وهذا وسام خاص بهم
اهتز عرش الرحمن لموت سيدهم (سعد بن معاذ).
باب
حدثنا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ﵁ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ (٥) لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ (٦) مِنْ أَصْحَابِهِ: "بَايِعُونِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا (٧) بِبُهْتَانٍ (٨) تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى (١) مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا (٢) فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ (٣) لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ (٤) فَهُوَ إِلَى اللَّهِ؛ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ". فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ
"وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ (٥) لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ"
لعل هذه الجملة الاعتراضية هي وجه ارتباط هذا الحديث بالحديث السابق.
ففيه إشارة إلى أن ليلة العقبة هي من أعظم الأشياء التي جعلت أن من علامات الإيمان حب الأنصار ومن علامات النفاق بغض الأنصار.
بل وهي التي كانت سبب تسميتهم بالأنصار.
ووجه التعلق بالحديث السابق: أنَّه لما ذَكر الْأَنصار في الحديث الأول أشار في هذا إلى ابتداء السبب في تلقيبهم بالأنصار؛ لأن أول ذَلِكَ كَانَ ليلة العقبة لَمَّا توافقوا مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عند عقبة مِنى في الموسم.
فوائد
من أهم ما جاء في هذا الحديث هو الرد على من يكفر مرتكب الكبيرة ويخلده في النار
معنى التأكيد والتوثيق على بعض المعاني الشرعية وإن كانت معلومة هو من الهدي النبوي.
فمن سنة النبي ﷺ أن يذكر المؤمن ويؤكد عليه ويُرَسَّخ في نفسه المعاني الشرعية الأساسية والكبرى.
فالبيعة في الحديث هي مع من أسلم سابقا، فهم أسلموا قبل هذه البيعة في ليلة بيعة العقبة. والأشياء المذكورة في الحديث والتي وقعت البيعة عليها هي أمور من قضايا الإسلام الكبرى والتي بعضها أصلا لا يصح إسلام المرء إلا بها، فهم قطعا عالمون بها ومع ذلك بايعهم النبي ﷺ على هذه المعاني الكبرى المعلومة عندهم.
فالتكرار والتأكيد على قضيا الإسلام الكبرى هو أمر مهم جدا، وإن كان الإنسان ملتزم بها.
وهذا معنى يؤخذ من آيات وأحاديث كثيرة.
فلا ينبغي أن نغفل تأكيد الأساسيات وإن كانت معلومة. وينبغي إعطاء كل عمل وكل مفهوم الحجم الذي جعله له الشارع.
هل الأفضال لمن أصاب ذنبا عليه حد ان يطلب إقامة الحد على نفسه أم لا؟
قال الإمام ابن رجب: أن جمهور العلماء على أن الأفضل لمن تاب من ذنب أن يستر على نفسه ولايقر به عند أحد وأن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى.
إذا اجتمع الحد مع التوبة فهذا أعلى المقامات
إذا تاب من الذنب لكن خلا الذنب من التطهير بالحد فيمكن أن يكفر ولكن يبقى الإنسان مرهونا بصدق توبته.
لو حصل التطهير بالحد بدون توبة فخلاف بين الفقهاء، وأكثرهم على أنه كفارة بمجرده
هذا الحديث موافق لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰٓ إِثْمًا عَظِيمًا﴾
فالحديث أحال إلى المشيئة كما في الآية
"وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ (٤) فَهُوَ إِلَى اللَّهِ"
هذا في من لم يتب، أم من تاب فالأصل أنها مقبولة إن شاء الله.
كلام عن الإسناد
الزهري مركزي في الرواية، وهو أحد أهم مدارات الحديث
أبو إدريس عائذ الله الخولاني بن عبد الله هو من أفاضل التابعين ومن أولياء الله الصالحين ومن خيار هذه الأمة، وكان عالم أهل الشام بعد أبي الدرداء وإن لم يكن مكثرا من الرواية. أدرك كبار الصحابة.
هذا إسناد مسلسل بالشاميين
بيان المشكل
مشكل الألفاظ
النقباء هم الممثلين لباقي الناس (وجهاؤكم أشرافكم..)
العصابة: من العشرة إلى الأربعين
"لا تأتوا بهتان يفترى بين الأيدي والأرجل" من صورها:
قضية إلحاق ولد الزنى بنسب ليس بنسبه. وأن ينسب الرجل إلى غير نسبه هو بهتان
السحر
القذف: ﴿وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَـٰنَكَ هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ عَظِيمٌۭ ١٦﴾
مشكل المعنى
الحديث المشكل مع هذا الحديث هو ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "لا أدري آلحدود كفارة لأهلها أم لا"
لم يخرجه البخاري لأنه ليس على شرطه.
وقد ورد هذا المتن من طريق الزهري مرسلا.
وقال الإمام البخاري أن المرسل أصح، أي هو الوجه المحفوظ الذي روي عليه. ثم قال "ولا يثبت هذا عن النبي ﷺ وقد ثبت عليه ﷺ أن الحدود كفارة".
فالبخاري رحمه الله أعل هذا الحديث سندا ومتنا.
رواه هشام بن يوسف عن معمر عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن النبي ﷺ مرسلا.
وهذا هو الإسناد المحفوظ كما قال الإمام البخاري
من صحح هذا الحديث يقول بالنسخ.
لكن حديث عبادة هو زمن بيعة العقبة، وحديث الباب رواه أبو هريرة الذي أسلم عام 7هـ. فكيف يكون المتقدم ناسخ للمتأخر.
أجابوا على هذا الإشكال أن حديث عبادة لم يكن في بيعة العقبة وإنما ذكرت بيعة العقبة تعريفا لعبادة.
كذلك من وجوه ترجيح حديث عبادة أنه موافق لآية الممتحنة التي نزلت بعد الحديبية.
١٢ - بَابٌ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ
حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (٥) أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُوشِكُ (٦) أَنْ يَكُونَ خَيْرَ (٧) مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ (٨) بِهَا شَعَفَ (٩) الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ؛ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ".
تعليق على الإسناد
الإمام البخاري كثير ما يصل إلى الإمام مالك من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن يوسف التنيسي وإسماعيل بن أبي أويس
أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، هو وأبوه صحابيان. أبوه، مالك بن سنان، استشهد يوم أحد.
له مواقف معروفة في القوة في الحق.
منها ما وقع له مع مروان بن الحكم إذ أراد أن يجعل خطبة العيد قبل الصلاة لمصلحة رآها.
وكان كثير من أهل المدينة يحظرون الصلاة ولا يحظرون الخطبة لتحفظهم من جانب الأمراء آنذاك.
أبو سعيد الخدري هو من المكثرين في الرواية
بيان الغريب
شعف الجبال رؤوسها
مواقع القطر: المواطن التي ينزل فيها المطر
فوائد
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه لما قتل عثمان رضي الله عنه اعتزل 40 سنة.
وما رجع المدينة إلى قبل وفاته بأيام
النبي ﷺ أخبر بفتن كثيرة جدا وهي من علامات نبوته ﷺ.
الإيمان أغلى شيء عند المؤمن، ومن أجله يضحي بكل شيء ويؤثر أن يترك كل شيء ويتبع شعف الجبال ومواقع القطر حفاظا عليه.
من أهم صور حالات العزلة المستحبة أن تقع فتنة من الفتن العامة التي يستلزم البقاء فيها ملابسة شيئا منها أو الإصابة بضرر دنيوي.
أو كانت فتنة يلتبس فيها الحق والباطل التباسا تاما ويكون لكلا الطائفتين وجهة نظر معتبرة شرعا.
الحديث يذكر "الفرار" والفرار ليس بالضرورة مصحوبا بالعزلة، إلا أن الصورة المذكورة في الحديث هي فرار مع عزلة.
لفظ "الفتنة/الفتن" يصح أن يطلق على حالات مختلفة من الابتلاء والاختبار والامتحان.
فالعزلة ليست دائما هي الحل في مواجهة الفتنة، وإنما ذلك حسن طبيعة الفتنة وصورتها. ففي بعض صورها يكون الأفضل هو الفرار منها، وفي البعض الآخر يكون الأفضل هو مخالطتها.
١٣ - بَابُ (١) قَوْلُِ النَّبِيِّ ﷺ: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ (٢) بِاللَّهِ" وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (٣): ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ (٥)، قَالَ: أَخْبَرَنَا (٦) عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا (٧) يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَغْضَبُ (٨) حَتَّى يُعْرَفَ (٩) الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا".
تعليق على الإسناد
الركنان الأساسيان في علوم الرجال
علوم مرتبطة بتعيين الرجال:
ضبط الأسماء، الكنى، الألقاب، المتفق والمفترق، المؤتلف والمختلف، النسبة، البلدان...
"محمد بن سلام" من الرواة الذين وقع اختلاف كبير في ضبط أسمائهم "سلام أو سلّام ؟" المعتمد "سلام"
علوم مرتبطة بعدالة الرجال
في الكتب الستة قرابة 8000 راوي.
آخر أصحاب الكتب الستة وفاة هو الإمام النسائي.
هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة.
هشام شيخ الإمام مالك
عروة بن الزبير من شيوخ الزهري.
والزهري شيخ مالك أيضا، فمالك يروي عن هشام بن عروة ويروي عن الزهري.
فوائد
هدي النبي ﷺ في حث أصحابه على الاقتصاد وهو السير المعتدل المتوسط.
فالنبي ﷺ لم يكن يثقل على أصحابه في حثهم على العبادة وإنما يراعي في ذلك إطاقتهم.
النبي ﷺ كان يحب المداومة على العمل وهي مقدمة على التكثير من العمل.
تفاوت القرب ليس بالكثرة وإنما بنوع العبادة وأحوالها التي يتقرب بها الإنسان إلى الله.
الرشاد والفلاح والخير كله في اتخاد النبي ﷺ قدوة وفي الاتباع التام لهديه.
﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا۟ ۚ﴾
الزيادة عن هدي النبي ﷺ تكون مذمومة في حالتين
فمطلق الزيادة على عدد عبادات النبي ﷺ ليس مذمومة مطلاقا إلا إذا كان فيها معنى مشكلا.
إذا صاحبها استقلال لعبادة النبي ﷺ
الزيادة التي تؤدي إلى عدم المداومة
ليس كل من أراد اتباع النبي ﷺ مصيب، فاتباعه ﷺ له معالم وسبل مرجعها إلى مجموع هديه ﷺ وسيرته.
كلما ازداد المرء معرفة بأحوال النبي ﷺ، ازداد تأهلا لحسن اتباعه إذ يكون قد حصل الجانب المعرفي.
ويبقى الأهلية من جهة تزكية النفس وإرادة الاتباع حتى يوافق العمل العلم، فحصول المعرفة لا يقتضي حصول الإرادة.
كيف نحقق المعرفة بأحواله التفصيلية القائدة إلى استنباط وتحديد معالم اتباعه (وكيف يكون اتباعه صحيحا)
تتبع سيرة النبي ﷺ وهديه في القرآن
فيها التوجيه الإلهي في التعامل مع الأحداث وما ينبغي أخذه من فوائد وعبر وعمل
السنة النبوية الصحيحة في كتب الحديث
كتب السيرة
دوام الافتقار إلى الله تعالى بأن يهديك ويحفظك من الضلال ودوام الاستهداء بسنة النبي ﷺ وذلك بأن يزداد المرء معرفة به وبهديه ﷺ
يَا عِبَادِي : كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ
١٤ - بَابٌ (١٠) مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الْإِيمَانِ (١١)
[٢١] حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ (١٢) ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ (١)، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ (٢) كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ".
الحديث سبق معنا في باب حلاوة الإيمان، والبخاري يكرر نفس الحديث تحت باب مختلف للإشارة إلى معنى مهم وهو أن الإيمان حب وكره، وأن بعض أنواع الكر يعد من الإيمانز
كلام عن الإسناد
قتادة هو من الستة الذين تدور عليهم أسانيد الأحاديث الصحيحة.
هؤلاء الستة ذكرهم علي بن المديني وهم
في البصرة: قتادة
في المدينة: الزهري
في مكة: عمرو بن دينار
في البصرة: يحيى بن كثير
في الكوفة: الأعمش
في الكوفة: أبو إسحاق السبيعي
١٦ - بَابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ
[٢٤] حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا (٥) مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (٦)، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ".
كلام عن الإسناد
ابن شهاب هو الإمام الزهري
إسناد الزهري عن سالم عن أبيه قال فيه بعض النقاد أنه أصح إسناد على الإطلاق.
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أحد فقهاء المدينة السبعة، أخذ منه الزهري كثيرا وروى عنه الكثير.
قيل هو أضبط من روى عن عبد الله بن عمر وقيل نافع.
غريب الحديث
"يعظ أخاه في الحياء"
أي يعاتبه على شدة حيائه وما يظهر عليه من ضعف أو إحجام نتيجة حيائه.
فوائد
هذا الحديث يشهد لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ (٥) وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ".
من الأخلاق ما هو بوابة وطريق يؤدي إلى أخلاق وخصال أخرى في الشر أو في الخير.
والحياء من هذا الصنف من الأخلاق، فإذا وجد الحياء جر معه أخلاقا أخرى حسنة كثيرة، وإذا نُزع الحياء ذهبت معه تلك الأحلاق "إن لم تستح فاصنع ما شئت".
فمن رزق الحياء فقد رزق بابا للخير وليس فقط خلقا مجردا.
فرق بين الحياء وبين الجبن
صور الحياء هي غير صور الجبن، فيستحي المرء من مواجهة الناس بسوء أو يرى من أخيه تقصيرا فيغض طرفه حياء أن يواجهه بما يكره أو يستحي أن يرى منه الناس ما يستحق منه الذم...
﴿إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ وَٱللَّهُ لَا يَسْتَحْىِۦ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ وَإِذَا﴾
أما في مواطن الحزم ونصرة الحق ومواجهة الباطل تجده قويا حازما.
أما الجبن هو ما يمنع الإنسان من القيام في المقامات المحمودة شرعا أن عرفا بسب الخوف، أما إذا كانت الحالة المخوفة فوق طاقة الإنسان لم يكن ذلك جبنا.
سبب الإحجام ونوعه وطبيعة الموقف الذي وقع فيه الكف والإحجام هو ما يفرق به بين الحياء والجبن.
فكلاهما كف وإحجام إلا أن الحياء كف ممدوح والجبن كف مذموم.
الحياء من صفات الإيمان العظيمة التي نبه عليها النبي ﷺ أما الجبن فهو من الصفات التي لا تستقيم مع الإيمان البتة.
١٧ - بَابٌ ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ (١)
[٢٥] حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ (٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ (٣)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ (٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ".
شرح بعض ألفاظ الحديث وبعض الإشكالات
"إلا بحق الإسلام"
المقصود به ما أباح الشارع فيه الدم والمال كما في حق الثيب الزاني أو القصاص...
فالمسلم معصوم الدم معصوم المال إلا في ما جاء فيه الإسلام بحكم إراقة الدم أو أخذ المال كمن قتل نفسا بغير حق.
من المقصود بالناس هنا؟
عصمة الدم والمال هنا معلقة بشيء محدد وهو شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
لكن في سورة التوبة عُلِّقت عصمة الدماء بشيء آخر ﴿قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُوا۟ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍۢ وَهُمْ صَـٰغِرُونَ﴾
إما تكون الآية تخصص عموم الحديث فيكون المقصود بالناس كل الناس أي الكفار كلهم، ثم تأتي الآية فتخرج أهل الكتاب من ذلك العموم
من قال بهذا القول يستعمل هذا المثال للدلالة على أن القرآن كذلك يخصص السنة وليس السنة فقط هي التي تخصص القرآن.
إما أن يكون لفظ الناس عاما يراد به الخصوص أي المشركين غير أهل الكتاب والعهدة.
حديث سليمان بن بريدة ذكر فيه أن الجزية تقبل من المشركين ويكف عنهم إن هم قبلوا.
فيكون حديث الباب ذكر شيئا مما يكف به عن المشركين ولم يذكر كل أسباب الكف عنهم.
فالحكم النهائي يستفاد من مجموع النصوص.
حديث بريدة يخصص حديث الباب من جهة الحكم (؟ هذا لا أستسغه..)
تصير الآية تتكلم على جزء الحكم النهائي المستفاد، فهي من أفراد العام.
قاعدة: ذكر بعض أفراد العام بما يوافق حكم العام هو ليس بنفي ولا تخصيص.
"الماء طهور لا ينجسه شيء"
"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"
الحديث الثاني هو من باب ذكر بعض أفراد العام المذكور في الحديث الأول بما يوافق حكم العام، فلا يكون الحديث الثاني مخصصا للحديث الأول (ولا نافيا للحكم العام)
ما فائدة ذكر أفراد العام بنفس حكم العام؟
تنبيه وتأكيد على معنى خاص
ذكر أهل الكتاب في الآية لأفضليتهم على بقية المشركين، فإن كانت الجزية تؤخذ من المشركين، كما هو الحكم المستفاد من مجموع النصوص، فأهل الكتاب أولى من المشركين بالكف عنهم بالجزية لأفضليتهم على باقي المشركين وأن أهل الكتاب لهم في الإسلام أحكام أخف من غيرهم.
فوائد
هذا الحديث روي بألفاظ متعددة، فالمنهجية الصحيحة في جمع روايات الحديث الواحد حتى تكتمل وتستبين المعاني للأحاديث التي رويت من وجوه مختلفة ومتعددة.
فبجمع الروايات نفهم هل الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث (شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) هي مقصودة بعينها أن أنها إشارة إلى معنى كلي متعلق بالتسليم والاستسلام.
العلماء فرقوا فيه بين الجماعة والفرد.
هل الفرد الواحد إذا أتى بالشهادة لكنه لم يقم الصلاة ولم يؤت الزكاة فهل ينطبق عليه هذا الحديث أم لا؟
ابن رجب في جامع العلوم والحكم ذكر خلاف العلماء في هذه المسألة، أي هل يشمل الحديث الأفراد أم لا؟
كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى المجلد 28، ناقش من يقول أن قتال الممتنعين من الزكاة في زمن أبي بكر هم بغاة، وإنما هو من جنس قتال الخوارج الخارجين عن شعائر الإسلام، فالخوارج امتنعوا عن تحريم دماء المسلمين، وهؤلاء امتنعوا عن أداء الزكاة
الإسلام يتعامل مع الناس بالظاهر، فالظاهر أساس الأحكام
بَابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ (٥) وَكُفْرٍ (٦) بَعدَ (٧) كُفْرٍ
فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (٨) الْخُدْرِيِّ (٩)، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ (١٠).•
[٢٩] حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (١) ﷺ: "أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا (٢) أَكْثَرُ (٣) أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ (٤) "، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ (٥) أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ (٦) شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".
الإمام البخاري بوب على هذا الحديث تبويبات أخرى عجيبة.
والحديث هنا مختصر وذكر في مواضع أخرى مطولا.
بوب البخاري بتبويبات توافق بعض الجمل التي لم تذكر في هذه الرواية المختصرة.
"باب من صلى وقدامه نار أو تنور"
"باب من نظر ببصره في الصلاة إلى الأمام"
كلام في الإسناد
عطاء بن يسار من التابعين الكبار يروي عن عدد من الصحابة.
زيد بن أسلم من شيوخ الإمام مالك الذي يُكثر عنهم.
فالإمام مالك روى عن جماعة من أهل العلم، منهم الزهري وأيضا منهم زيد بن أسلم وهو من أهم شيوخ الإمام مالك.
ويروى عنه في الفقه والتفسير
بيان الغريب وتوضيح المشكل
"كفر دون كفر": ليس كل عمل ورد في الشريعة تسميته كفرا يكون من الكفر المخرج من الملة.
بل يطلق الشارع لفظ الكفر ولا يراد به الخروج من الملة وإنما يراد به درجة من درجات الكفر.
وتسمية أعمالا بهذا اللفظ وإن لم يكن المراد به الخروج من الملة إلا أن فيه إشارة إلى نوع من الجحود والتنكر.
فوائد
ما يدخل الإنسان النار أو الجنة قد يكون أهون الأشياء والأعمال عليه.
فليس كل ما يستهونه الإنسان أو يستعظمه يكون عند الله كذلك.
﴿وَتَحْسَبُونَهُۥ هَيِّنًۭا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌۭ﴾
دليل عظمة ذنب من الذنوب الكفارة التي شرعها الله على إثر هذا العمل.
العقوبة على العمل المذكور في الحديث ليست خاصة بالنساء، وإنما ذكر النساء للتنبيه على فشو وانتشار هذا الخلق في النساء، فلفظ الحديث خرج مخرج الغالب.
العمل المذكور هو "كفران العشير" الذي غالبا ما يقع استجابة لداعي الغضب. وهو صور من صور مقابلة الإحسان بالإساءة.
والذي قد لا تراه النساء شيئا عظيما وإنما تنظلا إليه بشيء من التهوين والتقليل من شأنه.
مما يدل على منزلة العمل في الشريعة النظر إلى مقدار العقوبة أو مقدار الجزاء المترتب عليه.
الصدقة من أهم الأعمال التي تقي من عذاب الله سبحانه وتعالى.
والذي يحدد أحب الأعمال إلى الله التي تقرب إليه سبحانه هو الله سبحانه وتعالى.
٢٣ - بَابٌ (١) ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ (٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (٣) فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (٤)﴾ (٥) فَسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ (٦)
[٣١] حدثنا (٧) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ (٨): أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ. قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ". فَقُلْتُ (٩): يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ".
كلام في الإسناد
الحسن هو الحسن البصري
أيوب هو أيوب بن أبي تميمة السِختياني وهو من أئمة المسلمين ومن سادات الفقهاء. وهو مكثر جدا من الرواية.
هو من المكثرين عن نافع (ونافع هو مركزي في الرواية عن ابن عمر).
من أكثر من يروي عن نافع: مالك وأيوب السختياني
هو كان من مدرسة التوقي، فإذا شك هل الحديث مرفوع أو موقوف يأتي به موقوفا حتى لا ينسب إلى النبي ﷺ شيئا.
وهو الذي قيل له "شكك أحب إلي من يقين غيرك"
هو بصري ومن تلاميذ محمد بن سيرين إمام من أئمة المسلمين كذلك الذي أخذ عن أبي هريرة رضي الله عنه
تلاميذ أيوب
أشهر تلاميذته وأثبتهم حفظا ورواية، حماد بن زيد وهو من أئمة الحديث حفظا وهو أحفظ وأضبط من قرينه حماد بن سلمة.
اسماعيل بن علية شيخ الإمام أحمد
عبد الوهاب الثقفي
وُهَيْب
عبد الوارث بن سعيد
شرح الغريب ورفع الإشكال
المقصود بالرجل في قوله "أنصر هذا الرجل" هو علي بن أبي طالب.
هذا الحديث من الأحاديث التي لا تفهم بشكل صحيح إلا بعد جمع بقية النصوص الواردة في نفس الموضوع.
فهذا الحديث إذا أخذ وحده يفهم منه أن الإنسان يؤاخذ بالهم والنية. فمن هم بمعصية فإنه يحاسب على هذا الهم وإن لم يعمل بالمعصية.
نذكر هنا ملخص لكلام ابن رجب في جامع العلوم الحكم والذي فصل في الحالات الأربع للهم بالحسنة أو المعصية والعمل بها:
عملُ الحسنات، فتضاعف الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعافٍ كثيرةٍ، فمُضاعفة الحسنة بعشر أمثالها لازمٌ لكلِّ الحسنات
الهمُّ بالحسنات، فتكتب حسنة كاملة، وإن لم يعملها.
المرادَ بالهمِّ هنا: هو العزمُ المصمّم الذي يُوجَدُ معه الحرصُ على العمل، لا مجرَّدُ الخَطْرَةِ التي تخطر، ثم تنفسِخُ من غير عزمٍ ولا تصميم.
ومتى اقترن بالنيَّة قولٌ أو سعيٌ، تأكَّدَ الجزاءُ، والتحقَ صاحبُه بالعامل.
روى أبو كبشة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٍ رَزَقَهُ الله مالًا وعلمًا، فهو يَّتقي فيه ربَّه، ويَصِلُ به رحِمَه، ويعلمُ للهِ فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالًا، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لو أنَّ لي مالًا، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيتِه، فأجرُهُما سواءٌ
فالإنسان يؤجر بنفس أجر من عمل العمل إذا كان صادق النية وصحب نيته شيئٌ من العمل.
فما الفرق بين الذي عمل والذي لم يستطع العمل؟
الفرق في المضاعفة، فالمضاعفة إنما تكون للعامل. أصل الأجر يكون سواء لكن الذي عمل يُضاعف له ما لا يضاعف للذي لم يعمل.
ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ} [النساء: ٩٥، ٩٦]. قال ابن عباس وغيره: القاعدون المفضَّلُ عليهم المجاهدون
درجة
همُ القاعدون من أهلِ الأعذار، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون
درجاتٍ
هم القاعدون من غير أهل الأعذار
هل تضاعف السيئات؟ الأصل أنها لا تضاعف لكن السَّيِّئة تعظُمُ أحيانًا بشرف الزَّمان، أو المكان ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
أخرج البخاري في صحيحه
حدثنا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ (٢)، إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ (٣) رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ (٤) بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، فَأَخَذَهَا، وَلَمْ يُعْطَ (٥) بِهَا".
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: خَصَّ وَقْتَ الْعَصْرِ بِتَعْظِيمِ الْإِثْمِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، لِأَنَّ اللَّهَ عَظَّمَ شَأْنَ هَذَا الْوَقْتِ بِأَنْ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ تَجْتَمِعُ فِيهِ وَهُوَ وَقْتُ خِتَامِ الْأَعْمَالِ، وَالْأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا فَغَلُظَتِ الْعُقُوبَةُ فِيهِ لِئَلَّا يُقْدِمَ عَلَيْهَا تَجَرُّؤًا، فَإِنَّ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَيْهَا فِيهِ اعْتَادَهَا فِي غَيْرِهِ، وَكَانَ السَّلَفُ يَحْلِفُونَ بَعْدَ الْعَصْرِ
الهمُّ بالسَّيِّئات من غير عملٍ، لها حالات وليست حالة واحدة.
الحالة الأولى: من قدر على ما همَّ به مِنَ المعصية، فتركه لله تعالى، وهذا لا رَيبَ في أنَّه يُكتَبُ له بذلك حسنة؛ لأنَّ تركه للمعصية بهذا القصد عملٌ صالحٌ
الحالة الثانية: إن همَّ بمعصية، ثم ترك عملها خوفًا من المخلوقين، أو مراءاةً لهم، فقد قيل: إنَّه يُعاقَبُ على تركها بهذه النيَّة، لأنَّ تقديم خوفِ المخلوقين على خوف الله محرَّم
الحالة الثالثة:
إن سعى في حُصولها بما أمكنه، ثمَّ حالَ بينه وبينها القدرُ، فقد ذكر جماعةٌ أنَّه يُعاقَب عليها حينئذٍ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز لأمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تكلَّمْ به أو تعمل" (٢) ومن سعى في حُصول المعصية جَهدَه، ثمَّ عجز عنها، فقد عَمِل، وكذلك قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّار"، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتلُ، فما بالُ المقتول؟! قال: "إنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه" (٣).وقوله: "ما لم تكلَّم به، أو تعمل" يدُلُّ على أنَّ الهامَّ بالمعصية إذا تكلَّم بما همَّ به بلسانه أنَّه يُعاقَبُ على الهمِّ حينئذٍ، لأنه قد عَمِل بجوارحِه معصيةً.
إذا هم بالمعصية وعزم عليها وشرع في العمل المؤدي إلى المعصية لكنه لم يصل. هنا تكتب عليه المعصية ويؤاخذ عليها. وهنا يتنزل حديث الباب.
الحالة الرابعة:
إن انفسخت نِيَّتُه، وفترَت عزيمتُه من غيرِ سببٍ منه، فهل يُعاقبُ على ما همَّ به مِنَ المعصية، أم لا؟
(الهم هنا يقصد به العزيمة المصممة التي تقع في النفوس)
هذا على قسمين
ما كان عملا من أعمال القلوب كالشَّكِّ في الوحدانية، أو النبوَّة، أو البعث، أو غير ذلك مِنَ الكفر والنفاق، أو اعتقاد تكذيب ذلك، فهذا كلّه يُعاقَبُ عليه العبدُ، ويصيرُ بذلك كافرًا ومنافقًا.
وقد رُوِيَ عن ابن عباس أنَّه حمل قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤]، على مثلِ هذا.
ويلحق بهذا القسم سائرُ المعاصي المتعلِّقة بالقلوبِ، كمحبةِ ما يُبغضهُ الله، وبغضِ ما يحبُّه الله، والكبرِ، والعُجبِ، والحَسدِ.
هذه الأعمال العمل بها هو استقرارها في القلب، فإن وقع الاستقرار فقد قضي العمل وترتبت عليه آثاره.
ما لم يكن مِنْ أعمال القلوب، بل كان من أعمالِ الجوارحِ، كالزِّنى، والسَّرقة، وشُرب الخمرِ، والقتلِ، والقذفِ، ونحو ذلك، إذا أصرَّ العبدُ على إرادة ذلك، والعزم عليه، ولم يَظهرْ له أثرٌ في الخارج أصلًا. فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء:
يؤاخذ به
قاله الأكثر من العلماء والفقهاء والمحدثين
لا يؤاخذ به
فوائد
الإسلام يهتم بالبواعث والدوافع أكثر من التركيز على النتائج.
فهنا الإسلام لم يعلق حكم المقتول بالنتيجة التي هي القتل، فإنه ما دام سعى وتحرك فعليه وزر نيته.
كذلك المجتهد الذي له آلة الاجتهاد وأفرغ وسعه لكنه لم يصيب فإنه مأجور، وليست العبرة بالنتيجة.
هل المقصود من قول النبي ﷺ أن المقتول في النار أنه قطعا في النار؟
الجواب لا، بل يفهم أنه فعل فعلا من الأفعال التي توجب له النار.
هذا كذلك يفهم تحت ضوء جمع النصوص، ومن اجتزء شيئا منها فإنه يضل.
وهذا سبب ضلال الخوارج إذ اجتزؤوا النصوص ولم يجمعوها ويعملوا بها جميعا
الفتنة بين الصحابة كانت حالة التباس
٢٤ - بَابٌ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ
[٣٢] حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ (١)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (٢) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (٣): لَمَّا نَزَلَتْ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا (٤) إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ (٥) قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ (٦) ﷺ: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (٧) ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
كلام في الإسناد
عبد الله المذكور في الإسناد هو ابن مسعود رضي الله عنه.
نعرف ذلك بالنظر إلى الذي روى عنه، وعلقمة إذا روى عن عبد الله فهو ابن مسعود.
عبد الله بن مسعود أحيا مدرسة القرآن في الكوفة، إذ اعتنى بجماعة من نجباء طلاب الكوفة وهم التفوا حوله وتلقوا عنه الفقه والقرآن.
وعلقمة كان من الفقهاء الكبار الذين كانوا يشبهون بعبد الله بن مسعود.
علقمة تابعي كبير توفي قبل بعض الصحابة، شهد صفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
تلميذ علقمة هو أحد المراكز الكبرى في روايات ابن مسعود.
بل هو أهم راوي يأتي في أحاديث ابن مسعود رضي الله عنه.وأخذ عن عدد من أصحاب ابن مسعود فاجتمع علم ابن مسعود عند إبراهيم النخعي وإن لم يدركه.
الذي روى عن إبراهيم هو سليمان بن مهران الأعمش وهو أحد الرواة الستة الذين تدور عليهم رواية الأحاديث الصحاح.
ولد الأعمش سنة مقتل الحسين عام 61 هـ، كان معاصرا تقريبا لأبي حنيفة.
البخاري له طريقان إلى شعبة في هذا الحديث:
أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا شعبة
بشر قال حدثنا محمد عن شعبة
محمد المذكور هو محمد بن جعفر الملقب بغُنْدَرْ.
وقيل فيه: "إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غُندَر حكم بينهم".
وهو إن كان دون أصحاب شعبة حفظا إلا أنه في شعبة تحديدا من أضبط الناس.
شعبة زوج أم غُندر.
فوائد
فائدة أصولية في منهجية الاستدلال: تأسيس لمنهجية الجمع بين النصوص وبيان مجمل النصوص بنصوص أخرى. وهذا مبدأ في القرآن والسنة.
الشريعة إنما تفهم بضم النصوص إلى بعضها.
ليس كل تفسير للنص يوافق معنى ألفاظه يكون صحيحا.
بل لا بد من فهم النصوص تحت ضوء بعضها البعض.
الآية تفهم كذلك في ضوء الآية التي قبلها:
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰنًۭا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۞ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يَلْبِسُوٓا۟ إِيمَـٰنَهُم بِظُلْمٍ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾
الآية ربطت الأمن بالشرك من عدمه، فالفريق الذي لم يشرك أحق بالأمن.
وفي الآية الثانية، الأمن للذين لم يلبسوا إيمانه بظلم وهم الفريق الذين لم يشركوا.
لم يلبسوا إيمانهم بظلم = لم يشركوا
تحقيق التوحيد لله سبحانه وتعالى هو من أهم أسباب النجاة.
فكلما حقق الإنسان الإخلاص وكلما جاهد نفسه لدفع دواعي الشرك والرياء كان أدعى لأن يقاد إلى الهداية.
فالإخلاص طريق إلى الهداية.
لم يزجر النبي ﷺ أصحابه بسبب سؤالهم عن ما استشكلوه من معنى الآية ما دام السؤال فيه تعظيم للوحي ونصوص الوحي.
القرآن الكريم يعيد تحديد المفاهيم ويضبط المعايير.
فالقرآن يعلمنا أن الشرك هو أعظم الظلم
نستمد معاييرنا من المرجعية العظمى التي هي الوحي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على النبي ﷺ.
٣١ - بَابٌ (١) الصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (٢) ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (٣) يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ
[٤٠] حدثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ (٤) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ: أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا (٥) أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى (٦) أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ (٧) الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (٨) ﷺ قِبَلَ مَكَّةَ. فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ.
قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ (١) هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (٢): ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
كلام عن الإسناد
أبو إسحاق هو أبو إسحاق السبيعي وهو من الستة الذي تدور عليهم الرواية.
يروي عن البراء كثيرا.
ومن أصحابه الذي أكثروا عنه
إسرائيل (حفيده)
سفيان الثوري
شعبة بن الحجاج
بيان الغريب
"نزل على أخواله" المقصود بذلك من أخوال الأجداد لا أخواله القريبون إخوان أمه. وخال الجد يقال له خال.
فوائد
النبي ﷺ كان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وكان النبي ﷺ يتعامل مع ربه بالأدب والحياء. فكانت طريقة النبي ﷺ في طلب تحويل القبلة أنه كان يقلب وجهه في السماء.
اعتبار أخبار الآحاد.
سرعة استجابة الصحابة وامتثالهم.
حرص الصحابة على إخوانهم وحملهم هم مصيرهم.
الله سبحانه وتعالى سمى الصلاة إيمان ومعناه أن العمل من الإيمان.
٣٣ - بَابٌ (٤) أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ (٥) أَدْوَمُهُ
[٤٣] حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ (٦): "مَنْ هَذِهِ؟ " قَالَتْ: فُلَانَةُ - تَذْكُرُ (٧) مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ: "مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا (٨) تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ (٩) الدِّينِ إِلَيْهِ (١٠) مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ
كلام عن الإسناد
محمد بن المثنى هو شيخ للإمام البخاري ومسلم وأبي داوود والنسائي وابن ماجه.
فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعا.
وهو من الثقات وممن يروي عن يحيى القطّان كثيرا.
هشام بن عروة
هو من شيوخ مالك.
وأثبت من روى عن هشام بن عروة على الإطلاق هو الإمام مالك.
وهشام روى عنه الكثير (كوفيون، مدنيون...)
من تلاميذه:
مالك
يحيى القطّان
يحيى المذكور هنا هو يحيى القطَان
عروة بن الزبير يروي كثيرا من أحاديث السيرة هذا لا يستغرب عنه إذ خالته عائشة رضي الله عنها.
عروة يروي السيرة أحيانا مرسلة، فلا ينبغي أن ينظر إليها أنها منقطعة دون اعتبار أن الذي يرويها هو عروة بن الزبير والذي تخصص في السيرة والذي ينقل كثيرا من علمه عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
توضيح المشكل
الملل ليس من صفات الكمال، لكن استعمل اللفظ هنا من باب المقابلة.
فوائد
معيار القبول والتفاضل الأساس هو موافقة هدي النبي ﷺ لا الكثرة.
مما يدخل في هدي النبي ﷺ أن يكون العمل مطاقا وأن يداوم عليه.
أهمية تصحيح المفاهيم التي قد تلتبس عموما وعلى الصالحين وطلاب العلم خصوصا.
فالنبي ﷺ صحح بعض المفاهيم هنا لعائشة رضي الله عنها إذ كانت تعجب وتعظم من عبادة تلك المرأة.
الله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه، فعلى قدر ما تعمل يعطيك الله سبحانه وتعالى وخزائنه لا تنفد.
مركزية المداومة على العمل.
لماذا المداومة محبوبة عند الله تعالى؟
فالمداومة تدل على عزيمة صاحبها وكمال همته وانضباطه وقدرته على ضبط نفسه. أما الانقطاع فهو علامة للتقلب وحالة غير سوية في التعبد.
كما أن مداومة العبادة تؤدي إلى الترقي في المقامات التعبدية.
٣٨ - بَابُ سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ، وَبَيَانِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ
ثُمَّ قَالَ: "جَاءَ جِبْرِيلُ ﵇ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَقَوْلِهِ (٩) تَعَالَى (١٠): ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾
[٥٠] حدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ (١) ﷺ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ (٢) فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَاِئكَتِهِ (٣)، وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ (٤)، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ". قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ (٥) الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ". قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا (٦) بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا (٧): إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ" ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ ﷺ: " ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ (٨) " الْآيَةَ (٩)، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: "رُدُّوهُ" فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ".
قالَ أبو عَبدِ الله: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ.
كلام عن الإسناد
أبو زرعة الذي في هذا الإسناد ليس هو أبو زرعة الرازي صاحب العلل فهو متأخر بعد الإمام أحمد.
وإنما هو أبو زرعة التابعي.
إسماعيل بن إبراهيم المعروف بإسماعيل بن علية
هو أثبت من روى عن أيوب السختياني
توضيح المشكل
"البُهم" يعني السوداء.
فوائد
من مجموع رواية أبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
النبي ﷺ كان يبرز للناس حتى يأتيه من يحتاجه.
يشرع أن تسأل سؤالا تعلم جوابه حتى يستفيد الحاضرين من الجواب.
فسيدنا جبريل عليه السلام جاء يسأل أسئلة، والنبي ﷺ قال أنه جاء يعلم الناس دينهم.
المعاني المركزية الكبرى وأصول الدين تحتاج إلى تأكيد وتثبيت وإن كان معلومة في الأساس.
والقرآن دائم التأكيد على مركزية التوحيد والعبادة والعبودية والتعرف إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته ومحاربة الشرك والكفر.
هذا الحديث يفيد التفريق بين الإسلام والإيمان تحت قاعدة "إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا".
الإحسان في الشريعة له جانبان، إحسان ذاتي كما في حديث الباب وإحسان متعدي
الحديث ذكر منزلتين للإحسان واحدة أعلى من الأخرى.
تعريف المصطلحات ليس بالضرورة أن يأتي شاملا لكل شيء، فيأتي تعريف الشيء أحيانا بذكر صورة من أهم صوره. وهذا من أساليب اللغة العربي وعاداتها وسماتها، فلا ينبغي أن يعتبر هذا إشكالا ولا ينبغي الغفلة عن خصائص اللغة حتى لا يفسد الفهم.
ينبغي الاهتمام بعلامات الساعة دون إفراط ولا تفريط.
والانطلاق في التعامل معها من خلال النصوص الصحيحة.
٤٠ - بَابُ (٤) فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
[٥٢] حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (٥) ﷺ يَقُولُ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ (٦) لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ (٧) اسْتَبْرَأَ (٨) لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (٩)، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ (١٠) كَرَاعِي (١١) يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ (١) لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ (٢) حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ (٣) مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً (٤) إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ (٥)، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".
كلام عن الإسناد
هذا الإسناد إسناد كوفي
أبو نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري
هو من أثبت وأصدق أصحاب سفيان الثوري
"عامر" هذا هو الشعبي، عامر بن شراحيل الشعبي
الإمام الزهري يقول: "العلماء أربعة، سعيد بن المسيب في المدينة، عامر بن شراحيل الشعبي بالكوفة، الحسن بن أبي الحسن البصري بالبصرة ومكحول بالشام
توضيح المشكل
الملوك كانوا يجعلون مناطق معينة لرعي دواب الملك لا يقرب أحد منها ولا يسمح لأحد من الرعاة أن يجعل إبله ترعى فيها. وهذه هي "الحمى".
ومن يرعى حول الحمى يوشك أن تدخلها إبله لاتصال الأرض واسرسال الرعي.
فوائد
هذا أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام
أهمية الاستبراء للدين والعرض، أي طلب السلامة في ديني واجتناب ما فيه شبهة وقد يوقعني في إشكال من جهة كلام الناس المتعلق بالعرض.
فإذا كان الموضع موضع شبهة عرفا فمن الأحسن أن تطلب البراءة للعرض.
صحيح البخاري - 2038
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ . ح حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ ، فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ : لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ ، وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا ، فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَجَازَا ، وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، قَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا " .
هذا الحديث قد يستفاد منه في فقه سد الذرائع.
فالتحذير من الاقتراب من المحرمات لعدم الوقوع فيها.
مركزية القلب في التزكية.
فصلاح القلب أصل لصلاح ما سواه.
إثبات التلازم بين الظاهر والباطن، فالنبي ﷺ قال أن صلاح القلب يستلزم صلاح الجسد.
فضل العلم الذي به يعرف ما لا يعرفه كثير من الناس.
ومن شؤم الجهل وشره أنه يجعل الإنسان يقع في شبهات يجهلها.
الجاهل وإن لا يأثم بالضرورة بالوقوع في الشبهات إلا أنه يقترب من الحرام، فإذا تعودت النفس على منطقة الشبهات كان من السهل أن تتجرأ على محارم الله
من عود نفسه على الابتعاد عن مناطق الحرام لا تراوده نفسه بسهولة للوقوع في الحرام.
٤١ - بَابٌ أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الْإِيمَانِ
[٥٣] حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي (٦) عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ قالَ: "مَنِ الْقَوْمُ" أَوْ: "مَنِ الْوَفْدُ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ" أَوْ: "بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا (٧) وَلَا نَدَامَى" فَقَالُوا (٨): يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرِ (٩) الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ (١) بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ (١) بِهِ الْجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الْأَشْرِبَةِ. فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ". وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ (٢) وَالدُّبَّاءِ (٣) وَالنَّقِيرِ (٤) وَالْمُزَفَّتِ (٥)، وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ (٦)، وَقَالَ: "احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ".
كلام عن الإسناد
شعبة بن الحجاج بصري تـ160هـ
هو أول من وسع علم الحديث وعمق من قواعده
بيان الغريب
"الْحَنْتَمِ (٢) وَالدُّبَّاءِ (٣) وَالنَّقِيرِ (٤) وَالْمُزَفَّتِ" هي أنواع من الأوعية ونهي النبي ﷺ عنها ليس نهي من اتخاذها أوعية وإنما نهاهم عن الانتباذ فيها.
والنبيذ في اللغة مأخوذ من الطرح والنبذ والترك، فهو مشروب يكون بترك شيء من الفواكه أو الثمار في الماء ليومين أو ثلاثة حتى يتشرب الماء طعمه.
والنبي ﷺ كان يرشد الصحابة إلى أفعال للاحتياط من شرب مسكر وهم لا يعلمون، ومن بين هذه الأفعال هو عدم الانتباذ في آنية تُسَرِّعْ من عملية التغير.
لذلك نبَّه النبي ﷺ الصحابة عن ترك بعض أنواع الأواني وعدم الانتباذ فيها خشية أن يصل إلى حد الإسكار.
الحنتم: نوع من الجِرار
الدباء: القرع اليقطين اليابس
النقير: ينقر أصل النخلة فيصير مثل الوعاء
المزفَّت: مطلي بالزفت
هذا الحكم نُسخَ فيما بعد، فقد كان حكما مرحليا.
فوائد
هدي النبي ﷺ في الترحيب بالضيوف.
مقدار المشقة والمخاطر التي كان يتعرض لها الصحابة للوصول إلى النبي ﷺ والأخذ عنه والتعلم منه.
كان عند العرب شيء من مكارم الأخلاق حتى في الجاهلية، لكن وجودها فهذه المرحلة تلقب بالجاهلية لأن المقياس هو اتباع الحق والوحي والعبودية لله تعالى.
أهمية الاختصار والوضوح في إيصال الحقائق الشرعية. "أمر فصل"
أهمية حفظ العلم
أمر النبي ﷺ لهم بأن يخبروا من وراءهم دليل على عدالة الصحابة وأن النبي ﷺ يعتد بأخبارهم.