Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
:star:الفصل الأول: الماهية من حيث هي ليست إلا هي - Coggle Diagram
:star:
الفصل الأول: الماهية من حيث هي ليست إلا هي
:pencil2: الأمر الأول تحرير محلّ الكلام
الماهية بالمعنى الأخص التي هي محل كلامنا هي التي يجاب بها عن سؤال "ما هو".
وهذا التعريف لفظي كما هو واضح، لأنه قد تم تعريفها بالسؤال الذي يؤخذ منه معنى الماهية. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يرد على تعريفها أنه دوريّ، إذ إن الدور يؤخذ محذوراً في التعريفات الحقيقية لا اللفظية.
الكلام هنا عن الماهية من حيث هي، من دون نظر إلى أي شيء آخر غير نفسها، ولم يخالف أحد دعوى الحكيم هذه، إلا ما قد قيل من بعض الإشكالات والشبهات التي نتعرض لها في وقتها، حتى إن الفخر الرازي أقام دليلاً عليها! وادعى بعض الحكماء بداهتها وأنها لا تحتاج إلى أي إيضاح أو تفسير.
المشهور على الألسنة هو أن القاعدة كذلك: "الماهية من حيث هي هي ليست إلا هي"، مع أن الأوفق أن يقال: "ليست الماهية من حيث هي إلا هي"، حيث يقدّم السلب على الحيثية، والسر في ذلك أنه في الصياغة الأولى كأن الكلام يوحي بأن النفي جزء من الموضوع، فكأننا نقول أن كون الماهية ليست إلا هي مأخوذٌ فيها من حيث هي، ولعلَّ أوّل مَن أشار إلى ذلك هو الشيخ الرئيس، وتسليط الضوء على هذا الفرق يأتي في دفع حجج الخصوم.
:red_flag: الأمر الثاني: الأدلة على المدعى
- ، ويمكننا أن نعتبرها نوعاً من التنبيهات -
وحقيقة المدعى في هذه المسألة هو أن الماهية لا يحمل عليها بالحمل الذاتي الأولي إلا ذاتها وذاتياتها، وبعبارةٍ أوضح: ليس الشيء إلا نفسه من دون ضميمة أي شيء آخر.
وعليه، فالدليل يمكن صياغته بالنظر إلى أن حقيقة الماهية يمكن أن يعرض عليها العدم تارةً والوجود أخرى، والوحدة تارةً والكثرة أخرى...
فلو كانت أي صفة من هذه الصفات التي هي غير ذاتيات الماهية داخلةً في حدّ الماهية، لكانت الماهية منحصرةً فقط فيما دخل عليها من هذه الصفات
فلو كانت أي صفة من هذه الصفات التي هي غير ذاتيات الماهية داخلةً في حدّ الماهية، لكانت الماهية منحصرةً فقط فيما دخل عليها من هذه الصفات
ولذلك، فإن الدليل على هذا الأمر بأن الماهية لها شخصية ونفسية ليست إلا ذات الماهية وذاتياتها، لأنه يمكن أن يحمل عليها صفات متقابلة، فتكون هذه الصفات المتقابلة غير مأخوذة في حدها.
ويدلّ عليه أيضاً أن المفهوم من الفرس مثلاً ليس هو المفهوم من الواحد، فعندما تقول: "فرس" لا تفهم الواحد، لأنه غير داخل في ذاتياته، وقد أسلفنا الذكر بأن مفهوم الوجود وغيره مغاير لمفهوم الماهية
:no_entry: الأمر الثالث: دفع حجج الخصوم - هذا العنوان نقصد به دفع الشبهات التي قد ترد على الأذهان وإلا لا يوجد بين المتكلمين والحكماء من لا يذعن بهذه القضية -
: "إن الماهية من حيث هي ليست إلا هي" قد يتبادر إلى الذهن أنه
نوع من ارتفاع النقيضين
، فالماهية بناءً على هذه القاعدة غير موجودة وغير معدومة، وهذا نوع من ارتفاع النقيضين المحال، والقواعد العقلية لا تخصص كي نستثني هذا المورد.
الجواب، وعند توضيح أن المقصود من القاعدة هو أن كل شيء إذا غضضنا النظر عن غير ذاته لن يكون إلا ذاته، وما سوى هذه الذات سيكون منضماً إليها، لا أنه من ذاتها وذاتياتها. فالكلام عن الماهية بالحمل الأوّلي لا بالحمل الشائع ، فهي بالحمل الشائع إما موجودة او معدومة.
وقد يقال أن هذه الشبهة قد تنشأ من الصياغة التعبيرية للقاعدة، ولذا قلنا سابقاً وألمحنا إجمالاً أن هذه القاعدة جرت الألسن على ذكرها كالتالي: "إن الماهية من حيث هي ليست إلا هي"، وقلنا أن الأدق أن يقال: "إن الماهية ليست من حيث هي إلا هي"، أي بتقديم السلب على الحيثية
والفرق بين الصياغتين أن تأخير السلب عن الحيثية قد يوهم أن السلب محمول على الماهية من حيث هي، فقد يُتوهم من الصياغة الأولى أن الماهية من حيث هي محمول عليها أنها ليست إلا هي
وإذا أردنا توضيح الكلام أكثر نقول: إن الماهية من حيث هي ليست موجودة ولا معدومة، وهنا قد يتوهم متوهم أن مقصودنا أن الماهية من حيث هي غير موجودة، والماهية من حيث هي غير معدومة، وكأن المراد أن عدم الوجود محمول على الماهية من حيث هي، وعدم العدم محمول على الماهية من حيث هي، فكأنك تقول: "الماهية من حيث هي حُمل عليها عدم الوجود، وحُمل عليها عدم العدم".
وأما الصياغة الثانية فهي الأصح، فعندما نقول الماهية ليست من حيث هي إلا هي، فيصبح المعنى أن الماهية إذا وصفت بأنها موجودة فليست من حيث هي توصف بأنها موجودة، بل من حيثيةٍ أخرى، فإن تقديم السلب على الحيثية يؤكد كون القضية سالبة محصلة لا موجبة معدولة، بخلاف الصياغة الأولى التي قد يُتوهم منها الإيجاب العدولي، وهذا قد يكون محل نظر، لأن حقيقة القاعدة أن غير ذات وذاتيات الماهية مسلوبٌ عنها، لا أنه عدم غير الذات والذاتيات محمولٌ عليها، فحقيقة القاعدة سلب غير الذات والذاتيات عن الماهية، لا حمل عدم غير الذات والذاتيات على الماهية.
هذا مع الإغضاء عن بعض الكلام في أن الإيجاب العدولي والسلب التحصيلي معناهما واحد، والفرق بالقصد، فنحن بصدد تبيان أن منشأ شبهة ارتفاع النقيضين ترجع إلى فهم القاعدة على أنها موجبة معدولة مما يوهم أن عدم الوجود وعدم العدم محمول على الماهية.
وأول من ذكر هذا الكلام بحسب تتبعنا هو الشيخ الرئيس في إلهيات الشفاء، حيث قال ما لفظه: "ليس يجب أن يقال إن الفرسية من حيث هي فرسية ليست بـ"أ" بل ليست من حيث هي فرسية بـ"أ"..."
جواب آخر، وهو أن شروط التناقض غير موجودة في المقام، فقد ذكر في كتاب المنطق عند البحث عن أحكام القضايا أن من أحكامها التناقض، وذكروا هناك شروطاً للتناقض هي الوحدات الثمانية. فهل محل كلامنا هو من هذا القبيل أم لا؟
ذهب الحكماء إلى أن التناقض غير متحققٍ هنا أصلاً، فيوجد قضيتان:
الأولى: الماهية ليست من حيث هي هي موجودة.
الثانية: الماهية ليست من حيث هي هي معدومة.
وهاتان القضيتان هما اللتان ادّعي التناقض بينهما
وقال الحكماء بعدم التناقض بينهما، لأن نقيض كلّ شيء هو رفعه، فإذا قلنا: "أ هي ب" فنقيضها "ليست أ هي ب"، ونقيضُ قضية "الماهية ليست من حيث هي هي موجودة" هو "ليست الماهية ليست من حيث هي هي موجودة"، فينبغي أن نرفع إيجاب القضية السابقة. وبتعبيرٍ أدق: نقيض قولنا: "الماهية ليست من حيث هي هي موجودة" هو "الماهية من حيث هي هي موجودة"، وليس نقضيها هو: "الماهية ليست من حيث هي هي معدومة".
فالحق أنه لا تناقض بين القضيتين، لأن التناقض هو رفع القضية الأولى من دون تصرف بالموضوع والمحمول.
وهذا كلّه يفضي إلى أن الماهية من حيث هي لا يحمل عليها إلا ذاتها وذاتياتها، وهذا هو الحمل الأولي.
:warning:
تنبيه
إنا ذكرنا سابقاً أنه في الحمل الأولي ينبغي أن يكون هناك اتحاد مفهومي بين الموضوع والمحمول، والحمل الأولي بهذا الاصطلاح ينطبق على الحدّ والمعرَّف، ولكنّ المصنّف يعتبر أن
حمل الذاتي على الذات أيضاً من الحمل الأولي
، ففي مثل قولنا: "الإنسانُ ناطقٌ"، هذا حمل أوليٌ عند المصنف، حيث خالف فيه المشهور الذين يقولون أنه حمل شائع كما هو واضح.