Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
سورة الكافرون, قراءة بلاغية فيها, هي سورةٌ مكيَّة، آياتها ستٌّ، وتُعَدُّ…
سورة الكافرون
التعريف
تعدّ سورة الكافرون إحدى السورة المكية، ويبلغ عدد آياتها ست،وتسمّى بالمقشقشة أي؛ المُبرئة من الشرك، والنفاق، والضلال، وبسورة العبادة.]وتسمى بسورة الإخلاص؛ لما تحويه من معاني الإخلاص لله -تعالى- ومدحه والثناء عليه بالصفات الكاملة، وقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يعمد إلى قراءتها في سنة صلاة الفجر، وسنة صلاة المغرب، وركعتي الطواف.
سبب النزول
بيّن أهل التفسير أنّ سبب نزول سورة الكافرون كان لمجيء أربعة من الكفار إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهم: الوليد بن المغيرة المخزومي، العاص بن وائل السهمي، أمية بن خلف الجمحي، الأسود بن المطلب، يعرضون عليه أن يعمدوا إلى عبادة الله -تعالى- سنة، على أن يُشاركهم في عبادة آلهتهم سنة. فنزلت سورة الكافرون تُنهي وتقطع جميع المفاوضات التي ليس من شانها أن تُحقق كمال وحدانية الله -تعالى-.
ترتيب نزولها
نزلت سورة الماعون التي أشار فيها الله -تعالى- إلى صفات الكافرين المكذبين بالدين، ثمّ نزلت بعدها سورة الكافرون التي يأمر بها الله -تعالى- بالإخلاص له، والبراءة من عمل الكافرين الذين عبدوا الأوثان من دون الله -تعالى-، وحسم المفاوضات التي كانوا قد لجأوا إليها بعد أن باءت خططهم في التصدي لدين الله -تعالى- بالفشل، وبعد أن بيّن الله -تعالى- أنّه لا مساومة على العقيدة والدين أنزل سورة الفيل التي ذكر فيها واقعة تاريخية معروفة وذلك لأمرين: أوّلهما: بغية لفت انتباه الكافرين وفتح عيونهم على واقعة الفيل التي كانوا قد اتّخذوا من العام الذي وقعت فيه عاماً للتأريخ، بحيث كانوا يقولون حدث هذا الأمر في عام الفيل أو قبله أو بعده. ثانيهما: بغية تذكير المؤمنين لا سيما رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بضعف الكافرين والمعتدين، وبنصرة الله -تعالى- وتأييده لجنده وحزبه، وبعلو الحق وظهوره على الباطل.
ما يستفاد منها
هناك العديد من الدروس المستفادة من سورة الكافرون، ومنها ما يأتي:الجرأة في إعلان المبادئ التي يؤمن بها الإنسان، والإفصاح عنها بطريقة واضحة وصريحة. مجانبة الحوار في المسائل والأمور التي فصل الدين فيها. مجانبة التخلي عن مبدأ من مبادئ الدين؛ بغية إرضاء الناس وجبر خواطرهم. اعتزاز المسلم بدينه ومبادئه وأخلاقه وسلوكياته. انتفاء فكرة سير المسلم وغير المسلم الذي أعلن رفضه للدين وفق نهج واحد،وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ كل إنسان مسؤول عمّا يختاره ويعتقده، حيث أنّه لا إكراه وإجبار في الدين فهو يقوم على أساس الحرية، والقناعة، والاختيار، كما أنّه حريّ بالإنسان ترك غيره فيما يختاره ويعتقده ويؤمن به، ومن الآيات القرآنية التي تُقرّ هذا المعنى قول الله -تعالى-: (وَإِن كَذَّبوكَ فَقُل لي عَمَلي وَلَكُم عَمَلُكُم أَنتُم بَريئونَ مِمّا أَعمَلُ وَأَنا بَريءٌ مِمّا تَعمَلونَ).
فضلها
تُعدّ سورة الكافرون من السور العظيمة، وجاءت العديد من الأحاديث التي تُبيّنُ فضلها، فقد جاء أنّها تعدلُ ربع القُرآن، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَنْ قرأَ قُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ عَدَلَتْ لهُ بِرُبْعِ القُرآنِ، ومَنْ قرأَ قُلْ هو اللهُ أحَدٌ عَدَلَتْ لهُ بِثُلثِ القُرآنِ)، كما أنّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- كان يُكثرُ من قراءتها، فقد ورد عنه أنّه قرأها في ركعتي الطواف، والفجر، وقبل الفجر، وبعد المغرب، وعند النّوم؛ وقراءتها عند النّوم براءةٌ من الشرك، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (اقرأْ قُلْ يَا أيُّهَا الكَافِرُونَ عند منامِك، فإنها براءةٌ من الشركِ)، بالإضافة إلى قراءتها عند الرُّقية.
-
هي سورةٌ مكيَّة، آياتها ستٌّ، وتُعَدُّ سورة التوحيد والبراءة من الشِّرك والغِوايةِ والضَّلال؛ فقد طلَبتْ قريش من الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يَعبُدَ آلهتَهم سنةً، ويَعبُدوا إلَهَه سنةً، فقال: معاذ الله أن نُشرِك بالله شيئًا، فقالوا: فاستَلِمْ بعض آلهتنا نُصدِّقك ونعبُد إلَهَك، فنزلت السُّورة، فغَدَا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المسجد الحرام، وفيه الملأُ من قريش، فقامَ على رُؤوسِهم، فقرَأَها عليهم، فأيسوا منه، وآذوه، وآذوا أصحابَه، كما يَذكُر الألوسي في "روح المعاني"، والقُرطبي في "جامعه".
قوله: ﴿ قُلْ ﴾ هو أسلوب إنشائي، نوعُه أمرٌ، غرضه النُّصح والتَّوجيه، وفيه كنايةٌ عن صفةٍ هي الجرأة في الحق، ووجوب الإعلان عنه، والتصريح به، كما أنَّ فيه كنايةً عن صفةٍ هي صِدقُ الرَّسول فيما بلَّغ، وعدم كِتمانه شيئًا ممَّا أُمِرَ به، كما أنَّ فيها صَدْعًا بالحق، وعدم خِزي منه أو استِهانةٍ به، وفيه كذلك تعليمٌ للصَّفِّ المؤمن أنْ يقولَ الحقَّ، لا يَخشَى في الله لَوْمَةَ لائم، وأنْ يجعَلَه ديدَنَه في الحياة، يَنشُرُه ويَذُود عنه، ويموتُ في سبيله؛ لكَوْنه الأحقَّ بالحياة والحُكم والبَقاءِ.
﴿ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ﴾: هذا أسلوبٌ إنشائيٌّ، نوعه نداء، غرَضُه البَراءة من الكُفر وأهله، وفيه كنايةٌ عن صفةٍ هي أنَّه محروسٌ بالله، مَحُوطٌ بعَوْنِه، مشتملٌ على رِعايته، فينطقُ بالحق، لا يَخافُ من الباطل وأهله، والوُضوح سمةُ الداعية، وعِند احتِدام الأمر لا محلَّ للخَلط وحديث النِّفاق، وإنما لا بُدَّ من وُجود حُدودٍ فاصلةٍ، فمع أنهم سيغضَبُون من نسبة الكُفر إليهم، لكنَّه صَدَعَ به على ملأٍ منهم، وفي وُجود الخلق في المسجد الحرام، وفيه دليلٌ على أنَّه مأمورٌ بذلك من عِند الله، كما أنَّ في هذا النِّداء كنايةً عن صفةٍ هي عدم الخوف منهم، أو المبالاة بهم، وبطَواغِيتهم، وهكذا أهلُ الصِّدق ثابتو الجنان، مُطمئنُّو القلب؛ بسبَبِ رعاية الربِّ سبحانه، كما أنَّ الخِطاب بهذا النِّداء إنما ورَد للتَّشنيع والتَّوبيخ على أهل مكَّة، واسم الفاعل (الكافرون)يحمِلُ الفعل ومَن قام به، وفيه النيَّة المبيَّتة للفعل، أو أنَّ "أل" موصولة، وهذا يعني أنهم كفَرُوا، واتَّخذوا الكفر مَنهَجًا وطَريقًا؛ ومن ثَمَّ وجبت البراءة منهم.
﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾: (لا) تنفي الحال، فأنا لا أعبد إلهكم في الحال كما تطلبون إليَّ، فهي كنايةٌ عن صفةٍ هي التوحيد، والتبرُّؤ من عِبادة الأوثان والأصنام، وهي إلَهُهم الباطل، واستعمالُ المضارع المنفيِّ يفيدُ كمالَ البراءة واستِمرار الوَلاء لله، والتخلُّص من كلِّ شَوائب الشِّرك، وفيه كنايةٌ عن المسؤوليَّة الفرديَّة، فالهمزة في (أَعْبُدُ) تُبيِّن ضَرُورةَ تبرُّؤ كلِّ إنسانٍ من عَقائد الوثنيَّة، كما أنَّ استعمالَ (ما) في المعبود - وهي الدالَّة على غير العاقل - تُبرِزُ عدمَ اعتِرافِه به، أو إقراره بألوهيَّته، فهو في إطار ما لا يَعقِل، ومن ثَمَّ فلا حقَّ له في الألوهيَّة، كما أنَّ فيها خَلْعَ صِفات الإله من سمعٍ وحسٍّ وعقل واتِّزان، فهو أشبَهُ بِجَمادٍ عُبِّرَ عنه بـ(ما) الموضوعة لغير العاقل.
و﴿ تَعْبُدُونَ ﴾: تدلُّ على دَيْمُومة عبادتهم له، واستمرار دُعائهم إيَّاه، مع أنَّه صنمٌ ووثنٌ، لا يعقلُ ولا حيلةَ له، ولا ينفع نفسَه فضلاً عن تقديم أيِّ لونٍ من النَّفع لسِواه، وفي الآية كناية سلب (لاَ أَعْبُدُ - تَعْبُدُونَ)، والضدُّ يُظهِر حُسنَه الضدُّ، نفي وإثبات لمادَّة لُغويَّة واحدة (عبد)، وفيها مقارنةٌ بين حَياتهم المتدنِّية، وعقيدتهم الفاسدة، وحياته السامية، وعقيدته الصحيحة، وبضدِّها تتميَّز الأشياء، إنها حياة الطُّهر والعَفاف والنُّور، وفي مقابل حياة الفُسوق والخنا والظُّلمات.
﴿ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾: تأكيد وترشيح إلى أنَّ عُقولهم لا تصلُ إلى العبادة الحقيقيَّة والعقيدة الصحيحة الراسخة؛ فهو يعبُدُ الإلهَ الحقَّ، وهو الله ربُّ العالمين، الحقيق بالسجود والأولى بالطاعة، وهم يَعبُدون أحجارًا وأشجارًا وأوثانًا لا تستحقُّ أنْ تُسمَّى معبودًا، فضلاً عن عِبادتها، وشتَّان ما بين عبادة الرحمن وعبادة الأوثان، والجملة الاسميَّة تفيدُ الثُّبوت والاستِمرار، كما أنَّ الفِعل المضارع (أَعْبُدُ) يُوحِي بسَلامة العلاقة، وحُسن الاتِّصال، ودَوام العبادة وصِدق الطاعة.
والمقابلة بين الجملتين الأُوليَيْن: ( لا أعبد ما تعبدون )-(ولا أنتم عابدون ما أعبد)،أي : في الحال، و كذا المقابلة في الجملتين الأخيرتين: (ولا أنا عابد ما عبدتم)-(ولا أنتم عابدون ما أعبد)، هاتان المقابلتان فيهما نهيٌ قاطعٌ لهذه العبادة المهترئة في الحال والاستقبال، وهو مُحسِّن من المحسِّنات البديعيَّة التي تكشفُ عن طبيعة كلٍّ من الإيمان والكُفر، والتوحيد والشِّرك، والنُّور والظُّلمة، والبَياض والسَّواد، والنَّقاء والظَّلماء.
(وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) فيه نفيٌ كاملٌ في المستقبَل بعد نفيِ الحال، فهو كنايةٌ عن صفةٍ هي استِمرار التبرُّؤ ودَيْمومته، وفيه إبرازٌ لطبيعة الموحِّد أنَّه دائم البراء من أعداء الله، دائمُ الولاء لله - جلَّ في عُلاه - ففيه تأكيدٌ لما سبَق من تلك البراءة ممَّا يستأهلُ عبادة وقطعًا لأطماع الكفَّار والفُسَّاق من حجاراتهم، فلا وفاق بيننا وبينهم، ولا احتمال لمدِّ اليد أو التنازُل عن شيءٍ من (ألف باء) العقيدة الصحيحة والاعتقاد السليم
(وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أي ولستم أنتم في المستقبل كذلك بعابدين إلهي الحق الذي أعبُدُه، وفيه تأكيد على أنَّ أهل الباطل والفُسوق لا يُفكِّرون في الإيمان، ولا يترُكون مجالاً لفهْم سليم أو فكرٍ نظيف.
( لَكُمْ دِينُكُمْ) أسلوب قصر بتقديم ما حقُّه التأخير، كما أنَّ فيه احترامًا للآخَر بتسمية شِركه دِينًا، وفي ذلك تَسامٍ بقواعد الإسلام في عدَم إكراه الآخَر أو السُّخرية منه، فهو وما يَرى، لا حِكرَ على فكرٍ، ولا إكراه في الدِّين.
(وَلِيَ دِينِ) تقديم الخبَرِ فيه إشعارٌ بالمسؤوليَّة، وفيه انتماءٌ حقيقيٌّ للإسلام واعتزازٌ بالدِّين الصحيح، وقد يرى بعضُ المتسرِّعين أنَّ التقديم للخبر واجبٌ؛ لِمَجِيء المبتدأ (دين) منكرًا، لكنَّ هذا غيرُ صحيح، فالنون من (دين) مكسورة، والأصل (ديني)، فهو معرفةٌ أُضِيفَتْ إلى ياء المتكلِّم المحذوفة اجتزاءً واكتفاءً بالكسْرة، فالتقديم جائزٌ لأنَّ المبتدأ معرفةٌ بسبب إضافته، ويُحقِّق هذا الحذف تَوافُق الفَواصل في الحرْف الأخير (الكَافِرُونَ.. مَا تَعْبُدُونَ.. دِينِ).
وتُبرِزُ الآياتُ الاختلافَ التامَّ في المعبود، فإلهُ المشركين الأوثانُ، وإلهُ المسلمين الرحمنُ، والاختلاف التامُّ كذلك في العِبادة؛ فهم على عبادة الشِّرك، ونحن على عبادة الله وحدَه، فلا معبودنا واحد، ولا عبادتنا واحدة؛ أي: هناك اختلافٌ تامٌّ في السيرة، وتبايُن تامٌّ في الاعتقاد؛ ومن ثَمَّ في الحياة كلِّها.
والسورةُ كلُّها بأساليبها: الأمر، والنداء، والنفي كنايةٌ عن صَفاء التوحيد، ونَقاء الإيمان، وصحَّة التوجُّه، وصِدق الاعتقاد، كما أنَّ فيها كنايةً عن وُجوب المصارحة، وعدم الممالأة، ووُجوب الفصْل والتمييز والاعتزاز بالحق، وعدم الاستِخزاء منه، أو الاستحياء من اعتِناقه، فلا مُشاركة في الشرك، حالاً ولا استقبالاً، وإنما تبرُّؤٌ ووضوح، وتميُّز وانفراد، ثم حُسن الانتماء إلى الدِّين، والشُّعور بالفخر بالتديُّن، ﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾.