Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
الركن القانوني: مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات - Coggle Diagram
الركن القانوني:
مبدأ شرعية الجرائم
والعقوبات
مقدمة
يتمثل الركن القانوني للجريمة في ضرورة وجود نص قانوني يجرم الفعل الذي وقع القيام به ويحدد لمرتكبه عقوبة. وبذلك فإن الفعل مهما كانت خطورته لا يعد جريمة إلا إذا وجد نص قانوني سابق الوضع يجرمه.
وهذا الحكم يجد أساسه في مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات (I) الذي يكرسه الفصل الأول من م.ج وكذلك الفصل 13 من الدستور.
لكن القانون يسمح أحيانا للفرد بالقيام بالفعل المجرم وذلك لوجود سبب من أسباب التبرير (II) الذي يبيح له القيام بهذا الفعل.
يفيد مبدأ الشرعية في التجريم والعقاب أن الفعل لا يمكن إعتباره جريمة إلا إذا كان هناك نص قانوني يجرمه (I).
ولمنع كل التجاوزات التي يمكن أن تؤدي إلى إفراغ هذا مبدأ من مضمونه عند تطبيقه، يعتمد القانون الجنائي بعض المبادئ المتفرعة عنه (II).
I- النص التجريمي
أ- النص التجريمي
وإذا كان من المفروض أن تكون الأوامر والقرارات، التي تجعل من بعض الأفعال مخالفات يعاقب الفاعل عن ارتكابها، متماشية مع القانون الأعلى منها مرتبة، فإن كل النصوص التجريمية مهما كان نوعها يجب أن تكون متماشية مع كل الأحكام الدستورية وخاصة منها التي تسعى إلى المحافظة على الحريات العامة وتمنع المشرع من مخالفة المبادئ الأساسية التي تضمن للفرد حقوقه. فمثلا لا يمكن للمشرع أن يصدر أحكاما تجريمية تتعارض مع قرينة البراءة ولا مع مبدأ شخصية العقوبة أو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
عملا بمقتضيات الفصل 65 من الدستور تتخذ شكل قوانين عادية النصوص المتعلقة بضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة عقوبة سالبة للحرية .
وبعد أن يصدر النص التجريمي حسب ما يقتضيه الدستور ويكون متماشيا مع كل القواعد القانونية التي تنظم كيفية نشأته، فإنه يدخل حيز التطبيق من اليوم الموالي لنشرها بالنشرية الالكترونية وذلك حسب أحكام الفصل الثاني من مرسوم رئيس الحكومة عدد1 لسنة 2020.
ولكن إذا كانت هذه هي القاعدة العامة في ما يتعلق بتحديد تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ، فإن القانون الجديد يمكن أن يخالفها وينص صراحة على دخول القانون حيز التطبيق في أجل أو تاريخ معين.
إلا أنه مهما كان تاريخ دخوله حيز التنفيذ يكون النص القانوني التجريمي، منذ بداية هذا التاريخ، خاضعا مثل كل النصوص القانونية الأخرى لمبدأ علوية الاتفاقات الدولية التي تلزم البلاد التونسية. وهذه العلوية تمنح الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية وأصبحت ملزمة بموجب هذه المصادقة أسبقية في التطبيق.
ب- المبادئ
المتفرعة عن مبدأ
شرعية الجرائم
والعقوبات
حماية للحريات العامة ومنعا لكل تجاوز في تطبيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وقع إعتماد العديد من البادئ التي تعد متفرعة عنه والتي من أهمها مبدأ التفسير أو التأويل الضيق للقانون الجنائي (1) ومبدأ عدم رجعية القانون الجنائي (2) و مبدأ إقليمية القانون الجنائي (3).
1) مبدأ التأويل
الضيق للقانون
الجنائي
يعتبر مبدأ التأويل أو التفسير الضيق للقانون الجنائي نتيجة طبيعية المبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إذ أنه يلزم القاضي بتطبيق النص القانوني كما هو بدون أن يحمله ما لا يحتويه من تجريم وعقاب.
فحسب هذا المبدأ يكون القاضي ملزما بتطبيق النص الصريح دون تغيير أو تحريف لمضمونه أو لما يترتب عنه من أحكام.
1) منع الحكم عن
طريق القياس
مبدأ التفسير الضيق للقانون يمنع القاضي من القياس على حالة يتعلق بها نص تجريمي معين للإيجاد الحل لحالة أخرى لا يتعلق بها هذا النص التجريمي بصفة واضحة وصريحة، وذلك لأن القياس يؤدي إلى توسيع مفهوم النص الجنائي وإلى تجريم أفعال لم ينص عليها القانون صراحة.
فمثلا قبل القانون عدد 89 المؤرخ في 2 أوت 1999 الذي نقح الفصل 172 من المجلة الجنائية لجعله يشمل الوثيقة الإلكترونية، كان هذا الفصل يجرم فقط تزوير الوثائق العادية، ولذا لم يكن بإمكان القاضي قبل ذلك التاريخ تجريم تزوير الوثيقة الإلكترونية عن طريق القياس على تجريم الوثائق العادية، لأنه لو فعل لكان حكمه مخالفا لمبدأ التأويل الضيق للنص التجريمي.
ولكن إذا كان منع التوسع في تفسير القانون الجنائي عن طريق القياس هدفه منع توسيع دائرة التجريم التي حددها المشرع حماية للحريات عامة ولمصلحة المتهمين خاصة، فإن التوسع في التأويل عن طريق القياس يكون ممكنا إذا كان هدفه حماية المتهم والتقليص من مجال تجريم الأفعال المنسوبة إليه. وهذا ما ذهب إليه فقه القضاء الفرنسي في تأويله لبعض نصوص المجلة الجنائية لسنة 1810 التي تقرب كثيرا من نصوص المجلة الجزائية التونسية، فمثلا رغم أن الفصل 328 من المجلة الجنائية الفرنسية المتعلق بالدفاع الشرعي لم ينص صراحة إلا على الدفاع عن الأشخاص، فقد وسع فقه القضاء مجال تطبيقه عن طريق القياس وجعله يشمل كذلك الدفاع عن الأموال.
2) إعتماد المعنى
الملائم لمقصد
المشرع
عندما يكون النص التجريمي قابلا للتأويل ومحتويا على شيء من الغموض الذي يستدعي الاجتهاد لتحديد مفهومه فإن القاضي يكون مطالبا بالبحث عن الغاية التي من أجلها وضع المشرع هذا النص، ولا يمكنه الاعتماد على المعنى والعبارات التي لا تتلاءم مع مقصد المشرع والسبب الذي من أجله أوجد هذا الأخير الجريمة وحدد لمرتكبها عقوبة .
وللبحث عن مقصد المشرع الذي يجب الوقوف عنده لتحديد مفهوم النص الغامض، يقع الرجوع عادة إلى الأعمال التحضيرية للقانون للنظر في كل الأسباب التي أدت إلى نشأت النص التجرمي، مع محاولة التعرف عن الغاية التي يرمي المشرع إلى تحقيقها من وراء ذلك التجريم وعدم الاكتفاء بالمعنى اللغوي أو اللفظي للنص.
ولكن مثل ما هو الشأن بالنسبة لمنع توسيع التجريم بالقياس فإن تأويل أو تفسير القانون الغامض يجب أن يتم في حدود ما أراده المشرع في الوقت الذي وضع فيه النص، وهذا لأنه لو قام القاضي بالبحث عن الحكم الذي يتلائم مع العصر أو الظرف متناسيا بذلك حدود ما أراده المشرع من تجريم و عقاب في التاريخ الذي أصدر فيه النص التجريمي يمكن أن يؤدي به ذلك الأمر إلى توسيع نطاق التجريم الذي يقتضيه النص، وبالتالي إلى مخالفة مبدأ التأويل الضيق للقانون الجنائي بصفة مباشرة ومبدأ شرعية الجرائم العقوبات بصفة غير مباشرة.
2) مبدأ عدم
رجعية
القانون الجنائي
ضرورة توفر الركن القانوني في الجريمة يفرض عدم تطبيق القانون الجديد على الأفعال التي ارتكبت قبل دخوله حيز التنفيذ. هذا هو مفهوم مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي. إلا أن مجال هذا المبدأ، حسب ما جاء بالفصل الأول من المجلة الجنائية، ينحصر في القانون الجنائي المتعلق بالأصل الذي يكون أشد على المتهم من القانون القديم (1)، وبذلك فإنه لا يشمل القانون الجنائي المتعلق بالأصل الذي يكون أرفق بالمتهم (2)، ولا يشمل كذلك القانون الجنائي المتعلق بالشكل الذي يطبق مبدئيا فور دخوله حيز التنفيذ (3).
1) عدم
رجعية القانون
الجنائي المتعلق
بالأصل إذا كان
أشد على المتهم
قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي المتعلق بالأصل الذي يكون الأشد على المتهم ينص عليها الفصل الأول من المجلة الجزائية. فقد جاء بهذا الفصل منذ صدوره سنة 1913 أنه "لا يعاقب أحد إلا بمقتضى نص من قانون سابق الوضع لكن إذا وضع قانون بعد وقوع الفعل وقبل الحكم البات وكان نصه أرفق بالمتهم فالحكم يقع بمقتضاه دون غيره".
وبقراءة عكسية للجزء الثاني من هذا النص نستنتج أن عدم رجعية القانون الجنائي لا تتعلق إلا بالقانون الذي يعتبر أشد على المتهم من القانون السابق. وعلى هذا الأساس فإن القاضي لا يمكنه تطبيق القانون الجديد المؤدي إلى التشديد على المتهم إذا كان الفعل المجرم المنسوب لهذا الأخير قد ارتكب قبل دخول هذا القانون حيز التطبيق.
فتماشيا مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لا يمكن للقاضي مفاجأة المتهم بنص قانوني لم يكن موجودا في تاريخ قيام هذا الأخير بالفعل المنسوب إليه. وتدعيما لهذا التمشي الذي هدفه حماية الحريات بصفة عامة والمتهم بصفة خاصة من إمكانية تجاوز القاضي لمتطلبات مبدأ الشرعية الذي يفرضه عليه القانون الجنائي، نص الفصل 28 من الدستور ضمنيا كذلك على عدم رجعية القانون الجنائي المتعلق بالأصل إذا كان أشد على المتهم. وبهذا وقع إكساء مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي صبغة دستورية تمنع المشرع أيضا من جعل القانون الجنائي الأشد على المتهم رجعيا أي تمنعه من إصدار قانون تجريمي أشد قابل للتطبيق على أفعال تمت قبل دخوله حيز التنفيذ.
والشدة التي تمنع رجعية القانون الجديد يمكن أن تتمثل في كون هذا القانون يجرم فعلا كان في السابق مباحا أو في كونه ينص على عقوبة أشد من التي ينص عليها القانون القديم الذي ارتكبت الجريمة في ظله.
فمبدأ عدم الرجعية يمنع القاضي أولا من تطبيق القانون الجديد الذي يجرم فعلا كان مباحا قبل تاريخ دخوله حيز التطبيق إذا كان هذا الفعل قد تم حقيقة قبل هذا التاريخ. فمثلا القانون عدد 64 المؤرخ في 15 جويلية 1999 الذي أصبح يجرم الفائدة المشطة المتفق عليها في عقد القرض لا يمكن للقاضي تطبيقه على العقود المبرمة قبل تاريخ دخوله حيز التطبيق.
وبالإضافة إلى كونه يمنع تطبيق القانون الجديد على فعل كان مباحا في زمن وقوعه، فإن مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي الجديد يمنع أيضا تطبيق هذا القانون على الجريمة المرتكبة قبل دخوله حيز التطبيق إذا كان العقاب الذي ينص عليه أشد من الذي ينص عليه القانون القديم الذي ارتكبت الجريمة في ظله وذلك مهما كانت طبيعة أو درجة هذا التشديد.
فالقاضي لا يمكنه أن يطبق القانون الجديد على الجريمة السابقة التاريخ دخوله حيز التنفيذ إذا رفع هذا القانون من قدر أو حد العقوبة أو أبدلها بعقوبة أشد مثل إيدال عقوبة الخطية بعقوبة السجن، أو إذا مكن القاضي من الحكم على المتهم بعقوبة تكميلية لم يكن بإمكانه الحكم بها سابقا.
2) رجعية القانون
الجنائي المتعلق بالأصل
إذا كان أرفق بالمتهم
رجعية القانون الجنائي الأرفق بالمتهم ينص عليها صراحة الفصل الأول من المجلة الجزائية وكذلك الفصل 28 من الدستور. وفي هذين الفصلين وقع التنصيص على هذه الرجعية على أنها استثناء لمبدأ عدم رجعية القانون الجنائي المتعلق بالأصل.
وبموجب هذا الاستثناء لا يمكن للمشرع أن يمنع تطبيق القانون الجديد الأرفق بالمتهم على الجريمة المرتكبة في ظل القانون القديم، كما يجب على القاضي أن يطبق هذا القانون الأرفق على المتهم وإلا يكون حكمه معرضا للنقض.
والقانون الجديد الأرفق بالمتهم والواجب تطبيقه بصفة رجعية هو الذي يبيح أفعالا كانت في السابق مجرمة أو الذي يخفف من العقوبة التي ينص عليها القانون القديم، وذلك مثل قانون 27 فيفري 1989 الذي أبدل عقوبة الأشغال الشاقة بعقوبة السجن وقانون 2 أوت 1999 الذي مكن القاضي من إبدال عقوبة السجن بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة
كما يعتبر أيضا القانون الذي ينص على إلزام الجاني بتدبير وقائي معين أرفق من القانون القديم وذلك لكونه يؤدي إلى العمل على إصلاح هذا الأخير وإبعاده بقدر الإمكان عن الإجرام
وحسب ما نص عليه الفصل الأول من المجلة الجزائية يجب تطبيق القانون الجديد الأرفق بالمتهم خلال كل مراحل التقاضي ولكن قبل أن يصبح الحكم المؤسس على القانون القديم باتا. فلو صدر الحكم ابتدائيا أو إستئنافيا على أساس القانون القديم ثم وقع الطعن فيه بالاستئناف أو بالتعقيب فإنه يكون من واجب محكمة الدرجة الثانية أو محكمة التعقيب الحكم بمقتضى القانون الجديد الأرفق بالمتهم.
ولكن هذا القانون لا يمكن تطبيقه بصفة رجعية إذا تمت محاكمة المتهم على أساس القانون القديم وأصبح الحكم باتا، أي إذا أصبح الحكم قابلا للتنفيذ و غير قابل للمؤاخذة بأي وجه من أوجه الطعن العادية. فصدور القانون الجديد الأرفق بالمتهم لا يمكن مبدئيا أن يمنع تنفيذ هذا الحكم وتسليط العقوبة المحكوم بها على الجاني إلا إذا نص هذا القانون صراحة على هذه الإمكانية.
3) التطبيق الفوري للقانون
الجنائي المتعلق بالشكل
على خلاف القانون الجنائي المتعلق بالأصل الذي لا يطبق على ال الأفعال السابقة إلا عندما يكون أرفق بالمتهم، فإن القانون الجنائي المتعلق بالشكل ا والذي يتمثل أساسا في قانون الإجراءات الجزائية يطبق مبدئيا على كل الأفعال والوضعيات فور دخوله حيز التنفيذ.
يمكن اعتبار هذا المبدأ مؤسس بصفة ضمنية على ما جاء بالفصل الأول من المجلة الجزائية؛ إذ أن هذا الفصل يمنع صراحة رجعية القانون الجنائي المتعلق بالأصل ويبين حدود هذا المنع بدون أن يمنع رجعية القانون الجنائي المتعلق بالشكل.
فالفصل الأول من م.ج حصر عدم رجعية القانون الجنائي في الأحكام التي تؤدي إلى التشديد على المتهم في العقاب، وبذلك يكون قانون الإجراءات الجزائية غير معني بقاعدة عدم الرجعية وقابل للتنفيذ الفوري لكونه يهدف أساسا إلى تحسين سير العدالة الجزائية وإجراءات التقاضي بوجه عام. وهذا التحسين يجعل تطبيقه الفوري يحقق مبدئيا مصلحة المجتمع والمتهم في آن واحد، وذلك مثل قانون 17 أفريل 2000، الذي أرسى قاعدة التقاضي على درجتين في المادة الجنائية، والذي أصبح نافذا فور دخوله حيز التطبيق على كل الجنايات التي لم يصدر في شأنها حكم بات سواء المرتكبة بعد هذا التاريخ أو قبله.
ج) مبدأ إقليمية
القانون الجنائي
يفيد مبدأ إقليمية القانون الجنائي أن قواعد القانون الجنائي لا تطبق إلا في حدود الإقليم الخاضع لسيادة الدولة التي يعترف لها القانون الدولي بالسيادة عليه.
ويعد هذا المبدأ نتيجة طبيعية لتطبيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لأن هذا الأخير يفرض أن يكون الناس على علم بالنص التجريمي قبل تطبيقه عليهم.: لذا فإن القانون الجنائي يجب أن يطبق مبدئيا على كل الأشخاص المتواجدين في إقليم الدولة التي أصدرته ولو كانوا أجانب يحملون جنسية دولة أخرى.
وعلى هذا الأساس فإنه لا تخضع للقانون الجنائي التونسي إلا الجرائم المرتكبة في إقليم الدولة التونسية وذلك سواء كان مرتكبو هذه الجرائم حاملين للجنسية التونسية أو أجانب متواجدين بالبلاد التونسية. ولذا يكون من الضروري القيام أولا بتوضيح مفهوم هذا الإقليم (1&) الذي تكون كل الجرائم المرتكبة فيه خاضعة مبدئيا للقانون الجنائي التونسي.
إلا أن مبدأ إقليمية القانون الجنائي ليس مطلقا، بل إن العلاقات الدولية، المؤسسة على ضرورة إحترام كل دولة لسيادة الدول الأخرى واعتراف كل دولة للدول الأخرى بتمتعها بحق فرض سيادتها على رعاياها، أوجدت عدة إستثناءات لهذا المبدأ (2&).
1) مفهوم الإقليم
يتمثل الإقليم في الأصل في رقعة الأرض المحددة جغرافيا والمعترف للدولة بالسيادة عليها. ولكن الدولة تتمتع كذلك بالسيادة على العديد من توابع هذا الإقليم التي تأخذ حكمه في ما يعلق بتحديد نطاق مبدأ إقليمية القانون الجنائي.
وفي ما يتعلق بإقليم اللدولة التونسية فهو المتمثل أساسا في رقعة الأرض التي يحدها شرقا وشمالا البحر الأبيض المتوسط، وغربا وجنوبا الأراضي الجزائرية والليبية.
وتتبع هذا الإقليم، المياه الإقليمية المتمثلة في الجزء من البحر الواقع على بعد مسافة محددة من الأرض والخاضعة قانونا لسيادة الدولة التونسية. وحسب ما جاء بقانون 30 ديسمبر 1963، تتكون هذه المياه بالنسبة للملاحة البحرية من الجزء من البحر الواقع على بعد ستة أميال من الشاطئ ما عدى خليج تونس الذي يعد بكامله من المياه الإقليمية، وبالنسبة للصيد البحري فإن هذه المياه تتمثل في الجزء من البحر الواقع على بعد إثني عشر ميلا من الشاطئ.
ومع البحر يتبع الإقليم كذلك الفضاء الذي يعلو رقعة الأرض والمياه الإقليمية، وذلك بدون تحديد المسافة معينة في العلو.
وبالإضافة للبر والبحر والجو، تتبع السفن والطائرات التي تحمل الجنسية التونسية أيضا إقليم الدولة التونسي، الشيئ الذي يجعل الجرائم المرتكبة على متنها خاضعة مبدئيا للقانون الجنائي التونسي. هذا ما يبينه بالنسبة للسفن الفصل الأول من المجلة التأديبية والجزائية البحرية الذي ينص على أنه "يخضع الأحكام هذه المجلة جميع الأشخاص مهما كانت جنسيتهم الذين يوجدون على متن كل سفينة تونسية"، وبالنسبة للطائرات الفصل 14 من مجلة الطيران المدني 27 الذي جاء به أنه "تختص المحاكم التونسية بالنظر في الجرائم التي ترتكب على متن الطائرات المسجلة بالبلاد التونسية".
وهذا الإقليم بكل امتداداته وتوابعه هو الذي يطبق فيه القانون الجنائي التونسي بالكيفية التي تجعل كل الجرائم المرتكبة في حدوده أو في توابعه خاضعة لهذا القانون ولو كان مرتكبها أجنبيا وتجعل الجرائم المرتكبة خارج حدوده غير خاضعة لأحكام القانون الجنائي التونسي ولو كان مرتكبها تونسيا. هذا هو مفهوم مبدأ إقليمية القانون الجنائي. إلا أن هذا المبدأ يتضمن العديد من الاستثناءات.
2) الاستثناءات لمبدأ
اقليمية القانون الجنائي
تفرض العلاقات الدولية وضرورة احترام سيادة الدول عدة استثناءات لمبدأ إقليمية القانون الجنائي. وهذه الاستثناءات يمكن تقسيمها إلى صنفين: استثناءات متعلقة بجرائم مرتكبة داخل الإقليم (2-1) أي استثناءات تتمثل في حالات لا يطبق فيها القانون الجنائي التونسي على جرائم ارتكبت في الإقليم التونسي أو في أحد توابعه، واستثناءات تتعلق بجرائم مرتكبة خارج الإقليم (2-2) أي استثناءات تتمثل في تطبيق القانون التونسي على جرائم مرتكبة خارج الإقليم التونسي.
1-2) الاستثناءات المتعلقة
بالجرائم المرتكبة داخل الإقليم
الاستثناءات المتعلقة ببعض الجرائم المرتكبة داخل إقليم الدولة التونسية ا تخص أولا الأجنبي الذي يرتكب جريمة بالبلاد التونسية أو بأحد توابعها، ثم يتوصل بعد ذلك إلى الذهاب إلى الخارج أين تتم محاكمته وربما معاقبته من أجل هذه الجريمة. فهذا الشخص يمكن أن لا يحاكم في تونس طبقا للقانون الجنائي التونسي إذا أثبت أن الجريمة التي ارتكبها في البلاد التونسية قد "اتصل بها القضاء نهائيا في الخرج وفي صورة صدور الحكم عليه بالعقاب أنه قضى العقاب المحكوم به عليه أو أن هذا العقاب سقط بمرور الزمن أو شمله العفو".
إلا أن هذا الاستثناء لا يشمل إلا الجنح والجنايات، وبذلك تبقى المخالفات المرتكبة من طرف هذا الأجنبي خاضعة للقانون التونسي.
يجد هذا الاستثناء أساسه في القاعدة الإجرائية التي تمنع محاكمة أو معاقبة نفس الشخص مرتين من أجل نفس الجريمة. وهذا الحكم يجد تفسيره في أنه ليس من العدل ولا من المنطق إعادة محاكمة الأجنبي في تونس إذا أثبت بصفة قطعية أنه حوكم ونال جزاءه في الخارج من أجل الجريمة التي ارتكبها في الإقليم التونسي.
والاستثناء الثاني لمبدأ الإقليمية في نطاق الجرائم المرتكبة داخل الإقليم التونسي أو أحد توابعه، يتعلق بالجرائم المرتكبة من طرف الأجانب المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية التي تمنع محاكمتهم في تونس على أساس القانون الجنائي التونسية. ويتمتع بهذه الحصانة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي وكذلك رؤساء الدول الأجنبية والأشخاص المرافقين لهم طيلة إقامتهم بالبلاد التونسية. كما ينتفع بنفس الامتياز أعضاء الهيئات القنصلية وممثلو المنظمات الدولية.
وأساس هذا الاستثناء الثاني يتمثل في كون هؤلاء الأجانب يمثلون دولا ومنظمات تتمتع بالسيادة والاستقلالية، الشيء الذي يمنع الدولة المضيفة من المساس بهذه السيادة، ويكون ذلك بعدم إخضاع ممثليها لقانونها الجنائي الذي يعد رمزا من رموز سيادتها التي لا يمكن فرضها على الدول الأخرى.
2-2) الاستثناءات المتعلقة
بالجرائم المرتكبة
خارج الإقليم
:one: الإستثناء
الأول
وعملا بهذا النص فإنه ليكون من حق القضاء الجزائي في تونس محاكمة التونسي الذي يرتكب جريمة في الخارج يجب أن يكون الفعل المنسوب إلى هذا الأخير مجرما في تونس وكذلك بالبلاد الأجنبية التي ارتكب فيها. فمثلا اصدار شيك بدون رصيد أصبح فعلا غير مجرم بفرنسا منذ 1991، لذا فإن التونسي الذي يرتكب هذا الفعل بفرنسا لا يمكن محاكمته بالبلاد التونسية طبقا لما جاء بالفصل 411 من المجلة التجارية الذي يجرم إصدار الشيك بدون رصيد.
ولكن في الواقع، في ما عدى بعض الأفعال القليلة، فإن أغلب الأفعال المجرمة في تونس مجرمة أيضا في بقية بلدان العالم.
وبالنسبة لكل هذه الأفعال يمكن محاكمة التونسي في البلاد التونسية من أجل ارتكابه لها بالبلاد الأجنبية إذا كانت من نوع الجنح أو الجنايات، الشيئ الذي يقصي المخالفات من مجال هذه الأفعال ويمنع محاكمة التونسي من أجل ارتكابه لها بالخارج.
وبذلك يكون نطاق الإستثناء الأول لمبدأ إقليمية القانون الجنائي بالنسبة للجرائم المرتكبة بالخارج محصورا في الجرائم التي يعتبرها القانون التونسي والأجنبي على السواء جنح أو جنايات. إلا أنه تماشيا مع القواعد الإجرائية التي تمنع محاكمة أو معاقبة الجاني الذي سبقت مقاضاته من أجل نفس الفعل تمنع الفقرة الأولى من الفصل 305 من مجلة الإجراءات الجزائية إعادة محاكمة أو معاقبة التونسي الذي ارتكب في الخرج جنحة أو جناية إذا أثبت أنه صدر عليه بالخارج حكم بات من أجل هذه الجريمة وفي صورة الحكم عليه بالعقاب أن عقوبته قد انقضت بقضائها أو بالتقادم أو بالعفو.
هذا هو مضمون الاستثناء الأول لمبدأ إقليمية القانون الجنائي بالنسبة للجرائم المرتكبة في الخارج، الذي يطبق على المواطن التونسي حتى لو اكتسب هذه الصفة "بعد تاريخ ارتكابه للأفعال المنسوبة إليه".
-
يتمثل الاستثناء الأول لمبدأ إقليمية القانون الجنائي بالنسبة للجرائم المرتكبة خارج الإقليم في إمكانية تطبيق القانون الجنائي التونسي على كل تونسي يرتكب جريمة بالخارج. أحكام هذا الاستثناء تتضمنها الفقرة الأولى من الفصل 305 من م.إ.ج التي جاء بها أنه يمكن تتبع ومحاكمة المواطن التونسي من طرف المحاكم التونسية إذا ارتكب خارج تراب الجمهورية جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون التونسي إلا إذا تبين أن قانون البلاد المرتكبة بها الجريمة لا يعاقب عليها أو أثبت المتهم أنه سبق اتصال القضاء بها نهائيا في الخارج وفي صورة الحكم بالعقاب أنه قضى العقاب المحكوم به عليه أو أن هذا العقاب سقط بمرور الزمن".
إلا أن القانون يوسع من نطاق هذا الاستثناء بالنسبة للجرائم الإرهابية التي يمكن محاكمة التونسي في تونس من أجلها حتى لو كان قانون البلاد الأجنبية التي ارتكب فيها الفعل لا يجرم ما يعتبره القانون التونسي جريمة إرهابية. إثارة الدعوى العمومية ضد المواطن التونسي الذي يرتكب جريمة إرهابية في الخارج على معنی القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب ومن غسل الأموال لسنة 2015، لا تتوقف على تجريم الأفعال موضوع التتبع بمقتضى قانون الدولة التي ارتكبت فيها". وهذا الحكم يمثل في الواقع إستثناء للقاعدة التي تمنع محاكمة التونسي في تونس من أجل فعل يجرمه القانون التونسي ولا يجرمه قانون الدولة التي ارتكب فيها الفعل المنسوب للمتهم. فهو إذن استثناء للاستثناء.
:two:
الإستثناء
الثاني
وبالإضافة لهذا الاستثناء المنصوص عليه بالفقرة الأولى من الفصل 305 من م.إ.ج جاء بالفصل 307 من نفس المجلة أن "كل أجنبي يرتكب خارج تراب الجمهورية سواء بوصفه فاعلا أصليا أو مشاركا جناية أو جنحة من شأنها النيل من أمن الدولة أو يقوم بتقليد طابع الدولة أو بتدليس العملة الوطنية الرائجة يمكن تتبعه ومحاكمته طبق أحكام القوانين التونسية إذا ألقي عليه القبض بالجمهورية التونسية أو تحصلت الحكومة على تسليمه".
وعملا بمبدأ التأويل الضيق للقانون الجنائي فإن الأجنبي الذي يرتكب جريمة بالخارج لا يمكن محاكمته في تونس وتطبيق القانون التونسي عليه إلا إذا كانت الجريمة المنسوبة إليه من الجرائم التي تنص عليها المجلة الجزائية بوصفها اعتداءات على أمن الدولة الخارجي والداخلي أو من الجرائم التي تنص عليها الفصول 179 إلى 192 من هذه المجلة بوصفها جرائم تقليد الطوابع السلطة العمومية التونسية أو تدليس للعملة التونسية الرائجة في تاريخ الجريمة.
:three: الإستثناء
الثالث
أما الاستثناء الثالث والأخير لمبدأ إقليمية القانون الجنائي المتعلق بالجرائم المرتكبة خارج الإقليم فهو يتمثل في إمكانية محاكمة وتطبيق القانون الجنائي التونسي على كل من ارتكب خارج التراب التونسي، سواء بوصفه فاعلا أصليا أو مشاركا، جناية أو جنحة أدت إلى الإضرار بمواطن تونسي.
بموجب هذا الحكم المنصوص عليه بالفقرة الأولى من الفصل 307 مكرر من م.إ.ج يمكن تطبيق القانون الجنائي التونسي على كل أجنبي أو تونسي ارتكب بالخارج جناية أو جنحة أدت إلى إلحاق ضرر بشخص يحمل الجنسية التونسية.
ولكن لإثارة الدعوى أمام المحكمة الجزائية التونسية من طرف النيابة العمومية، تشترط الفقرة الثانية من الفصل المذكور أن يقدم المتضرر أو أحد ورثته شکوی ضد المتسبب في الضررة. إلا أنه حتى بتوفر هذه الشكوى فإنه لا يمكن تتبع المتهم في تونس إذا أثبت أن الجريمة المنسوبة إليه صدر في شأنها حكم بات بالخارج،
وفي صورة الحكم عليه بالعقاب أن عقوبته قد انقضت بقضائها أو بالتقادم أو بالعفو.