Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
التحديد القضائي للعقوبة (2) - Coggle Diagram
التحديد القضائي
للعقوبة (2)
.
في الحالات التي تستدعي هذا التخفيف، كما أوجد المشرع كذلك نظاما يؤدي إلى إمكانية ضم العقوبات (III) عندما يستوجب الأمر ذلك، أي نظاما يؤدي إلى الإكتفاء بالحكم بعقوبة واحدة في الحالات التي تتعدد فيها الجرائم المنسوبة للمتهم ويكون من الأنسب فيها إعتماد هذا الحل.
عندما تكون الجريمة في نظر المشرع أشد خطورة، ويجعل هذه العقوبة أخف على الجاني أو يسمح بتخفيفها (II)
لكن هذه المرونة في التحديد القانوني للعقوبة لا تكفي لتمكين القاضي من تفريد العقاب لجعله في كل حالة من الحالات متناسبا مع ظروف الجريمة وشخصية الجاني. ولتحقيق هذه الغاية نجد القانون يفرض تشديد العقوبة (I)
لتحديد العقوبة المناسبة يتمتع القاضي أولا بحرية الحكم بعقوبة تنحصر بين حديها الأقصى والأدنى الذين يبينهما القانون بالنسبة لكل جريمة
I- تشديد العقوبة
تشديد العقوبة يكون بالترفيع من الحد الأقصى أو الأدنى للعقوبة أو من الحدين معا وذلك لتعلق ظرف أو أكثر من ظروف التشديد بالجريمة أو بالمتهم.
لكن عندما يكون هذا التشديد متعلقا بجريمة معينة ومنصوص عليه ضمن الأحكام الخاصة التي تنظم هذه الجريمة فهو تشديد خاص، يكون مجال دراسته القانون الجنائي الخاص، وذلك مثل التشديد الذي يلحق جريمة السرقة الظرف من ظروف التشديد التي ينص عليها القانون
أما التشديد العام، الذي هو موضوع هذه الدراسة، فهو الذي يمكن أن يتعلق بكل الجرائم أو بأغلبها. وهذا النوع من التشديد يقرره المشرع إما بسبب العود (أ)، أي رجوع الجاني إلى الجريمة بعد أن صدر عليه حكم بالعقاب من أجل جريمة سابقة، أو بسبب إعتبار الفعل المجرم جريمة إرهابية (ب)
أ- تشديد العقوبة بسبب العود
العود هو تكرار الجريمة أي ارتكاب الجاني لجريمة أو لعدة جرائم بعد معاقبته من أجل جريمة سابقة.
وقد وردت الأحكام العامة المتعلقة بالعود في الفصول 47 إلى 50 من المجلة الجزائية. ولكن بعد التنصيص على هذه الأحكام العامة جاء الفصل 52 م.ج باحكام لا تتعلق إلا بالعود إلى جريمة السكر وتتضمن بعض الاستثناءات الهامة للنظام المعتمد في العود عامة
إلى جانب هذه الأحكام المنصوص عليها بالمجلة الجزائية، نجد بالعديد من القوانين والمجلات القانونية الأخرى نصوصا تتعلق بالعود إلى ارتكاب بعض الجرائم المعينة، وذلك مثل نصوص الفصول 29 وما بعده من قانون 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. ولكن أحكام العود الواردة خارج المجلة الجزائية تمثل عادة جزء من منظومات قانونية لها خصوصياتها ويستحسن النظر فيها ضمنها
:first_place_medal:
شروط العود
الشروط التي يستوجبها القانون في العود عامة يبينها الفصل 47 من المجلة الجزائية. --> ليكون هناك عود يجب أولا أن يكون الجاني قد عوقب من أجل جريمة سابقة (:one:) ويجب ثانيا أن يكون هذا الأخير قد ارتكب الجريمة اللاحقة خلال مدة زمنية معينة (:two:)
:one:
العقاب من أجل جريمة سابقة
حسب الفصل 47 يعد عائدا كل من يرتكب جريمة بعد عقابه بموجب أخرى"---> يستنتج من ذلك أن العود يستوجب صدور حکم بات سابق بالعقاب على الجاني. فهذا الأخير لا يعتبر عائدا على معنى الفصل 47 إلا إذا صدر عليه حكما سابقا بالعقاب وأصبح هذا الحكم باتا قبل ارتكابه للجريمة
للتأكد من هذا الأمر، تبين محكمة التعقيب أن القاضي يجب عليه التثبت من محتوى بطاقة السوابق العدلية المتعلقة بالمتهم. فلو أدانت محكمة الموضوع المتهم بوصفه عائدا على أساس تصريحاته وبدون أن يتضمن ملف القضية ما يثبت إعتمادها على بطاقة السوابق العدلية، فإن حكمها يكون ضعيف التعليل ومعرضا للنقض
لكن ليكون هناك عود لا يكفي أن يتعلق بالمتهم حكم سابق بالعقاب، بل يجب كذلك أن يتعلق هذا الحكم بجريمة سابقة. فمثلا إذا ارتكب الجاني جريمتين وصدر عليه أولا حكم بالعقاب من أجل الجريمة الثانية ثم أحيل في ما بعد على المحاكمة من أجل إرتكابه للجريمة الأولى فإنه في نطاق هذه المحاكمة لا يعتبر عائدا لأن الحكم السابق بالعقاب كان من أجل ارتكابه الجريمة لاحقة للجريمة التي أحيل من أجلها على المحاكمة الجزائية
بالإضافة لصدور حكم بالعقاب من أجل جريمة سابقة، يجب أيضا أن تكون العقوبة المحكوم بها على الجاني سابقا عقوبة نافذة وغير مؤجلة وبذلك فإن صدور حكم سابق بالعقاب مع تأجيل التنفيذ يمنع محاكمة الجاني من أجل جريمة لاحقة على أنه عائد
--> تفسير هذا الحل: يجد هذا الحل تفسيره في كون تأجيل تنفيذ العقوبة يؤدي إلى تعليقها و عدم تطبيقها بصفة فعلية على الجاني، بينما يشترط الفصل 47 أن يكون العائد قد عوقب سابقا بصفة فعلية وأن يكون هذا العقاب غير كافي لردعه فيصبح من الضروري التشديد عليه في العقاب لتحقيق هذا الردع.
لمزيد التضييق من نطاق العود يجعل الفصل 48 من المجلة الجزائية الحكم بالعقاب النافذ من أجل إرتكاب الجاني لجريمة سابقة لا يؤخذ بعين الاعتبار إلا إذا كانت هذه الجريمة جناية أو جنحة. وعلى هذا الأساس فإنه إذا صدر على الجاني حكم سابق بالعقاب من أجل إرتكابه سابقا لمجرد مخالفة فإنه لا يعتبر عائدا مهما كان نوع الجريمة اللاحقة.
بموجب نفس الفصل لا يعتبر المتهم عائدا كذلك إذا صدر عليه حكم سابق بالعقاب من طرف محكمة عسكرية من أجل ارتكابه سابقا لجريمة عسكرية. لكن إذا كان العقاب السابق الصادر من المحكمة العسكرية سببه ارتكاب الجاني لجريمة حق عام سابقة من صنف الجنح أو الجنايات فإن هذا العقاب يعتد به في العود، أي أنه يجعل المتهم يحاكم بوصفه عائدا
يقتضي الفصل 48 أيضا أنه لا يعتبر في تقدير العود العقوبات المستوجبة بسبب الجرائم المنصوص عليها بالفصل 217 و الفصل 225 من هذه المجلة وبصفة عامة بسبب الجرائم التي لا شيئ فيها يدل على العمد إلا إذا كانت المحاكمة الجارية واقعة على متهم سبق الحكم عليه في جريمة من نوعها".
--> لا يعد المتهم عائدا في مجال الجرائم غير القصدية إلا بتوفر شرطين متلازمين وهما
1- أن تكون الجنحة الأولى والثانية جريمتين غير قصديتين
2- أن يكونان من نفس النوع كأن يكونان جريمتي جرح على وجه الجطأ أو جريمتي إشعال أو إحداث حريق على وجه الخطا
--> في هذا الميدان الذي تحدث فيه النتائج المجرمة على سبيل الخطأ وبدون قصد لا يكون المتهم مستحقا للتشديد في العقاب بوصفه عائدا إلا إذا أحدث بخطئه نفس النتيجة المجرمة خلال مدة الإختبار التي يجب أن لا يرجع فيها المجرم عامة لإرتكاب جريمة ثانية.
:two:
إرتكاب الجريمة اللاحقة خلال مدة الإختبار
بالإضافة لضرورة صدور حكم سابق بالعقاب على الجاني، يشترط الفصل 47 لإعتبار هذا الأخير عائدا أن يكون قد ارتكب الجريمة اللاحقة خلال المدة التي يحددها القانون لإختبار قدرته على الإبتعاد نهائيا عن الجريمة وعدم الرجوع إلى الإجرام من جديد
يعد عائدا كل من يرتكب جريمة بعد عقابه بموجب أخرى قبل أن تمضي خمسة أعوام على قضاء العقاب الأول أو على انقضائه أو على سقوطه بمرور الزمن، ويكون الأجل عشرة أعوام إذا كانت الجريمتان مستوجبتين للعقاب بالسجن لمدة عشرة أعوام فما فوق
يستنتج من هذا الفصل 47 م.ج أن المدة التي تجعل المتهم عائدا إذا ارتكب خلالها الجريمة اللاحقة تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم السابق بالعقاب باتا
نهاية هذه المدة فتختلف باختلاف کون الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة هما من صنف الجنايات التي يعاقب القانون عليها بعقوبة تساوي أو تفوق عشرة سنوات سجنا أو من الجرائم الأقل خطورة:
إذا كانت الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة مستوجبتين بموجب النص التجريمي لعقوبة بالسجن أقصاها عشرة سنوات أو أكثر فإن مدة الإختبار التي يعتبر المرتکب خلالها للجريمة اللاحقة عائدا تنتهي بعد عشرة سنوات من تاریخ انقضاء العقوبة الأولى بسبب من الأسباب المذكورة بالفصل 47.
في غير ذلك من الصور ، كان تكون الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة كلاهما من الجنح أو تكون الجريمة الأولى جنحة والثانية جناية أو تكون الأولى جناية والثانية جنحة أو تكون الجريمتان جناتين كلاهما أو أحدهما مستوجبة العقوبة بالسجن تقل عن عشرة سنوات، فإن مدة الإختبار التي يعتبر مرتكب الجريمة خلالها عائدا تنتهي بمرور خمسة سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى بسبب من الأسباب المذكورة سابقا.
:second_place_medal:
آثار العود
يترتب عن اعتبار المتهم عائدا إلى الجريمة التشديد عليه في العقاب وذلك بالترفيع مبدئيا من الحد الأدنى والحد الأقصى من العقوبة المنصوص عليها بالنسبة للجريمة اللاحقة المحال من أجلها على المحاكمة الجزائية.
بمقتضى الفصل 50 من المجلة الجزائية يصبح الحد الأقصى العقوبة الجريمة المنسوبة للعائد مساوية لضعف الحد الأقصى للعقوبة المحددة بالنص التجريمي، أما الحد الأدنى لهذه العقوبة فيصبح مساويا للحد الأقصى للعقوبة المنصوص عليها بالنص التجريمي
يطبق هذا النظام العقابي على العائد عامة إلا إذا نص القانون على نظام مغاير وذلك مثل ما جاء بالفصل 52 من المجلة الجزائية بالنسبة للعود إلى جريمة السكر
:third_place_medal:
العود إلى جريمة السكر
جاء بالفصل 52 من المجلة الجزائية أنه "إذا ارتكب السكر مرة ثانية فالعقاب يكون بأقصى العقوبات المقررة بالفصل 317 من هذا القانون وتكرار ارتكاب السكر فيما بعد يوجب العقاب بالسجن مدة ستة أشهر".
--> يستنتج من أحكام هذا النص أن العود إلى السكر له عدة خصوصيات التي منها ما هو متعلق بمفهومه (:one:) ومنها ما هو متعلق بآثاره (:two:)
:one:
مفهوم العود إلى السكر
حسب الفصل 52 م.ج أن العود إلى السكر نوعان
1- عود إلى السكر للمرة الثانية بعد صدور العقاب على المخالف من أجل نفس الجريمة
2- تكرار السكر لأكثر من مرتين سبق الحكم فيهما على المجرم بالعقاب من أجل الجريمة المذكورة.
مفهوم "السكر"
هل المقصود من هذه الكلمة هو التواجد بحالة سكر واضح بالطريق العام على معنى الفصل 317 من المجلة الجزائية؟ أم هو التواجد تحت تأثير حالة كحولية على معنى الفصل 87 من مجلة الطرقات؟ أم هو مجرد تناول المسكرات بقطع النظر عن الحالة التي يكون عليها شاربها ؟
يخضع تأويل الفصل 52، مثل كل نصوص القانون الجنائي، لمبدأ التأويل الضيق
:arrow_left:
عملا بالمبدأ
كلمة سكر" لا يمكن أن تفيد مجرد شرب المسكرات لأن هذا المفهوم يؤدي إلى التوسيع من مجال التجريم وهو بالتأكيد مخالف لمقصد المشرع
لا يمكن أن يكون مقصد المشرع من هذه الكلمة التواجد تحت تاثير حالة كحولية وذلك لأن مجال تجريم هذه الحالة محدود وخاص بميدان جرائم المرور لا غير
إذا كان الأمر كذلك، يكون المفهوم الوارد بالفصل 317 لكلمة "سكر" المتمثل في التواجد بحالة سكر واضح بالطريق العام هو الوحيد المتماشي مع نص الفصل 52، وهذا أولا لكونه يتلاءم مع مبدأ التأويل الضيق للنص التجريمي إذ أن مجال السكر الواضح بالطريق العام أضيق بكثير من مجرد تناول المسكرات او التواجد تحت تاثير حالة كحولية، وثانيا لأن المشرع بین صراحة بالفصل 52 أن التشديد في العقاب على العائد إلى السكر يكون بتشديد عقوبة جريمة السكر الواضح بالطريق العام المنصوص عليها بالفصل 317 م.ج.
على هذا الأساس، فإنه إذا سبق للمتهم ارتكاب جريمة السكر بهذا المفهوم وصدر عليه العقاب سواء بالسجن أو بالخطية أو بالإثنين معا ثم ارتكب نفس الجريمة ثانية فإنه يعتبر عائدا لجريمة السكر للمرة الثانية، وهذا على عكس القواعد العامة المنصوص عليها بالفصل 47 التي لا تعتد بالمخالفات في العود
إذا عوقب المجرم مرتين أو أكثر من أجل السكر بالمفهوم السابق الذكر ثم ارتكب نفس الجريمة بعد ذلك فإنه يعد مكررا لجريمة السكر. وهذه صورة خاصة للعود
:two:
آثار العود إلى السكر
مثل ما هو الشأن بالنسبة للعود عامة فإنه يترتب عن العود إلى السكر تشديد عقوبة جريمة العائد. ونظرا لكون العود إلى السكر نوعان فإن التشديد في العقاب على العائد إلى هذه الجريمة يختلف باختلاف نوع العود المنسوب إليه.
حسب ما جاء بالفصل 52 عندما يرتكب الجاني السكر للمرة الثانية فإن عقوبة جريمة السكر تصبح بموجب القانون مساوية لأقصى العقوبة التي ينص عليها الفصل 317 بالنسبة للذي يرتكب هذه الجريمة بدون أن تكون له صفة العائد، وهذه العقوبة تتمثل في خمسة عشرة يوم سجنا وخطية قدرها أربعة دنانير وثمانمائة مليم.
التشديد هنا يتمثل في كون عقوبة العائد للسكر للمرة الثانية لا تتضمن حدا أدنى بل هي محددة بالنص ولا يتمتع القاضي في شانها بسلطة تحديدها بين حد أدنى وحد أقصى
لكن رغم ذلك فإنه في نطاق العود للسكر للمرة الثانية يبقى التشديد في العقاب على العائد أخف من التشديد الذي تقتضيه القواعد العامة للعود والتي تجعل العقوبة قابلة إلى أن تصل إلى ضعف الحد الأقصى من العقاب الذي يحدده النص
إذا كان العود إلى السكر متمثلا في تكرار هذه الجريمة لأكثر من مرتين، فإن التشديد على العائد يكون بجعل العقوبة بالسجن مساوية لستة أشهر
هذا العقاب يساوي إثني عشر مرة أقصى عقوبة السكر بالسجن المنصوص عليها بالفصل 317، ويجعل جريمة السكر من صنف الجنح بعد ما كانت مجرد مخالفة. وبذلك يكون التشديد على العائد في هذه الحالة أرفع بكثير من الذي يترتب عن الأحكام العامة للعود، وهذا على خلاف التشديد على العائد إلى السكر للمرة الثانية.
في ما يتعلق بالتحديد القانوني للعقوبة، فإن عقوبة تكرار السكر هي مثل عقوبة السكر للمرة الثانية محددة بالنص بدون أن يكون للقاضي حق تقديرها بين حد أدنى وحد أقصى.
لكن رغم غياب المرونة العادية في تحديد العقوبة بالنص، بالنسبة لكلا حالتي العود إلى السكر، فإنه يمكن للقاضي تخفيف هذه العقوبة التي يحددها مبدئيا القانون إذا كان هناك ما يسمح بهذا التخفيف.
القاضي يمكنه كذلك في هذا المجال أن يقرر إستبدال عقوبة السجن التي يحكم بها أصالة على العائد بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وهذا على عكس ما تقتضيه الأحكام المنظمة لهذه العقوبة الأخيرة التي تمنع هذا الإستبدال عندما يكون مرتكب الجريمة عائدا
ب- التشديد في العقاب لاعتبار الجريمة إرهابية
إعتبار الجريمة المرتكبة جريمة إرهابية يؤدي إلى التشديد في العقاب على مرتكبها. وهذا التشديد له مظاهر عديدة يتمثل أهمها في التشدد في نوعّية العقاب والتوسع في نطاق العقاب وفي الحكم بالعقاب رغم عدم تجريم الفعل بمكان ارتكابه و أيضا في منع ضم العقوبات.
مسألة العقاب رغم إباحة الفعل في مكان ارتكابه وقع التعرض لها في نطاق مبدأ إقليمية القانون الجنائي، ومسألة منع ضم عقوبات مرتكب عدة جرائم إرهابية سيقع التعرض لها في نطاق موضوع ضم العقوبات. بقي لنا إذن أن ننظر في هذا المجال فقط في التشدد في نوعّية العقاب ( :first_place_medal: ) وفي التوسع في نطاق العقاب ( :second_place_medal: ).
:first_place_medal:
التشدد في نوعّية العقاب
يبرز التشدد في نوعّية العقاب بتكريس المشرع لعقوبة اإلعدام كما نص على عقوبة سجنية متشدّدة مع الترفيع في مقدار العقوبات المالية وتسليط عقوبات تكميلية قاسية كما امتدت العقوبات لتشمل الشخص المعنوي.
1 -تكريس عقوبة اإلعدام
ادرجت عقوبة اإلعدام في صدارة العقوبات األصلية بالفصل 5 م.ج. وهي من أشد وأقسى العقوبات التي عرفتها اإلنسانية، فاإلعدام يؤدّي إلى استئصال من ينفذ فيه من بين أفراد المجتمع على نحو نهائي لا رجعة فيه أي إزهاق روح المحكوم عليه.
ش ّرع قانون 2015 عقوبة اإلعدام ضمن عدة فصول القاسم المشترك بينها يتمثل في ارتكاب أفعال توصف بكونها إرهابية أدت إلى وفاة شخص أو عدة أشخاص
ولعل المشرع أراد بذلك احترام قاعدة التناسب بين حجم الضرر الحاصل والعقاب المسلط على مرتكب الجريمة اإلرهابية، فمن يتسّبب في موت غيره بارتكابه لفعل إرهابي جزاؤه هو أيضا الموت
إ ّن الجريمة اإلرهابية وإن كانت من أشدّ الجرائم وأخطرها على سالمة المجتمع،إلا أن عقوبة اإلعدام وإن أثبتت جدواها وفاعليتها في صنف معّين من الجرائم مثل جرائم القتل العمد واالغتصاب فإّنه من المتوقّع أّنها ال تُجدي نفعا في مجال الجرائم اإلرهابية ال ّن المسألة هي باألساس فكرية عقائدية متصلّبة ال تزيدها عقوبة اإلعدام إلا تجذّرا وتفريخا إلرهابيين ُجدد يناصرون من نفّذت عليه العقوبة، فالموت بالنسبة لحاملي هذا الفكر سواء في عملية إرهابية أو على إثر تنفيذ الجزاء هو تشريف.
2- تكريس عقوبة
سجنية متشدّدة
بالتأمل في أحكام قانون مكافحة اإلرهاب لسنة 2015 ،يتبين أن المشرع قد و سع كثيرا من مجال تسليط عقوبة السجن على مرتكبي الجرائم اإلرهابية وجعلها تتراوح بين السجن بقية العمر والسجن لمدة تتراوح بين أقصاها خمسة وعشرين عاما وأدناها ستتة أشهر
نلاحظ أن عقوبة السجن لمدة خمسة وعشرين عاما غير مألوفة في القانون الجزائي التونسي، فعادة ما ينص المشرع على عقوبة عشرة أو عشرين عاما.
وهو ما يؤكد أن المشرع قد تو ّخى سياسة زجرية بامتياز قوامها التعامل مع المجرم اإلرهابي بوصفه عدّو أ ّن المجتمع وحسبان الجريمة اإلرهابية من أخطر الجرائم التي ينبغي التصدّي لها بأشدّ العقاب وأغلظه حتّى وإن كان ذلك على حساب قاعدة التناسب بين الجريمة والعقوبة التي تدعو السياسة الجزائية الحديثة إلى وجوب احترامها تحقيقا لإلصالح وإعادة لإلدماج
3- غياب العقوبات
البديلة لعقوبة السجن
أضاف المشرع هذا الشكل الجديد للعقوبة تحقيقا لتطّور المنظومة الجزائية في تونس وسعيا لمواكبة التشريعات الحديثة
يتبّين غياب التنصيص على العقوبات البديلة لعقوبة السجن رغم تكريس هذا القانون ضمن عدّة فصول على عقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة تسلط على مرتكبي جرائم إرهابية
السكوت عن العقوبات البديلة في إطار قانون مكافحة اإلرهاب يجد تفسيره في خطورة هذه الجرائم وضرورة مجابهة مرتكبيها بأشدّ العقوبات صرامة
4 -الترفيع في مقدار
العقوبات المالية
من أهم صور العقوبات المالية نذكر الخطية والمصادرة
* الخطية
بالتأمل في أحكام قانون مكافحة اإلرهاب لسنة 2015 والسّيما في القسم الثاني منه المدرج تحت عنوان "في الجرائم اإلرهابية والعقوبات المق ّررة لها"، يتبين أ ّن المشرع أسند لعقوبة الخطية أهمية بالغة تضاهي عقوبة السجن، فال يكاد يخلو فصل من الفصول مـن 13 إلى 37 من تنصيص على عقوبة الخطية جنبا إلى جنب مع عقوبة السجن، وهو ما يؤكد قناعة المشرع بالوظيفة الردعية لهذه العقوبة.
ما يثير االنتباه في هذا القانون ارتفاع قيمة الخطايا حيث يمكن أن تصل إلى مائتي ألف دينار إذا نتج عنها موت شخص كما حدّد لكل جريمة عقوبة بالخطية .
أورد المشرع عقوبة الخطية بصفة متراكمة مع عقوبة اإلعدام أو عقوبة السجن كما و ّسع من نطاق األشخاص المشمولين بهذه العقوبة لتخ ّص كذلك الذات المعنوية، فقد كّرس المشرع ضمن هذا القانون المسؤولية الجزائية للذات المعنوية.
* المصادرة
المصادرة هي نزع قانوني لملكية مال أو أموال جبرا على صاحبها وإضافتها إلى ملك الدولة الخاص بدون مقابل وال تعويض في الحاالت التي يق ّررها القانون وهي عقوبة تكميلية كّرسها المشرع ضمن الفصل 5 م.ج. فقرة ب- رابعا
وقد سجلت هذه العقوبة حضورها ضمن قانون مكافحة اإلرهاب وذلك بالفصلين 51 و52 من هذا القانون. فالفصل 51 نص في فقرته األولى على وجوب مصادرة األموال المستعملة لارتكاب الجريمة أو لتسهيل ارتكابها، أو المتحصلة منها بصفة مباشرة أو غير مباشرة
وبموجب هذه الفقرة تتخذ المصادرة وصف العقوبة ألّنها تؤدّي إلى تجريد المحكوم عليه من بعض ممتلكاته المستخدمة الرتكاب جريمة إرهابية بغاية تحقيق الغرض الإيلامي للعقوبة
الفقرة الثالثة من هذا الفصل فتن ّص على "مصادرة األسلحة والذخيرة والمتف ّجرات وغيرها من المواد والمعدّات والتجهيزات المستعملة الرتكاب الجريمة أو لتسهيل ارتكابها، واألشياء التي يُشكل منعها أو مسكها أو استعمالها أو االتجار فيها جريمة"
الفصل 52 فقد نص على جواز مصادرة "جميع المكاسب المنقولة أو العقارية واألرصدة المالية الراجعة للمحكوم عليه أو بعضها إذا ثبت استعمالها لغرض تمويل أشخاص أو تنظيمات أو أنشطة لها عالقة بالجرائم اإلرهابية"
:second_place_medal:
التوسع في
نطاق العقاب
وسع المشرع ضمن قانون مكافحة اإلرهاب لسنة 2015 من نطاق العقاب حتّى يشمل اكبر عدد ممكن من الأطراف تحقيقا لمزيد من الزجر والردع، وهو ما يبرز بتحديده من نطاق ذي القربى وبإلغائه لعنصر التغرير كظرف مخفف للعقاب.
1-التحديد من
نطاق ذي القربى
المشرع وضع ستثناء للمبدإ الوارد بالفصل 37 فقرة أولى من قانون مكافحة اإلرهاب لسنة 2015 يتمثل في اإلعفاء من العقاب المق ّرر لجريمة االمتناع عن اإلبالغ إذا تعلق الأمر بصلة القربى حيث يُستثنى الوالدين واألبناء والقرين من واجب االمتناع عن إشعار السلط ذات النظر بما أمكن لهم اإلطالع عليه من أفعال وما بلغ إليهم من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم اإلرهابية.
هذا اإلعفاء من العقاب يقتصر على الحالة التي يكون فيها عدم اإلبالغ يخص جريمة إرهابية وقعت فعلا وهو ما يُقصي من اإلعفاء حالة عدم اإلبالغ عن جريمة إرهابية من المتوقع أن يرتكبها القريب مستقبلا.
كان قانون مكافحة اإلرهاب لسنة 3 يو ّسع من نطاق اإلعفاء ليشمل اإلخوة واألخوات رغم أن المشرع نفسه يعترف صراحة بصفة القرابة لإلخوة واألخوات ضمن األحكام العامة وتحديدا بالفصل 39 ثانيا م.ج بل ويجعلهم في مرتبة متقدمة عن الزوج والزوجة.
2-إلغاء عنصر
التغرير كظرف تخفيف
كان الفصل 28 من قانون مكافحة اإلرهاب لسنة 2003 ين ّص على أّنه "إذا ثبت وأن األشخاص المشاركين في إحدى الجرائم اإلرهابية قد ُجروا لذلك بالتغرير بهم أو بإغوائهم أو باستغالل حالتهم أو ظروفهم يعاقبون باألدنى المق ّر أصالة للجريمة".
فمشرع 2003 تعامل مع هذه الشريحة المغت ّرة سواء بسبب الهشاشة النفسية أو قلة ذات اليد معاملة خاصة بتمتيعها بأدنى عقاب مق ّرر للجريمة إلا أّنه في إطار قانون 2015 سكت تماما عن هذا الظرف المخفّف ما يفيد استبعاده.
وهو أمر مستغرب يعكس إطناب المشرع في االلتزام بالشدّة تجاه مرتكبي الجرائم اإلرهابية دون إيالء أية أهمية أو عناية بشخصّيتهم اله ّشة التي سرعان ما نزلقت في براثن زباني ة اإلرهاب الذين يُتاجرون بالمعتقدات.
كّرس المشرع ضمن القانون المتعلق بمكافحة اإلرهاب أشد العقوبات الجزائية صرامة، وتحقيقا لمزيد من الزجر والردع وسع المشرع من نطاق العقاب.