Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
الفكر المنهجي عند المحدثين, أشهر المحدثين ومناهجهم, منهجية قرآنية عامة,…
-
أشهر المحدثين ومناهجهم
غلب على حركة التصنيف في أوائل القرن الثاني الهجري التصنيف الموضوعي بحيث تفرد أحاديث موضوع واحد في مصنف. والمصنِّف يثبت في كتابه الأحاديث المتصلة المرفوعة للنبي ﷺ وغير المتصلة والآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين. ولم تكن هذه المصنفات تعرف المناهج المنضبطة بقواعد وشروط.
بدأ التصنيف المنهجي بكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس ثم توالى بعده.
-
الجامع للإمام البخاري
التعريف بالإمام البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم.
أول سماعه للحديث سنة خمس مائتين وحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي ونشأ يتيما.
ألهم حفظ الحديث وهو في الكتاب وعمره 10 سنين.
خرج مع أمه وأخيه أحمد إلى مكة، فرجعا وتخلف هو في طلب الحديث. كان ذلك في السادسة عشرة من عمره.
بدأ يصنف قضايا الصحابة وهو في الثامنة عشرة من عمره. وصنف كتاب التاريخ عند قبر النبي ﷺ في الليالي المقمرة.
مكث في تأليف كتابه الجامع الصحيح ست عشرة سنة. وخرجه من بين ستمائة ألف حديث.
-
-
الإمام أبو داود ومنهجه
التعريف بالإمام:
اسمه سليمان بن الأشعث بن عمرو الأزدي السجستاني.
من أشهر شيوخه قتيبة بن سعيد وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
بدأ رحلته وهو دون العشرين من العمر.
يقال: ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد.
منهجه في الكتاب
خصص أبو داود كتابه لأحاديث الأحكام وتوسع في جمعها وذكرها وتبويبها.
احتوى الكتاب على 4800 حديث متصل و600 حديث مرسل.
وهذا العدد الكبير من أحاديث الأحكام لم يسبق أن جمع في كتاب قبل هذا الكتاب.
السنن كتاب أصول المسائل الفقهية:
يقول أبو داود عن كتابه كاشفا وظيفة مهمة من وظائف الكتاب: "وأما هذه المسائل - يعني مسائل الثوري ومالك والشافعي - فهذه الأحاديث أصولها"
منشأ التوسع عند أبي داود:
هذا العدد الكبير من أحاديث الأحكام راجع لمنهج الإمام في فتح الباب لأحاديث يحتج بها ويشتد حالها بما يقارنها ويعضدها من روايات أخرى، ولو تركت وحدها لردت لضعف رواتها.
قد كان التقسيم قبل الإمام أبي داود إلى "صحيح وضعيف" ثم وجدنا الأمر عند أبي داود والترمذي إلى "صحيح وحسن وضعيف".
والصحيح والحسن في دائرة الاحتجاج والصلوح للأحكام
-
-
الضعيف في السنن:
احتوى كتاب السنن على أحاديث ضعيفة، قال أبو داود: "وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته. ومنه ما لا يصح سنده".
يفهم من هذا الكلام أنه قد يذكر ما فيه وهن غير شديد ولا يبينه بالكلام عليه.
ذكر أبو داود مراسيلا في كتابه وقد بين وجهة نظره في المرسل قائلا: "أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى ... فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، ولم يوجد المسند فالمرسل يحتج به وليس هو مثل المتصل في القوة."
فالمرسل عند أبي داود بديل عن المسند المتصل عند فقده.
هذا جعل أبا داود يكثر من المرسل في كتابه
احتجاجه بالمرسل على هذا النحو لا يُوافَق عليه لأن فقدان المتصل لا يبرز قبول المرسل، إلا إذا فهم من كلامه أنه يريد مذهب الشافعي في قبول المرسل بشروط منها:
أن يكون المرسل من كبار التابعين
أن يكون إذا سمى الحلقة المفقودة من السند لا يسمي إلا ثقة
أن يأتي بمثله قول لأهل العلم
دائرة أبي داود في الرجال:
يروي أبو داود عن طبقة من الرجال لا يروي عنها البخاري ومسلم.
فالإمام أبو داود يروي عن الطبقة الرابعة بالإضافة إلى الطبقات الأولى والثانية (البخاري) والثالثة (زاد مسلم على البخاري)
التبويب والتفريع:
امتاز الكتاب بفن التبويب والتفريع والترجمة وجاء على نحو من التفصيل حتى ساق الأحاديث في دقائق الأحكام.
إنك تجد عند أبي داود من تفاصيل السنن القولية والفعلية والتقريرية والصفة النبوية ما يجعلك تعيش مع السنة في دقائق تفاصيلها.
في هذا الكتاب هدي النبي ﷺ في أجلى صوره
الزيادات اللفظية:
لا يكتفي بذكر لفظ رواية من الروايات بل ييسر لنا الوقوف على الزيادات في الروايات ويكشف لنا عن الفروق بينها.
فهو يذكر الروايت ويفصل فيها من حيث اتفقت ومن حيث افترقت.
الإمام النسائي
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
ولد بنسا.
ارتحل إلى قتيبة بن سعيد بن جمبل البغلاني.
كان شافعيا.
قال الذهبي: "ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ومن أبي داوود ومن أبي عيسى وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة"
من أهم مصنفاته "سننه الكبرى" وهو أصل كتابه المجتبى المعروف بسنن النسائي وله كتاب التفسير وكتاب الضعفاء
منهجه في كتابه السنن:
صنف كتابه السنن الكبرى ثم اجتبى منه أو اجتبى غيره منه كتاب المجتبى من السنن الكبرى.
وهذا الكتاب متخصص في أحاديث الأحكام وليس كتابا جامعا وهو يشبه في هذه الناحية كتاب أبي داود. تضمن المجتبى 51 بابا وفيها من التفريعات والتفاصيل ما لا نجده عند غيره.
قد يكرر الإمام النسائي الحديث مرات كثيرة وتأتي كل رواية لتوافق عنوان الباب وظاهرة التكرار عند النسائي تشبه تلك التي عند البخاري ومسلم مع اختلاف في الأسلوب، فالإمام النسائي يكرر الحديث كله بينما يكتفي البخاري بإيراد بعضه، ولا يكرر النسائي الحديث بالإسناد نفسه.
منهج النسائي منهج معلل:
لا يكتفي في كثير من الأحيان بذكر الحديث، بل يذكر ما بين الروايات من اختلاف ويوازن ويقارن ويذكر العلل والصحيح والأصح والضعيف والأضعف.
فالنسائي لا يكتفي بذكر النتائج كما يفعل الإمامان البخاري ومسلم إذ يذكران الحصيلة الصحيحة من الحديث ولا يذكران شيئا من الحوار حول التصحيح والتضعيف.
فالإمام النسائي كالصانع الذي يأخذ بنا إلى مصنع الصياغة.
رجال السنن وأسانيده:
الإمام النسائي ناقد متميز وإمام في الجرح والتعديل والعلل وظهر هذا في سننه إذ جاءت كتابه نقية إلى حد كبير. وكان يكشف عن أحوال الرواة ولا سيما في الفروق الدقيقة بينهم.
يمكن تقسيم أحاديث المجتبى إلى ثلاثة أقسام:
كما تجنب الإمام النسائي التخريج عن رجال خرج لهم البخاري ومسلم وأبو داود لما فيهم من التجريح.
كما من عادته في سننه أن يبين حال الرواة الذين فيهم ضعف ويغلب على رواياتهم أن يذكرها للتعليل والمقارنة بغيرها مما هو أصوب منها.
-
-
-
الإمام الترمذي
أبو عيسى محمد بن عيسى ين سورة السلمي
كان إسحاق بن راهويه من أوئل شيوخه.
اشترك مع البخاري ومسلم في أكثر شيوخهما.
هو من تلاميذ البخاري.
كان بصيرا في الحديث ورجاله وعلله.
قال الإمام الذهبي في حقه: "ثقة مجمع عليه".
كف بصره بعدما كبر.
أشهر مصنفاته كتابه "الجامع" المعروف بسنن الترمذي كتاب "العلل الكبير" و"شمائل النبي ﷺ"
منهجه ي الجامع:
لم يقتصر فيه على أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود والنسائي، ففيه الفضائل والمناقب والفتن والزهد والأدب والتفسير والسير...
تميز كتابه بكتاب العلل الصغير في آخره.
بالرغم من تلمذة الترمذي للإمام البخاري إلا أنه سلك منهجا غير منهجه.
يتلخص منهج الإمام الترمذي في أنه معلل:
نعلم أن رواة الحديث يتفاوتون في مراتبهم من العدالة والضبط.
ورأينا الإمام البخاري ينظر إلى الفئات العليا من هؤلاء الرواة فيعتمد على الفئة المتميزة بقوة حافظتها وسمو عدالتها ويتبعه في ذلك أيضا الإمام مسلم وإن كان قد عوض نزوله عن رتب البخاري بكثرة الروايات وتأييدها، مع أنه يبقى في دائرة انتقاء الصحيح حتى وهو يروي عن بعض الضعفاء فهو لا يروي عنهم إلا ما صح عنهم.
أما الإمام الترمذي فقد توجه إلى فئة من الرجال ليسوا بالمتروكين ولا الكذابين ولا فاحشي الخطأ بل هم من أهل الصدق والستر وتعاطي العلم وبعضهم لا يعتمد عليه لو انفرد في حديث ولكنهم يصلحون للاحتجاج إذا وجدوا من يؤيدهم ويعضدهم: فتح الترمذي الباب لتدارك ما لم يتداركه غيره.
فالترمذي صاحب منهج جديد لولاه لرد كثير من الأحاديث، وهذا المنهج كان المرحلة الثانية بعد البخاري ومسلم وسار عليه أبو داود والنسائي.
كان المنهج قبل الترمذي يقوم على تقسيم الحديث إلى صحيح وضعيف، والصحيح ومقبول والضعيف مردود. لكن العلماء لاحظوا أن الخط الفارق بين الصحيح والضعيف خط اجتهادي. فرب رجل من أهل الصحيح ينزل أحيانا إلى دائرة الضعيف ورب رجل من أهل الضعيف يرقى أحيانا إلى دائرة الصحيح.
لاحظ الترمذي أن بين الصحيح والضعيف رتبة يتداخل فيها الصحيح والضعيف وأصحابها ممن قل ضبطهم واضطرب حديثهم. وهؤلا من الخطإ أن يقبل حديثهم كما هو من الخطإ أن يرد حديثهم.
عدّل الترمذي حال هؤلاء بقرائن وشواهد ومتابعات فنقلوا من دائرة الضعيف إلى دائرة الاحتجاج.
فظهر اصطلاح الحسن عند الترمذي ليكون مقابلا لغير المحتج به. فالحديث إذا كان في أعلى درجات الاحتجاج فهو: حسن + صحيح = حسن صحيح.
وإذا كان في أدنى درجات الاحتجاج فهو حسن
-
-
-
كان الاتجاه قبل الإمام الترمذي إلى تحديد الصحيح وتعريفه باعتباره مقصود علم الحديث رواية ودراية ونسج البخاري ومسلم على منوال هذا الاتجاه.
لكن الأمر تطور على يد الترمذي ليصبح المقصود هو "المعمول به من الحديث" لا الصحيح فقط، والمعمول من الحديث هو الحسن.
عرف الإمام الترمذي الحديث الحسن بقوله:
"هو كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا من كان مغفلا يخطئ الكثير ولا يكون شاذا ويروى من غير وجه"
وعبارة "حسن صحيح" يقصد بها الحسن في أعلى مراتبه
-
منهجية قرآنية عامة
-
-
مستور الحال هو من عرفت عدالته ظاهرا لا باطنا، أي عرف انتسابه للإسلام ولكن أخلاقه وتصرفاته ليست معروفة عند العلماء.
هذا لا تدخل رواياته في الصحيح عند الجمهور
منهج المحدثين هو منهج قرآني مستمد من القرآن والسنة.
هو منهج لا يسلم بالنص دون محاكمة ونقد ولا بد أن تثبت نسبة القول إلى قائله. ويجب النظر في اتفاق النص مع الأسس الثابتة والمبادئ العامة.
منهج المحدثين هو مظهر من مظاهر إعجازهذا الدين.
مفهوم السنة والحديث
السنة vs الحديث
السنة ما صدر عن الرسول ﷺ من فعل أو تقرير أو صفة خُلُقِية من مبدإ بعثته إلى وفاته ﷺ.
وقد تأتي السنة قولا أو فعلا من الصحابة أو من التابعين.
ومن السنة ما يفيد الوجوب أو الحرمة ومنها ما يفيد الندب والكراهة ومنها ما يفيد الإباحة.
هذا مدلول المحدثين، أما الفقهاء فالسنة عندهم قسم من الأحكام الشرعية الذي يفيد الاستحباب والندب.
-
الحديث أعم من السنة من حيث المفهوم، فهو يزيد على السنة في تناوله لكل ما صدر عن النبي ﷺ حتى ولو كلن منسوخا ليس عليه العمل.
كما يتناول صفات النبي ﷺ الخِلْقِية من لونه وجسمه وطوله، وصفاته الجبلية من حيث صحته ومرضه وما يميل إليه من الطعام...
وليس المقصود من رواية هذه الأمور الجريان والاعتياد والاتباع، إنما المقصود عند روايتها الوقوف على عصر النبوة ومعرفة النبي ﷺ.
فالحديث إذن صدوره غير محصور في وقت خاص من أوقات النبي وليس محدودا بمكان ولا بنوع من السلوك بل هو جميع ما يصدر عن النبي ﷺ من أنواع النشاط في السر والعلن.
لهذا يقولون فلان إمام في الحديث أي أكثر رواية للأخبار ومعرفة بالنقد وبالرجال
وفلان إمام في السنة أي بالطريقة العملية من سنن الأقوال والأفعال والأخلاق
وفلان إمام فيهما جميعا أي بين الطريقة العملية وبين الرواية والنقد
بالتالي فأخبار الجاهلية المروية في كتب الحديث لا نطلق عليها مسمى السنة. كذلك الأحاديث المنسوخة
-
-
عناية المسلمين، بدأ بالصحابة رضوان الله عليهم، بالحديث وعلومه كان لإدراكهم أهمية السنة والحاجة إليها
السنة لغة تدور على معاني الجريان والاطراد والصقل والإحداد. فالسنة فيها معنى التكرار والاعتياد، ومعنى التقويم، وإمرار الشيء على الشيء من أجل إحداده وصقله.
ولما كان الوجه مجمع الحسن أطلق عليه سنّة.
وسنة النبي ﷺ تحمل هذه المعاني اللغوية لما فيها من جريان الأحكام واطرادها، وصقل الحياة الإنسانية بها، فيكون وجه المجتمع السائر على هديها ناضرا بخيرها وبركتها
و"سن الله سنة أي بين طريقا قويما وسنة الله أحكامه وأمره ونهيه"
وكلما ذكر لفظ السنة/السنن في القرآن فهو بمعنى "أحكام الله الجارية المطردة"
-
مسؤولية المنهج
المنهج في زمن الصحابة
دوافع الصحابة للرواية عن رسول الله ﷺ:
شغف التابعين بسنة النبي ﷺ وكثرة سؤالهم إياهم
اتساع رقعة الدولة الإسلامية
كان الصحابة يستدلون بحديث (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) على الكذب غير المتعمد من شدة حذرهم رضوان الله عليهم.
قال الإمام ابن حجر: "الثقة إذا حدث بالخطأ، فحُمِل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ، يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشرع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث"
قصة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه مع ميراث الجدة، إذ سأل المغيرة إن كان معه غيره على ما يقوله من إعطاء النبي ﷺ السدس للجدة.
قصة سيدنا عمر رضي الله عنه في الاستئذان مع أبي موسى الأشعري.
ليس طلب عمر للبينة تهمة لأبي موسى الأشعري و لا يعني أن عمر لا يقبل خبر الواحد العدل، إنما هو توجيه منه رضي الله عنه إلى طلب التحري والتثبت.
جاءت زيادة في الموطإ أن عمر قال لأبي موسى الأشعري: "أما إني لم أتهمك، ولكني أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله ﷺ"
ظهرت هذه البداية المنهجية مع بدإ الرواية ثم أخذت أشكالا أخرى غير طلب الشاهد كتتبع الروايات والطرق، والبحث عن المتابعات.
فتعلم الصحابة الكرام درسا جعلهم لا ينطقون ولا يروون إلا ما كانوا على يقين منه فتجنبوا الغرائب والظنون البعيدة.
كتابة الحديث بين النهي والإذن
كانت السياسة العامة النهي عن كتابة السنة فيما عدا الإذن الخاص أو في مسائل محددة ذات أنصبة وفروض وأرقام قد يصعب ضبطها من غير كتاب.
-
امتناع الصحابة رضي الله عنهم عن الكتابة في أول الأمر إنما كان من نهي النبي ﷺ عن كتابة شيء غير القرآن.
قال رسول الله ﷺ: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج)
ثم جاء الإذن من النبي ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بالكتابة: (...فأمسكت عن الكتاب، فذكرت لرسول الله ﷺ فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق)
لقد شاء الله تعالى أن يحفظ كتابه من التحريف والاختلاف فصانه من كل شيء يكتب إلى جانبه حتى ولو كان السنة التي هي وحي يوحى.
(القراءات الشاذة هي إضافات تفسيرية كتبت إلى جانب الآيات، ثم ظن الكاتب أنها من القرآن)
تواتر القرآن كان بتوفيق الله ﷻ ثم بالمنهج الذي صانه.
كما قيل، الإمام الخطابي، على حديث النهي أنه إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة وليس النهي عن الكتابة نفيها.
الإذن منه ﷺ بالكتابة كان بعد السنة السابعة لأن عبد الله بن عمرو بن العاص هاجر مع أبيه بعد الحديبية.
كما أن النص يفهم منه أن عبد الله بن عمرو بن العاص أفرد كتابة الحديث في كتاب مستقل ولم يجعله مع القرآن.
السنة في عهد النبي ﷺ كانت نامية فالتشريع لمّا يكتمل.
بالتالي فالسنة تتناول أحكاما مرحلية يعتريها. فمن الفوائد المنهجية للنهي عن الكتابة ألا يأخذ المكتوب طابع النهائية.
وهذا المحذور يزول بعد وفاة النبي ﷺ لأن صدور السنة توقف وأحكامها تصير ثابتة
قد نقول أن من حكمة الله أن السنة لم تجمع في عهد النبي ﷺ حتى تظهر وتنشأ هذه النزعة النقدية المنهجية التي امتدت آثارها إلى مختلف جوانب المعرفة الإسلامية
-
هيمن المنهج على رواية الحديث فضبط عمليات الرواية وكان سببا مباشرا في تقليل الرواية عن رسول الله ﷺ.
ظهر هذا المنهج بجلاء ووضوح في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته.
أثر الفتن على الحديث
يحاول أعداء الإسلام أن يصوروا للناس أن الفتنة قد أثرت على السنة تأثيرا بالغا وأنها شجعت أهل الأهواء على الوضع والكذب.
لا ريب أن الفتنة ذات أثر سلبي، لكنها في الوقت ذاته كانت دافعا لاستكمال منهجية الحديث رواية ودراية
ظهور الفتن والصحابة أحياء والرواية قريبة من مصدرها الأصلي ساعد على استقرار المنهج.
ولو تأخرت الفتنة ووقعت بعد عصر الصحابة لما استكملت القواعد المنهجية.
أثرت الفتنة على النظام السياسي، لكنها ساعدت على تأصيل مختلف العلوم الإسلامية وإبراز مناهجها.
فالحديث قد أخذ على إثر الفتنة من المغانم أكثر مما دفع من المغارم.
قال محمد بن سيرين عن أثر الفتنة على البحث والنقد: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)
-
-
-
نقد المتن في زمن الصحابة
رأينا مما سبق بواكير نقد السند في زمن الصحابة للتثبت من إسناد الحديث إلى النبي ﷺ. وظهر إلى جانب هذا نقد أوسع وهو نقد المتن.
والدافع إلى هذا النقد المعارضة النقلية، أو المعارضة العقلية أو المعارضة لمبادئ الإسلام وأصوله ومناهجه.
من أبرز الأمثلة ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها فيما ذكر لها من حديث "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه".
فاستدلت رضي الله عنها بآية تثبت أصلا من أصول الإسلام الذي يعارضه ذلك القول ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ﴾
واستدلت بما قاله النبي ﷺ (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه) / (إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن).
ناقشت عائشة رضي الله عنها روايات عمر وعبد الله رضي الله عنهما بأدلة نقلية من الآيات والأحاديث والمبادئ الإسلامية العامة.
البخاري رحمه الله ترجم لهذا الباب بقوله: "باب قول النبي ﷺ "يعذب الميت ببكاء أهله عليه" إذا كان النوح من سنته"، فالبخاري حمل البكاء على ما إذا كان من عادة الميت قبل موته أن يسمع النواح من أهله فلا ينهاهم ويرضى بذلك منهم، أو إذا أوصى بالبكاء عليه بعد موته.
بالتالي فنقد عائشة رضي الله عنها لا يقدح في حديث عمر رضي الله عنه إن حمل على هذا التوجيه.
-
أقسام علم الحديث
علم الحديث رواية:
موضوعه وهدفه
موضوعه نقل الأحاديث والأخبار وتداولها سواء بين الأقران المتعاصرين أو بين الأجيال من السلف إلى الخلف.
لا يدخل في موضوعه تمحيص الخبر والحكم عليه من حيث القبول والرد.
هدفه حفظ الخبر ونقله
لا يقف علم الرواية عند صحيح الحديث ومستقيم الأخبار بل قد يتناول في نطاقه كل قول وخبر حتى ولو كان مصنوعا مختلقا لكي يتقيه الناس ويحذروه.
-
-
الجوامع والمسانيد والمعاجم
مع مطلع القرن الثالث الهجري ظهر علم الرواية على شكل كتب جامعة ومسانيد كبيرة ومعاجم.
الجوامع المبوبة
هي كتب جمعت أصنافا كثيرة من أصناف الحديث ففيها العلم والأحكام والسير والأدب والتفسير والفتن والزهد... ومن أشهرها:
- الجامع الصحيح المسند المختصر من أحاديث رسول الله ﷺ وسننه وأيامه، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري
- الجامع الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري
- سنن الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني، أبي داود.
- سنن الإمام أحمد بن شعيب النسائي
- سنن الإمام محمد بن ماجه القزويني
- سنن الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي
المسانيد
هي كتب مرتبة على الصحابة حيث تذكر روايات الصحابي الواحد كلها في مكان واحد دون مراعاة للموضوعات الحديثية.
أشهرها مسند الإمام أحمد بن حنبل
-
-
طرق تحمل الرواية وأدائها:
التحمل هو الأخذ، أي تلقي التلميذ عن شيخه
الأداء: الإعطاء، أي دفع الحديث من الشيخ إلى التلاميذ
هذا الباب من أبواب النقد والقبول والرد في الحديث. وهو يشهد لعلماء الحديث بالدقة والتحري.
ولعله من ما لم يعتن به غير أمة الإسلام من الأمم على الأرض
السماع من الشيخ
ذلك أن يحدث الشيخ بلفظه، سواء أأملى على تلاميذه أم تحدث من غير إملاء.
وسواء أكان الحديث من كتابه أم من حفظه.
هذا أرفع أقسام التلقي عند الجمهور.
وطريق الأداء المقترنة بهذا النوع من التحمل هي أن يقول التلميذ عند الرواية عن شيخه: "سمعت"، "حدثنا"، "حدثني"
بعض العلماء يستعمل "أخبرنا" وإن كان الأغلب استعمال هذه اللفظة في العرض لا في السماع عن الشيخ
العرض أو القراءة على الشيخ
صورتها أن يقرأ التلميذ حديث الشيخ على الشيخ نفسه أو أن يقرأ آخر والتلميذ يسمع.
وسواء أكانت القراءة من الكتاب أم من الحفظ، وسواء أكان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه أم يمسك الأصل وينظر فيه. فكل هذه الصور سواء.
يلاحظ أثناء القراءة، إقرار الشيخ بأن ما قرأه التلميذ هو حديثه أو كتابه.
صيغة الأداء بأن يقول التلميذ إذا عرض: "قرأت على فلان"، "قُرِئ على فلان وأنا أسمع فأقر به". والمشهور عن الإمام مسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق إفراد لفظ "أخبرنا" للعرض ومنع كلمة حدثنا.
ذهب الحجازيون والكوفيون والزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان إلى إطلاق (حدثنا، أخبرنا، أنبأنا) وهو مذهب الإمام البخاري
بعض العلماء فضل العرض على السماع من لفظ الشيخ مثل أبو حنيفة ومالك.
وذهب أكثر علماء الحجاز والكوفة إلى التسوية بينهما وهو مذهب الإمام البخاري.
وذهب ابن الصلاح إلى ترجيح السماع.
المكاتبة
هي أسلوب من أساليب التحمل، صورتها أن يكتب كتابا يرسله إلى تلميذه أو إلى من يسأله عن الأمر الذي كتب، وأن يتضمن هذا الكتاب أحاديث معينة.
أخرج الرامهرمزي بسنده عن قتادة قال: كتبنا إلى إبراهيم النخعي نسأله عن الرضاع، فكتب يذكر أن شريحا حدث أن عليا وابن مسعود كانا يقولان: يحرم من الرضاع قليله وكثيره، وكان في كتابه أن أبا الشعثاء المحاربي حدثه أن عائشة حدثته أن رسول الله ﷺ قال: "لا تُحَرِّم الخطفة أو الخطفتان".
إذا كان التلميذ أو المرسَل إليه على يقين من كتاب الشيخ أو المرسِل غير شاك فيه فإن له أن يرويه عنه بقوله "كتب لي..."
وقد يصاحب الكتابة إجازة من الشيخ وقد تكون الكتابة عارية عن الإجازة.
الإجازة
هي أسلوب من أساليب تحمل الرواية ظهر مع تكاثر الكتب والنسخ على نحو لم يعد طالب العلم قادرا على سماعها أو قراءتها على شيوخه.
فأصبح الشيخ يأذن لتلميذه برواية الكتاب، فهذا الإذن بالرواية يسمى الإجازة.
هذا الأسلوب تطور عن المناولة والكتابة التي كانت تتعلق بحديث أو بضعة أحاديث، أما الإجازة فهي تتناول كتبا قد تحتوي على عشرات الألوف من الأحاديث.
لا بد للمُجاز أن يكون ماهرا عالما حتى لا يقع في الوهم والخطإ، إذ ليس الكل قادر على أخذ العلم من الكتب.
الإجازة كانت مقترنة بالمناولة عند الأقدمين.
صيغ الأداء المعبرة عن الإجازة قال الراوي: "أنبأنا"، "أخبرنا" (خبَّرنا، عن)
-
المناولة:
وصورتها أن يدفع الشيخ إلى تلميذه أو الراوي عنه كتابه وفيه حديث أو أكثر.
المناولة تختلف عن المكاتبة بما فيها من مشافهة بالإذن وبما فيها من دفع الكتاب مباشرة دون واسطة، وهذا يجعل الرواية بها أوثق.
صيغ الأداء المعبرة عن المناولة قول الراوي: "أنبأنا"، "أخبرنا"، "عن"
الوجادة
صورتها أن يعثر المحدث على كتاب ما، مثل رواية عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن ابيه عن جده فإنما هي كتاب وجده. لذلك ضعفة ابن المديني.
صيغ الأداء المعبرة عن الوجادة قول الراوي:
"وجدت بخط فلان"، "قرأت بخط فلان أو "في كتاب فلان بخطه".
هذا النوع من أنواع التحمل لا تقوم به الحجة ولا يلزم إلا من وثق بأن هذا الخط هو خط فلان واطمأن إلى صحة نسبتها إليه.
-
الإعلام
وهو أن يعلم الراويُ طالبَ الحديث بأن هذا الكتاب أو هذا الحديث سمعه من فلان دون أن يقول له "اروه عني".
القائلون بجواز التحمل بالإعلام ينظرون إلى أن العبرة في ثبوت الكتاب أو الحديث لراويه، وبالإعلام يثبت ذلك فأجازوا التحمل به.
أما المانعون فنظروا إلى عدم الإذن من الشيخ برواية كتابه.
علم الحديث دراية
تدل كلمة الدراية على نوع من العلم العميق ببواطن الأمور التي لا تعلم إلا بالبحث والتنقيب والحيلة.
واستخدم علماء الحديث هذه الكلمة لتدل على مبلغ الجهد العلمي الذي يحتاجه المحدث للوصول إلى بغيته في إصدار الأحكام على الأحاديث التي قدمها له علم الرواية.
إذا كانت الرواية نقلا للمعلومات فإن الدراية فهم وتتبع وبحث ومعرفة بالتراجم والطبقات وأحوال الرواة، وخبرة بالمتون والألفاظ وأنواع الترجيح، وإدراك عميق للعلل الخفية ورؤية واسعة للحركة الحديثية عبر العصور وعلى اختلاف الأقطار.
-
علم لعلل:
هو علم متابعة الثقات ورواياتهم.
البحث التفصيلي في أحوال الثقة وروايته، فالثقة لا يكون على وتيرة واحدة في كل أحيانه ورواياته.
الفرق بين الجرح الظاهر والعلة الخفية يصور لنا الفرق بين علم الجرح والتعديل وعلم العلل.
علم العلل يبدأ من حيث انتهى علم الجرح والتديل، فيتناول بالبحث روايات الراوي الثقة واحدة واحدة، ويبحث عن كيفيات الرواية وأحوالها وموافقاتها ومخالفاتها.
تنبه علماء الحديث إلى أن الثقة الموصوف بالعدالة قد يخطئ ويهم ويقلب المتون والأسانيد وقد ينسى، وقد يختصر فيخل أو يطيل فيغير ويبدل، وهو في كل هذه الأحوال ثقة لا يتعمد الخطأ. فلا ينزل عن رتبته لاشتهاره بعموم الضبط والإتقان والعدالة.
فما من عدل وإن كان من أحفظ الناس، إلا والسهو والغلط ممكن في حفظه ونقله.
الحديث المعلول/المعل: حديث ظاهلا السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح.
مثلا قد يكون الراوي حدث بالحديث في بلد غير بلده، والمعروف عنه أنه إذا خرج من بلده وقع غي الخطأ لمفارته كتبه.
أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد ونقب عن دقائق علم العلل، هو شعبة بن الحجاج.
والإمام الترمذي أول من صنف الحديث على الأبواب المعللة (الجامع، العلل الصغير)
علم العلل نوع من النقد الموضوعي العميق الذي يحتاج إلى معرفة واسع ويتناول أنواعا من الفقهه النقدي وبعضها تاريخيو بعضها اجتماعي وبعضها نفسي وبعضها عقيدي وبعضها فقهي.
نقد المتن
هو أمر مقرر في قواعد الحديث وقد بدأ قبل الجرح والتعديل وظهور الإسناد.
نجده في المناقشات الطويلة التي كانت تقوم بين الصحابة رضي الله عنهم
الاختلافات بين المذاهب الفقهية مبني في معظمه على نقد المتن.
فالشافعي يختلف مع غيره في كثير من الأحيان لا في ثبوت النص وإنما في فهم النص.
كذلك الحال في نشأة المذاهب السياسية والعقدية الكلامية.
-
علم العلل أولى للمتن عناية خاصة، فموضوع علم العلل الحديث الذي ظاهر إسناده الصحة.
أحيانا العلماء يضعفون الحديث مع صحة السند فيقولون "منكر المتن"، "شاذ"، "مضطرب"، "غريب، "يقشعر منه الجلد"
الأحاديث الموضوعة يستدل على وضعها من المتن قبل الاستدلال من السند، لأن أكثر الكذابين كانوا يسرقون الأسانيد فيركبون الإسناد الجيد على المتن الموضوع.
الكتب الستة دليل على العناية بالمتون ونقدها.
وظهر الاتجاه نحو نقد المتن على يد الإمام الترمذي وأبي داود ةالنسائي وابن ماجة وغيرهم
-
الصحابة لم يعرفوا الكذب
زكى الله ﷻ عصر النبي ﷺ وأصحابه، وزكى النبي ﷺ أصحابه.
ومن جوانب هذه التزكية الصدق الذي تميز به الصحابة الكرام. وما يرد من ألفاظ التكذيب على ألسنة بعضهم فإنه تخطئة بعضهم لبعض وبيان ما وقع فيه بعضهم لوهم الكلام وهذا لا يعصم منه أحد.
(الكذب يأتي بمعنى ضد الصدق وأيضا بمعنى ضد الصواب)
لم يعرف عن أحد من الصحابة أنه كذب، وما قيل عن عبد الرحمن بن عديس هو من الموضوعات