Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
الإجراءات الجنائية (٦- مبدأ الشرعية وقواعد الإجراءات الجنائية :
يتردد…
الإجراءات الجنائية
٦- مبدأ الشرعية وقواعد الإجراءات الجنائية :
يتردد دائما القول في مجال قواعد التجريم والعقاب مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، أي لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي يحدد أركان تلك الجريمة والجزاء الجنائي المقرر لها نوعا ومقدارأ . ولكن هذا المبدأ - على الرغم مما يوحي به ظاهره - لا يقتصر فقط على مجال التحريم والعقاب ، وإنما يمتد ليغطى ليس فقط التدابير الاحترازية وإنما أيضا قواد الإجراءات الجنائية ، فلا تجوز ملاحقة شخص أو التحقيق معه أو محاكمته إلا وفقا للإجراءات والاختصاصات والسلطات التي نص عليها القانون . وهذا يعني أن مبدأ الشرعية يجب أن يحترم في مجالا قواعد القانون الجنائي بمعناه الواسع أى القواعد الموضوعية والشكلية على السواء .
وشرعية الإجراءات يترتب عليها - كما هو الحال في مجال الشرعية الموضوعية - عدة نتائج منها : اعتبار التشريع المصدر الوحيد للقواعد الإجرائية ،
وأن تطبق هذه القواعد بأثر فوري ومباشر ، وأن يراعى عند تفسيرها الكشف عن حقيقة قصد المشرع . ولكن يلاحظ أن تطبيق هذا المبدأ ونتائجه لا يكون بذات الشدة والدقة التي يتم بها تطبيقه بالنسبة للشرعية الموضوعية على التفصيل التالي:
أ- مصادر قواعد الإجراءات الجنائية
التشريع هو المصدر الوحيد والمباشر لقواعد الإجراءات الجنائية . وأحتكار التشريع لهذه القواعد يجد تبريره في كونها تحقق التوازن بين مصلحة المجتمع في ملاحقة مرتكب الجريمة ومحاكمته ومصلحة الفرد في الدفاع عن نفسه وعدم النيل من حقوقه وحرياته إلا بعد صدور حکم بات بالإدانة في مواجهته ، ولا يستطيع ولا يمك إقامة هذا التوازن إلا السلطة التي يناط بها حماية مصلحة المجتمع ومصلحة القرد في نفس الوقت ، ولا يتحقق ذلك إلا بالنسبة للسلطة التشريعية فقط
وهكذا ينحصر مصدر قواعد الإجراءات الجنائية في التشريع فقط الذي يصدر عن ممثلي الشعب سواء اتخذ شكل القواعد الدستورية أم القوانين العادية التي صدر عن مجلس الشعب .
فإذا كان الأصل أن الدستور يتضمن المبادئ العامة التي لا تقبل التطبيق بذاتها إلا أنه في بعض الحالات أو بالنسبة لبعض المسائل الهامة والخطيرة قد ينص تحيه على بعض القواعد القانونية الدستورية التي تقبل التطبيق بذاتها دون حاجة التدخل المشرع العادي وخاصة تلك التي تتعلق بحقوق الأفراد وحرياتهم أو تلك التي تصل باستقلال القضاء وضمان نزاهته . وفي هذه الحدود يكون الدستور مصدرا مباشرة لقواعد الإجراءات الجنائية ولكن يبقى التشريع العادي الصادر عن مجلس الشعب هو المصدر الأصلي والأساسي في هذا الخصوص .
وترتيبا على ما تقدم لا تعتبر اللوائح أو الأنظمة أو المراسيم والقرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية مصدرا لقواعد الإجراءات الجنائية، حتى ولو كان التشريع ينص صراحة على هذه السلطة ).
والسبب في ذلك يرجع إلى أن اختصاص السلطة التشريعية باحتكار قواعد الإجراءات الجنائية اختصاص أصيل وشخصى لا تملك بصدده التفويض أو التنازل إلى سلطة أخرى . وهنا نلحظ خلافة بين قواعد التحريم والعقاب وقواعد الإجراءات الجنائية حيث يجوز بالنسبة للقواعد الأولى أن تصدر عن السلطة التنفيذية إذا تم
التفويض إليها بذلك على عكس القواعد الثانية .
ولا يعتبر - من باب أولى - العرف ولا أحكام المحاكم حتى المحكمة العليا ولا التعليمات التي تصدرها النيابة لأعضائها مصدرا لقواعد الإجراءات الجنائية .
التشريع إذن هو المصدر المباشر الوحيد لقواعد قانون الإجراءات الجنائية
ب- تفسير قواعد قانون الإجراءات الجنائية :
التفسير عملية ذهنية يهدف المفسر منها الكشف عن حقيقة إرادة المشرع وتحديد مضمونها من خلال الألفاظ والعبارات الواردة في القاعدة القانونية المرادتفسيرها . ويتنوع التفسير بحسب مصدره إلى تفسير تشريعي وقضائي وفقهی ، ويجب أسلوبه إلى تفسير لغوي وآخر منطقي، وبحسب مداه ونتائجه إلى تفسير مقرر أو كاشف وتفسير مضيق وتفسير موسع وتفسير بطريق القياس . والتفسير أية كان نوعه - باستثناء التفسير بطريق القياس - يهدف إلى الكشف عن مضمون الإرادة الحقيقية للمشرع من خلال ألفاظ وعبارات النص المراد تفسيره . فالتفسير التشريعي يصدر إما عن ذات الجهة التي أصدرت القانون المراد تفسيره أو عن جهة اعلى ، وفي الحالتين فإن القانون التفسيري يسرى بأثر رجعي على الوقائع التي وقعت في ظل القانون الذي يفسره طالما لم يصدر بشأنها حكم بات وهو يتضمن قواعد قانونية ملزمة ، والتفسير القضائي تقوم به المحاكم وله قوة إلزام نسبية تقتصر على الحالة التي صدر بشأنها . والتفسير الفقهي هو الذي يصدر عن شراح القانون وفقهائه وهو غير ملزم، وإن كان القضاء يستعين به عند تطبيق القانون ، كما يأخذه
المشرع في الاعتبار عند تكملة النصوص أو تلافي النقص الوارد بها .
أما التفسير اللغوي فهو الذي يعتمد على المعاني اللغوية والاصطلاحية للألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص ؛ بينما يتجاوز المفسر ألفاظ النص وعباراته في التفسير المنطقي وذلك بالبحث عن قصد المشرع أو العلة التي من أجلها وضع
النص .
والتفسير المقرر أو الكاشف هو الذي يكشف عن حقيقة قصد المشرع وقد يصل المفسر إلى تلك الحقيقة باستخدام الأسلوب اللغوي في التفسير ، فإذا لم ينجح فما عليه إلا أن يستخدم الأسلوب المنطقي ، وقد ينتهي به الأمر في هذا الشأن إلى تفسير النص تفسيرة ضيقة ، وذلك حين تقيد ألفاظ هذا النص أكثر مما أراد المشرع تحميلها ، وقد يفسره تفسيرأ موسعة حين تفيد الفاظ هذا النص أقل مما أراد المشرع تحميلها .
وإلى هذا الحد من التفسير بأنواعه السابقة يتم تفسير قواعد القانون الجنائي الموضوعية والشكلية أي قواعد قانون العقوبات وقواعد قانون الإجراءات الجنائية ، الأن عملية التفسير في كل الأحوال لا تخرج عن قصد المشرع الحقيقي ولا تتسب
إليه إرادة غير تلك التي عبر عنها في ألفاظ النص وعباراته . ويستوي بعد ذلك أن نتيجة التفسير ضد مصلحة المتهم أو لمصلحته .
اما فيما يتعلق بالتفسير عن طريق القياس فإن الأمر يحتاج إلى تفصيل .
فبالنسبة لقواعد قانون العقوبات ينعقد الإجماع على أن القياس محظور بالنسبة لقواعد التجريم العقاب احترام المبدأ الشرعية ، بينما هو جائز بالنسبة لقواعد الإباحة أو الإعذار القانونية أو الإعفاء من المسئولية أو كل ما من شأن أن يحقق مصلحة المتهم بصفة عامة
وبالنسبة لقواعد الإجراءات الجنائية ، فإن الاتجاه السائد هو جواز القياس بشأنها بصفة مطلقة حتى ولو كان ضد مصلحة المتهم على أساس أنه لا توجد
ذات العلة التي تحظر القياس في مجال التجريم العقاب فلا يترتب على الأخذ به إنشاء جرائم جديدة أو تطبيق عقوبات لم ينص عليها وإنما يؤدى فقط إلى استكمال النظام الإجرائي لعناصره وسد النقص الذي يوجد فيه لكي يكون صالحة للتطبيق المحقق لأهدافه ، وإن على المتهم أن يتوقع جميع الإجراءات التي من شأنها كشف الحقيقة في شأن جريمته طالما أن لهذه الإجراءات سند من القانون .
ونعتقد أن هذا الاتجاه لا يمكن التعليم به بصفة مطلقة لأن الإجراءات
الجنائية تخضع هي الأخرى لمبدأ الشرعية ، ويقتضى الأخذ بهذا المبدأ اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد في هذا المجال بحيث يمتنع على أي جهة أخرى أن تحل محل المشرع وتقرر قواعد جديدة لم تصدر عنه . وما القياس إلا أسلوب يتم فيه تعديه حكم قائم لواقعة إلى واقعة أخرى لم يرد لها حكم لاتحاد العلة بين الواقعتين أي أن القاضي عندما يلجأ إلى التفسير بطريق القياس ينسب إلى المشرع حكم الواقعة لم يصدر عنه . وإذا كان حظر القياس في مجال التجريم والعقاب يبرره حماية
حقوق الأفراد وحرياتهم ، أي حماية مصلحة المتهم ، فإن هذا الحظر وتلك الحماية يجب أن يتقررا أيضا بالنسبة لقواعد الإجراءات الجنائية فيمتنع التفسير بطريق القياس في كل حالة يكون فيها الحكم المراد تعديته ضد مصلحة المتهم ، بأن يكون من شأن الأخذ به وتطبيقه إهدار حق من حقوقه أو حرياته أو يتضمن انتقاصة أو إهدارا الحقه في الدفاع عن نفسه .
أما حيث يكون في القياس تحقیق مصلحة المتهم فلا بأس من اللجوء إليه والأخذ نتائجه . واذا كان الحكمة من حظر القياس هي مصلحة المتهم ، فإن هذا الحظر لا يكون له أساس حيث يتعلق الأمر بإجراءات وأصول لا علاقة لها بتلك المصلحة كأن تتعلق مثلا بالمصلحة العامة وبصفة خاصة يجوز اللجوء إلى القياس في كل حالة يكون من شأن الأخذ به تحقيق الهدف من النظام الإجرائي أ تحقيق عدالة جنائية أفضل مع الأخذ في الاعتبار أن الأحكام الاستثنائية لا يقاس
عليها. ونعتقد أن القضاء لم يخرج عن المفهوم السابق ، فقد قضت محكمة النقض في خصوص القيد الوارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العامة في جريمة السرقة التي تقع بين الأزواج أو الأصول أو الفروع إلا إذا تقدم المجني عليه بشكوى : "... أن هذا القيد الوارد في باب السرقة علته المحافظة على كيان الأسرة فإنه يكون من الواجب أن يمتد أثره إلى الجرائم التي تشترك مع السرقة فيما تقدم عليه من الحصول على المال بغير حق كجرائم النصب وخيانة الأمانة في غير
إسراف في التوسع ..." وقيد الشكوى مقرر لمصلحة المتهم وهذا هو السبب الذي من أجله أخذت محكمة النقض بالقياس وطبقته على وقائع أخرى لم يرد لها حكم في القانون .
وقضى في فرنسا بأن التزام الخبير بأداء اليمين قبل القيام بمهمته في حالة التلبس بالجريمة وفقا للمادة 44 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي يمكن أن يمتد إلى جميع أهل الخبرة عن طريق القياس . كما قضى في لبنان بأنه يسرى الحكم عن طريق القياس بشأن ما ورد في باب المدعين العامين من حيث تحلیف الخبراء والأطباء اليمين قبل القيام بالمهمة إلى الخبراء الذين تعينهم المحاكم والهيئات القضائية الأخرى . وأن بطلان محضر التحقيق الذي يحصل فيه تحشية أو شطب
إذا لم يصادق ويوقع عليه القاضي (المادة ۸۲ من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني) يمكن أن يمتد إلى سائر المحاضر الصادرة عن الهيئات القضائية الأخرى بطريق القياس . ويلاحظ أن الأخذ بالقياس في الحالات السابقة لا يؤثر على مصلحة المتهم ويهدف في نفس الوقت إلى تحقيق العدالة الجنائية على نحو أفضل.
ونلفت الانتباه أن قاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم لا علاقة لها بتفسير
نصوص الإجراءات الجنائية إذ أن مجال تطبيق تلك القاعدة هو الإثبات أو الأدلة وليس النصوص الجنائية . فالأحكام الجنائية يجب أن تبنى على القطع واليقين لا على مجرد الظن أو الشك ، ولما كان الأصل في الإنسان البراءة ، فإن هذا الأصل لا يزول إلا بأدلة يقينية قطعية شبت الإدانة ، فإذا كان الدليل غير يقيني أو غير قطعی أي كان مشكوكا في قيمته ودلالته على الإدانة ، فإن مثل هذا الدليل لا يكفي للحكم ضد المتهم الذي يبقى على الأصل فيه وهو البراءة ، ولهذا يقال أن الشك في الدليل يفسر لمصلحة المتهم . أما بالنسبة لتفسير النصوص الجنائية فإن الهدف منها هو كشف حقيقة إرادة المشرع وعند الوصول إلى تلك الحقيقة يطبق النص المفسر على المدعى عليه سواء كان في صالحة أم في غير صالحة.
ج- سريان قواعد الإجراءات الجنائية بأثر فوری ومباشر
المبدأ العام الذي يحكم نطاق السريان الزمانی القاعدة القانونية - مدينة كانت أم جنائية - هو الأثر الفوري والمباشر ، بمعنى أن جميع القواعد القانونية الجديدة تطبق بأثر فوری ومباشر على الوقائع اللاحقة لنفاذها . ووفقا لهذا المبدأتطبق قواعد الإجراءات الجنائية الجديدة على الإجراءات المتعلقة بالدعوى الجنائية او الدعوى المدنية المرتبطة بها منذ تاريخ نفاذها دون اعتداد بوقت ارتكاب الجريمة االتي تتخذ تلك الإجراءات بصددها . فالعبرة في تحديد نطاق السريان الزمانی لقواعد قانون الإجراءات الجنائية هي بوقت اتخاذ الاجراء حتى ولو كان يتعلق بدعوى عامة ناشئة عن جريمة وقعت قبل نفاذ القانون الجديد . وقد ذهب رأي إلى القول بأن
قواعد الإجراءات الجنائية تسري بأثر رجعي بصدد جرائم وقعت قبل نفاذها طالما أن الدعوى الناشئة عن هذه الجرائم لم يفصل فيها بعد، أي أن هذا الرأي يرجع السريان الزماني للإجراءات الجنائية إلى وقت ارتكاب الجريمة وليس إلى وقت اتخاذ الإجراء منذ نفاذ القانون الجديد . ولكن الأدق والصحيح هو القول بعدم رجعية قواعد الإجراءات الجنائية الجديدة إلى الماضي وأنها تطبق بأثر فوري ومباشر من تاريخ اتخاذ الإجراء لأن هذه القواعد تتعلق بالإجراءات وليس بالجرائم التي تتخذ هذه الإجراءات بشأنها ، على خلاف قواعد قانون العقوبات التي ترتبط بالجرائم ومنثم يحدد نطاق سريانها بوقت ارتكاب الجريمة . ومن هنا أيضا يقال بأن قواعد قانون العقوبات تختلف عن قواعد قانون الإجراءات الجنائية حيث أن الأولى قد تسري بأثر رجعي إذا كانت أصلح للمتهم ، بينما الثانية لا تسري بأثر رجعى لأن الغرض في القوانين الجديدة انها تحقق العدالة الجنائية على نحو أفضل وفي هذا تحقيق المصلحة العامة ومصلحة المتهم في نفس الوقت . ويعني عدم رجعية
قواعد الإجراءات الجنائية الجديدة إلى الماضي أن كل إجراء تم في ظل القانون السابق يخضع لأحكام هذا القانون من حيث الصحة أو البطلان أو الآثار التي ترتب عليه . فإذا كان الإجراء صحيحة في ظل القانون القديم ، فإنه يبقى كذلك حتى ولو صدر قانون جديد يغير شروط صحة هذا الاجراء ويعتبره باطلا . وإذا كان الإجراء باطلا طبقا للقانون القديم فإنه يستمر كذلك حتى ولو صدر قانون جديد تجعل مثل هذا الإجراء صحيحة ، فلا يسرى القانون الجديد بأثر رجعي ليطل بموجبه ما تم صحيحة من إجراءات أو يصحح بمقتضاه ما تم باطلا من إجراءات في ظل القانون السابق ، حتى ولو كان القانون الجديد أصلح للمتهم .
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن : الأصل أن قوانين الإجراءات تسري من يوم نفاذها على الإجراءات التي لم تكن قد تمت ولو كانت متعلقة بجرائم
وقعت قبل نفاذها : انهم وأن كل إجراء يتم في دعوى على مقتضى قانون معين يعتبر صحيحة ولو صدر بعد ذلك قانون يلغيه أو يعيله - .
وهكذا يتضح الاختلاف بين قواعد قانون العقوبات وقواعد قانون الإجراءات الجنائية ، أي بين القاعدة الجنائية الموضوعية والقاعدة الجنائية الإجرائية أو الشكلية من حيث السريان الزماني لكل منهما ، ويكون ضرورية تبعا لذلك تحديد طبيعة القاعدة وما إذا كانت موضوعية أم شكلية. وهذا التحديد لا يرجع في شأنه إلى مكان وجود القاعدة والقول بأن القاعدة تكون موضوعية إذا وردت في قانون العقوبات وتكون شكلية إذا نص عليها قانون الإجراءات لأن الفصل التام بين القانونين من هذه الزاوية غير متحقق إذ يتضمن قانون العقوبات بعض القواعد الإجرائية أو الشكلية مثل قواعد الشكوى ، كما يوجد بين قواعد قانون الإجراءات قواعد موضوعية مثل قواعد تغريم الشاهد ، كما لا يقوم على أساس الهدف من القاعدة والقول بأنها تكون موضوعية إذا كان الهدف منها حماية مصلحة المجتمع وتكون شكلية إذا كانت ترمي إلى حماية مصلحة المتهم لأنه توجد بعض القواعد الموضوعية التي تهدف إلى حماية مصلحة المتهم مثل القواعد التي تتضمن أسباب تخفيف العقوبة أو
الظروف المعفية من العقاب أو أسباب منع المسئولية ، كما توجد بعض القواعد الإجرائية أو الشكلية التي تضر بمصلحة المدعى عليه مثل القواعد المتعلقة بالحبس الاحتياطي أو تلك التي تلغى طريقة من طرق الطعن في الأحكام
ولعل المعيار الراجح في هذا المضمار هو الذي يعول على موضوع القاعدة القانونية الجنائية والذي على أساسه تعتبر القاعدة موضوعية إذا كانت تتعلق بتنظيم حق الدولة في العقاب سواء من حيث نشأته أم تعديله أم إلغائه ، أي تلك التي يكون موضوعها الجرائم (تعريفها ، أنواعها ، المسئولية الجنائية عنها والجزاء الجنائي الذي يترتب عليها ..) ، وتكون القاعدة شكلية أو إجرائية حينما تنظم وسائل استيفاء الدولة لحقها
في العقاب ، أي تلك التي يكون موضوعها الهيئات القضائية (تشكيلها
واختصاصاتها) وإجراءات ضبط الجرائم وملاحقة المجرمين والتحقيق معهم ومحاكمتهم)
ولا يثير تطبيق هذا المعيار أية صعوبة تذكر بالنسبة لقواعد التنظيم
القضائي وتحديد الاختصاص وإجراءات التحقيق والمحاكمة وإصدار الأحكام والطعن فيها ، إذ تعتبر هذه القواعد من قبيل القواعد الشكلية أو الإجرائية التي تطبق بأثرفوری ومباشر لأن موضوعها ينصب على تنظيم استيفاء الدولة لحقها في العقاب دون تأثير على الحق في العقاب ذاته .فإذا صدر قانون جديد يعدل من تشكيل محكمة بأن يزيد أو ينقص من
عدد قضاتها أو ينقل اختصاصها إلى محكمة أخرى ، فإنه يطبق بأثر مباشر من يوم نفاذه على الدعاوى التي تنظرها تلك المحكمة ولم تفصل فيها أو التي لم يكن باب المرافعة فيها قد قفل) ، فتختص بنظرها المحكمة الجديدة وفقا لتشكيلها الجديد أو المحكمة التي أحيل إليها الاختصاص بنظرها لأن تعديل التشكيل أو نقل الاختصاص من شأنه أن يزيل من الوجود المحكمة السابقة لتحل محلها المحكمة الجديدة بتشكيلها الجديد أو التي أسند إليها الاختصاص . وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض أن "القوانين المعدلة للاختصاص تطبق بأثر فوری شأنها في ذلك
شأن قوانين الإجراءات ، فإذا عدل القانون من اختصاص محكمة قائمة بنقل ما كانت مختصة بنظره من القضايا طبقا للقانون القديم إلى محكمة أو جهة قضاء أخرى فإن هذه الجهة الأخيرة تصبح مختصة ولا يكون للمحكمة التي عدل اختصاصها عمل بعد نفاذ القانون الجديد ، ولو كانت الدعوى قد رفعت إليها بالفعل
طالما أنها لم تنته بحكم بات : ويصدق نفس المعنى على إجراءات التحقيق والمحاكمة ، فالقواعد الجديدة التي تعدل تلك الإجراءات هي التي تطبق بأثر فوری ومباشر بعد نفاذها حتى ولو كانت الجريمة التي تتخذ الإجراءات بصددها قد ارتكبت قبل ذلك أو كان التحقيقأو المحاكمة قد ابتدأ قبل هذا التاريخ وينطبق المبدأ السابق أيضا على إجراءات إصدار الأحكام وطرق الطعن
فيها . فإذا صدر قانون جديد بعدل من شروط صحة الحكم أو طريقة إصداره بأنتطلب مثلا ضرورة إجماع الآراء للحكم بعقوبة الإعدام بدلا من الأغلبية التي كان يكتفي بها القانون القديم ، فإن التعديل الجديد يسرى بأثر فوری ومباشر منذ نفاذ هذا القانون ويجب لصحة الحكم بعقوبة الإعدام أن يصدر بإجماع آراء أعضاء المحكمةحتى ولو كانت الجريمة قد ارتكبت أو الدعوى العامة عنها قد رفعت قبل هذا التاريخ بشرط ألا يكون قد صدر فيها حكم بات ، لأن هذا التعديل كما قالت محكمة النقض
- لا يمس أساس الحق في توقيع عقوبة الإعدام ذاتها ، وإنما يقتصر فقط على تنظيم الحكم بهذه العقوبة ، ومن ثم فهو تعديل يندرج تحت مدلول القوانين الإجرائية لا الموضوعية . وكذلك إذا صدر قانون جديد يلغي طريقة من طرق الطعن بالنسبة لبعض الأحكام فإن هذا القانون الجديد يطبق بأثر مباشر على الأحكام التي تصدر منذ نفاذه أما الأحكام التي تصدر قبل ذلك التاريخ فإنها تخضع للقانون السابق التي صدرت في ظله ، وعلى العكس من ذلك إذا صدر قانون جديد يجيز الطعن بطريق معين بعد أن كان هذا الطريق مغلقا في ظل القانون السابق،
فإن القانون الجديد يسري من يوم نفاذه على الأحكام التي تصدر بعد هذا التاريخ ، أما الأحكام التي صدرت قبل ذلك فإنها لا تقبل الطعن بهذا الطريق ، والعبرة دائما في تحديد قابلية الحكم للطعن من عدمه هي بوقت صدور الحكم دون اعتداء بوقت ارتكاب الجريمة أو تاريخ رفع الدعوى عن هذه الجريمة . وإذا عدل قانون جديد ميعاد الطعن في الأحكام ، فإذا كان هذا القانون قد أطال هذا الميعاد فإن الميعاد الجديد هو الذي يطبق فور نفاذ القانون الجديد سواء كان الحكم صادرة قبل نفاذ هذا القانون أم بعده. أما إذا قصر القانون الجديد ميعاد الطعن طبق القانون الجديد من يوم نفاذه وحسبت المدة الجديدة منذ تاريخ هذا النفاذ لا من تاريخ صدور الحكم). كل ذلك لأن طرق الطعن وإجراءات نظرها بصفة عامة لا علاقة لها بأساس حق الدولة في ملاحقة مرتكب الجريمة ، بل ترتبط بتنظيم ممارسة هذا الحق وهي لهذا السبب تعتبر من القواعد الإجرائية التي تطبق بأثر فوري ومباشر لا من القواعد
الموضوعية .
ومع ذلك توجد بعض القواعد التي أثارت جدلا في الفقه والقضاء حول
طبيعتها وهل هي من القواعد الموضوعية أم من ا
.
ومع ذلك توجد بعض القواعد التي أثارت جدلا في الفقه والقضاء حول
طبيعتها وهل هي من القواعد الموضوعية أم من القواعد الإجرائية منها: القواعد
المتعلقة بإقامة الدعوى والقيود الواردة عليها وقواعد التقادم وقواعد تنفيذ العقوبة .
قواعد التقادم ::
يعرف القانون الجنائي نوعين من التقادم : التقادم الخاص بالدعوى حين لا تتحرك أو ترفع أو تتوقف عن السير خلال فترة معينة ، والتقادم الخاص بالعقوبة حيث يتهرب المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة فيه مدة معينة من الزمن ، فإذا انقضت مدة التقادم في الحالة الأولى تنقضي الدعوى العامة وإذا مضت تلك المدة في الحالة الثانية تسقط العقوبة ولا تنفذ.
ويختلف الفقه حول تحديد طبيعة القواعد المنظمة للتقادم وهل هي قواعد موضوعية أم قواعد إجرائية .
والاتجاه الراجح في فرنسا فقها وقضاء هو اعتبار قواعد التقادم من القواعد الإجرائية أو الشكلية على أساس أنها تتعلق بإجراءات تنظيم الدعوى والسير فيها
ويؤيد هذا الرأي جانب من الفقه المصري الذي يعتبر أن قواعد التقادم على العقوبة ذات طبيعة موضوعية لأن العقوبة ذاتها موضوعية ، بينما قواعد التقادم
على الدعوى ذات طبيعة إجرائية بالاستناد إلى الطبيعة الإجرائية للدعوى ذاتها
. وتأخذ محكمة النقض بهذا الاتجاه ، إذا تقرر "أن نصوص القانون الخاصة بالتقادم تتعلق بالنظام العام لأنها تستهدف المصلحة العامة لا مصلحة شخصية للمتهم ، مما يستوجب أعمال حكمها على الجرائم المسابقة على تاريخ صدورها وإن كان في ذلك تسوي لمركزه ما دام أنه لم يصدر في الدعوى حكم نهائی . وتطبيقا لهذا
الاتجاه فإن قواعد التقادم الجديدة تسري بأثر فوري على كل تقادم لم ينقص بعد أطالت المدة القديمة أم قصرتها . فإذا كانت تلك المدة قد انقضت طبقا للقواعدالقديمة وانقضت تبعا لها الدعوى العامة فإن القواعد الجديدة لا تطبق حتى ولو كانت
تنص على مدة أطول .
ويذهب الرأي الغالب في الفقه المصري إلى اعتبار قواعد التقادم من القواعد الموضوعية لأنها تنال من حق الدولة في العقاب بالإلغاء أو الزوال إذ بانقضاء مدة التقادم يلغي حق المجتمع في ملاحقة مرتكب الجريمة ويفنى ولا يمكن بعثه من جديد
. ويترتب على ذلك أن القواعد الجديدة المتعلقة بالتقادم تسري بأثر فوری ومباشر ولا تطبق بأثر رجعي إلا إذا كانت أصلح للمتهم .
.
قواعد تنفيذ العقوبة :
من المتفق عليه أن قواعد تحديد العقوبة نوعا ومقدارة قواعد موضوعية لا تسري بأثر رجعي إلا إذا كانت أصلح للمتهم .
أما قواعد تنفيذ العقوبة فإن الأمر بشأنها محل خلاف . إذ يذهب رأي في
الفقه إلى اعتبارها قواعد إجرائية تطبق بأثر فوري ومباشر على ما لم يتم تنفيذه منها ، على أساس أن تنفيذ العقوبة ليس سوى مجموعة من الإجراءات المتتابعة تستمر خلال مدة تنفيذها ، وأن هذا يتفق والتكييف الحديث للتنفيذ العقابي الذي يرى انه استمرار الدعوى الجنائية التي لا تنقضي إلا بتأهيل المحكوم عليه ، كما أن نصوص التقنية الجديدة الفرض فيها أنها أفضل من السابقة باعتبارها تطبيقا لأساليب عقابية أحدث وتحقق من هذه الزاوية مصلحة المجتمع والمتهم معأ ، وفي النهاية فإن تطبيق قواعد التنفيذ الجديدة لا ينال من المركز القانوني للمدعى عليه والذي تحدد على وجه مبرم وبات بصدور الحكم الواجب التنفيذ (). بينما يتجه الرأي الراجح إلى القول بأن مبدأ الشرعية يجب أن يغطى ليس فقط نوع العقوبة ومقدارها ، وإنما أيضأ إجراءات تنفيذها حماية لحقوق المحكوم عليهم وينتهي إلى اعتبار قواعد تنفيذ العقوبة قواعد موضوعية لا تسري بأثر رجعي إلا إذا كانت في صالح المحكوم عليه ، فكل عدة جديدة تعدل طريقة تنفيذ إحدى العقوبات بأن تغير من ماهيتها المنصوص عليها في القانون لا تطبق على العقوبات البانة الصادرة قبل العمل بها ما لم تكن فيها مراعاة للمحكوم عليه .
. قواعد إقامة الدعوى:
وهي القواعد التي تتعلق بحق الدولة في معاقبة مرتكب الجريمة بواسطة
النيابة العامة . وتنظم هذه القواعد سلطة النيابة العامة في تحريك أو رفع الدعوى العامة ، وقد تمنحها السلطة التقديرية في هذا الشأن ، وقد تضع عليها من القيود التي من شأنها يكون تقدير ملاحقة مرتكب الجريمة ومعاقبته بيد جهة أخرى غيرها | ، فلا تسترد تلك السلطة حريتها إلا إذا تقدمت تلك الجهة بشكوى أو طلب أو إذن .
ويذهب رأى في الفقه تؤيده بعض أحكام القضاء إلى اعتبار هذه القواعد
من قبيل القواعد الإجرائية أو الشكلية لأنها تتعلق بشروط صحة إجراءات التحقيق وصحة رفع الدعوى أو قبولها ، وأثر وجود القيد أو عدمه على دخول الدعوى في حوزة القضاء ، أما تأثير هذا القيد على حق الدولة في العقاب فهو غير مباشر إذا العبرة في تحديد طبيعة القاعدة هي بما تظمه من أمور لا بما يترتب عليها في المدى البعيد من آثار ) . ويترتب على اعتبار قواعد الملاحقة المذكورة قواعد إجرائية أنها تسري بأثر فوري منذ نفاذها على كل إجراء يتم منذ ذلك التاريخ . فإذا تحركت
الدعوى أو رفعت من قبل النيابة العامة في ظل قانون لا يقيد حريتها في ذلك يكون هذا التحريك أو الرفع صحيحة وتدخل الدعوى بموجبه حوزة القضاء حتى ولو صدر قانون جديد بعد ذلك يفرض عليها في هذا النوع من الدعاوى قيدا . وعلى العكس يكون تحريك أو رفع الدعوى باطلا، إذا تم ذلك في ظل قانون يتطلب ضرورة تقديم شكوى دون أن يتقدم صاحب الشكوى بشكواه حتى ولو صدر قانون جديد بعد ذلك يرفع قيد الشكوي.
بينما يذهب الاتجاه الغالب في الفقه إلى القول بأن قواعد الملاحقة قواعد
موضوعية لأنها تتعلق بأساس حق الدولة في العقاب وسلطتها في ذلك ، ويطبق -
شأنها مبدأ عدم رجعية القواعد الجديدة إلى الماضي إلا إذا كانت أصلح للمتهج فإذا رفعت الدعوى في ظل قانون لا يقيد رفعها على شكوى المجنى عليه ثم صد قانون جديد يتطلب تلك الشكوى ، فإن القانون الجديد يكون أصلح للمتهم ، ويطبتمن ثم على الدعاوى التي لم يفصل فيها ويتعين على المحكمة المرفوعة أمامها تلك الدعوى أن تقضي بعدم قبولها ولا تكون مقبولة إلا إذا تقدم المجنى عليه بالشكوى .
أما إذا كانت الدعوى قد رفعت في ظل قانون يتطلب الشكوى وقدمت الشكوى فعلا قبل رفعها فإن هذا الرفع يظل صحيحا حتى ولو صدر قانون جديد يلغى قيد الشكوى.
ونعتقد أن الرأي الثاني هو الأولى بالإتباع لأن وجود القيد أو عدمه يرتبط
بحق الدولة في ملاحقة مرتكب الجريمة إذ يعدل من هذا الحق ويجعل أمره موكولا إلى صاحب القيد لا إلى النيابة العامة التي تقتضى هذا الحق باسم المجتمع . ولهذا تفضل اعتبار قواعد حق الملاحقة من القواعد الموضوعية .
٣- تطور الإجراءات الجنائية :
شهد تاريخ الإجراءات الجنائية في أغلب الدول ثلاثة أنظمة : النظام الاتهامی والنظام التنقيبي أو التحري والنظام المختلط .
ب- نظام التنقيب أو التحري :
دفعت المآخذ السابقة ضد النظام الاتهامي إلى العدول عنه والتحول تدريجية إلى نظام التنقيب أو التحري الذي اتسم بعدة خصائص على العكس تماما من
خصائص النظام الأول ، وخصائص نظام التنقيب هي:
١- أن الإدعاء أو الاتهام لم يعد فردية ولا شعبية وانما أصبح إدعاء رسميا ، أي يتولاه موظف" تعينه الدولة لهذا الغرض والذي أطلق عليه فيما بعد النيابة العامة
۲- عرف هذا النظام نظام القضاء المتخصص المعين من قبل الدولة،
كما عرف نظام التقاضي على درجتين . وأصبح دور القاضي ايجابية بحيث كان يتولى بنفسه جميع الأدلة ، بل وتحريك الدعوى ولهذا قيل وقتها : "كل قاض هو مدع عام.
3- أن سلطة الادعاء أو الاتهام كانت تتمتع بامتيازات وسلطات تتفوق بها على المدعى عليه ، فظهرت مرحلة التحقيق الابتدائي ، ولم يعد المدعى عليه والمدعي يقفا على قدم المساواة كما كان في الماضي .
4- أن الإجراءات كانت سرية وكتابية وتتم بدون مواجهة بين الخصوم.
5- أن أدلة الإثبات كانت تتركز حول الاعتراف أو الإقرار الذي يتم
الحصول عليه بأي وسيلة . ولهذا السبب عرف هذا النظام التعذيب وقننه في سبيل دفع المدعى عليه إلى الاعتراف بجريمته ، واستخدمت فيه ألوان شتى من الوحشية والبربرية . كما عرفت تلك المرحلة نظام الإثبات القانوني الذي كان يجب أن يتقيد فيه القاضي الجنائي بالأدلة التي نص عليها القانون لكي يفصل في الجريمة موضوع الدعوى الجنائية .
ولقد لاحت بوادر نظام التنقيب أو التحري في عصر الامبراطورية الرومانية السفلى ، حيث عرفت في هذا العصر ما كان يسمى بالإجراءات الاستثنائية والتي كانت تطبق عند محاكمة العيد الأرقاء وبعض فئات الشعب الدنيا . ثم انتقل بعد تلك إلى فرنسا حيث أخذت به المحكم الكنسية أولا ثم انتقل إلى المحاكم المدنية
بعد ذلك , فلقد قرر البابا Innocent III تطبيق هذا النظام أمام المحاكم الكنسية في أوائل القرن الثالث عشر بالنسبة لبعض الجرائم الدينية مثل الهرطقة والزنی وحرق المقدسات ، ثم تقرر بعد ذلك بالنسبة لجميع الجرائم التي تدخل في اختصاص المحاكم الكنسية سنة ۲۱۰! بواسطة المجمع الديني (مجمع لتران Concile de
Latam) . وهكذا ظهر هذا الاجتهاد في العصور الوسطى في فرنسا وكان أول تطبيق له كما هو واضع أمام المحكم الكنسية . ثم انتقل بعد ذلك إلى المحاكم المدنية حيث نص عليه في أمر بو منة 1448
Orodonnance de Blois
والأمر الصادر في سنة ۱۵۳۹ ، وتم تكريمه نهائية في الأمر الجنائي الصادر في سنة ۱۹۷۰ والذي يعتبر بمثابة أول قانون إجراءات جنائية عرفته فرنسا .
وفي بداية تطبيق هذا النظام في فرنسا كان يتولى الإدعاء القاضي نفسه الذي كان يتولى الحكم ولهذا كان يقال أن كل قاض هو مدع عام، ولكن في مرحلة
لاحقة من التطور ظهر جهاز النيابة العامة ، الذي يرجع في أصله التاريخي إلى مفوض الملك أو نائبه أو محامية الذي كان يتولى رفع ومباشرة الدعوى الجنائية بالنسبة للجرائم الخاصة بالملك ، وكان يقضي في أغلب هذه الجرائم بعقوبات مالية مثل الغرامة والمصادرة والتي كانت تمثل قيمة مالية كبيرة لخزانة الملك . وبعد أن قويت سلطة الملوك والنظام الملكي بصفة عامة على حساب سلطة الكنيسة وأصبح
الملك هو الذي يمثل المجتمع ، وأصبح مفوض الملك أو محاميه هو الذي يتولى تحريك ورفع الدعوى الجنائية إلى جانب قاضي الحكم ، ثم أصبع هو صاحب الاختصاص الأصيل في هذا الشأن ، ونظرا لاتساع النشاط وكثرة الأعباء قام الملك يتعين موظفين لهذا الغرض ، وهؤلاء هم أعضاء النيابة العامة .
ونظام التنقيب أو التحرى وإن كان يتمتع بميزة لا تتوافر في النظام الاتهامی وهي انه يحقق حماية كاملة لمصلحة المجتمع في ملاحقة الجرائم والمجرمين وتقديمهم للمحاكمة ، إلا أنه يعيب عليه انه يضحي تماما بحقوق المدعى عليه في الدفاع عن نفسه حيث كانت الإجراءات تم في غيبته وفي سرية تامة وبدون رقابة ، كما خضع إلى ضروب التعذيب المختلفة التي تنال من كرامته وحقوقه ، كما أن تقيد القاضي بأدلة إثبات قانونية محدودة كان ينتج عنه في أحيان كثيرة علم الوصول إلى الحقيقة الواقعية . وهكذا شهد القانون الفرنسي القديم تكريس نظام
التنقيب أو التحري بكل مساوئه ومميزاته
ولقد دفعت ظروف المعاملة القاسية التي كان يلقاها المدعى عليه في
الدعوى الجنائية كثيرة من الكتاب والمفكرين والفلاسفة أمثال فولیتر وروسو ومونتسكييه إلى المناداة بإلغاء التعذيب وقد تم ذلك فعلا قبل اندلاع الثورة الفرنسية بقليل ، ولكن تشريعات تلك الثورة لم تتوقف عند ذلك الحد، بل ذهبت إلى حد العدول تماما عن نظام التنقيب أو التحري وإحلال النظام الاتهامی محله فألفت دور النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ورفعها وجعلت الاتهام بيد المجني عليه أو المضرور أو أي فرد علم بوقوع الجريمة ، أي أعادت نظام الاتهام الفردي والشعبي
؛ كما ألغت نظام الإثبات القانوني ، ولقد كان مشرعو الثورة الفرنسية متأثرين في هذا الصدد بالنظام السائد وقتئذ في انجلترا .
ولكن النظام الجديد لم يصمد طويلا حيث أخذ عليه أنه ضحى بمصلحة المجتمع في سبيل مصلحة الفرد كما أن تطبيقه أدى إلى إفلات كثير من الجناة من العقاب ، مما دفع المشرع الفرنسي إلى إدخال تعديلات عليه انتهت بصدور قانون تحقيق الجنايات الفرنسي سنة ۱۸۰۸ الذي الذي قسم الدعوى الجنائية إلى مرحلتين
: مرحلة التحقيق الابتدائي وأعاد فيها تطبيق نظام التنقيب أو التحري ، ومرحلة المحاكمة وفيها استمر تطبيق النظام الاتهامي ، وهذا هو النظام الثالث للإجراءات الجنائية والذي أطلق عليه النظام المختلط . وأدخلت تعديلات كثيرة على هذا النظام الجديد بهدف تحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع في ملاحقة الجرائم والمجرمين ومصلحة الفرد في عدم إهدار آدميته وخاصة حماية حقوقه وعلى الأخص حقه في الدفاع عن نفسه ، وإن كان هذا التوازن يصيبه الخلل من وقت لأخر تحت تأثير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة .
أ- النظام الاتهامی :
يعتبر هذا النظام أول وأقدم نظام عرفته البشرية وطبقته الدول على اختلاف نظمها بدرجات متفاوتة ولفترات مختلفة . ويتسم هذا النظام الاتهامی بالخصائص التالية :
١- أن الاتهام أو الإدعاء كان فردية ثم تطور إلى اتهام فردي وشعبي في نفس الوقت . فلقد كانت الدعوى الجنائية في أول عهدها في التاريخ السحيق لا تفصل عن الدعوى المدنية ، وعندما بدات المجتمعات القديمة في تنظيم القضاء كان الهدف من ذلك هو فقط تنظيم الانتقام الفردي الذي كان سائدة في تلك المجتمعات ، ولذلك كان الإدعاء أو الاتهام بيد المجني عليه وحده أو أحد ذويه وكانت الدعوى الجنائية لا تتحرك ولا ترفع إلا من خلال المجني عليه أو ذويه ،
وكانت الأحكام القضائية لا تميز بين العقوبة الجنائية والتعويض المدني . ثم انفصلت الدعوى الجنائية عن الدعوى المدنية ، ومع ذلك ظلت الأولى محتفظة يتنفس خصائص الثانية. وفي مرحلة لاحقة من التطور أصبح الاتهام أو الإدعاء من حق أي فرد من أفراد الشعب ، وخاصة بالنسبة للجرائم التي تمس المجتمع أو الجرائم الخطيرة ، ولهذا كان الاتهام أو الإدعاء في تلك المرحلة فردية وشعبية في نفس الوقت ، كما ظلت الدعوى الجنائية تأخذ طابع الدعوى المدنية وبصفة خاصة ظلت بمثابة خصومة بين شخصين هما المدعى والمدعى عليه .
۲- كان يتولى القضاء في هذه الفترة من التاريخ الإنساني أفراد عاديون كانوا يختارون من حكماء القبائل أو من ذوي الحكمة والسمعة الحسنة في الدولة القديمة ، ولم يعرف في هذه الحقبة من الزمن نظام القاضي الموظف المعين من قبل الدولة . وكان المبدأ السائد في هذا الشأن هو مبدأ ديمقراطية القضاء ومبدأ القضاء الشعبي غير المتخصص .
٣- كانت الدعوى الجنائية لا تختلف عن الدعوى المدنية حيث كانت خصومة عادية يقف فيها الخصوم كلا منهم في مواجهة الآخر على قدم المساواة .ويتولى الادعاء أو الاتهام المجني عليه أو ذويه أو أحد أفراد الناس وهذا هو المدعي في الدعوى الجنائية ، أما المدعى عليه فهو من يتهم بارتكاب الجريمة الذي كان يترك حرا طليقة . ويقع عباء الإثبات في هذه الدعوى على المدعي الذي كان يجب عليه جمع الأدلة وحشدها ضد المدعى عليه الذي كان يقوم هو الآخر بالرد على تلك الأدلة وتفنيدها بكل السبل . فكانت الدعوى الجنائية في هذه الفترة بمثابة مبارزة بين المدعي والمدعى عليه
.
4- كانت تتميز إجراءات الدعوى الجنائية بأنها : علنية أو عامة وهو ما يتفق وظروفه المجتمع القديم وميدا ديمقراطية القضاء والقضاء الشعبي، فالدعوى كانت تتم بحضور جميع الناس وتحت رقابتهم ، وشفهية وهو ما يتفق أيضا وظروف المجتمع البدائي الذي لم تكن الكتابة قد عرفت فيه بعد . وأن الإجراءات كانت تتخذ في مواجهة الخصوم والتي تتناسب واعتبار الدعوى الجنائية دعوی خاصة يكون فيها المدعي والمدعى عليه على قدم المساواة ويكون القاضي مجرد حكم بينهما . ، كانت أدلة الإثبات تدور حول مسألتين : هل المدعى عليه هو مرتكب
الجريمة ؟ وما هي درجة مسئوليته الجنائية عنها ؟ فكان يوجه الاتهام إلى المدعي عليه من المدعى (المجنى عليه أو أحد نويه أو أحد الناس) فإن اعتراف بجرمه
انتقل القاضي إلى المسألة الثانية . فإذا لم يعترف وأنكر الاتهام الموجه إليه كانت توجه إليه اليمين الحاسمة فإن حلفها وأتى بشهود يؤكدون ما أقسم عليه وثبت صدق
أقواله برئت مساحته، أما إذا لم تود الشهادة إلى تلك النتيجة كان يتم اللجوء إلى الآلهة للاحتكام إليها في هذا الصدد من خلال استخدام النار أو الحديد المحمي أو الماء المغلي أو الماء البارد وكان يسود الاعتقاد بأن اكلة ستقف إلى جانب البري وتعطل قوانين الطبيعة في تأثير الحرارة أو البرودة . وفي مرحلة متأخرة كان يلجأ إلى
المبارزة بين كل من المدعي والمدعى عليه أو الشهود. وفي جميع الأحوال كان دور القاضي أو الحكم سلبي لا يتدخل في الدعوى وإنما يفصل في موضوعها على أساس ما يقدمه الخصوم من أدلة وحجج وبراهين .
يتضح من الخصائص السابقة أن النظام الاتهامي يحقق مصلحة المدعى عليه الذي يظل حرا طليقا أثناء نظر الدعوى وكان لهذا السبب يستطيع تحضير وتجميع أدلة الدفاع للرد على اتهام المدعي ، وكان حقه في الدفاع مكفو على أكمل وجه بسبب العلانية والشفهية والمواجهة .
ومع ذلك يؤخذ على هذا النظام عدة مأخذ منها : أنه لا يعرف مرد
التحضير للدعوى التي تتضمن الاستدلال والاستقصاء عن الجريمة والتحقيق بشأنها وجمع البيانات والمعلومات والأدلة التي تسمح لقاضي الحكم الإلمام بعناصر الاتهام من جميع الجوانب قبل الحكم ، خاصة وأن هذا القاضي كان يقف موقفا سلبية تماما في الدعوى حيث كان يفصل فيها بناء على ما يقدمه الخصوم من أدلة . ولعل أهم المأخذ التي أخذت على النظام الاتهامي أنه يترك أمر الدعوى الجنائية بيد المجنى عليه أو المضرور أو أحد أفراد الناس ، أي بيد فرد خاص ، وهو ما كان يؤدى في أحيان كثيرة إلى عدم قيام هؤلاء الأفراد بالاتهام لأسباب عديدة منها تهديد الجاني وبطشه وابتزازه للمجني عليه أو القاضي ، وأيضا عدم اهتمام أفراد الناس بأمر هذا
الاتهام .
وقد ساد النظام الاتهامي في دول الشرق القديم واليونان القديمة وروما حتى نهاية عصر الجمهورية وفي فرنسا حتى القرن الثاني عشر.
وعلى الرغم من المأخذ السابقة إلا أن هذا النظام هو السائد الآن في انجلترا بعد تهذيبه من بعض مآخذه وبصفة خاصة تعيين مدير للإدعاء، وهو ما تأخذ به الدول التي تسير على نمط النظام الأنجلوسكسوني مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند والسودان والعراق. وهذا النظام هو الذي تأخذ به الشريعة الإسلامية كقاعدة
عامة
۲- أهمية قانون الإجراءات الجنائية : :
وقوع الجريمة ينشأ عنه - كما ذكرنا - حق للدولة في توقيع الجزاء الجنائي على مقترفها . ويجد هذا الحق تبريره في أن الجريمة ينتج عنها إخلال بأمن المجتمع
وطمأنينته واستقراره فضلا عن استثارة الرأي العام وبصفة خاصة المجنى عليه والمضرور ، ولهذا كان من الضروري إعادة هذا الأمن والاستقرار سيرته الأولى
وتهدئة مشاعر الرأي العام من خلال السرعة في الكشف عن الجريمة وضبطها وملاحقة ومحاكمة كل من ساهم في ارتكابها حتى لا يفلت مجرم من العقاب ، وهذا
يعني أن قواعد الإجراءات الجنائية تحقق - من هذه الزاوية - مصلحة المجتمع .
ولكن هذه المصلحة لا تكون قد تحققت فعلا إلا إذا تمت ملاحقة ومحاكمة الجاني المساهم الحقيقي في الجريمة لا أي فرد كان . فالإنسان قد توسوس له نفسه ارتكاب جريمة ما ولكنه ينجح غالبا في التخلص من هذه الوساوس بفعل عوامل متعددة . ولكن هذا الإنسان لا يستطيع أن يمنع أي إنسان آخر من بني جنسه أو
حتى أحد أجهزة العدالة الجنائية من أن تحيط عنقه بشبهات أو اتهام في جريمة ما وقد يكون ذلك لمجرد الكيد والتشفى أو الانتقام . ولهذا من المنصور أن يلاحق برئ ، بل حتى ولو قدمت الأجهزة السابقة من تحوم حوله الشبهات والأدلة ، فإن واجب الدولة والعدالة الجنائية يقضيان بضرورة منح هذا أو ذاك فرصة الدفاع عن نفسه
وإثبات براءته إن كان لها أساس أو في القليل تحديد مسئوليته الحقيقية عن الجريمة التي ارتكبها فعلا. هذا يعني أن قواعد قانون الإجراءات الجنائية تحقق مصلحة
الفرد في أن لا يدان برئ أو في أن لا تتجاوز الإدانة المساهم الحقيقي في الجريمة
بحيث لا تطال غيره وفي الحدود الحقيقية لمسئوليته . فخير للعدالة الجنائية - كما يقال - أن يفلت مائة مجرم من العقاب من أن يدان برئ واحد ، وهذه يتطلب تحقيقها
علم التعسف في إجراءات الاستقصاء والتحقيق والمحاكمة من ناحية ، وضرورة تمحيص الأدلة وتمكين المدعى عليه (المتهم) من الدفاع عن نفسه من ناحية أخرى،
وأخيرأ معاملته على أنه برئ إلى أن تثبت إدانته على سبيل القطع واليقين في محاكمة عائلة من ناحية أخيرة) . وهذا ما تؤكده مقولة العلامة فيري Ferri الشهيرة من
أنه إذا كان قانون العقوبات هو قانون المجرمين ، فإن قانون الإجراءات الجنائية هو قانون الشرفاء .
: وقد يبدو التعارض بين الهدفين السابقين - مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد - حيث يقتضى الأول السرعة بينما يطلب الثاني التأني والتريث وتمكين المدعى
عليه من الدفاع عن نفسه مع سرعة تحديد مركزه، ولكن هذا التعارض ظاهري فقط ، إذ يمكن إقامة نوع من التوازن بين هاتين المصلحتين بحيث لا تطغى إحداهما
على الأخرى : فلا نهمل حق المجتمع في ملاحقة ومحاكمة مرتكب الجريمة ، ولا تغالي في حق الفرد في الدفاع عن نفسه إلى الحد الذي يهدر حق المجتمع ، فلا
يجب أن نضحي بمصلحة الفرد في سبيل مصلحة المجتمع ، ولا أن نضحي بمصلحة المجتمع في سبيل مصلحة الفرد ، بل عوان بين ذلك .
فإذا كانت مصلحة المجتمع تقتضى السرعة والبساطة في الإجراءات وعدم إفلات مجرم من العقاب إلا أنه يجب عدم المبالغة في العجلة لدرجة قد تخل بحق المدعى عليه في الدفاع عن نفسه . وتتحقق مصلحة الفرد من خلال وجود قواعد
ثابتة يستطيع معها المدعى عليه إظهار الحقيقة وإثبات براءته إن كان بريئة . وهكذا يجب أن يكون هدف الإجراءات الجنائية ليس فقط حماية المجتمع ، وإنما أيضا وبنفس الدرجة حماية حريات الأفراد وكرامتهم ، والتي بدون احترامها لا توجد عدالة جنائية حقيقية .
ويعتبر التوازن بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد المشكلة الأبدية التي يسعى إلى تحقيقها كل نظام سیاسی على مر العصور . إذ يؤثر النظام السياسي والدستوري الذي تعتنقه وتطبقه الدولة تأثيرا بالغة على قانون الإجراءات الجنائية .
فحيث يسود النظام الاستبدادي ، وحيث يستلهم القانون العام المفاهيم الاستبدادية ، فإن مصلحة المجتمع تطغى على مصلحة الفرد خلال مراحل الدعوى الجنائية التي تنطوى الإجراءات الجنائية خلالها بالسرعة والسرية وعدم استقلال القضاء الجنائي في مواجهة السلطة التنفيذية . أما على العكس حيث يسود النظام
الديمقراطي واحترام الحريات الفردية فإن مصلحة الفرد تؤخذ في الاعتبار خلال مراحل الدعوى الجنائية التي تتميز - في ظل هذا النظام - بالعلانية مع وجود ضمانات متعددة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم ويتمتع القضاء بالاستقلال الكامل في مواجهة السلطات الأخرى .
٥- علاقة قانون الإجراءات الجنائية بقانون المرافعات المدنية والتجارية
يتشابه كل من القانونين في أنهما يتصلان بالإجراءات أي بالشكل، فقواعد كل منهما قواعد شكلية ، وأن مهمة كل منهما تنظيم الفصل فيما يعرض عليهما من
منازعات . ويتشابه القانونان أيضا في أنهما يتبعان جهة قضائية واحدة وهي جهة القضاء العادي حيث يسود مبدأ وحده القضاء الجنائي والمدني من حيث المبدأ ،
كما أن الأحكام الصادرة تطبيقا للقانونين السابقين تقبل الطعن فيها بالاستئناف أو النقض أو التماس إعادة النظر ، بالإضافة إلى أن إجراءات المحاكمة في كل منهما
تخضع كقاعدة عامة لمبادي العلانية والشفوية والمواجهة بين الخصوم .
ولكن نظرا لأن موضوع كل من قانون المرافعات المدنية وقانون الإجراءات الجنائية مختلف عن الآخر ، إذ ينظم الأول إجراءات الدعوى المدنية التي يكون موضوعها دائما مصلحة خاصة والذي يكون في الغالب مصلحة مالية لأطراف النزاع ، بينما ينظم الثاني الدعوى الجنائية التي يكون موضوعها دائما مصلحة عامة تتمثل في ملاحقة مرتكب الجريمة والحكم عليه بجزاءات جنائية ، فإن هذا ينعكس على الأحكام الخاصة لكل من الدعويين السابقتين .
فالدعوى الجنائية تمر بمراحل ثلاث : الاستدلال والتحقيق والمحاكمة يتولى القيام بوظيفة كل مرحلة هيئة مستقلة لا تتدخل في وظيفة غيرها وهكذا يتم الفصل بين جهة الإدعاء والتحقيق وبينهما وبين الحكم ، وهذا ما لا تعرفه الدعوى المدنية ودور القاضي الجنائي على عكس القاضي المدني دور إيجابي إذ يتولى بنفسه
جمع الأدلة وتقييمها ، كما يخضع الإثبات الجنائي - على العكس من الإثبات
المدني - لمبدأ الاقتناع الذاتي دون التقيد بأدلة قانونية بعينها ، فالقاضى الجنائي حر في تكوين عقيدته من أي دليل تم الحصول عليه بطريق مشروع .
وعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية السابقة ، فقد ذهب رأى في الفقه يؤيده بعض أحكام القضاء إلى القول بأن قانون المرافعات المدنية يمثل الأصل العام أو القانون العام بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية ، وأن النقص أو الغموض الذي يعتور هذا الأخير يجب الرجوع بشأنه إلى الأصل العام أو القانون العام لاستكمال هذا النقص أو لكشف هذا الغموض. ويری جانب من الرأي السابق أن الرجوع إلى قانون المرافعات المدنية لسد النقص أو الغموض في قانون الإجراءات الجنائية لا يجب أن يكون مطلقأ في كل حاله لا يتوافر فيها حكم في قانون الإجراءات الجنائية ، وإنما يقيد ذلك بضرورة ألا تتعارض قواعد المرافعات المدنية مع المبادئ العامة المستقرة في قانون الإجراءات الجنائية ..
ونعتقد أن قانون الإجراءات الجنائية قانون مستقل عن قانون المرافعات المدنية ولا يعتبر مجرد قانون تابع أو ثانوي لهذا الأخير نظرا للاختلافات الجوهرية
الموضحة بين الدعوى المدنية والدعوى الجنائية ، وقبل ذلك نظرا لاختلاف وظيفة وزن الإجراءات الجنائية عن وظيفة قانون المرافعات المدنية وأن الاختلاف الجوهري سن القانونين يحول دون اعتبار أحدهما أصلا والآخر فرعة تابعة له ، بل هما
تلان بعضهما عن البعض . وأن النقص أو الغموض في قانون الإجراءات الجنائية يتم تكملته أو كشفه من خلال المبادئ العامة المستقرة في هذا القانون وحده . دون غيره . وقد تأتي الحلول من خلال هذه المبادئ متفقة مع ما هو سائد في قانون المرافعات المدنية وذلك على أساس أنهما يتشابهان في بعض الوجوه لا على أي أساس أخر ، ويصفة خاصة دون الاستناد إلى فكرة التبعية فهذا الاتفاق يكون من شيل الصدف ولا يعني تبعية أحدهما للآخر.
ويؤكد هذا المعنى ما نلاحظه بالنسبة لبعض المسائل أن قانون الإجراءات الجنائية يحيل صراحة أو ضمنا إلى قانون المرافعات المدنية، وهذه الإحالة في حد ذاتها تكشف بما لا يدع مجالا للشك بأن الاستقلال قائم بين القانونين وإلا لما كانت في حاجة لمثل هذه الإحالة . لأنه لو كان قانون المرافعات المدنية هو الأصل دائما لما كان المشرع في حاجة للنص على ذلك في خصوص مسائل معنية . وقد
قضت محكمة النقض في هذا الشأن بأن المحكمة الجنائية لا ترجع إلى قانون المرافعات المدنية إلا عند إحالة صريحة وردت في قانون الإجراءات الجنائية أو عند
إحالة هذا القانون على قاعدة من القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات .
وقد أحال صراحة قانون الإجراءات الجنائية في بعض المسائل إلى قانون المرافعات المدنية مثال ذلك نص المادة ۱ /۲۳4 الذي يقرر أنه تعلن ورقة التكليف
بالحضور لشخص المعلن إليه أو في محل إقامته بالطرق المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية" . أما المسائل الأخرى التي لا يوجد لها حكم في قانون
الإجراءات الجنائية فإن محكمة النقض تقضي بأن يرجع القاضى الجنائي بالنسبة لهذه المسائل إلى القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات المدنية بشرط عدم
تعارضها مع المبادئ العامة للإجراءات الجنائية .
٨ - التطور التاريخي لقانون الإجراءات الجنائية في مصر :
كما هو الحال في بلاد الشرق القديم ، كان النظام السائد في مصر في أول عهده هو النظام الاتهامي الذي تطور فيما بعد إلى نظام التنقيب والتحري تحت تثير القانون الكنسي والإمبراطورية الرومانية ، ومع الفتح العربي وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية اقتربت الإجراءات الجنائية من النظام الاتهامي ، واستمر تطبيق هذا النظام إبان فترة الحكم العثماني . ولكن ما لبثت تركيا بسبب ظروفها السياسية
وتحت دعوى التحضر واقتباس الأنظمة الغربية المتطورة أن أصدرت في يونبه عام ۱۸۷۶ قانون الإجراءات الجنائية التركي والذي استمد أحكامه من قانون تحقيق
الجنايات الفرنسي الصادر في سنة ۱۸۰۸ . ومع استمرار خضوع مصر للحكم الترکی ساد تطبيق قانون الإجراءات الجنائية التركي سالف الذكر.
وعلى الرغم من أن مصر كانت ولاية عثمانية إلا أنها كانت تتمتع بقدر من الاستقلال السياسي والقانوني عن الدولة العثمانية ، فصدرت في عهد محمد على بعض التشريعات التي لا تختلف في جوهرها عن النظم السائدة في الدولة
العثمانية ، وفي سنة ۱۸۷5 بدأ الإصلاح بإنشاء المحاكم المختلطة وذلك بعد صدور اول تشريع للإجراءات الجنائية في مصر وهو قانون تحقيق الجنايات المختلط سنة ۱۸۷۰ ، ثم تلاه بعد ذلك صدور قانون تحقيق الجنايات الأهلي في نوفمبر سنة
۱۸۸۳ والذي انشئت بمقتضاه المحاكم الأهلية والتي يطبق أمامها أحكام هذا القانون.
وكان أهم ما يميز هذين القانونين هو الفصل بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة ، وسلطة التحقيق التي يتولاها قضاة التحقيق، وفي مارس سنة ۱۸۹۵ عدل قانون تحقيق الجنايات الأهلي تعديلا جزئية تم بمقتضاه اعطاء النيابة العامة سلطة التحقيق إلى جانب سلطة الاتهام ، وفي سنة ۱۹۰4 عدل تعديلا شاملا وأقر فيه الجمع بين الاتهام والتحقيق في يد النيابة العامة.
واستمر العمل بقانون تحقيق الجنايات المختلط منذ صدوره إلى أن وقعت مصر معاهدة مونتريه الخاصة بإلغاء الامتيازات الأجنبية سنة ۱۹۳۷ ، حيث تم وضع قانون تحقيق جنايات مختلط جديد طبقته المحاكم المختلطة في فترة الانتقال التي استمرت حتى 14 أكتوبر ۱۹۶۹ . ومنذ هذا التاريخ أصبحت المحاكم تطبق
قانون تحقيق الجنايات الأهلي باعتباره القانون العام بالنسبة للمصرين والأجانب على السواء ، حتى صدور قانون الإجراءات الجنائية الحالي في 3 سبتمبر ۱۹۵۰
الصادر بالقانون رقم ۱۰۰ لسنة ۱۹۵۰ ، والذي دخل حيز التنفيذ في 15 نوفمبر ۱۹۵۱ . ومن أبرز الاصلاحات التي أتى بها القانون الجديد هو إعادة العمل بنظام قاضي التحقيق تطبيقا لمبدأ الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق . وكان من المأمول أن يتمتع هذا القانون بأكبر قدر من الاستقرار خاصة أن فترة تحضيره وإعداده تجاوزت عشرة سنوات ، إلا أنه تعرض لتعديلات عديدة قبل وبعد تقاذه لعل أخطرها هو القانون رقم ۳۵۳ لسنة ۱۹۵۲ الصادر في ۱۹۵۲ / ۱۲ /۲5 الذي ألفي
أهم الأسس التي يقوم عليها وتتمسك به التشريعات الحديثة وهو مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق وذلك بإعادة سلطة التحقيق إلى النيابة العامة بدلا من
قضاة متخصصين للتحقيق (1). وتوالت تعديلات هذا القانون في الأعوام (۲) ۱۹۵۱
،۷ ،۷۳ ،۷۲ ،۷۱ ،۱۳ ،۹۲ ، ۰۸ ، ۵۷ ،56 ، 55 ،54 ،۵۳،۵٢،
:
:۷، ۷۹، ۸۱، ۸۲، ۹۱، ۹۲، ۹۰ ، ۹۶، ۹۸ والقانون رقم 34 لسنة
۲۰۰۷ الصادر في ۲۰۰۷ /۵/۳۱ ، والقانون رقم 153 لسنة ۲۰۰۷ الصادر في وقد اعتنق المشرع المصرى النظام المختلط للإجراءات الجنائية حيث ينص على مرحلة الاستدلال أو الاستقصاء ومرحلة التحقيق قبل المحاكمة ويغلب على النظام السائد في هاتين المرحلتين نظام التنقيب والتحري، بينما يغلب على مرحلة المحاكمة النظام الاتهامي . وقد حاول هذا النظام المختلط أن يوفق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد .
ومع ذلك ورغم التعديلات الكثيرة التي أدخلت على قانون الإجراءات الجنائية ، فإن هذا القانون يحتاج إلى إعادة نظر شاملة لا جزئية تضبط صياغته وتلاحق التطورات المتلاحقة وتأخذ في الاعتبار النظم القانونية المقارنة وبصفة خاصة القانون فرنسي الذي أدخلت عليه تعديلات كثيرة منذ سنة ۱۸۰۸ وتوجت بقانون جديد
الإجراءات الجنائية صدر في 13 كانون الأول سنة 1958 والذي عمل ابتداء من ۲ آذار ۱۹۵۹ وكذلك ما أدخل عليه من تعديلات حتى الآن ، إلى جانب اجتهادات الفضاء وآراء الفقهاء هناك ، ولا بأس من الاسترشاد بالقوانين العربية وبصفة خاصة اللبناني والمغربي والجزائري وكذلك اجتهادات القضاء والفقه في الدول العربية .
١- قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية :
تعرف الجريمة - قانون - بأنها سلوك إرادي يحظره القانون ويقرر لفاعله جزاءة جنائية . ويمثل الجزاء الجنائي رد الفعل الاجتماعي في مواجهة مرتكب الجريمة
، فالأول أثر الثانية . ومن أبرز خصائص الجزاء الجنائي أنه قضائى ، أي أنه لا ينفذ إلا من خلال إجراءات وتحقيقات وحكم يقضي به ، أي من خلال دعوى جنائية
، وهذا يعني أنه لا ينفذ تلقائيا وبدون حكم قضائي حتى ولو توافرت الأدلة القاطعة ، بل حتى ولو اعترف مرتكب الجريمة بجريمته وقبل مختارة تطبيق هذا الجزاء عليه
. وهذا يكشف بجلاء أنه تتوسط بين الجريمة والجزاء المقرر لها مرحلة لازمة وضرورية إذا ما أريد لهذا الجزاء أن يكون له حظ من التنفيذ ، وهي مرحلة الدعوى
الجنائية .
ويطلق على مجموعة القواعد القانونية التي تهتم ببيان الجرائم من حيث أنواعها وأركانها وأوصافها وتحديد الجزاء الجنائي والآثار الجنائية الأخرى لكل منها قانون العقوبات أو القواعد الجنائية الموضوعية . بينما يطلق على القواعد القانونية التي تتصدى لرسم إجراءات الاستدلال والاستقصاء والتحقيق والمحاكمة قانون
الإجراءات الجنائية أو القواعد الجنائية الشكلية . ويطلق الفقه على مجموعتي القواعد السابقة القانون الجنائي بالمعنى الواسع والذي يضم القواعد الجنائية الموضوعية
والشكلية معا.
اقتضاء حقها من مرتكب الجريمة .
وعلى هذا يمكن تعريف قانون الإجراءات الجنائية بأنه القانون الذي يحدد تنظيم واختصاص أجهزة العدالة الجنائية وبصفة خاصية المحاكم الجنائية ويبين
القواعد والإجراءات التي يتعين إتباعها للبحث عن الجريمة ومرتكبها وملاحقته والتحقيق معه ومحاكمته وتنفيذ الجزاء الجنائى عليه ، أو هو ذلك القانون الذي يهتم ببيان أجهزة العدالة الجنائية واختصاصاتها والإجراءات التي يتعين إتباعها في سبيل البحث عن الجرائم ومرتكبيها وملاحقتهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم وتنفيذ الجزاء الجنائي عليهم.
٤- علاقة قانون الإجراءات الجنائية بقانون العقوبات :
من أبرز خصائص قانون العقوبات أنه قانون قضائی ، إذ لا يتصور أن يكون له حظ من التطبيق بدون دعوى جنائية ينظرها ويفصل فيها القضاء الجنائي ومن هنا كان الارتباط والتلازم بين قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات .
فلا قيمة لقانون العقوبات بدون قانون الإجراءات الجنائية ، ولا أهمية ، بل ولا حاجة ، لقانون الإجراءات الجنائية حيث لا يوجد قانون العقوبات . ولما كان قانون العقوبات يبين الجرائم والجزاءات الجنائية التي تترتب عليها ، ولما كانت الجزاءات الجنائية لا تنفذ إلا بعد أن يصدر بها حكم قضائي من خلال دعوى جنائية طبقا للإجراءات التي ينص عليها قانون الإجراءات الجنائية ، فإنه يكون من البديهى القول بأن هذا القانون الأخير هو الذي ينقل القانون الأول من المكون إلى الحركة ، من الجمود الى الحياة ، من مجال النص المجرد إلى مجال النص المطبق . ومن هنا صدق القول أن قانون العقوبات يغدو عديم القيمة والجدوى بدون قانون الإجراءات الجنائية ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن قانون الإجراءات الجنائية يكون لغوأ لا فائدة له بدون قانون العقوبات الذي يمده بالمادة الأولية - وهي الجرائم - التي على اساسها تجد إجراءاته سبيلها إلى التطبيق .
هذا التلازم بين قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية هو الذي يميز قانون العقوبات عن القانون المدني ، فبينما تطبق قواعد القانون المدني تلقائية واختيارة
بين الأفراد دون حاجة لتدخل القضاء المدني في غالب الأحوال كما هو الشأن بالنسبة لإبرام العقود وآثارها والزواج وآثاره والطلاق وغير ذلك من قواعد القانون
الخاص ، فإن قواعد قانون العقوبات على العكس من ذلك لا يمكن أن تطبق إلا من خلال القضاء الجنائي ومن خلال دعوى جنائية تقرر وقوع الجريمة ونسبتها إلى
المدعى عليه والحكم بالإدانة والجزاء الجنائي الذي يترتب عليها .
۷- سريان قواعد الإجراءات الجنائية من حيث المكان :ا المبدأ العام والوحيد الذي يطبق على السريان المكاني لقواعد الإجراءات الجنائية هو مبدأ الإقليمية ، أي أن قواعد هذا القانون يتحدد سلطانها المكاني بإقليم الدولة المصرية فقط ، ويشمل هذا الإقليم الإقليم الأرضي والإقليم المائي والإقليم الجوي بالإضافة إلى السفن والطائرات التي تحمل جنسية الدولة . وهذا يعني أن
قواعد الإجراءات الجنائية المصرية لا تطبق خارج الإقليم المصري بالتحديد السابق حتى ولو كان مرتكب الجريمة مصريا أو حتى ولو كانت الجريمة تنال من سلامة البلاد السياسية أو الاقتصادية ، كما لا تطبق قواعد الإجراءات الجنائية غير المصرية على الإقليم المصري ، فبعد أن زالت الامتيازات الأجنبية التي كانت مطبقة إبان فترات الاحتلال أو الانتداب لم يعد لقوانين الإجراءات الجنائية الأجنبية مجال للتطبي أمام القضاء المصري أو على الإقليم الوطني بصفة عامة . وتجدر الإشارة إلى أن
السريان المكاني لقواعد الإجراءات الجنائية لا يرتبط بمكان ارتكاب الجريمة أو بجنسية مرتكبها أو أهميتها وإنما يرتبط بالإجراءات المتعلقة بها أو المتخذة بصددها
وبالأشخاص الإجرائية المختلفة التي تتولى ملاحقة هذه الجريمة والتحقيق فيها ومحاكمة مرتكبها وتنفيذ الحكم فيه.
ويتحدد السريان المكاني للإجراءات الجنائية على هذا النحو انطلاقا من تحديد السريان المكاني لقواعد قانون العقوبات ، فمتى تقرر خضوع الجريمة لقانون العقوبات المصري سواء وقعت هذه على الأرض المصرية أم على أرض أجنبية| فإن تلك الجريمة يحكمها قواعد الإجراءات الجنائية . وفي هذا تأكيد على تبيعه قانون الإجراءات الجنائية لقانون العقوبات والذي لا يتصور وجوده بدون هذا الأخير
. ويبرر إقليمية قانون الإجراءات الجنائية فكرة العيادة والتي من مقتضاها تطبيق القواعد الوطنية على الإقليم الذي تمارس الدولة المصرية سيادتها عليه ، فضلا على
أن هذا القانون يتطلب اتخاذ إجراءات قهرية تال من حرية الأشخاص وحرمة مساكنهم ولا يعقل أن يكون لغير القانون الوطنی سلطان في هذا المجال .إذن مبدأ إقليمية قانون الإجراءات الجنائية بالمفهوم السابق يعني أن أحكام هذا القانون تسري في مواجهة كل شخص وطني أم أجنبي . وتطبق على كل أجزاء
الإقليم الوطني دون مزاحمة من أي قانون أجنبي. ومع ذلك فإن هذا المبدأ يرد عليه بعض الاستثناءات نوجزها فيما يلى :
- رؤساء الدول الأجنبية وممثلي الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية
وأعضاء الهيئات الدبلوماسية والقنصلية في حدود ما تقضی به قواعد القانون الدولي
العام .
- السفن والطائرات الأجنبية التي توجد في المياه الإقليمية أو الإقليم الجوي
المصرى بالنسبة للجرائم التي لا تخضع لقانون العقوبات المصري .
- أماكن البعثات الدبلوماسية والقنصلية ودور الهيئات والمنظمات الإقليمية
والدولية والأماكن التي يقيم فيها رؤساء الدول الأجنبية ، وكذا الأماكن التي يوجد
فيها جيش أجنبي بموافقة الدولة المصرية .
- حالة الإنابة القضائية الدولية ، والتي تطلب بمقتضاها السلطات القضائية المصرية من السلطات القضائية الأجنبية - بالطريق الدبلوماسي القيام بإجراء أو گر مثل سماع بعض الشهود أو تفتيش بعض الأماكن ، وتقوم السلطات القضائية الأجنبية بمثل هذه الإجراءات طبقا لقانونها الوطني ، ومع ذلك فإن هذه الإجراءات کون صحيحة أمام القضاء المصري .
- حالة استرداد المجرمين أو تسليمهم ، وفيه تقوم الدولة المصرية بتعليم الد الأشخاص الذي يوجد على إقليمها إلى الدولة طالبة الاسترداد إذا توافرت شروطه المحاكمنه أو تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه من أجل جريمة تدخل في اختصاصها والغرض أن هذه الجريمة تكون في نفس الوقت من اختصاص القضاء المصري ، ومع ذلك تتنازل الدولة المصرية في تطبيق قانون إجراءاتها الجنائية على هذا الشخص تاركة المجال لقانون الدولة طالبة الاسترداد لكي تحاكمه وتنفذ العقوبة فيه وفقا لقانونها.