حرية المعتقد

تكون حرية المعتقد حرية ذاتية داخلية لا انعكاس لها خارج ذات الشخص المعني فتكون بذلك في طور حرية اعتناق المعتقد (I) وإذا أراد الشخص إظهاره فيتعلق الأمر حينئذ بحرية ممارسة الشعائر (II).

I- حرية اعتناق
المعتقد

المقصود بهذه الحرية الحق في الاعتقاد أو عدم الاعتقاد و الحق في حرية اختيار المعتقد.

أ- إقرار
حرية المعتقد:

فضلا عن كون حرية المعتقد تمثل ثابتا من ثوابت الدين الإسلامي إذ أرست دعائمها . أحكام قرآنية صريحة لعل أبرزها قوله تعالى "لا إكراه في الدين" وقوله "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" فإن النصوص الوطنية والدولية تلتقي في التأكيد على حرية المعتقد.

&1- إقرار حرية
المعتقد في بعض
النصوص الدولية

تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان. والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده".

أما العهد الدولي للحقوق الثانية والسياسية فقد تبنى في مادته 18 نفس الأحكام تقريبا مع ملاحظة أنها لا تنص صراح على الحق في حرية تغيير الدين كما أنها تصدت لمسألة أخرى تثير بعض الإشكال وهي مدى أحقية الوالدين في تنشئة أبنائهما على دين معين
فنصت صراحة على التزام الدول المعروفة على ذلك العهد "باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة".

وهي نفس الفكرة المتبناة في الفقرة الأولى من المادة 7 من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الذي تناول أيضا مسألة حرية المعقد من زاوية أخرى
بالتأكيد في مادته العاشرة على أن " الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي نون من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره أو جهله على تغيير دين آخر أو إلى الإلحاد".

&2- إقرار حرية المعتقد
في نصوص وطنية:

قرر الفصل 6 من الدستور أن "االدولة راعية للدين، كافلة لحريّة المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينيّة…".

ويلاحظ و في هذا الشأن أن الدستور لم ينص على أي قيد صريح لهذه الحرية. ومن أبرز الإضافات التي احتواها الفصل 6 في مجال الحقوق الأساسية هي تكريسه لأول مرة ضمن نص دستوري تونسي لحرية الضمير .
وهو يتجاوز بذلك ما أقره دستور 1959 بعد تعديل 2002 من تكريس لحرية المعتقد وحرية القيام بالشعائر الدينية.

وتكريسا لحرية المعتقد حجر الفصل العاشر من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية أن يتضمن الملف الشخصي للعون العمومي ما يشير إلى الأفكار الدينية للمعني بالأمر. وهو ما يسمح من هذا الجانب بتحقيق المساواة أمام الوظيفة العمومية بمعزل عن دين كل عون عمومي.

ب - منع التعدي
على حرية المعتقد:

سعى المشرع للتصدي للتعدي على حرية المعتقد فجرم صلب الفصل 166 من م.ج فرض ديانة على الغير أو فرضي الخروج منها فنص على أنه "يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر الإنسان الذي لا سلطة قانونية له على غيره ويجبره بالعنف أو التهديد على مباشرة ديانة أو على تركها".

غير أنه لا مناص من الملاحظة بأن صيغة هذا الفصل يعتريها بعض اللبس من خلال حصر أحكامها فيمن لا سلطة قانونية له على غيره.
فذلك يعني بقراءة عكسية أنه إذا توفرت تلك السلطة القانونية جاز الإجبار حتى بالعنف على مباشرة ديانة أو ترك أخرى. وهذا ربما متأثر بحق الوالد أو الوصي في التدخل في تنشئة الصغير على دين معين.

II– حرية إظهار المعتقد
من خلال ممارسة الشعائر :

أ- التكريس المباشر
لحرية ممارسة الشعائر:

&1- في النصوص الوطنية:

ينص الفصل 6 من الدستور على أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحريّة المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينيّة".

من ناحية أخرى و تكريسا للمبدأ الدستوري المذكور ينص الفصل الثالث من القانون عدد 34 لسنة 1988 المؤرخ في 1988/05/03 المتعلق بالمساجد على أن التعبد في المساجد حر للأفراد والجماعات، ولكن هذا المبدأ تم الحد منه بصفة غير مباشرة سعيا من الدولة للحفاظ على سيطرتها وإشرافها على المساجد فنص الفصل الخامس من نفس القانون على أنه لا يجوز مباشرة أي نشاط في المساجد من غير الهيئة المكلفة و بتسييرها سواء كان بالخطبة أو بالاجتماع أو بالكتابة إلا بعد ترخيص من الوزير الأول غير أنه يمكن للعائلات إبرام عقود الزواج وتقبل التعازي بها".

أما الحد المباشر من ذلك المبدأ فقد كان بالنصوص الترتيبية التي تولت تنظیم تسيير المساجد التي يمكن القول بأنها قد مست حتى من حرية التعبد في معناها المجرد لما ربطت فتح المساجد وغلقها بأوقات محدودة مما يحول دون التعبد فيها في غير أوقات الصلاة المكتوبة.

وبالنسبة لفريضة الحج فقد نص الفصل 40 من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية على أنه "يمكن أن تمنح عطل استثنائية مع الاحتفاظ بكامل المرتب وبدون أن تدخل في حساب عطل الاستراحة ...
للقيام بمناسك الحج ولا يمكن أن تمنح هذه العطلة الاستثنائية إلا لمدة شهر على أقصى تقدير طيلة موسم الحج ولمرة واحدة خلال الحياة المهنية للموظف".

&2 - في النصوص
الدولية

تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن حرية الدين تشمل حرية الشخص "في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة".

وقد تضمنت المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نفس الأحكام وأضافت أنه لا يجوز إخفاء حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

وهو ما يعني أمرين على غاية من الأهمية أولهما الحد من حرية ممارسة الشعائر لا يكون إلا بقانون بما يحول دون تقييدها بنصوص أقل درجة في سلم القواعد القانونية. وثانيهما أن القانون الذي يحد من حرية ممارسة الشعائر لا يمكنه أن يقيدها دون مبرر بل لا بد من أن يكون تقييدها مما تمليه الضرورة صونا لمدعاة عامة كالنظام العام أو الآداب العامة أو المدعاة الخاصة متصلة بحقوق وحريات الآخرين.

ب - التكريس غير
المباشر لحرية
ممارسة الشعائر:

&1 - تجريم التعرض
لممارسة الشعائر

كما تنص الفقرة الثانية من الفصل 48 من مجلة الصحافة على أنه يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى عامين وبخطية من مائة دينار إلى ألفي دينار من يتعمد [ بواسطة الصحافة أو بأية وسيلة قصدية أخرى من وسائل الترويج ] النيل من إحدي الشعائر الدينية المرخص فيها".
وهذا النص يلفت النظر لأمر هام من خلال صيغة توحي وكأن الشعائر الدينية تخضع للترخيص ولا يمكن ممارستها بدونه حال أن المبدأ هو حرية ممارسة الشعائر والاستثناء هو الحد منها.

نص الفصل 165 من المجلة الجزائية على أنه يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا ... كل من يتعرض (يحاول تعطيل) لممارسة الشعائر أو * الإحتفلات الدينية أو يثير بها تشويشا".

&2 - عدم التشويش
على الشعائر
بأعمال التنفيذ:

نص الفصل 308 من م.م.م.ت على أنه "لا يقبل العقلة... الأشياء المقدسة وما هو ضروري للقيام بالواجبات الدينية". فلا يمكن أن تؤدي العقلة إلى حرمان المدين المعقول عنه من حقه في حرية ممارسة شعائره.

كما أن نفس المجلة قد راعت خصوصية بعض الأيام وما فيها من شعائر واحتفالات دينية فحجرت القيام فيها بأعمال التنفيذ. وتختلف هذه الأيام بحسب ديانة الشخص المراد التنفيذ ضده. فقد نص الفصل 292 من م.م.م.ت على أنه لا يمكن إجراء أي عمل من أعمال التنفيذ ضد المسلمين في مناسبات عديدة ليوم الجمعة والأيام الأخيرة من شهر رمضان بداية من السابع والعشرين منه وضد اليهود يوم السبت وفي عدة أيام عيد عندهم وضد المسيحيين في عدة أيام كيوم الأحد واليوم الخامس والعشرين من ديسمبر (عيد الميلاد).