Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
IMG_9965 - Coggle Diagram
التعريف بالسورة
أسباب النزول
أنها نزلت في العاص بن وائل السَّهمي والذي رأى النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوماً وتكلَّم معه على مرأى من قريش، فسألوا العاص مع من كان يتحدَّث، فقال إنه كان يتحدَّث مع الأبتر؛ وكان يقَصد بذلك الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ لأنَّ أبناءه الذُّكور القاسم وإبراهيم قد توفَّاهم الله -تعالى- ولم يبقَ له ذريَّةً من الذُّكور، فقصد بذلك أنَّه لن يكون له ذِكر بعد ذلك، وسينقطع ذِكره بعدم وُجود أولادٍ ذُكور له، فأنزل الله -تعالى- سُورة الكوثر ردَّاً على زعمه الباطل في حقِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (بيْنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ بيْنَ أظْهُرِنَا إذْ أغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: ما أضْحَكَكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ}).
ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- في شأن نزول هذه السُّورة أنّه: (لما قدم كعبُ بنُ الأشرفِ مكةَ؛ أتوْهُ فقالوا: نحنُ أهلُ السقايةِ والسدانةِ، وأنت سيدُ أهلِ يثربَ، فنحنُ خيرٌ أم هذا الصنيبيرُ المنبترُ من قومِه يزعمُ أنَّهُ خيرٌ منا؟ فقال: أنتم خيرٌ منه، فنزلتْ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، فنزلت السُّورة ردَّاً على مزاعم كعب بن الأشرف الذي ادَّعى أنَّ قريشاً خيرٌ من النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وللجمع بين هذا الآراء ومعرفة الرَّاجح منها، قام العلماء في البحث عن نوع سورة الكوثر هل هي مكِّية أم مدنيَّة؛ فهي عند الجمهور سورةٌ مكيَّة، بينما قال الحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة إنَّ سورة الكوثر من السُّور المدنيَّة، ودليلهم حديث أنس المُتقدِّم ذكره؛ حيث إنَّ أنس أسلم في بداية الهجرة، وقد ذكر في حديثه: "أُنزلت علي آنفاً سورة"، وكلمة آنفاً تدلُّ على الزَّمن القريب، ممَّا يعني أنَّ السُّورة نزلت في المدينة.
أُطلق على سورة الكوثر هذا الاسم بسبب ذكر الكَوثر فيها، كما يُطلق عليها اسمٌ آخر ألا وهو "سورة النَّحر"، وتُعدُّ سورة الكوثر أقصر سورة في القرآن الكريم؛ حيث إنَّ عدد آياتها ثلاثٌ بلا خلاف، وعدد كلماتها عشرة، وعدد حُروفها اثنان وأربعون حرفاً، ولا يُوجد في كلِّ القرآن الكريم سورة عدد آياتها أقلُّ من ثلاث، وآياتها هي قول الله -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، وتُعدُّ سورة الكوثر من السُّور التي بشَّر الله -تعالى- بها رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ بالخير الكثير والعطاء الجزيل الذي سيكون من نَصيبه في الآخرة، وبالذِّكر الخالد له في الدُّنيا.[ وقد نزلت سُورة الكوثر بعد سُورة العَاديات، أمّا في كونها سورةٌ مدنيَّةٌ أم مكِّيَّةٌ خلافٌ؛ فهي مكِّيَّة بحسب الجُمهور، ومدنيَّة بحسب قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة كما أسلفنا سابقاً، وتُعدُّ سورة الكوثر من السُّور المُحكَمات؛ أي ليس فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ، بل جاءت كلُّها مُحكَمة.
التفسير
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ممتنا عليه: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } أي: الخير الكثير، والفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، من النهر الذي يقال له { الكوثر } ومن الحوض
طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته كنجوم السماء في كثرتها واستنارتها، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا. ولما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } خص هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات.
ولأن الصلاة تتضمن الخضوع [في] القلب والجوارح لله، وتنقلها في أنواع العبودية، وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به. إِنَّ شَانِئَكَ } أي: مبغضك وذامك ومنتقصك { هُوَ الْأَبْتَرُ } أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر.
وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع صلى الله عليه وسلم.
الموضوع والمغزى منها
تضمَّنت سورة الكوثر ذِكراً لنعم الله -تعالى- على نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهي نعمٌ كثيرةٌ وعطايا كبيرةٌ؛ منها ما هو متعلِّقٌ في الدُّنيا؛ مثل النُّبوَّة والرِّسالة وتَشريف الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- واختصاصه بهما دون غيره، ومنها ما هو متعلِّقٌّ في الآخرة؛ مثل الكوثر، وهو الخير الكثير، وأمر الله -تعالى- فيها عبده محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالصَّلاة والصَّدقة؛ شُكراً له على ما أنعم وتفضَّل به عليه، كما بشَّره بأنَّ النَّصر ورِفعة الشَّأن وعُلوَّ المنزلة سيكون من حَليفه، وأنَّ الضَّعف والخذلان وانقطاع الأثر والذِّكر سيكون من نصيب أعدائه،[٩] فكان محور السُّورة بذلك يتضمَّن أمران: التَّذكير بالنِّعم والامتنان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والأمر بشكره هذه النِّعَم من صلاةٍ ونحرٍ وصدقةٍ، ومن ثمَّ الإخبار بهلاك الأعداء وزوال ذكرهم.[٨] وتَهدف سورة الكوثر إلى إعادة ترتيب الأولويات في ذهن المسلم وحياته، وتصحيحِ المفاهيم لديه؛ وذلك من خلال بيان أنَّ أمر الدِّين مقدَّمٌ على أمر الدُّنيا، حيث إنَّ الله -تعالى- أعطى لنبيِّه محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الآخرة ما هو أعظم شأناً وأهمُّ من كلِّ أمور الدُّنيا التي يتضمَّن المال والبَنون، فبالرّغم من فَقده للذُّريَّة الذُّكور إلَّا أنَّ الله -تعالى- أعطاه ما هو خيرٌ من ذلك، وبيَّن الله -تعالى- أنَّ قريشاً كان رأس مالها كلُّه المفاخرة بأمور الدُّنيا من مالٍ وبنين.[١٠] وأمَّا المسلم فأُفقه واسع ونظرته للحياة شاملة، فلا يَقتصر الخير لديه على أمور الدُّنيا، وإن حُرِمَ منها شيئاً عَلِم أنَّ العِوَض الأفضل سيكون له في الآخرة، وبسبب هذا الخير الكبير الذي أعطاه الله -تعالى- للنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمره بشكر هذه النِّعم بالصَّلاة، والنَّحر، والتَّصدق على الفقراء.[
-
قراءة بلاغية
سُورة الكوثر سُورة العَطاء والتَّكريم، والمقام الرفيع والتشريفِ للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي ثلاثُ آياتٍ قِصارٍ انتهَتْ بحرف الرَّاء حرف التكرار الذي يُوحِي بتكرار العَطاء، وتتابُع نُزول الخير، فاسمُ السورة (الكوثر)، وهو مُبالَغةٌ في الكثرة، فالعرب تُسمِّي كلَّ شيء كثير في القدر والحظ كوثرًا، قال الشاعر:
-
• بدأت السورة بأسلوبِ التَّوكِيد ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1] الذي يُوحِي بثُبوت ذلك العَطاء، وتأكُّده، وكثرته، وسَعته، وضَخامته، ونسبة العَطاء إلى الله تَكفِي؛ لأنَّ العَقل لا يتصوَّرُها بسبب كثرتها، وتنوُّعها وتعدُّدها، فقد أعطاه الله من الفَضائل والنَّعماء والخيرات ما لا يُدرِكُه العقل؛ أعطاه النبوَّة والكتاب، والحكمة وفصْل الخِطاب، والعلم، والشَّفاعة، والحوض المورود، والمقام، وكثرة المؤمنين، والتَّمكين والنَّصر على الأعداء، وكثرة الفُتوحات، وكل ما أعطاه الله لرَسوله من النِّعَمِ العِظام، والمنن الجِسام.
و"نا" في ﴿ إنَّا ﴾ تفيدُ العظمة والكمال، والحديث بها يتأتَّى في الأمور الكبار، والنِّعَم الغِزار، فناسب الموقف، وسعة العَطاء استِعمال (نا) المفيدة للجمع الدال على التعظيم، فلم يقلْ: (إنِّي أعطيتك) كما قالها في مقامات أخرى: ﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ﴾ [طه: 12]، و﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ﴾ [طه: 14].
• أعطيناك: صيغة ماضٍ، كأنَّه حدَث ووقَع، وفيه إيحاءٌ بالراحة الكاملة لنُزول العَطاء وتحقُّقه؛ حيث لم تردِ الآية بالمضارع (سنُعطِيك)؛ لأنَّ الوعد لما كان محقَّقًا عبَّر عنه بالوقوع والحدوث بالماضي؛ وذلك مُبالغةً وإدخالاً للسَّعادة على قلب الرسول، وإشعاره بأنَّ الإعطاء حاصلٌ لا ريب، واقعٌ فلا خوف.
وإسنادُ الفعل إلى (نا) الدالَّة على الفاعليَّة يُبيِّن شُموخ العَطاء، واتِّساع الفضْل، وعظم المنَّة، وكبر النِّعمة، كما أنَّ ضميرَ الخِطاب (الكاف) في ﴿ أَعْطَيْنَاكَ ﴾ تُوحِي بالتخصيص؛ فهو وحدَه الذي نالَ ذلك دُون سواه من سائر الأنبياء كأنَّه قال: ولم أُعطِ ذلك أحدًا من العالمين قبلَك ولا بعدَك، فأنت الذي اختصَصْت به ونزَل إليك دُون غيره، وتفرَّدت بالعَطاء.
الكوثر: مُعرَّف بـ"أل" العهديَّة أو الجنسيَّة: العهديَّة؛ أي: الكوثر المعهود الذي عرَفتَه وبشَّرك الله به، والجنسيَّة؛ أي: جنس الخير أُعطِيتَه، فكلُّ ما يتصوَّره عقلٌ أو يتخيَّله ذهنٌ قد نِلتَه وأخذتَه يا رسول الله.
والكوثر ليس نهرًا عاديًّا، إنما هو نهرٌ خاصٌّ عبَّر عنه الرسول عندما قال: ((أتدرون ما الكوثر؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنَّه نهرٌ وَعَدَنِيه - عزَّ وجلَّ - فيه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أمَّتي يوم القيامة، آنيتُه عددُ النُّجوم، فيختَلِجُ العبد - أي: ينتزع ويقتطع - منهم، فأقول: إنَّه من أمتي! فيُقال: إنَّك لا تَدرِي ما أحدَثَ بعدَك))؛ (رواه الترمذي).
وذهب أهلُ التفسير في تفسير الكوثر إلى ستَّةٍ وعشرين قولاً، الصحيح هو ما فَسَّرَه به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث قال: ((هو نهرٌ في الجنَّة، حافتاه من ذهبٍ، ومَجراه على الدرِّ والياقوت، تُربتُه أطيَبُ من المِسك، وماؤه أحلى من العسل)).
وفي الآية الأخرى التي تُبيِّن كثرةَ العَطاء، وأنَّه لا حَدَّ له: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].
﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]: الفاء الفصيحة التي تُفصِح عن شَرْطٍ مقدَّر محذوف؛ أي: إنْ كنت قد عَلِمت ذلك، وتمثَّلتَه فصلِّ لربِّك، والأمر للنُّصح والتوجيه والإرشاد، وفيه كنايةٌ عن صفةٍ هي ودُّ الله لرسولِه، وحبُّه لنبيِّه، وفيها تعليمٌ لكلِّ مسلم أنْ يُتْبِعَ النِّعمةَ بالشُّكر، ويُعقِّب المنَّة بالصَّلاة والدُّعاء؛ ليستمرَّ العَطاء، ويتعدَّد نُزول النَّعماء.
و﴿ لِرَبِّكَ ﴾: تُوحِي بأنَّ الصلاة يجبُ أنْ تُخصَّص لله، فاللام للملكيَّة، وفيها توجيهٌ لنا بأنْ نتوجَّه بكليتنا إلى الله ونعمل كلَّ أعمالنا ابتغاءَ وجهه، ومجيء "رب" تُوحِي بالرعاية والعناية، والحدب، والحب، والإضافة للتشريف (ربك) فالمسلمُ يَشرُف بالانتساب لربِّه، والانتِماء لدِينه، والاعتِزاز بالاعتصام بحبْلِه.
﴿ وَانْحَرْ ﴾ أمرٌ للنُّصح والإرشاد، والواو تفيدُ الترتيب، فالنَّحر بعدَ الصلاة لا قبلَها، وإلا كان ذلك صَدَقةً، واستعمال الرَّاء يفيدُ تعداد النَّحر وكثْرته واستِمراره، والنَّحر يختصُّ بالإبل وليس للبقر والغنم، ففيها الذَّبح لا النَّحر، وهي خِيار أموال العرب، وذلك شُكرًا له - جل جلاله - على ما أَوْلانا من الخيرات والكَرامات، وفي الآية كنايةٌ عن صِفةٍ هي التوحيد والإخلاص في سائر الأعمال والأقوال، فالصلاة لربنا وحدَه، والنَّحر لوجهه - جلَّ جلالُه - لا غيره، وفيها إيجازٌ بالحذف، (أي: وانحر لربك)، وحُذِفَ لدَلالة السِّياق عليه، وليَقَظَةِ المسلم وإدراكه بالغرَض الذي تُساق له الطاعات وتُقام له الصَّلوات.
﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾: أسلوبُ توكيدٍ، تضمَّن وسيلتين: (إن، وضمير الفصل: هو)، ووُروده على هذه الشاكلة فيه دِفاعٌ عن رسول الله، فهو كِنايةٌ عن صفةٍ هي المحبَّة الخالصة من الله لرسوله، وودٌّ كامل له - عليه الصلاة والسلام - والشانئ المبغض، من الشَّنآن، وهو العَداوة والبُغض، والأبتر أفعل تفضيل من البتر، وهو القطع، فالأبتر المنقطع عن كلِّ خيرٍ، ويُقال لمن لا نَسْلَ له: أبتر؛ لأنَّه انقطَعَ نسلُه، ولَمَّا ماتَ القاسم ابنُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال العاصِ بن وائل: دَعُوه فإنَّه رجلٌ أبتر لا عَقِبَ له؛ أي: لا نَسْلَ له، فإذا هلَك انقطَعَ ذِكْرُه، فنزَلتِ السُّورة، وفي استعمال: (إن، والضمير: هو) إفادةُ الحصْر، ولعلَّ الطِّباق بين الكوثر (الخير الكثير)، والأبتر (الانقطاع عن كلِّ خيرٍ) يُبرِز المعنى، ويُقوِّيه، وفي الوقت نفسه فيها سجعٌ مُؤثِّر، فتكون الصُّورة على قلَّة كلماتها قد جمعَتْ فُنونَ البلاغة والبَيان والفَصاحة، والكمال والجلال، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
جمال الإيحاء الصوتي فيها
الهمس والجهر: الأصوات المجهورة في السورة هي: (إ،ن،أ،ع،ي،ن،ل،و،ر،ل،ل،ر،ب،و،ن،ر،إ،ن،ن،أ،و،ل،أ،ب،ر) ويكون عددها ٢٥ صوتا . أما الأصوات المهموسة فهي :(ط،ك،ك،ث،ف،ص،ك،ح،ش،ك،ه،ت). ويكون عددها ١٢ صوتا لم يدخل في هذا الحساب المشدد والألف الجوفية وبالنظر لهذا التصنيف يلاحظ أن عدد الأصوات المجهورة ضعف عدد الأصوات المهموسة ولذلك دلالته، فبالعودة إلى تفسير السورة يتبين أنه جاءت ردا على من زعم من المشركين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبتر،فهي في مقام تفنيد هذا الزعم ومجابهة زاعميه وهذا يتطلب إعلانا قويا عاليا مجهورا لهذا اختيرت أصوات السورة لتكون مجهورة،جهرا يقابل جهر المشركين بمزاعمهم الباطلة بل يكون جهرا أجهر من جهرهم وإعلانا أعلى من إعلانهم يصل مداه إلى مسامع العالمين، الأولين والآخرين ويظل يتردد في مسامع الزمان إلى يوم الدين.
الشدة والرخاوة: الأصوات الشديدة في السورة هي : (إ،أ،ط،ك،ك،ب،ك،إ،أ،ك،أ،ب،ت) أما الأصوات الرخوة فهي (ث،ف،ص،ح،ش،ه) وهذا يمكن قراءته على أن السورة فيها شدة أكثر على المشركين،لأنها في مقام الدفاع عن الدين والرسول صلى الله عليه وسلم فلابد أن تكون فيها قوة ، والقوة تتطلب الشدة وهذا مايمكن أن تحمل عليه غلبة أصوات الشدة.
الاستعلاء والاستفال : الأصوات المستعلية هي (خ،غ،ق،ص،ض،ط،ظ) وبملاحظة السورة سنجد أغلب أصواتها مستفلة إلا كلمتين جاء في كليهما صوت مستعل وهما (أعطيناك،فصل) وربما كان المغزى إعطاء هاتين الكلمتين قوة أكثر ،لأن الكلمة الأولى بشارة بأمور عظيمة، وهي الخير الكثير والنهر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ، والثانية أمر بعبادة عظيمة ، وهي أعظم العبادات في الإسلام ، وأعظم الأركان بعد التوحيد ،ولأن السورة فيها مجابهة للمتهكمين بالرسول وخاصة الآية الأخيرة فقد جاءت أصواتها كلها مستفلة، في إشارة إلى استفال كل من يتهكم بالرسول صلى الله عليه وسلم ودينه .
الإطباق والانفتاح: الملاحظ لأصوات السورة سيجدها منفتحة إلا الطاء والصاد،ودلالة هذا الانفتاح يوحي بسعة الامتداد الزماني والمكاني ،فهذا الدين الذي كانت قريش تضيق عليه قولا وفعلا، تريد خنقه وقتله في المهد ، هو دين سينفتح ويمتد مكانا إلى أغلب مناطق المعمورة، وزمانا إلى يوم القيامة، ولن يوقفه كيد ولا مكر ، وهذا الرسول الذي زعموه أبتر، سيمتد عقبه وذكره وأتباعه زمانا و مكانا لتمتلئ بهم الدنيا ويستمرون إلى يوم القيامة، وهذه الصلاة التي أمر بها سيرتفع نداؤها ليملأ مسامع الدنيا إلى يوم القيامة، ولا يبقى صقع من أصقاع الأرض إلا وفيه مصلون يصلون لرب العالمين.