إثبات الحق (2)

إثبات
الحق (2)

وسائل الإثبات

إثبات العمل القانوني

أ- المبدأ : اعتماد
الوسائل الكاملة

1 - الكتب

1 - 1- الحجة الرسمية

تعريفها

الحجة الرسمية هي «الحجة التي يتلقّاها المأمورون المنتصبون لذلك قانونا في محل تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون» .

ويعني ذلك أن الحجة الرسمية لايحررها إلا المأمور العمومي المأذون في ذلك.

فمن هو المأمور العمومي ؟

لم يحدد المشرع في نص مستقل قائمة للمأمورين العموميين بل أقر هذه الصفة حسب الحالات لبعض الأصناف، ومن ذلك، ما اقتضته الأحكام المتعلقة بعدول الإشهاد " وعدول التنفيذ . (وتسمى الحجة، في صورة تحريرها من العدول، «حجة عادلة، acte notarie )، وضباط الحالة المدنية، ومدير الملكية العقارية، كما يتمتع القضاة بهذه الصفة، إذ يعد من الحجج الرسمية «ما يحرره القضاة رسميا بمحلهم، وكل الأحكام الصادرة عن المجالس القضائية التونسية.

ولا يعد مأمورا عموميا

المحامي الذي لم تسند له أحكام القانون المنظم لمهنة المحاماة هذه الصفة ولا الكاتب العمومية،

ولا المترجم المحلف

ولا الخبير الذي لم يسند إليه كذلك القانون عدد 61 لسنة 1993 المؤرخ في 23 جوان 1993 المتعلق بالخبراء العدليين، هذه الصفة.

«وإذا كان الكتب لا يعتبر رسميا لكون تحريره من وظيفة غير الذي حرره أو لعدم أهلية أو لنقص في الصورة، أعتبر کتبا غير رسمي إذا كان به إمضاء المتعاقدين الواجب رضاهما لصحة العقد». وهو ما يعني تغيرا في صفة الكتب.

وعلى عكس ذلك يبطل الكتب الرسمي قانونا «إذا تضمن شهادة الإستغفال» أو «تضمن إيداعا »

- حجيتها :

للكتب الرسمي
ميزات عديدة

فتاريخه «تاریخ ثابت» بين الأطراف وفي حق غير المتعاقدين

للحجة الرسمية
قوة ثبوتية

لا تدحض إلا بدعوى الزور إذ يتمتع مضمونها بحجية مطلقة

لكن وجب التنبيه إلى أن هذه الحجية تقتصر على الأمور والتنصيصات والعناصر التي أشهد بها المأمور الذي حرر الكتب الرسمي على أنها وقعت بمحضره ولا تنسحب على ما عداها کمضمون تصريحات الأطراف .

ويعني ذلك أنه إذا أشهد المأمور بالتاريخ وبهوية الأطراف الثابتة لديه وبدفع الثمن بحضوره، فإن كل هذه العناصر تتمتع بحجية الكتب الرسمي المطلقة ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.

أما إذا سجل المأمور العمومي تصريحات لأحد الأطراف تخص عناصر لم تحدث أمامه وبمحضره كأن يدعي الطرف شفاهيا أنه نبه على الطرف الثاني عديد المرات، فإن مضمون هذه التصريحات التنبيه لا يتمتع بالحجية المطلقة للكتب الرسمي .

ثم إن المشرع أباح تفادي دعوى الزور لدحض القوة الثبوتية المطلقة للكتب الرسمي وذلك «إذا وقع الطعن في الرسم بسبب إكراه أو تدليس أو توليج أو غلط مادي». ففي هذه الصور، تجوز «البينة بالشهادة ويحصل الثبوت أيضا ولو بالقرائن القوية المنضبطة المتلائمة بغير إحتياج إلى القيام بدعوی الزور.
كما يجوز أن تكون هذه البينة من كل من الفريقين ومن غيرهما ممن له مصلحة مقبولة قانونا».

- مقتضيات
إقامتها وتحريرها :

يدقق المشرع أحيانا شروط إقامة وتحرير الحجة الرسمية من المأمور العمومي المختص. فالفصل 442 من م.إ.ع يشترط أن يتلقى المأمور العمومي الحجة الرسمية «على الصورة التي يقتضيها القانون».

فبالنسبة للحجة العادلة

وهي أكثر الحجج الرسمية تداولا ،

فرض القانون عدد 60 لسنة 1994 المؤرخ في 23 ماي 1994 المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد عدة واجبات على العدل المحرر تخص مسك دفاتره والبيانات اللازم التنصيص عليها بالصك وواجب التلاوة على الأطراف المعنية
وكذلك واجب احترام مقتضيات خاصة بالأطراف المصابين بعاهات كالصمم والبكم والعميد أو بالأطراف الذين لا يحسنون اللغة العربية".

كما فرض القانون المذكور واجب التحریر دون إختصار في الحروف ولا بياض ولا فراغ ولا إقحام، وهي مقتضيات تهدف كلها لضمان حقوق الأطراف وتفادي الإخلالات الشكلية في الحجة الرسمية.

2-1- الحجة غير الرسمية

- حجية الكتب الخطي

التواريخ

«أولا : من يوم تسجيل الكتب بتونس او بالبلاد الأجنبية .

ثانيا : من يوم إيداع الكتب من يد الأمور العمومی (کالعدول ونحوه).

ثالثا: من يوم الوفاة أو من يوم العجز الثابت إن كان الذي أمضى الحجة بصفة كونه عاقدا أو بصفة كونه شاهدا قد توفي أو عجز عن الكتابة عجزا بدنيا.

رابعا: من يوم الإطلاع على الكتب أو من تاريخ التعريف به من المأمور العمومي المأذون بذلك أو من حاكم بتونس أو بالبلاد الأجنبية .

خامسا: من يوم تضمين الكتب بالعقد المحرر من المأمور العومي المأذون بذلك بتونس أو بالبلاد الأجنبية.

سادسا : إذا كان التاريخ ناتجا من بيانات أخرى يترتب عليها الثبوت التام . كما نص المشرع على أن «من انجرّ له حق من أحد الطرفين على وجه خاص، يعتبر كالأجنبي فيما يتعلق بمضمون هذا الفصل (450) إذا لم يكن قيامهم في حق مدینهم».

أما فيما يتعلق بالأطراف وورثتهم وخلفائهم الخاصين غير القائمين في حقم الشخصي, فإن التاريخ الثابت للكتب غير الرسمي هو تاريخه .

لا يتمتع الكتب الخطي بالحجية المطلقة التي يتمتع بها الكتب الرسمي وتاريخه لا يكون ثابتا إزاء الغير إلا من أحد التواريخ الآتية التي حددها الفصل 450 من م.إ.ع :

دور التاريخ الثابت

لمفهوم «التاريخ الثابت للكتب» دور أساسي في تحديد زمن إقامة الكتب وكذلك تاريخ الإحتجاج به إزاء الغير.

ففي كل الصور الوارد ذكرها بالفصل 450، نلاحظ حرص المشرع على ربط تاريخ الإحتجاج بتاريخ «ثابت» لا يكون مرتبطا بطرفي الصك بل يكون مرتبطا إما بتدخل مأمور عمومي أو بحدوث واقعة (الوفاة أو العجز) من شأنها أن تجعل إقامة الكتب في تاريخ لاحق عنها أمرا مستحيلا.

ولما يتحصل الكتب الخطي على تاريخ ثابت، يمكن لأطرافه معارضة الغير بوجوده. ويعني ذلك أن لمفهوم «التاريخ الثابت» دورا أساسيا في فصل التنافس بين الكتائب المرتبط موضوعها . فالكتب الذي يتضمن تاريخا ثابتا هو الذي يعتد به إزاء الغير فهو «الأول في الزمن» وهو «الأول في الحق».

مضمون الكتب

أما عن مضمون الكتب نفسه فحجيته على عكس ما هو مقر به للحجة الرسمية -حجية نسبية إذ لا لزوم لدعوى الزور لإثبات عكسه. لكن إذا إعترف الخصم بالكتب الخطي أو إذا ثبت قانونا صحة ذلك الكتب ولو بغير إعتراف، «اعتمد ككتب رسمي بالنسبة للطرفين وغيرهما في جميع ما تضمنه من شرط وحكاية حسبما هو مقرر بالفصل 444 والفصل 445 عدا ما يخص التاريخ» .

ويتجه تدقيق
هذه الأحكام.

فإذا وقع الإحتجاج بكتب غير رسمي على شخص فعليه أن يعترف به أو ينكر خطه أو إمضاءه بوجه صریح وإلآ اعتبر الكتب مقبولا لديه.

فإذا أنكر الخصم خطه أو إمضاءه، أذن القاضي بتحرير حقيقة الأمر بنفسه أو بالإختبار .

أما إذا اعترف الخصم بخطه وبإمضائه، اعتمد نحوه ككتب رسمي من وجهة الحجية.

لكن هذا الإعتراف «لا يسقط حقه في معارضة الكتب بجميع الأوجه الباقية لديه من حيث الأصل أو من حيث الصورة» .

- تعريفها :

وتسمى أيضا «الحجة الخطية، وتتمثل هذه الحجة في كل كتب لا تتوفر فيه شروط الكتب الرسمي ويكون متضمنا إمضاء الطرفين.»

فالإمضاء هو أهم عنصر لقيام الكتب الخطي «فهو ركن وجود والدليل على الرضا بمضمونه فإذا خلا الكتب من الإمضاء، فلا يكون له أدنى مفعول ولا يثبت شيئا".

ولا يشترط القانون أن يكون الكتب محررا من الأطراف أو من أحدهم، فقد نص الفصل 452 من م.إ.ع على ما يلي : «يجوز أن يكون الكتب غير الرسمي بغير خط العاقد بشرط أن يكون ممضى منه» .

ويجب أن يتم الإمضاء بيد العاقد نفسه بأسفل الكتب والطابع لا يقوم مقامه بحيث يعتبر وجوده كعدمه . ثم إن الإمضاء لا يمكن أن يكون إلا كتابة فوضع البصمات يدل على جهل الكتابة أي على الأمية وهو ما يفرض - كما رأينا - إقامة حجة رسمية.

كما مكّن المشرع في بعض العقود الهامة المتعلقة بالعقارات المسجلة، الأطراف الذين لا يقدرون على الإمضاء» من اتباع إجراءات ميسترة لإقامة صكوكهم دون الإمضاء منهم وذلك باللجوء إلى تدخل شاهدين وإقامة محضر تلاوة من السلطة التي نص عليها المشرع .

شكلية« التعريف
بالإمضاء»

هي وسيلة إجرائية تمكن من التأكد من حصول شرط الإمضاء من جهة ومن إكساب الكتب تاريخا ثابتا من جهة أخرى.

وتختص بالتعريف بالإمضاء في الكتائب الخطية، السلط الإدارية التالية : الولاة ورؤساء البلديات ومساعدو رؤساء البلديات وكواهيهم ورؤساء الدوائر، وكذلك المعتمدون (خارج المناطق البلدية) وحافظ الملكية العقارية (في حدود اختصاصه)

وبالنسبة لخارج الجمهورية، رؤساء البعثات الديبلوماسية والدائمة والقنصلية.

ويمكن لكل هذه السلط في نطاق القوانين والتراتيب الجاري بها العمل، التفويض في مهام التعريف بالإمضاء لأعوان راجعين لها بالنظر.

وفي التطبيق، فإن إجراء التعريف بالإمضاء يتم، في أغلب الحالات، من طرف رؤساء البلديات والموظفين المؤهلين التابعين لهم.

ولا يترتب عن التعريف بالإمضاء إيداع نسخة من الصك لدى الإدارة المتدخلة، لكن يقع تضمين ملخص لمحتوى الوثيقة الهوية الشخص المستفيد من الإجراء ولإمضاء ذلك الشخص، بدفتر«تسجيل مخصص لعمليات التعريف بالامضاء».

وقد ألغي القانون الجديد إمكانية التعريف بإمضاء شخص متوفي .

الوثيقة
الإلكترونية

- الوثيقة الإلكترونية تعد كتبا غير رسمي بحكم القانون

تم بموجب القانون عدد 57 لسنة 2000 المؤرخ في 13جوان 2000 ، تنقیح عدة فصول متعلقة بالإثبات بغاية إدراج أحكام خاصة بالوثيقة الإلكترونية وبالإمضاء الإلكتروني.

وعرف المشرع «الوثيقة الإلكترونية» كما يلي : «هي الوثيقة المتكوّنة من مجموعة أحرف وأرقام أو أية إشارات رقمية أخرى بما في ذلك تلك المتبادلة عبر وسائل الإتصال، تكون ذات محتوى يمكن فهمه ومحفوظة على حامل الكتروني يؤمن قراءتها والرجوع إليها عند الحاجة».

ويستخلص من هذا التعريف أن الكتابة لم تعد من الناحية القانونية - مقتصرة على الكتابة بالأحرف بل إن التشريع الجديد يقر بوجود كتابة بالأرقام أو بالإشارات الرقمية "les signes numériques" بشرط أن يكون محتواها قابلا للفهم "dotée d' une signification intelligible" وأن تتوفر في هذه الأرقام أو الإشارات شروط حفظ معينة تسمح بتأمينها للإطلاع عليها.

و« إذا كانت الوثيقة الإلكترونية محفوظة في شكلها النهائي بطريقة موثوق بها ومدعمة بإمضاء الكترونی»، فإنها «تعد كتبا غیر رسمي».

وهو ما يعني

أولا الإعتراف تشريعيا بوجودها وبحجيتها

وثانيا إقرار معادلتها، من حيث القيمة والحجية، بالكتب الخطي وذلك متى توفرت فيها الشروط المذكورة وتدعمت بإمضاء إلكتروني

مفهوم الإمضاء

وحرص المشرع على تعريف «الإمضاء الإلكتروني» في ذات الفصل المخصص لتعريف الإمضاء في الحجة الخطية.

فقد ترتب عن إصدار قانون 13 جوان 2000، إتمام لأحكام الفصل 453 من م.إ.ع بفقرة ثانية تغيّر بموجبه تعريف الإمضاء وتدقق على النحو الآتي : «يتمثل الإمضاء في وضع إسم أو علامة خاصة بخط يد العاقد نفسه مدمجة بالكتب الموسوم بها، أو إذا كان إلكترونيا، في إستعمال منوال تعريف موثوق به يضمن صلة الإمضاء المذكور بالوثيقة الإلكترونية المتربطة به».

وواضح أن توسيع مفهوم الإمضاء من الإمضاء بخط اليد إلى الإمضاء الإلكتروني ينبني على أساس تطابق الوظائف بينهما . فالإمضاء يهدف عموما إلى تحقيق غايتين هما تحديد هوية صاحبه (أي الشخص الممضي) وإقامة الحجة على رضاه ومصادقته على المضمون.

وإنطلاقا من القناعة الحاصلة بأن الإمضاء الإلكتروني يحقق بدوره هاتين الغايتين، تم الإعتراف به على نحو ما سبق بيانه.

لكن خصوصية الوثيقة الإلكترونية (هي غير ورقية)، فرضت التحقق من الصلة بين الإمضاء والوثيقة المرتبطة به. ويمكن أن تقوم هذه الصلة بواسطة عملية المصادقة la certification من طرف الغير وهو ما قد يكون المشرع عناه من عبارة « إستعمال منوال تعريف موثوق به».

- مفهومه :

لم يتعرض الفصل 473 من م.إ.ع إلا للكتب لإثبات التصرف أو العمل القانوني. ويتفق جل الشراح على أن القراءة المتكاملة لأحكام الإثبات بمجلة الالتزامات والعقود، تجيز كذلك قبول الإقرار واليمين الحاسمة لإثبات المعاملات المذكورة بإعتبارهما من الوسائل الكاملة للاثبات.

وتدقيقا لمفهوم «الكتب»، أوضح الفصل 441 من م.إ.ع أن «البينة بالكتابة تحميل من الحجج الرسمية وغير الرسمية وقد تحصل أيضا من الرسائل التلغرافية وغيرها ومن دفاتر الخصوم وقوائم السماسرة الممضاة على الوجه المطلوب من الخصوم والفاتورات المقبولة ومن التقاليد والتحريرات الخاصة وغيرها من الحجج المكتوبة .

وتطبيقا للتصنيف المذكور للحجج المكتوبة، دققت م.إ.ع الأحكام الخاصة بالحجج الرسمية actes authentiques (الفصول 442 إلى 448)، وبالحجة غير الرسمية .

ويبقى للمجلس النظر فيما يستحق كل منها من الإعتبار بحسب الأحوال إلا إذا اقتضى القانون أو اشترط الفريقان بوجه صريح صورة مخصوصة.

- تتمثل هذه الوسائل -كما رأينا في الكتب والإقرار واليمين الحاسمة.

قد ورد مبدأ إعتماد الوسائل الكاملة بالفصل 473 (جديد) من م.إ.ع الذي اقتضى أن: «شهادة الشهود لا تكون بينة في الإتفاقات وغيرها من الأسباب القانونية التي من شأنها إحداث إلتزام أو حق أو تحويل ذلك أو تغيير أو الإبراء منه إذا كان قدر المال أكثر من ألف دينار فيجب حينئذ تحرير حجة رسمية أو غير رسمية للبيّنة فيه».

ويعاب على هذا الفصل إنعدام الدقة في تحريره إذ أنه لا يستعمل لفظة إثبات العمل القانوني» preuve de l' acte juridique بل يلجأ إلى عبارة «الإتفاقات وغيرها من الأسباب القانونية التي من شأنها إحداث إلتزام» وهي عبارة تنقصها الدقة وقد تشمل الواقعة القانونية التي هي سبب من الأسباب القانونية المنشئة للإلتزام. وهذا الفهم يجعل العبارة مجاوزة لمقصد المشرع.

3-1- الكتائب الأخرى
ونسخ الحجج

الكتائب الأخرى : ورد تفصيل الأصناف الأخرى من الكتائب في الفصول 461 إلى 472 من م.إ.ع ، فالمراد بالكتائب التي تعد حججا مكتوبة «دفاتر التجار» و«دفاتر السماسرة» وكتابة الغريم على حجة الدين بما يفيد الخلاص ولو بدون إمضاء».

نسخ الحجج

اعتبار النسخة كأصل

النسخة لاتعتبر كالأصل إلا إذا شهد بصحتها المأمورون العموميون المأذونون بذلك أو إذا أقر بصحتها الطرف المحتج بها ضده أو إذا كانت ممضاة من طرفه.

ولجعل هذه الأحكام منسجمة مع إقرار حجية الوثيقة الإلكترونية، أضاف المشرع صورة أخرى لإعتماد النسخة كأصل وهي صورة إنجاز النسخ «وفق وسائل فنية توفر كل الضمانات المطابقة للأصول». وإذا لم تتوفر في النسخة هذه الشروط، يتم عرضها على الإختبار لبيان مدى صحتها.

تهم النسخ على السواء الحجج الرسمية والحجج الخطية.

النسخة الثابتة
والدائمة

اقتضى الفصل 471 (جديد) من م.إ.ع، في فقرته الأخيرة، أنه «تعتبر نسخة ثابتة ودائمة كل منتسخ يؤدي إلى تغيير في شكل السند المادي غير قابل للرجوع فيه مثل الميكروفيلم والميكروفيش وكل وسيلة خزن إلكتروني أو ضوئي أخرى».

ويسمح هذا التعريف بالتوسيع في مفهوم النسخة ليشمل الصيغ الحديثة المذكورة (ميكروفيلم، میکروفيش والخزن الإلكتروني) ويسهل عمل المتدخلين المستعملين لهذه التقنيات، كالبنوك، من الناحيتين المادية (السيطرة على تضخم الحجم المادي للوثائق المخزونة) والقانونية (الإعتراف بصفة النسخة لهذه الصيغ الحديثة).

وأدخل قانون 13 جوان 2000 مفهوما جديدا في هذا المجال وهو مفهوم «النسخة الثابتة والدائمة».

- الحالات الخاصة التي
يقيد فيها المشرع الإثبات :

يمتاز العمل القانوني بدور ملحوظ للإرادة.

قد يقيد المشرع إثبات بعض الأعمال القانونية في وسيلة واحدة للإثبات كما هو الشأن في القسمة الرضائية إذ يقتضي الفصل 116 من م.ح.ع أن القسمة تتم «بالمراضاة على حسب ما يتفق عليه الشركاء الذين لهم أهلية التصرف ولا تثبت إلا بكتب»،

ويمكن كذلك ذكر ما أوردته
أحكام الفصل 454 من م.إ.ع

التي تفرض ما يلي : «إلتزام الأمّي الذي لا يحسن الكتابة لا يمضي حتى يتلقاه عدول أو غيرهم من المأمورين العمومين المأذونين في ذلك» . وواضح أن هذا الفصل يشترط إقامة حجة رسمية بخصوص إلتزام الأمي.

ولكن الفصل 454 المذكور الوارد في فرع يحمل عنوان «في الحجج الغير الرسمية» وفي سياق الأحكام المخصصة للإمضاء، يطرح عدة صعوبات تفسيرية.

الصعوبة الأولى تخص
تهديد طبيعة اشتراط الكتب الرسمي :

فهل يتصل ذلك بالإثبات أم بالصحة ؟

إن المتأمل في أحكام الفصل 507 من المشروع الأولي لمجلة الإلتزامات والعقود ، قد يميل إلى إعتبار اشتراط الكتب للإثبات . لكن من الشراح من يرى أن الشرط يتعلق بالصحة.

الصعوبة الثانية

تهم تحديد مفهوم الأمي.

قد إعتبرت محكمة التعقيب أن الأمي هو «من لا يحسن الكتابة والقراءة ولا الإمضاء». فالشخص «الذي يحسن الإمضاء لا يقال فيه أميا». وعلى العكس، فإن وضع بصمة الإبهام يفيد الجهل بالإمضاء.

الصعوبة الثالثة

فتخص طبيعة الجزاء المرتب عن عدم إحترام مقتضيات الفصل 454 المذكور : فهل هو البطلان المطلق أم البطلان النسبي ؟

تأكيدا لما ذهب إليه فقه القضاء في السنوات الأخيرة، إعتبرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب في قرارها الصادر في 28 مای 1998 أن «الأمر لا يتعلق ببطلان مطلق للكتب الصادر عن أمي وأن المشرع أراد حماية الأمي مما قد يشوب إرادته من عيب».

وتبعا لذلك، تضمن القرار حصرا لحق القيام في شخص الأمي أو ورثته بإعتباره الشخص الذي أراد المشرع حمايته. فالجزاء الممكن هو بالتالي البطلان النسبي القابل للتصديق والإجازة لا البطلان المطلق.

ويمكن أن نذكر أيضا في مجال تقييد المشرع للإثبات، عقد الزواج الذي هو عمل قانوني لايثبت حسب صريح الفصل الرابع من م.أ.ش إلا بالحجة الرسمية .

- الحلول :

فيما عدا هذه الصور الخاصة ، فإن أحكام إثبات العمل القانونی تخضع للحلول الآتية :

لا يجوز مبدئيا إثبات التصرفات القانونية إلا بوسيلة إثبات كاملة (أ)،

لكن وفي بعض الحالات المذكورة حصرا (ب)،

مكّن المشرع متحمل عبء إثبات العمل القانوني من إعتماد وسيلة إثبات منقوصة وهي الشهادة (ج).

- تقديم :

تقتضي ممارسة الحق الذاتي، قضائيا، إثباته .

قديما قيل إن الحق غير المثبت هو كالحق غير الموجود، فلا عجب أن نرى أن جل الأنظمة القانونية قد نظمت قواعد إثبات الحق ، فالقانون الروماني إعتمد خمس وسائل للاثبات وهي الكتب والشهادة والقرائن واليمين والإقرار . في حين أقر الفقه الإسلامي أهمية «البينة الشخصية .

وتلقى مسألة وسائل الإثبات نفس الأهمية في القوانين المدنية المعاصرة . فقد قدم المشرع الفرنسي في الفصل 1316 من المجلة المدنية الفرنسية الوسائل المعتمدة في الإثبات مبينا أنها الحجة المكتوبة والشهادة والقرائن والإقرار واليمين.

- تكريس
الوسائل الخمس :

خصص المشرع التونسي لوسائل الإثبات، الأحكام العامة الواردة في مجال إثبات تعمير الذمة وبراعتها والتي تضمنتها الفصول 422 إلى 512 من م.إ.ع .

وأوضح الفصل 427 من المجلة المذكورة أن البينات المقبولة قانونا خمس

وهي :

أولا : إقرار الخصم

ثانيا : الحجة المكتوبة

ثالثا : شهادة الشهود

رابعا : القرينة

خامسا : اليمين والإمتناع من الحلف

ونلاحظ أن المشرع حصر وسائل الإثبات في الوسائل الخمس التي عددها الفصل 427 المذكور وهو ما يعني إتباع القانون التونسي نظام إثبات يلزم الأطراف بتقديم مثبتات معينة ويلزم القاضي بعدم قبول غيرها .

وقد يشترط المشرع في إثبات الإلتزام وسيلة معينة مخصوصة كالكتب، فيلزم متحمل عبء الإثبات بالتقيد بها دون سواها.

كما يجب في كل الحالات أن تكون الوسيلة المقدمة للقاضي مقبولة قانونا إذ لا يسوغ إثبات الإلتزام إذا كان مآله إثبات وجود التزام غير مباح أو لا قيام به قانونا إذا كان مآله إثبات ما لا يصلح للدعوى أي أمرا غير متنازع في شأنه أو أمرا خارجا عن مناط الخصومة.

وعلى هذا الأساس أيضا، يمنع الإستناد إلى وسيلة إثبات وقع الحصول عليها بصورة غير قانونية كإستغلال الرسائل الخاصة أو الإلتجاء إلى صور التقطت خلسة بشكل يمثل تعديا على الحياة الخاصة للخصم. فهذه الرسائل أوالصور قد تمثل قرائن قضائية لكنها مثبتات غير مشروعة .

- تصنيف
وسائل الإثبات :

لم يصنف المشرع الوسائل التي حددها في الفصل 427 المذكور في حين قام الفقه بتصنيفها إلى عدة أصناف

نذكر منها :

أولا - التفرقة المبنية على اتصال الدليل بالواقعة أو الأمر المراد إثباته : وينتج عنها فصل طرق الإثبات المباشرة (كالكتابة والشهادة ) عن طريق الإثبات غير المباشرة كاليمين والقرائن والإقرار، فالكتابة والشهادة تثبتان مباشرة الواقعة أو التصرف القانوني المطلوب إثباته في حين لا تنصب اليمين أو القرينة أو الإقرار على موضوع الإثبات ذاته بل على ظروف أخرى تدل عليه بصفة غير مباشرة.

ثانيا- التفرقة المبنية على زمن قيام الدليل او ينتج عنها فصل طرق الإثبات المعدة مسبقا والتي يهيئها الأطراف من قبل وللغرض، كالكتابة، عن وسائل الإثبات غير المهيأة، كاليمين أو القرينة أو الإقرار، وهي التي ترد لاحقا.

ثالثا- التفرقة المبنية على حجية الوسيلة أي على قوتها الثبوتية (أو الإثباتية) : وهي أهم تفرقة لأن التشريع يتبناها ضمنيا. وينتج عنها فصل الوسائل ذات الحجية الملزمة وهي وسائل الإثبات الكاملة les moyens de preuve parfaits عن الوسائل ذات الحجية المحدودة وهي وسائل الإثبات المنقوصة les moyens de preuve imparfaits

⚠ الفرق بين
الصنفين هام.

فالوسائل الكاملة تتمتع بحجية مطلقة تجعلها قادرة مبدئيا على إثبات كل أمر ولا تخضع لتقدير القاضي فيلزم هذا الأخير بفصل النزاع لفائدة من إستند إليها .

أما الوسائل المنقوصة فلا يمكن أن تثبت كل الأمور وتخضع للسلطة التقديرية للقاضي أي أنه حر في ترتيب الآثار الناتجة عنها .

إن الوسائل الكاملة هي الكتب بنوعيه والإقرار واليمين الحاسمة . أما الوسائل المنقوصة فهي الشهادة والقرائن القضائية واليمين الإستيفائية. ويترتب عن هذه التفرقة إمكانية وصف نظام الإثبات :في القانون المدني التونسي بالنظام المختلط.

- موضوع الإثبات:

تتكامل التفرقة الجوهرية المشار إليها سابقا مع تفرقة أخرى تهم موضوع الإثبات. فموضوع الإثبات هو كما سبق بیانه، الحق وبصفة أدق مصدر نشأة الحق.

سبق البيان أن للحق مصدرين : الواقعة القانونية والعمل (أو التصرف) القانوني.

وبإنسجام التفرقتين وتداخلهما تتضح الحلول المعتمدة في المادة المدنية في شأن الإثبات إذ يخضع مبدئيا إثبات العمل القانوني إلى الوسائل الكاملة في حين يخضع مبدئيا إثبات الواقعة القانونية إلى كافة الوسائل منقوصة كانت أو كاملة. ويتجه تفصيل هذا الحل العام المرتكز على التفرقتين الأساسيتين.