Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
الدعوى العامة (أطرافها :.
الطرفان الأصليان للدعوى العامة هما المدعى…
الدعوى العامة
أطرافها :.
الطرفان الأصليان للدعوى العامة هما المدعى (النيابة العامة والمدعى عليه (المتهم) . والمدعي في الدعوى العامة هو المجتمع (أو الدولة كشخص معنوی) والذي
يطالب بحقه في توقيع الجزاء الجنائي على مرتكب الجريمة . ويمثل المجتمع في القيام بهذه المهمة موظفين عامين يعينون لهذا الغرض هم أعضاء النيابة العامة . فالدعوى العامة ليست ملك للنيابة العامة ، وما هذه الأخيرة سوى وكيل أو نائب يطالب باسم المجتمع
ولحسابه توقيع الجزاء الجنائى على مرتكب الجريمة . النيابة العامة إذن طرف أصيل في الدعوى العامة .
وقد يوجد إلى جانبها طرف آخر غير اصيل أو ثانوي هو المدعي المدني أو المضرور الذي ينضم أو يتدخل إلى جانب النيابة العامة أمام القضاء الجنائي ليطالب
بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من الجريمة، بل قد يفتتح هو الدعوى العامة وذلك باقامة تلك الدعوى مباشرة أمام المحكمة الجنائية دون أن يكون له حق ممارستها الذي يبقى حصرا من اختصاص النيابة العامة . وهو في جميع الأحوال يساعد النيابة العامة والقضاء
الجنائي في تقديم أدلة الإدانة حتى يتسنى له بعد ذلك الحصول على حكم بالتعويض .
والمتهم في الدعوى العامة هو كل من ساهم في ارتكاب الجريمة سواء كان فاعلا أم شريكة . وهو يعتبر الطرف الأصلي الثاني في الدعوى العامة وتتحدد مهمته في تلك
الدعوى بدحض أو إنكار مطالب النيابة العامة أي الرد على إدعاء النيابة العامة عليه الإثبات براءته والتمسك بحريته وذلك من خلال ممارسته لحقه في الدفاع عن نفسه . وقد
يوجد إلى جانبه طرف آخر غير أصيل أو ثانوي وهو المسئول بالمال الذي توجد بينه وبين المتهم رابطة قانونية تفرض عليه الالتزام بالتضامن بالنسبة للتعويضات المالية والمصاريف والنفقات ، وهو لهذا السبب تكون له مصلحة في التدخل أو الدخول أثناء نظر
الدعوى العامة لكي يساعد المدعى عليه في دفع المسئولية الجنائية عن هذا الأخير أو تخفيفها .
ونقتصر في دراستنا لأطراف الدعوى العامة على الطرفين الأصليين فقط وهما النيابة العامة والمتهم وذلك في المبحثين التاليين :
النيابة العامة
يرجع نظام النيابة العامة في أصله التاريخى إلى مفوض الملف أو نائبه أو محاميه في القانون الفرنسي القديم الذي كان يمثل الملك في الدعاوى التي كان يرفعها ويباشرها باسم هذا الأخير . ولما اتسعت سلطات الملوك وقويت على حساب الكنيسة اتسعت اختصاصات المفوضين مما دفع إلى تعيين موظفين عامين مهمتهم
تمثيل السلطة الملكية أو المجتمع فيما بعد أمام المحاكم الجنائية ومنحهم حق إقامة الدعوى العامة ومباشرتها أمام الهيئات المختصة ، ويطلق الآن على هؤلاء الموظفين اسم "النيابة العامة .
النيابة العامة إذن مؤسسة أو جهاز أو هيئة إجرائية تضطلع بمهمة محددة في مجال الدعوى العامة وهي إقامة هذه الدعوى ومباشرة إجراءاتها أمام السلطات المختصة إلى أن يصدر فيها حكم بات بالإدانة أو بالبراءة . وهي لا تتصدى لتلك المهمة بالأصالة عن نفسها لأنها لا تملك تلا الدعوى وإنما هي مجرد نائب، أو وكيل عن الدولة أو المجتمع في المطالبة بتوقيع الجزاء الجنائي على المدعى عليه
، فلا يجوز لها أن تخرج عن حدود نیابتها وتتصرف في الدعوى خارج تلك الحدود
ويترتب على ذلك ما يلي : أن النيابة العامة لا تملك التنازل عن الدعوى العامة بعد إقامتها أو الاتفاق مع المدعى عليه بترك تلك الدعوى وعدم ملاحقته قضائية أو التصالح بشأنها لأنها ليست فردأ عادية يتصرف في حق خاص . أنها لا تملك وقف إجراءات تلك الدعوى بعد إقامتها لأنها تكون قد دخلت حوزة الجهة القضائية
المختصة وأصبحت تلك الجهة دون غيرها هي صاحبة القول الفصل فيها ، وأقصى ما تملكه النيابة العامة هو تعديل مطالبها بما يحقق مصلحة المدعى عليه إذا تبين لها خطأ إدعائها . فإسقاط الدعوى العامة لا يكون إلا من قبل صاحبها وهو المجتمع الذي يملك ذلك مثل إصدار قانون بالعفو أو النص على سقوطها بالتقادم وغير ذلك
من أسباب السقوط الأخرى التي سيرد بيانها فيما بعد . أنه وإن كان يجوز للنيابة العامة ألا تطعن بالاستئناف أو النقض في حكم بعد صدوره، إلا أنه لا يجوز لها أن تتنازل سلفا عن الطعن في الحكم أو تتفق مع المحكوم عليه على ذلك ، فمثل هذا التنازل أو الاتفاق باطل لا أثر له ويجوز دائما الطعن بالاستئناف أو النقض خل المدة المقررة قانونا لمواعيد الطعن .
ونبين فيما يلي تشكيل النيابة العامة واختصاصاتها وخصائصها .
تشكيل النيابة العامة
تشكل النيابة العامة من النائب العام والنواب العامين المساعدين والمحامين التأمين الأول والمحامين العامين ورؤساء النيابة العامة ووكلائها ومساعديها ومعاونیها (المادة ۲۳ من قانون السلطة القضائية) ، ويجوز أن يقوم بوظيفة النيابة العامة من يعين لذلك من غير هؤلاء بمقتضى القانون المادة ۲/۲ من قانون الإجراءات الجنائية) .
ويضم هيكل النيابة العامة السابق عدة أجهزة على النحو التالي :
۱ - النائب العام : يوجد نائب عام واحد على مستوى الجمهورية مقره مدينة
القاهرة ، ويعاونه مكتب النائب العام الذي يضم عدد من النائبين العامين المساعدين
والمحامين العامين الأولين والمحامين العامين ورؤساء النيابة ووكلائها . ويلحق بها إدارة التفتيش وادارة النيابات .
۲- نيابة الاستئناف : وتوجد بمقر كل محكمة استئناف ويشرف عليها
قانون محام عام يعاونه عدد من أعضاء النيابة العامة (محامون عامون رؤساء نيابة ، وكلاء نيابة ... الخ) ، وقد جرى العمل على أن يشرف على هذه النيابة ويديرها محامي عام أول (يطلق عليه أحيانأ رئيس نيابة الاستئناف).
٣- النيابة الكلية : وتقع بمقر كل محكمة ابتدائية ويديرها رئيس نيابة يعاونه عدد من أعضاء النيابة . وقد جرى العمل على أن يدير هذه النيابة محامي عام .
وتخضع النيابة الكلية الإشراف المحامي العام (الأول) في نيابة الاستئناف التابعة لدائرتها .
٤- النيابة الجزئية : وهي تقع بمقر كل حكمة جزئية ، ويديرها وكيل نيابة
من الفئة الممتازة أو مساعد نيابة على الأقل . وهي تخضع في الإشراف الرئيس النيابة الكلية التابعة لدائرتها .
٥- نيابة النقض : وهي نيابة واحدة على مستوى الجمهورية توجد بمقر محكمة النقض وهي مستقلة عن النائب العام وتؤلف من مدير مدير نيابة النقض) يختار من بين مستشاري النقض أو الاستئناف أو المحامين العامين على الأقل ، يعاونه عدد كاف من الأعضاء من درجة وكيل نيابة من الفئة الممتازة على الأقل .
وقد أجاز القانون لوزير العدل أن ينشئ بقرار منه نیابات متخصصة بنوع
معين من الجرائم أو النشاط مثل نيابة أمن الدولة ونيابة الأموال العامة ونيابة الشئون المالية ونيابة الأحوال الشخصية ، وتعتبر هذه النيابات في حكم النيابة الكلية ويديرها محام عام أو رئيس نيابة يعاونه عدد من الأعضاء.
ويكون تعيين أو ترقية جميع أعضاء النيابة من النائب العام وحتی معاون
نيابة بقرار من رئيس الجمهورية (المادة 44 من قانون السلطة القضائية) ، متى توافرت في كل عضو الشروط الواجب توافرها فيه حسبما ينص عليه قانون السلطة القضائية (انظر المواد ۳۸ ، ۳۹، ۱۱۶، ۱۱۷ ، ۱۱۸، ۱۱۹) . وتبقى لعضو النيابة الذي يعين قاضية صفته ولا تزول عنه حتى يبلغ بقرار رئيس الجمهورية بتعيينه قاضية .
ويجب على عضو النيابة أن يحلف اليمين القانونية قبل قيامه بأعباء
وظيفته وصيغتها أقسم بالله العظيم أن أحكم بين الناس بالعدل وأن احترم القوانين" ونصت المادة 1 /۱۲۱ من قانون السلطة القضائية على انه يكون تعيين محل إقامة أعضاء النيابة ونقلهم خارج النيابة الكلية التابعين لها بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح النائب العام وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى" .
ويقصد بمحل الإقامة في النص السابق الاختصاص المكاني لأعضاء النيابة الكلية . ومع ذلك فقد منحت المادة السابقة النائب العام حق النقل داخل دائرة المحكمة المعين بها عضو النيابة ، كما منحته حق الندب خارج تلك الدائرة لمدة لا تزيد على ستة أشهر ، كما منحت النائب العام أيضا عند الضرورة أن يندب أحد رؤساء النيابة للقيام بعمل محام عام النيابة الكلية لمدة لا تزيد على أربعة أشهر قابلة للتجديد لمرة واحدة، ويكون لرئيس النيابة المنتدب في هذه الحالة جميع الاختصاصات المخولة
قانون المحامي العام . كما منحت المادة ۲ /۱۲۱ المحامي العام حق ندب عضو في دائرته للقيام بعمل عضو آخر بتلك الدائرة عند الضرورة، ويستوي أن يكون الندب كليا أو جزئية لاتخاذ إجراء معين حسبما تقتضيه الضرورة ومقتضيات العمل .
والأصل أن يكون الندب كتابة ، ولكن يكفي عند الضرورة أن يتم شفاهة بشرط أن يكون له ما يفيد حصوله في أوراق الدعوى .
اختصاصات النيابة العامة
الاختصاص الأصيل للنيابة العامة هو إقامة الدعوى الجنائية (تحريكها
ورفعها) ومباشرتها أمام القضاء (قضاء التحقيق وقضاء الحكم)، وهذا هو ما نصت عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأولى من أنه "تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ، وكذلك المادة ۲۱ من قانون السلطة القضائية ، وهو ما أكدت عليه محكمة النقض أيضا . ويكون لها في هذا الخصوص إدارة أعمال الاستدلال ومتابعتها والإشراف عليها والتصرف فيها بالحفظ أو بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى أو الإحالة إلى القضاء وتمثل الاتهام أو الإدعاء ومباشرة الدعوى أمامه من خلال الطلبات والدفوع حتى صدور حكم فيها
. ولها أيضأ سلطة التحقيق الابتدائي وتنفيذ الأحكام والإشراف على السجون .
ولكن أعضاء النيابة العامة كما يبدو من تشكيلها المشار إليها سابقة ليسوا
على درجة واحدة ، بل تتفاوت درجاتهم الوظيفية ، وتتفاوت تبعا لها اختصاصاتهم البعض جوانب الدعوى الجنائية وكذلك الرقابة والإشراف لبعضهم على البعض الآخر ، على النحو التالي
ثانيا - النائب العام المساعد:
النائب العام المساعد درجة وظيفية لم تكن موجودة قبل القانون رقم ۱۳۸
السنة ۱۹۸۱ ، وتم استحداثها بموجب هذا القانون الذي عدل قانون السلطة القضائية المادة ۲۳) ، والذي أجاز أن يعين في هذه الوظيفة نائب عام مساعد أو أكثر . وهو يلى النائب العام في التدرج الوظيفي ، ولكن القانون لم يمنحه اختصاصا ذاتية في مجال الدعوى الجنائية، وتنحصر وظيفته في معاونة النائب العام : في إدارة النيابة العامة إذ يعتبر من أعضاء مكتبه أو فيما يحيله عليه النائب العام ..
وقد منح القانون أقدم النواب العامين المساعدين اختصاص محدد وهو أنه يحل محل النائب العام عند غيابه أو خلو منصبه أو قيام مانع لديه . وكما هو واضح فإن هذا الاختصاص قاصر فقط على أقدم النواب العامين المساعدين فلا يمتد إلى غيره منهم ، وأنه قاصر فقط على الحالات المشار إليها ، ومن ثم لا يجوز له القيام بهذا الاختصاص المحدد إذا كان النائب العام يقوم بمهام وظيفته .
ثالثا - المحامي العام الأول والمحامي العام :
تنص المادة ۲۵ من قانون السلطة القضائية على أن يكون لدى كل محكمة
استئناف محام عام له تحت إشراف النائب العام جميع حقوقه واختصاصاته المنصوص عليها في القوانين "وقبل تعديل قانون السلطة القضائية بالقانون رقم ۱۳۸ لسنة ۱۹۸۱ كان يوجد محام عام أول واحد وكانت له وظيفة أقدم النواب العامين
المساعدين بالقيود المشار إليها سابقا ولما صدر القانون رقم ۱۳۶۸ تقل اختصاص هذا المحامي الأول إلى أقدم النواب العامين المساعدين . كما اعتبر هذا القانون الأخير ان المحامين العامين الأول درجة وظيفية تلى النواب العامين المساعدين وتسبق المحامين العامين المادة ۲۳) ، ولكنه لم ينص على اختصاص محدد لهم، وأبقى المادة 25 منه دون تعديل . ومن هنا ثار التساؤل هل أن المشرع قصد نقل اختصاص المحامي العام الوارد في نص المادة ۲5 إلى المحامي العام الأول كما فعل صراحة بالنسبة لأقدم النواب العامين المساعدين أم أن المحامي العام الأول له ذات
اختصاصات المحامي العام ؛ ومما زاد من تعقيد الأمر أن العمل جري على أن يدير النيابة العامة لدى محكمة الإستئناف" محام عام أول "، وأن يعبر عن القائم بإدارة النيابة الكلية ب"محامي عام النيابية الكلية .
ذهب رأي إلى أن اختصاصات المحامي العام قد نقلت إلى المحامى العام
الأول الذي يرأس النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف وتكون له تحت إشراف النائب العام جميع حقوقه واختصاصاته في حدود دائرة محكمة الاستئناف ، أما المحامي العام فلم يصبح له هذا الاختصاص الاستثنائي ويكون له اختصاص رئيس نيابة فقط
بينما ذهب رأي آخر إلى أن المحامي العام لم يفقد اختصاصاته التي نصت عليها المادة 25 من قانون السلطة القضائية ، وأن المحامي العام الأول له ذات اختصاصات المحامي العام العادية والاستثنائية . ونعتقد أن الرأي الثاني هو الأقرب إلى التفسير الصحيح ، لأنه لو كان المشرع يريد نقل الاختصاص إلى المحامي العام الأول لنص صراحة على ذلك كما فعل بالنسبة لأقدم النواب العامين المساعدين ، ولذلك نعتقد أنه إذا ترأس المحامي العام نيابة الاستئناف يكون له الإختصاصات العادية والاستثنائية التي للنائب العام في دائرة محكمة الاستئناف التي يرأس نیابتها .
وبناء على ذلك يقوم المحامي العام الأول (أو المحامي العام بمباشرة
الاختصاصات العادية لأعضاء النيابة العامة في حدود إقليمه تحت إشراف النائب العام الذي يجوز له إلغاء عمله في الحدود التي يجوز له فيها إلغاء أعمال سائر أعضاء النيابة العامة
. كما يكون له - بالإضافة إلى ذلك - الاختصاصات الاستثنائية أو
الذاتية التي للنائب العام - أي يعتبر في حكم النائب العام - في حدود دائرة محكمة الاستئناف فقط التي يترأس نیابتها . وتبعا لذلك يكون العمل الصادر عنه طبقا لهذه الاختصاصات كما لو كان صادرة من النائب العام نفسه ، ومن ثم لم يكن لهذا الأخير
إلغاؤه .
ولكن إذا باشرها النائب العام أولا باعتبار أنه ليس له اختصاص إقليمي
محدد فلا يجوز للمحامي العام التعقيب عليها .
وهناك اختصاصات نص عليها القانون لا يقوم بها من هو أقل من درجة
محامي عام ، مثال ذلك ما تنص عليه المادة ۲۰۹ إجراءات من أنه لا يصدر الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى في الجنايات إلا من المحامي العام أو من يقوم مقامه ، وكذلك الشأن في إحالة الدعوى في مواد الجنايات إلى محكمة الجنايات المادة ۲۱۶ إجراءات). كما توجد اختصاصات لا ينفرد بها وإنما يشترك معه فيها رئيس النيابة ، كما توجد اختصاصات أخرى يشترك فيها مع النائب العام أو مع رئيس النيابة (المادة ۹۳ ، والمادة ۳۲۵ مكررة إجراءات).
أولا - النائب العام :
هو الرئيس الأعلى للنيابة العامة ، وهو صاحب الاختصاص الأصيل
بمباشرة الدعوى الجنائية على كل إقليم الجمهورية سواء بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة) (المادة 2 /1 إجراءات جنائية الذين يعملون بالوكالة عنه في هذا الصدد ، كما أن له كل الاختصاصات التي يخولها القانون الأعضاء النيابة العامة .وإلى جانب هذا الاختصاص العام للنائب العام ، منحه القانون اختصاص
خاص قصد به تمكينه من الإشراف والرقابة على أعضاء النيابة العامة وبصفة خاصة بعض التصرفات التي تتعلق بالدعوى الجنائية والتي من خلالها يتحقق سير العدالة الجنائية على نحو أفضل.
ومن أهم الاختصاصات الخاصة التي منحها القانون النائب العام :
۱- إلغاء الأمر الصادر من أعضاء النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوي
في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره (المادة ۲۱۱ إجراءات جنائية).
۲- استئناف الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية في جنحة أو مخالفة في خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدورها في المادة ٢ /406 إجراءات).
٣- رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط
الجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها وذلك فيما عدا الجرائم المشار إليها في المادة ۱۲۳ من قانون العقوبات ، ويشاركه في الاختصاص المحامي العام ورئيس النيابة (المادة ۲ /۹۳ إجراءات). ورفع الدعوى الجنائية في الأحوال المبينة في الفقرة الأولى من المادة ۱۱۸ مكررة (أ) من قانون العقوبات أمام محكمة الجنح المادة 160 مکررا إجراءات) ويشاركه في هذا الاختصاص المحامي العام.
٤- منع المتهم من التصرف في أمواله أو إدارتها أو غير ذلك من الإجراءات التحفظية إذا اتهم بأحد الجرائم المنصوص عليها في المادة ۲۰۸ مكررة (أ) إجراءات جنائي .
والاختصاصات الخاصة للنائب العام لا يمنحها له القانون بشخصه، وإنما
بصفته أي لكل من يؤدي وظيفتة ، والأصل أن يقوم بها النائب العام بنفسه فإذا باشرها غيره وقع عمله باطلا ، ولكن القانون خول غيره بقيود وشروط معينة بأن يقوم بهذه الاختصاصات ، فقد نصت المادة ۲/ ۲۳ من قانون السلطة القضائية على أنه" في حالة غياب النائب العام أو خلو منصبه أو قيام مانع لديه يحل محله أقدم النواب العامين المساعدين وتكون له جميع اختصاصاته ؛ ونصت المادة ۲۰ من ذات القانون على أنه" يكون لدى كل محكمة استئناف محام عام له تحت إشراف النائب العام جميع حقوقه واختصاصاته المنصوص عليها في القوانين .
كما أنه يجوز للنائب العام أن يفوض أحد أعضاء النيابة العامة للقيام بأحد
هذه الاختصاصات الخاصة بشرط أن يكون ذلك بمقتضى توكيل خاص منه يحدد فيه من يقوم بالعمل (أي الوكيل) وكذلك الإجراء محل التوكيل.
رابعا - رئيس النيابة :
يتمتع بالاختصاصات العادية للنيابة بالنسبة لمباشرة الدعوى الجنائية .
وليست له الاختصاصات الذاتية التي يتمتع بها النائب العام أو المحامي العام الأول أو المحامي العام لدى محكمة الاستئناف في دائرة اختصاصه الإقليمي.
ويكون الرئيس النيابة أن يدير إحدى النيابات الكلية أو إحدى النيابات
المتخصصة ، ويطلق في الواقع العملي على رئيس النيابة حينما يقوم بإدارة إحدى النيابات الكلية تعبير " محامي عام النيابة الكلية . "ولكن هذا التعبير لا يخوله اختصاصات المحامي العام حتى ولو كانت له هذه الدرجة الوظيفية بالفعل ، إذ أن تلك الاختصاصات قاصرة على المحامى العام لدى محكمة الاستئناف كما ذكرنا من قبل . وإن كان القانون يقرر الرئيس النيابة بعض الاختصاصات التي قد يشاركه فيها من هو أعلى أو أقل منه درجة (انظر المادتين ۹۳، ۳۲۵ مكررة من قانون الإجراءات الجنائية
سابعا - معاون النيابة:
ذهب رأى في الفقه إلى أن معاون النيابة لا يعتبر من أعضائها وإنما هو
يعين" على سبيل الاختبار "، ومن ثم ليس له أن يباشر اختصاصات النيابة العامة إلا ما خوله القانون صراحة . ونعتقد أن معاون النيابة العامة من أعضائها لأن المادة 33 من قانون السلطة القضائية بعد تعديلها بالقانون ۱۳۸ لسنة ۱۹۸۱ اعتبرته من بين أعضاء النيابة العامة الذين يمثلون النيابة العامة أمام المحاكم عدا محكمة النقض كما أكدت ذلك محكمة النقض حين قضت بان" معاون النيابة "لم يخرج عن كونه عضوأ من أعضاء النيابة وإنما له اختصاص محدود يتفق مع حداثة عهده بعمل
النيابة(۳) " وهو يعتبر من مأموري الضبط القضائي (المادة ۱/ ۲۳ إجراءات)، ويمثل النيابة العامة أمام المحاكم عدا محكمة النقض (المادة ۲۳ من قانون السلطة القضائية) ، ويجوز عند الضرورة تكليفه بتحقيق قضية بأكملها) المادة ۲۲ من قانون السلطة القضائية .
ملاحظة: عدم جواز الجميع بين وظيفة النيابة العامة ووظيفة قاضي الحكم في شخص واحد:
من المبادي المستقرة في قانون الإجراءات الجنائية استقلال وظيفة النيابة العامة عن وظيفة قاضي الحكم ، وأنه لا يجوز الجميع بينهما في شخص واحد ، فلا يجوز أن يقوم عضو النيابة العامة بوظيفة قاضي الحكم بفسبق قیام قاضي الحكم بوظيفة النيابة العامة في الدعوى ينفي عنه صلاحيته للنظر فيها ، لأن عضو النيابة العامة طرف في الدعوى وخصم للمتهم فيها فهو يدعى ( يتهم) ويكون بذاك قد أبدي أية مسبقة في الدعوى ومن ثم تأبي العدالة الجنائية أن يجمع شخص واحد بين صفة الخصم وضفة القاضي أو الحكم في الدعوى الجنائية خشية تأثره بما سبق أن اتخذه من إجراء أو بفكرة سابقة تكونت لديه . وقد أكدت هذا المعنى المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية التي قالت أنه" يمتنع على القاضي أن يشترك في نظر الدعوى إذا.... كان قد قام في الدعوى ...... بوظيفة النيابة العامة...." ؛ وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية تعليقا على هذه المادة أن أساس وجوب امتناع القاضي عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأيا في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزنا مجردة " .
ومبدأ حظر الجميع المشار إليه يفترض أن يكون القاضي نفسه قد باشر
الإدعاء في ذات الدعوى وقام بعمل أو إجراء يستدل منه أنه أبدي رأية شخصية فيها ، كما إذا كان هو الذي أحال الدعوى إلى المحكمة أو كلف المدعى عليه بالحضور أمامها وأن تكون الدعوى المعروضة على قضاء الحكم هي ذاتها الدعوى التي قام فيها نفس القاضي بالإدعاء أو الاتهام .
وتطبيقا لذلك لا يعد مانعة من نظر الدعوى إذا كان ما قام به القاضي من
قبل لا يوصف بأنه ادعاء كما لو اقتصر دوره على تلقي بلاغ أو شكوى دون أن يعطي لذلك نتيجة من النتائج ، كما أنه يمكنه أن يحكم في دعوى شغل مركز النيابة العامة في جلستها الأولى التي تم فيها تقرير توحيد الدعوى دون أن يبحث في الموضوع ، أو دون أن يكون سبق له وأدلي بأي مطلب في الدعوى أو مرافعة فيها .
ولا يعد مانعة كذلك من نظر الدعوى أن يكون الإدعاء الذي قام به القاضي من قبل متعلقة بدعوى أخرى حتى ولو كانت ذات صلة بها ، كما إذا أحيل متهمان في أمر إحالة واحد بتهمتين ثم صار فصلهما أمام المحكمة، فعضو النيابة العامة الذي ترافع في إحدى التهمتين يمكنه أن يحكم بعد ذلك كقاض في التهمة الأخرى .
ولا يمنع من نظر الدعوى أيضا أن يكون قاضي الحكم الذي يفصل فيها كان زميلا لعضو النيابة العامة التي باشر الإدعاء فيها ، لأن المنع الذي يحتج به يتطلب أن يكون قاضي الحكم هو نفسه كان عضو النيابة العامة الذي تولى الإدعاء فيها ، إذ لا يجوز الاحتجاج هنا بمبدأ وحدة النيابة العامة أو مبدأ عام تجزئتها .
ولا يوجد نص قانوني يحظر بمقتضاه المشرع على قاضي الحكم (أو قاضی التحقيق الذي نظر الدعوى - ثم تم نقله إلى النيابة العامة من مباشرة عمل الإدعاء فيها ، إذ ليس هناك ما يمنعه من إبداء الطلبات أو المرافعة في الدعوى ذاتها فيما لو عرضت عليه بصفته الجديدة ، فيكون له مثلا النظر في استئناف القرار الصادر عن المحكمة في ذات الدعوی).
ذلك أن حظر الجمع بين وظيفة النيابة العامة ووظيفة قاضي الحكم في
شخص واحد لا ينطبق في الحالة التي يكون فيها قاضي الحكم الذي نظر الدعوى قد أصبح عضو نيابة عامة يتولى الإدعاء في الدعوى ذاتها.
سادسا - مساعد النيابة :
باعتباره عضوا في النيابة العامة ، فإنه يتمتع بالاختصاصات العادية للنيابة العامة في الدعوى العامة ، وهو من هذه الزاوية لا يختلف عن وكيل النيابة ، إلا تلك التي يختص بها وكيل النيابة من الفئة الممتازة المشار إليها سابقا .
خامسا - وكيل النيابة :
له مباشرة الاختصاصات العادية للنيابة العامة باعتباره عضو نيابة في نطاق الاختصاص الإقليمي للنيابة التي يعمل فيها . وقد يعهد إليه بإدارة نيابة جزئية ويكون له في هذه الحالة اختصاص إقليمي محدد لا يجوز له تجاوزه ، وهو دائرة المحكمة ومن المستقر عليه قضاء أن اختصاص وكيل النيابة الذي يعمل في النيابة الكلية يمتد إلى اختصاص هذه النيابة وهو كل دائرة المحكمة الابتدائية، وذلك استنادا إلى تقويض مقترض من رئيس النيابة الكلية لوكلائها العاملين معه ، وهذا التفويض
لا يستطاع نفيه إلا بنهی صريح . ويتحفظ جانب من الفقه على هذا القضاء لأنه يجعل وكيل النيابة في النيابة الكلية أفضل من زميله الذي يعمل في نيابة جزئية تابعة من النيابة الكلية من حيث الاختصاص الاقليمی .
ولوكيل النيابة من الفئة الممتازة اختصاصات يتميز بها عن وكيل النيابة
العادي أهمها تمثيل النيابة العامة أمام محكمة النقض وإصدار الأمر الجنائي.
خصائص النيابة العامة
النيابة العامة طرف أصيل في الدعوى العامة ، فهي نائب أو وكيل عن
المجتمع تحرك تلك الدعوى وتباشر إجراءاتها حتى صدور حكم فيها ، ولذلك فهی خصم للمتهم ، ولكنها خصم شريف لا تبغي سوى كشف الحقيقة والوصول بالدعوى العامة إلى إدانة المجرم وتبرئة البرى . وهي لهذا السبب تتمتع بعدة خصائص تميزها عن غيرها من الخصوم العاديين وهذه الخصائص هي :
١- خضوعها لمبدأ التبعية التدريجية أو مبدأ التسلسل التدريجي
۲- تتمتع بالاستقلال .
٣- تخضع لمبدأ الوحدة أو مبدأ علم التجزئة
٤- تخضع لمبدأ عدم المسئولية .
٥- لا تخضع للرد .
أولا - التبعية التدريجية :
تعني التبعية التدريجية خضوع أعضاء النيابة العامة لسلطة رئاسية يكون للرئيس بمقتضاها الحق في توجيه تعليمات يصدرها إليهم عند ممارستهم لأعمالهم ومحاسبتهم إذا ما خالفوا تلك التعليمات .
هذا بخلاف قضاة التحقيق وقضاة الحكم الذين لا يتلقون أوامر من أحد ولا يخضعون لرئيس وإنما يؤدون عملهم طبقا للقوانين وما تمليه عليه ضمائرهم .
فأعضاء النيابة العامة يتبعون وزير العدل ، فعلى قمة الهرم الرئاسي يوجد
وزير العدل يليه النائب العام ثم مساعدي النائب العام فالمحامين العامين الأول فالمحامين العامين فرؤساء النيابة العامة ووكلائها ومساعديها . وأخيرا معاونو النيابة الذين يمثلون قاعدة هذا الهرم . وهذا التسلسل التدريجي الرئاسي نصت عليه المادتان 26، 125 من قانون السلطة القضائية . فنصت المادة 26 على أن رجال النيابة تابعون لرؤسائهم دون غيرهم بترتيب درجاتهم ثم لوزير العدل". ونصت المادة 125 على أن " أعضاء النيابة العامة يتبعون رؤساءهم والنائب العام وهم جميعا يتبعون
وزير العدل يوللوزير حق الرقابة والإشراف على النيابة العامة وأعضائها وللنائب العام حق الرقابة والإشراف على جميع أعضاء النيابة العامة "
يتضح من النصين السابقين وجود إشراف رئاسي تدريجي على أعضاء النيابة ، فهم يخضعون لإدارة ومراقبة وتوجيه رؤسائهم ، وأن هذا الإشراف هو من حيث المبدأ إشراف إداري فقط . فإشراف وزير العدل على أعضاء النيابات العامة إشراف إداري فقط . وإن كان لا يعتبر من أعضائها إلا أنه عضو في حكومة وممثلا للسلطة التنفيذية التي من مهامها حفظ النظام واستتاب الأمن ، ويعد من هذه الزاوية الرئيس
الإداري الأعلى للنيابة العامة التي يعتبر أعضائها من الموظفين العموميين فيخضعون في حدود تلك الصفة لرقابة وإشراف وزير العدل عليهم في آدائهم لوظائفهم من حيث عدم القيام بها أو الإهمال أو التقصير في أدائها وتقرير المسئولية التأديبية عنها إذا ما خالفوا تعليماته وأوامره .
أما فيما يتعلق بمضمون وظيفتهم ، وبعبارة أدق ، فيما يتعلق بوظيفة الإدعاء في ذاتها سواء من حيث تحريك الدعوى العامة أو رفعها أو مباشرتها فلا سلطان ولا إشراف لوزير العدل على أعضاء النيابة العامة بشأنها فلم يمنحه القانون اختصاص في هذا الصدد . وعليه ، يحق للنيابة العامة ألا تتقيد بأوامر وزير العدل وأن تخالفها
متى كانت مخالفة للقانون أو متعارضة مع العدالة ومع المبادئ والأسس التي تقوم عليها وظيفة الإدعاء . فإذا أمر وزير العدل أحد أعضاء النيابة بعدم تحريك الدعوى أو عدم رفعها فحركها أو رفعها تكون مع ذلك مقبولة أمام القضاء، وإذا أمره برفع استئناف عن حكم فلم يرفعه حتى انقضی میعاد الاستئناف فلا يقبل رفعه بعد فوات الميعاد ، وإذا أمره بعدم رفع استئناف عن حكم فرفعه يكون مع ذلك مقبولا أمام القضاء
ذلك أنه لا يترتب على رئاسة وزير العدل الأعضاء النيابة العامة أي أثر قضائی ، بل لا يترتب على مخالفة أوامر وزير العدل في هذا الخصوص أية مسئولية تأديبية . ولا يملك وزير العدل أن يحل محل النيابة العامة في تحريك الدعوى العامة أو رفعها أو في رفع استئناف عن حكم لأنه ليس من أعضائها ، كما لم يمنحه القانون أي
اختصاص في هذا الشأن .
ورئاسة النائب العام على النيابات العامة الأخرى وعلى معاونيه من أعضاء
النيابة العامة التابعين له رئاسة إدارية مثلها في ذلك مثل رئاسة وزير العدل . أما بالنسبة لوظيفة الإدعاء العام فنعتقد أن النائب العام لا يتمتع بسلطة رئاسية على معاونيه من أعضاء النيابة العامة ، ذلك أن المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تجعل الاختصاص برفع الدعوى الجنائية منوط بأعضاء النيابة العامة .
يترتب على ذلك أن عضو النيابة العامة - باستثناء معاون النيابة يملك
قانونا أن يحرك الدعوى الجنائية أو يرفعها على الرغم من اعتراض النائب العام على ذلك ، كما يملك علم تحريكها أو رفعها حتى ولو أمره النائب العام بذلك . وإن كان النائب العام أو المحامي العام ) يملك - بما له من سلطة إدارية يوزع بمقتضاها العمل
على أعضاء النيابة العامة التابعين له - أن يسحب القضية من تحت يد عضو النيابة العامة الذي لا يمتثل لأوامره ويسندها إلى عضو آخر من أعضاء النيابة العامة التابعين له
ونستند فيما نقول به إلى المادتين الأولى والثانية من قانون الإجراءات
الجنائية والمادة 21 من قانون السلطة القضائية . إذ تنص المادة الأولى إجراءات على ان" تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها . "...وتنص
المادة الثانية إجراءات في فقرتها الأولى على أن يقوم النائب العام بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة بمباشرة الدعوى الجنائية كما هو مقرر بالقانون . " كما نص المادة 21 من قانون السلطة القضائية على أن تمارس النيابة العامة الاختصاصات المخولة لها قانونا . ولها دون غيرها الحق في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ما لم ينص في القانون على خلاف ذلك . "
وواضح من النصوص الثلاثة المشار إليها أن المشرع ينص على رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ، مما يعني التمييز بين الرفع والمباشرة وأنهما ليسا شيئا واحدا وليس لهما معنى واحدة وإلا لوصمنا المشرع بعدم الدقة والتكرار الذي يجب أن ننزهه عنه . ولما كان طبقا لقواعد التفسير أن إعمال الكلام خير من إهماله ، فإننا نعتقد أن رفع الدعوى أو إقامتها من اختصاص النيابة العامة أي من اختصاص كل عضو فيها باستثناء معاون النيابة وهو اختصاص يستمده من القانون مباشرة من النصوص
السابقة أما الاختصاص بمباشرة الدعوى العامة فهو أساسا يثبت للنائب العام نفسه أي يثبت له أصالة ، وأن هذا الاختصاص يثبت بالوكالة لأعضاء النيابة العامة الآخرين ، بمعنى أن بالي أعضاء النيابة العامة عدا النائب العام لا يستمدون اختصاصتهم بمباشرة الدعوى العامة من القانون مباشرة وإنما بمقتضى وكالتهم عن النائب العام
ولكني أسارع وأقول أن هذا التفسير الذي اعتقد بصحته يذهب على العكس تماما لما هو مسلم به ولما هو مستقر عليه في الفقه والقضاء من أن النائب العام هو صاحب الاختصاص الأصيل برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ، وأن باقي أعضاء النيابة العامة وكلاء عنه في القيام بهذا الاختصاص، وأنهم يستمدون هذا الاختصاص الا من القانون مباشرة وإنما بمقتضی وكالتهم عن النائب العام ) . يترتب على ذلك أنه يتعين على أعضاء النيابة العامة إتباع أوامره ، فإذا خالفوها يترتب عليها فضلا
عن المسئولية الادارية بطلان العمل الصادر من عضو النيابة ، لأن هذا يعني خروج
الموكل عن حدود وكالته ، وتطبيقأ لذلك يملك النائب العام أمر عضو النيابة العامة برفع الدعوى الجنائية أو الطعن في الحكم الصادر فيها أو اصدار قرار بألا وجه لإقامة الدعوى ، وأمره في كل هذا ملزم لعضو النيابة العامة، فإذا خالفه عرضه للمسئولية . الإدارية وكان عمله باطلا إجرائية .
ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد منح النيابة سلطة التحقيق الابتدائي في مواد الجنايات والجنح عدا تلك التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها (المادة 199 إجراءات) ، فإن اختصاص النيابة العامة بالتحقيق الابتدائي يستمد من القانون مباشرة ، وبالتالي فإن مخالفة عضو النيابة لأمر النائب العام بالنسبة لإجراء من إجراءات
التحقيق لا يترتب عليها أي بطلان ولا يتعرض لأي مسئولية إدارية ، فإذا أمره بسماع شاهد إثبات فلم يسمعه ، أو إذا أمره بعدم سماع شاهد نفي فسمعه فلا يبطل العمل الذي قام به أو الذي امتنع عن القيام به بطلان على الرغم من مخالفته لأمر النائب العام، كما لا يسأل إداريا بسبب هذه المخالفة ، لأنه يعتمد اختصاصه في هذا الشان من القانون مباشرة ، ولأن هذا الاختصاص يثبت له بصفته سلطة تحقيق وليس سلطة
اتهام
تخلص مما سبق أن النائب العام له اختصاص رئاسي في الإشراف الإداري
والقضائي على باقي أعضاء النيابة بصفته سلطة اتهام ويثبت هذا الاختصاص لمن يقوم مقام النائب العام من أقدم النواب العامين المساعدين ، كما يثبت أيضا للمحامي العام الأول أو المحامي العام لدى محكمة الاستئناف في دائرة اختصاص هذه
المحكمة فقط. أما باقي أعضاء النيابة العامة فلا يكون لهم سوى إشراف رئاسي إداری فقط على مرؤوسيهم حسب التسلسل التدريجي . أما بالنسبة لصفتهم كملطة إتهام فليس لأحدهم سلطة رئاسية على من يعاونونهم من اعضاء النيابة العامة الأدنى منهم درجة ، فلا يخضع لأوامره ، ولا يبطل عمله إذا خالف تلك الأوامر ولا يتعرض للمسئولية التأديبية في هذا الخصوص.
وفي جميع الأحوال ، حتى ولو امتثل عضو النيابة العامة بتعليمات رؤسائه الخطية في خصوص وظيفة الإدعاء العام ، فإنه تبقى له في جلسات المحاكمة حرية
كلام حيث يترافع أمام المحكمة ويدى طلباته ودفوعه بما يميله عليه ضميره وقناعته لشخصية . وذلك تطبيقا للمثل القديم القائل بأنه إذا كان القلم مقید (عبد) ، فالكلام قاللسان) حر طليق). Sila plume est serve la parole est libre " وتطبيقا
التلك قضت محكمة التمييز اللبنانية أنه" حيث أن النيابة العامة حرة بإبداء المطالعة التي تريدها وبإدعائها بما تشاء من الأسباب سواء كانت واهية أو قوية عملا بالمبدأ القانوني القائل أنه إذا كانت التعليمات الخطية الواردة للمدعي العام من بعض المراجع مقيدة له فكلامه في جلسة المحاكمة يبقى حرا(۱) .
ثانيا - الاستقلال
تمثل النيابة المجتمع وتنوب عنه في إقامة الدعوى العامة أو دعوى الحق
العام ومباشرتها أمام قضاء التحقيق وقضاء الحكم . ولكي يتحقق لها أداء تلك الوظيفة على أكمل وجه يتعين أن تتمتع بالاستقلال في مواجهة السلطة التنفيذية أولا ، وفي مواجهة قضاء التحقيق وقضاء الحكم ثانية وفي مواجهة الأفراد ثالثا . وقد بينا من قبل أن وزير العدل وهو ممثل السلطة التنفيذية ليس له سلطان على النيابة العامة في
أدائها لوظيفتها التي تتعلق بالدعوى العامة وتتمتع النيابة العامة إزاءه بكامل استقلالها سواء فيما يتعلق بإقامة تلك الدعوى أو مباشرتها ، ونبين فيما يلي استقلال النيابة العامة عن القضاء من ناحية وعن الأفراد من ناحية أخرى .
أ - استقلال النيابة العامة عن القضاء :
و على الرغم من أن النيابة العامة تقيم الدعوى العامة وتباشرها أمام قضاء الحكم وتتعاون معه في سبيل الوصول بتلك الدعوى إلى نهايتها ، إلا أنها تتمتع بالاستقلال عنه. .
۱- فهي تملك السلطة التقديرية في إقامة الدعوى العامة أو عدم إقامتها .
ومن ثم لا يملك القضاء توجيه الأمر إلى النيابة العامة لإقامة الدعوى عن جريمة وصل علمها إليه عن طريق إخبار أو شكوى أو كشفت التحقيقات أمامه عنها . كما لا يجوز للقضاء أن يطلب منها إقامة الدعوى ضد شخص اتضح من محضر التحقيق أنه مشترك أو مساهم في ارتكاب الجريمة أو كانت النيابة العامة قد قررت حفظ الأوراق
۲- للنيابة العامة الحرية التامة في إبداء ما تراه مناسبة من طلبات أو دفوع أو مرافعة ولا يجوز للمحكمة أنه تقيد تلك الحرية إلا في الحدود التي يقضي بها النظام العام واحترام حقوق الدفاع ولا ينبو عن المنطق الدقيق ، وذلك بوصف كونها سلطة اتهام مختصة بمباشرة إجراءات الدعوى .
٣- لا يجوز للمحكمة أن تأمر النيابة العامة أو تكلفها بإجراء تحقيق تكميلي في دعوى دخلت في حوزتها ومنظوره أمامها ، لأنه بإحالة الدعوى إلى المحكمة تكون هذه الأخيرة هي صاحبة الاختصاص بالتحقيق النهائي وتخرج الدعوى تبعا لذلك من اختصاص سلطة الادعاء أو الاتهام أي النيابة العامة ، وسلطة التحقيق الابتدائي .
وتوجيه الأمر إلى النيابة بإجراء تحقيق تكميلي في هذه الحالة يتعارض مع استقلال النيابة العامة ويعطى للقضاء سلطة رئاسية ليست له على النيابة العامة
.ونتيجة لذلك فإن الدليل المستمد من قيام النيابة العامة بمثل هذا التحقيق التكميلی يكون باطلا بطلانا مطلقأ لمخالفته لقواعد التنظيم القضائي ، وهي قواعد متعلقة بالنظام العام .
4- يجوز للقضاء التدخل في عمل النيابة العامة ، فلا يجوز له إقامة
الدعوى العامة أو مباشرتها ، لأن ذلك من اختصاص النيابة بحسب الأصل ، وإن فعل ذلك يكون فيه مساس باستقلال النيابة العامة ، ويكون الحكم الصادر في الدعوى باطلا أو منعدما .
وفي الحالات التي أجاز فيها القانون - استثناء أ - للمحكمة أن تحرك او ترفع الدعوى العامة كما هو الحال في جرائم الجلسات المواد ۲ ۳ وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية ؛ فإن ذلك لا يعني إلزام النيابة بمباشرة الدعوى والتصرف فيها على نحو معين ، بل يجوز لها أن تبدي رأيها استقلا عن المحكمة ولو كان في
مصلحة المدعى عليه ، هذا إذا كانت الجريمة التي وقعت في الجلسة جنحة أو مخالفة
أما إذا كانت تلك الجريمة جناية أحالت المحكمة الأوراق إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها وفقا لما تراه محققة للمصلحة العامة فلها أن تصدر قرار بحفظ الأوراق و قرار بألا وجه لإقامة الدعوى إذ لم تر في الأمر جناية أو إحالتها إلى المحكمة
سترة .
5- لا يجوز للقضاء أن يوجه اللوم إلى النيابة العامة أو تعييبها بسبب طريقة سيرها في أداء وظيفتها ، فلا ينتقد تصرفها في مباشرة اختصاصها سواء ما تعلق منها قاعة الدعوى أو بمباشرتها ، وسواء تم ذلك شفاهة أثناء التحقيق أو المحاكمة أم كتابة في أسباب الحكم أو في منطوق الحكم . وإذا لاحظ القضاء على تصرفات النيابة العامة ما يستدعي المؤاخذة في هذا الشأن ، فليس له إلا أن يبلغ الرئيس الأعلى الذي شیعه عضو النيابية (النائب العام أو وزير العدل على حسب الأحوال ، وأن يتم هذا التبليغ بصفة سرية حرصا على حرمة النيابة العامة وحفاظا على سمعتها والاحترام التي يجب توفيره لها .
فإذا صدر الحكم متضمن عبارات تنطوي على تجريح أو لوم للنيابة العامة - سواء في أسبابه أم في منطوقه - فإنه يكون حكما معيبة، يستحق الطعن عليه لحذف من العبارات مع بقاء الحكم ذاته صحيحة إذا لم ينطو على سبب آخر للبطلان . وهذا هو ما قررته محكمة النقض حيث قضت بحذف عبارة وردت في حكم صادر من محكمة الجنايات وجاء فيها أن النيابة العامة أسرفت في الاتهام وفي حشد التهم
للمتهمين جزافا .
ولكن الحظر السابق لا يسرى إلا حيث يتضمن الحكم نقدأ حقيقية لتصرفات النيابة العامة ، أما حيث يتعلق الأمر بتقييم موضوعي بعيدا عن التجريح لتصرفات النيابة العامة وطلباتها ومرافعتها فأن ذلك لا يعيب الحكم ولا يمس استقلالها كأن يرد في أسباب الحكم أنه يجب استبعاد شهادة بعض شهود الإثبات الذين أعلنتهم النيابة العامة لأنهم ليسو محلا للثقة ، أو استبعاد الدليل المستمد من التفتيش لوقوعه باطلا
وهذا يعني أنه وإن كانت النيابة العامة مستقلة عن القضاء في أدائها لوظيفتها ، فإن القضاء ، هو الآخر ، مستقل عن النيابة في أدائه لوظيفته . ونتيجة لذلك لا يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في وظيفة القضاء، إذ أن المحكمة لها الحق المطلق
في عدم الأخذ بما اعتمدته النيابة العامة في إقامة الدعوى مثل شهادة شاهد أو في مطالبها أو مرافعتها إذ القول الفصل في الاتهام يكون للمحكمة .
كما لا يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في صياغة حكم المحكمة .
والنيابة العامة ليست مستقلة فقط عن القضاء ، بل انه يوجد تعارض بين
وظيفتهما أي بين وظيفة الإدعاء أو الاتهام وبين وظيفة الحكم فلا يجوز لعضو النيابة العامة الذي أدعي أو باشر الدعوى أن يحكم فيما أدعي به أو أبدى مطالعة فيه ، كما لا يمكن القاضي الحكم أن ينظر في دعوى كان قد سبق له أن تولى بنفسه وظيفة النيابة العامة
كما لا يجوز أيضا العضو النيابة العامة أن يتولى التحقيق في قضية بصفته أضى تحقيق إذا كان هو نفسه قد أدعي في القضية وحرك الدعوى العامة فيها أو كان هو نفسه قد أبدى مطالعة فيها .
وقد أجملت هذا المعنى المادة ۲۶۷ إجراءات جنائية حين نصت على أنه
"يمتنع على القاضي أن يشترك في نظر الدعوى إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصية أو إذا كان قد قام في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة ، أو المدافع عن أحد الخصوم، أو أدى فيها شهادة ، أو يباشر عملا من أعمال الخبرة . ويمتنع عليه كذلك أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة ، أو أن يشترك في الحكم في الطعن إذا كان الحكم المطعون
فيه صادرة منه ."
والحظر السابق يقتصر فقط عندما يكون الشخص هو نفسه في الحالتين
حالة الإدعاء أو الاتهام أو اتخاذ إجراء من إجراءات الدعوى وحالة التحقيق أو الحكم)
أما حيث يختلف الشخص فلا حظر . فإذا قام أحد أعضاء النيابة بالإدعاء أو اتخاذ إجراء من إجراءات مباشرة الدعوى، فإنه يجوز لزميل آخر من ذات أعضاء النيابة العامة أن يحكم في تلك الدعوى، أو يحقق فيها بصفته قاضي حكم أو قاضی تحقیق
كما لا يوجد حظر على من تولى التحقيق أو الحكم في دعوى بصفته قاضی تحقيق أو قاضي حكم أن يقوم بوظيفة النيابة العامة فيها ، فإذا أصبح قاضي التحقيق أو قاضي الحكم عضوا في النيابة فإنه يجوز أن يمارس وظيفة النيابة العامة في الدعوى الذي سبق له أن حقق فيها أو فصل فيها ، فيجوز له أن يبدي مطالعة في تلك الدعوى أو يستأنف الحكم أو القرار الصادر فيها . وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة التمييز اللبنانية أنه لا يوجد نص قانوني يمنع قاضي التحقيق من القيام بوظيفة الإدعاء
العام في القضايا التي أجري تحقيقا فيها وذلك بعد أن كان قد استنفذ صلاحيته كقاضى تحقيق .
ب- استقلال النيابة العامة عن الافراد :
قد تتلقى النيابة العامة إخبارات أو شكاوى من الأفراد العاديين أو من المجني عليهم أو المضرورين من الجريمة أو الجرائم التي وقعت وقد تتضمن هذه الاخبارات أو الشكاوي جريمة واحدة أو عدة جرائم ، كما قد تشير بالاتهام إلى مجرم واحد أو أكثر من مجرم ، وفي جميع الأحوال فإن النيابة العامة لها سلطة التقدير والملائمة في التصرف في الأخبارات والشكاوى التي تتلقاها إذ تتمتع بالاستقلال في مواجهة هؤلاء
الأفراد .
فللنيابة العامة أن تصدر أمرأ بحفظ الأخبار أو الشكوى ، كما يجوز لها أن
تحرك الدعوى أو ترفعها بالنسبة لجريمة ما وتصدر أمرا بالحفظ بالنسبة لباقي الجرائم أو أن تفعل نفس الشيء بالنسبة لبعض من ورد اسمهم في الأخبار أو الشكری دون البعض الآخر ، إذ الأمر متروك لمحض تقديرها في كل ذلك .
وحتى في الحالات التي يجوز فيها إقامة الدعوى العامة استثناء من غير
النيابة العامة مثل إقامة تلك الدعوى من قبل المضرور (المدعى بالحق الشخصي) ،فإنه وإن كانت الدعوى العامة تحرك أو ترفع إلا أن مباشرة تلك الدعوى يصبح واجبا على النيابة العامة .. ولكنها في هذه الحالة غير ملزمة بالسير في الاتجاه الذي بدأه المدعي بالحق الشخصي فقد تطلب براءة المدعى عليه وفقا لما تراه من الأوراق وما میله عليه ضميرها . بل لها أن تقيم الدعوى العامة وتباشرها إذا تقاعس المدعي بالحق الشخصي.
وتطبيقا لما سبق قضى بإدانة المدير المسئول عن جريدة لبنانية لنشره في جريدته مقالا ينطوي على عبارات سب وقذف بحق رئيس دولة أجنبية ، فطعن في الحكم مستندة إلى أن الخبر قد نشرته إحدى وكالات الأبناء والصحف اللبنانية ، قضت محكمة التمييز برفض الطعن استنادا إلى أن نشر الخبر في وكالة الأنباء وفي الصحف اللبنانية على فرض ثبوت حصوله ليس من شأنه جعل نشر هذا الخبر خاليا من المسئولية الجزائية المنصوص عليها في المادة 63 من قانون المطبوعات
اللبناني ، لأن كل إمرء يسأل شخصية عما صدر عنه من أفعال يعاقب عليها القانون يقطع النظر عما يكون قد أقدم غيره من الناس على اقتراف هذه الأفعال ذاتها دون أن يلاحق جزائية من أجل ذلك ، فحق إقامة دعوى الحق العام منوط بالنيابة العامة التي لها وحدها ممارسته كما تشاء وتقدر
. كما قضي بأن تنازل المدعى بالحق الشخصي عن الدعوى المدنية) أو تصالحه لا يقيد النيابة العامة التي تستطيع الاستمرار في مباشرة الدعوى العامة لأن إسقاط الحق الشخصي لا يسقط دعوى الحق
العام
. ولكن يستثنى من ذلك الحالات التي يؤدي فيها التنازل عن الحق الشخصي إلى انقضاء دعوى الحق العام (انظر على سبيل المثال المادة ۱۳۳ من قانون العقوبات اللبناني وانظر كذلك المادتان ۱۱۸ مکررا ، ۱۱۸ مکررا أمن قانون الإجراءات الجنائية المصري .
ثالثا - الوحدة أو عدم التجزئة :
تشكل النيابة العامة وحدة واحدة لا تقبل التجزئة أو هي جسم واحد أو مؤسسة واحدة أو سلطة واحدة تمثل المجتمع وتنوب عنه ، وكل عمل أو إجراء يصدر من أحد أعضائها في حدود اختصاصه يعتبر وكأنه صادرة عن النيابة العامة في مجموعها ومن ثم عن المجتمع ككل ، أي أن شخصية كل عضو من أعضاء النيابة العامة تذوب أو تنمحي وتستوعبها صفته النيابية أو التمثيلية .
وأعضاء النيابة العامة - في هذا الصدد - يشبهون الشركاء في شركة
التضامن ، فكما أن كل شريك في تلك الشركة يلزم غيره من الشركاء المتضامنين بتوقيعه ، فكذلك يكون عمل أحد أعضاء النيابة العامة في حدود اختصاصه يعتبر وكأن النيابة العامة كلها تعمل معه .
وبذلك يكون أعضاء النيابة العامة كلهم متضامنين ينوب بعضهم عن البعض الآخر، ويمكن لكل منهم أن يحل في وظيفته محل الآخر . وتبعا لذلك ليس من الضروری أن يستمر نفس عضو النيابة العامة منذ بداية الدعوى العامة حتى نهايتها ، بل يجوز أن يتعدد أعضاء النيابة العامة في الدعوى الواحدة فيتناوبون خلال مراحل الدعوى أو يكمل أحدهم ما بدأه الآخر، كأن يحرك الدعوى العامة أحد أعضاء النيابة العامة ويكمل إجراءات التحقيق عضو آخر ويحيل الدعوى إلى المحكمة عضو ثالث ويحضر جلسات المحاكمة ويترافع عضو رابع وخامس أو أكثر ويطعن في الحكم الصادر عضو سادس وهكذا.
وطالما أن الاجراء الذي يجريه كل عضو من أعضاء النيابة العامة لا يكون
باسمه الشخصي وإنما باسم النيابة العامة كلها فلا أهمية لذكر اسم ممثل النيابة العامة شخصية في الحكم ولا يعيب الحكم عدم ذكر هذا الاسم بل حتى لو وقع خطأ في هذا الاسم طالما أن المتهم لا يدعى في طعنه أن النيابة العامة لم تكن ممثلة في الدعوى أثناء محاكمته
ووحدة النيابة العامة أو عدم تجزئتها ليس مبدأ مطلقا ، وإنما هو مقيد بقواعد الاختصاص النوعي والمكاني : في مجال الاختصاص النوعي قد يجعل القانون عملا معينة من اختصاص عضو أو فئة من الأعضاء ومن ثم لا يجوز لغيره من أعضاء النيابة العامة أن يقوم بهذا العمل ، فلا يجوز للمحامي العام أو رئيس النيابة أن يباشر الاختصاصات التي تدخل في صلاحيات النائب العام . وفي مجال الاختصاص المكاني لا يجوز لعضو النيابة في محافظة معينة أن يمارس صلاحياته خارج حدود
سے المحافظة ..
ومدأ وحدة النيابة العامة لا يعني أن يقوم جميع أعضاء النيابة العامة الواحدة من حيث الواقع بجميع إجراءات الملاحقة في الدعوى الواحدة، فإذا قام بعضهم فقط عن الإجراءات ، فإنه يجوز لغيرهم إذا ما نقل إلى وظيفة قاضي حكم أن ينظر في تت الدعوى التي سبق لغيره أن ادعى بها وتابعها من دونه .
يتضح من عرض مبدا وحدة النيابة العامة السابق والقيود التي ترد عليه أن أعضاء النيابة العامة يختلفون عن قضاة الحكم ، فالقاعدة أن قضاة الحكم يجب أن يحضروا بأشخاصهم جميع جلسات المحاكمة ، ولا يجوز أن يشترك في المداولة والحكم غير القضاة الذين سمعوا المرافعة ، ويجب ذكر اسمائهم في الحكم وإلا كان الحكم باطلا . والأمر ليس كذلك بالنسبة للنيابة العامة ، إذ لا علاقة لها بتغيير هيئة المحكمة ، ولا لزوم لإعادة المحاكمة بالنسبة لها عند حصول تبديل أو تغيير لممثلها .
رابعا - عدم المسئولية :
القاعدة أن النيابة العامة لا تسأل عما تقوم به من أعمال أو إجراءات لا
مسئولية مدنية ولا مسئولية جنائية إذا انتهت الملاحقة بإصدار قرار بألا وجه لإقامة الدعوى أو ببراءة المدعى عليه أو (المتهم) .
فلا يجوز للمدعى عليه أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من
إجراءات الملاحقة مثل القبض أو التفتيش ولا ترفع الدعوى العامة على عضو النيابة العامة بجريمة الحرمان من الحرية أو خرق حرمة المنزل أو السب أو القذف . ذلك أن النيابة العامة تتمتع بسلطة تقديرية كما هو معلوم في إقامة الدعوى العامة ، كما أنها تباشر تلك الدعوى في سبيل الوصول إلى المدعى عليه الحقيقي أي تسعى إلى التطبيق الصحيح للقانون وتحقيق مصلحة المجتمع في ملاحقة ومحاكمة المرتكب الحقيقي للجريمة ، وطالما أن أعضاء النيابة العامة يقومون بوظيفتهم في حدود القانون وبحسن نية فإنه يتعين عدم مسئوليتهم لا جنائيا ولا مدني ، حتى لا يكون سيف تلك المسئولية عائقا لأداء تلك الوظيفة والتردد في القيام بها خشية محاسبتهم عن مجرد الإهمال أو الخطأ الذي قد يقعون فيه دون قصد. كما أنهم غير مسئولين أيضا عما يبدونه من مذكرات أو مرافعات شفهية تتضمن عبارات تنطوي على سب وقذف طالما أنها كانت صادرة في حدود وظائفهم وطبقا لمقتضيات حقوق الدفاع والعرف القضائي ، فمثل
هذه العبارات أو الإجراءات بصفة عامة يتوافر بالنسبة لها سبب إباحة يتمثل في أداء الواجب المنصوص عليه قانونأ سواء كان تنفيذا لنص القانون ، أم تنفيذا لأمر شرعی صادر عن السلطة المختصة .
ومع ذلك فإن مبدأ عدم مسئولية النيابة العامة ليس مطلقا ، إذ يجوز مخاصمة عضو النيابة العامة إذ صدر منه في عمله غش أو تدليس أو غير أو خطأ مهني جسيم (انظر المواد 494 وما بعدها من قانون المرافعات). .
خامسا - حق الرد:
نص قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية على
جواز رد القضاة إذا قامت بهم بعض الأسباب التي قد تخرجهم عن حياتهم ونزاهتهم ، كما أجاز للقاضي في غير أحوال الرد أن ينتحي من تلقاء نفسه إذا استشعر الحرج في ذلك (انظر المواد ۲۹۷ وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية)، وقد أجاز قانون المرافعات أيضأ رد ممثل النيابة العامة عندما يكون خصما منضمة لأنه يكون في حكم القاضي وهذا يعني أنه لا يجوز رد عضو النيابة حينما يكون خصمة أصلية وقد صرحت بهذه القاعدة المادة 48 ۲/ ۲ إجراءات جنائية التي نصت على أنه لا
يجوز رد أعضاء النيابة العامة ولا مأموري الضبط القضائي ."
ولما كانت النيابة العامة تعتبر خصمة أصلية بصفة دائمة في الدعوى العامة ، فإنه لا يجوز ردها وذلك لسببين: الأول : أنه لا يجوز للخصم أن يرد خصمه ، فلا يجوز للمدعى عليه في الدعوى العامة طلب رد النيابة العامة لأنها خصه الطبيعي ولا يجوز له التهرب من خصومتها) . والثاني : أن طلبات النيابة العامة ورأيها لا
بزم قاضي الحكم وإنما يخضع لمطلق تقدير المحكمة .
ومع ذلك فقد ظهر اتجاه قوي في الفقه يعترض على التفرقة السابقة بين
أعضاء النيابة العامة والقضاة ويطالب بتقرير جواز رد أعضاء النيابة العامة في الدعوى العامة كلما وجدت أسباب تؤثر على نزاهتهم واستقلالهم). فإذا كانت النيابة العامة خصما فإن المدعى عليه لا يرد النيابة بأجمعها وإنما يرد ممثلها فقط عندما شور لديه الشك في استقلاله ونزاهته ويطلب استبداله بغيره . وإذا كانت طلبات النيابة
العامة تخضع من الناحية القانونية المطلق تقدير المحكمة ، إلا أنه في الواقع يكون الرأيها تأثير على المحكمة ، لأنها ليست مجرد خصما عادية وإنما هي سلطة تسعى إلى التطبيق الصحيح للقانون بصرف النظر عن مصلحة المدعى عليه . ولهذا من المحتمل أن يكون لها تأثير من هذه الزاوية على المحكمة . ولذلك فإن المصلحة العامة تضى اطمئنان المدعى عليه والرأي العام إلى ممثل النيابة العامة ، إذ يعتبر ذلك من ضمانات الدفاع، وذلك عن طريق إجازة رده ، إذ قد تجمعه بالمجنى عليه صلة
قرابة أو صداقة أو قد تجمعه بالمدعى عليه ظروف ضغينة أو عداوة يحتمل أن تؤثر في تصرفاته .
المدعى عليه (المتهم)
من خصائص الجزاء الجنائي أنه شخصی ، فالعقوبات شخصية، والتدابير الاحترازية شخصية ، لا توقع إلا على من ارتكب الجريمة أو ساهم فيها شخصية . وشخصية الجزاء الجنائى نتيجة حتمية لشخصه المسئولية الجنائية ، فلا يسال عن الجريمة إلا من ارتكبها أو ما هم فيها شخصية . وشخصية المسئولية الجنائية نتيجة
حتمية أيضا لشخصية الدعوى الجنائية ، فلا تتخذ إجراءات الدعوى الجنائية إلا في مواجهة شخص تشير أصابع الاتهام إلى نسبة الجريمة إليه ، أي في مواجهة مدعی عليه (منهم) تنسب إليه ارتكاب الجريمة شخصية أو مساهمته فيها . ونظرا لأن المتهم لم يعد فقط - في الوقت الحالي - مجرد طرف سلبي يخضع لإجراءات القسر والإكراه كما كان في الماضي - بل أصبح يتمتع بحقوق وضمانات تتدرج حسب المرحلة التي تكون عليها الدعوى الجنائية ، فإنه يكون من المتعين بيان ما هو المقصود بالمدعي عليه ؛ وما هي الشروط الواجب توافرها فيه ؛ وما هي حقوقه وواجباته .
شروط المدعى عليه (المتهم)
يستخلص من التعريف السابق للمدعى عليه في الدعوى الجنائية ضرورة
توافر الشروط التالية:
ثانيا - أن ينسب إليه ارتكاب جريمة أو المساهمة في ارتكابها :
لا تثبت صفة المدعى عليه إلا في مواجهة شخص تزعم أحد الأجهزة
الإجرائية المرتبطة بالدعوى العامة أنه ارتكب جريمة أيا كانت درجة مساهمته فيها ، أي سواء كان فاعلا أم شريكة . وبعبارة أخرى ، فإن المدعى عليه هو الشخص الذي ينسب إليه ارتكاب جريمة ومسئوليته عنها سواء ارتكبها بمفرده أم ماهم مع غيره ، وأيا كانت صورة هذه المساهمة . يترتب على ذلك أن الصغير غير المميز الذي لم يبلغ الثانية عشر من عمره حين اقتراف الجريمة لا يكتسب صفة المدعى عليه ولا تجوز ملاحقته جنائيا (المادة 94 من قانون الطفل بعد تعديلها بالقانون رقم ۱۲۹ لسنة ۲۰۰۸). فإذا بلغ هذه السن يجوز إقامة الدعوى العامة عليه ويصبح مدعيا عليه فيها ، وفي جميع الأحوال لا يجوز إقامة تلك الدعوى على الولى أو الوصي على هذا الصغير ، ولا إلخال أحدهما في الدعوى المقامة عليه ، لأن رعايتهم للصغير تقتصر على الأعمال المدنية فقط دون الجنائية التي يسأل عنها الصغير شخصية . فلا يوجد في نطاق المسئولية
الجنائية ما يطلق عليه "المسئولية عن فعل الغير"، وما يذكر في مجال القانون الجنائي على انه مسئولية عن فعل الغير هو في حقيقته مسئولية شخصية ينسب فيها الخطا الشخصي لهذا الغير فقط. فالمسئولية التي تنص عليها المادة 114 من قانون الطفل رقم ۱۲ لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم ۱۲۹ لسنة ۲۰۰۸ مسئولية جنائية لا تقرر عن الجرائم التي يرتكبها الأحداث الموجودين تحت رعايتهم أي ليست هي مسئولية كتلك التي نلاحظها في القانون المدني ويطلق عليها " مسئولية متولي الرقابة "
، وإنما هي مسئولية جنائية شخصية ترجع إلى خطأ شخصي يتمثل في الإهمال وعدم القيام بواجب الرقابة والإشراف على الحدث الذي سلم إليهم ومنعه من ارتكاب جريمةفهي مسئولية عن جريمة خاصية وشخصية لا عن الجريمة التي ارتكبها الحدث ، أي ليست مسئولية جنائية عن الغير .
ويصدق نفس المعنى على الجرائم التي تقع من المحررين أو العمال أو
المرؤسين في مجال المؤسسات الصحفية ودور النشر والشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية حين تقام الدعوى العامة عن تلك الجرائم على المدير أو الرئيس أو رب العمل . إذ ليس معنى ذلك أن هؤلاء الأخيرين يسألون عن جرائم عمالهم ومرؤوسيهم مثل تلك المسئولية المعروفة في القانون المدني والتي يطلق عليها مسئولية
المتبوع عن أفعال تابعه أي مسئولية عن فعل الغير ، وإنما يسألون عن تلك الجرائم لأنها تنسب إليهم شخصية وترجع إلى خطأهم الشخصي في الإهمال في اختيار تابعيهم ومرؤوسيهم ، أولا ، وفي الإهمال والتقصير ثانيا في القيام بواجب الإشراف والرقابة عليهم حتى لا تقع منهم تلك الأفعال الإجرامية . فهي إذن مسئولية جنائية شخصية وليست مسئولية جنائية عن فعل الغير ، ترفع عليهم الدعوى الجنائية على ساسها ، ويكونون مدعى عليهم في تلك الدعوى .
وفي هذه الحالة لا تتقرر المسئولية الجنائية عن فعل الغير ، وإنما هي في
الواقع تتقرر عن الفعل الشخصي المتمثل في إهمال القيام بواجب الإشراف والمراقبة فتكون إذن مسئوليتهم الجنائية شخصية ، وترفع عليهم الدعوى الجنائية بسبب جرائمهم الشخصية ويكونون مدعى عليهم في تلك الدعوى.
يتضح مما سبق أن الشخص لا يكتسب صفة المدعى عليه إلا إذا كان قد
نسب إليه شخصية ارتكاب جريمة
وبناء على ذلك لا تثبت صفة المدعى عليه في الدعوى العامة للمسئول عن الحقوق المدنية (أو المسئول بالمال أو المسئول مدنيا)، وهو الذي يوجد بينه وبين المدني علية رابطة قانونية أو اتفاقية تجعله مسئولا بالتضامن معه من التعويض المثنی أو الالتزامات الأمنية الأخرى ، أي أن مسئولية المسئول بالمال مدنية فقط ، وهذه المسئولية هي التي تجيز دخوله أو إدخاله أثناء نظر الدعوى العامة للحكم عليه بالتعويض للمضرور أو المدعي بالحق الشخصي، أو المصاريف المستحقة
للحكومة (المادتان ۲۵۳، ۲۰۶ إجراءات). وحتى في هذه الحالة الأخيرة فإن مسئولية المسئول بالمال تكون مدنية لا جنائية . ولذلك لا يمكن الحكم على المسئول بالمال بالعقوبة ولو كانت في صورة عقوبة الحبس أو الغرامة مهما قلت مدتها أو مقدارها ، لأنه لا ينسب إليه ارتكاب جريمة أو المساهمة في ارتكابها .
ولنفس السبب لا يقبل من أي شخص آخر أن يدخل في الدعوى الجنائية
، ليقف إلى جانب المدعى عليه ويساعده في الدفاع عن نفسه مهما كانت مصلحته
في ذلك ، فلا يقبل دخول أحد أقاربه أو أصدقائه ممن يهمهم براءته ، لأن حق المدعي عليه وحريته في الدفاع عن نفسه مكفولة، وإن كان يجوز له استشارتهم في تحضير دفاعه أو أن يطلب سماعهم بصفتهم شهود . كذلك لا يقبل دخول أي شخص يكون قد ارتكب جريمة مماثلة لجريمة المدعى عليه ويخشى من تأثير الحكم الذي يصدر على دعواه . ولا يجوز للمدعى عليه أن يدخل في الدعوى العامة شخص آخر بری من وجهة نظره أنه شريك له لكي يحكم عليه معه أو الحكم عليه باعتباره الفاعل الوحيد للجريمة لأن تحريك أو رفع الدعوى العامة ضد هذا الشخص ليست من حقه ، كما أن حريته في الدفاع عن نفسه وإظهار براءته لا يتوقف على الحكم على هذا الشخص الآخر . كما لا يجوز لهذا الشخص الآخر أن يدخل باختياره في تلك الدعوى ، إذ أنها لا تتحرك ولا ترفع بناء على طلبه ، وهو لا يمكنه إرغام النيابة العامة على منها أو استعمالها .
وأخيرا لا يجوز للمدعى عليه أن يدخل المدعي بالحق المدني (الحق
الشخصي أو المضرور) ليحكم له في دعواه مع الدعوى العامة ، لأنه من جهة لا يجوز له إجبار المدعى المدني على استعمال دعواه ، كما لا يجوز له من جهة أخرى أن يحرمه من حقه في الخيار بين رفع دعواه إلى المحكمة المدنية أو رفعها إلى المحكمة الجنائية تبعا للدعوى العامة .
أولا - أن يكون إنسانا حيا :
أصبح من المستقر عليه والمسلم به الآن ضرورة أن يكون المدعى عليه في الدعوى العامة شخصأ طبيعية أي إنسانة . فلقد مضى الزمن الذي كان تقام فيه تلك الدعوى على الجمادات والحشرات والحيوان وإن كان يمكن رفع الدعوى العامة على متولى حراسة حيوان مؤذ إذا أفلته أو على صاحب الكلب الذي يحثه على مهاجمة المارة أو اللحاق بهم أو لم يمسكه عن ذلك ولو لم يحدث أذى أو ضرر (المادة ۳ /۳۷۷، 4 عقوبات).
ومن الطبيعي أن تقام الدعوى العامة على الشخص الطبيعي لأنه الكائن
الوحيد الذي يتمتع بالإرادة والإدراك أو التمييز وحرية الاختيار ، وهو الذي يمكن أن يصدر عنه النشاط الإرادي الإجرامي وتتحقق فيه الإرادة الآثمة وتقع عليه تبعا لذلك مسئوليته عن أفعاله الإجرامية ، كما أنه أيضا هو الوحيد الذي يدرك الجزاء الجنائي وتتحقق فيه أغراضه وبصفة خاصة التأهيل والإصلاح ، فهو الذي يشعر بألم العقوبة وأثرها الرادع وتتخذ في مواجهته التدابير الاحترازية التي تعالج الخطورة الإجرامية لكامنة في نفسه .
ومع ذلك فقد عرفت التشريعات الحديثة إمكانية مساءلة الشخص المعنوي أو الاعتباری جنائية وما يترتب عليه ذلك من إمكانية إقامة الدعوى الجنائية عليه . وهكذا فإن المدعى عليه في الدعوى العامة لم يعد قاصرة على الشخص الطبيعي أي الانسان وإنما يمكن أن يكتسب تلك الصفة الشخص المعنوي أو الاعتباري وذلك في الحالات التي تتقرر فيها المسئولية الجنائية لتلك الأشخاص القانونية .
صحيح أن الأفعال الإجرامية تصدر عن أشخاص طبيعية أي إنسان (مدير
عضو إدارة - ممثل - عامل) ، ولكن هذه الأفعال تصدر عن هذه الأشخاص الطبيعية ليس لحسابها ، وإنما لحساب الشخص المعنوي ومصلحته ، فيتحمل تبعا لذلك المسئولية الجنائية عنها وتقام عليه الدعوى العامة ويكون هو المدعى عليه في تلك الدعوى وهو الذي يصدر في مواجهته حكم الإدانة إذا ثبتت مسئوليته عن تلك الأفعال ويتحمل الجزاءات التي تصدر بها تلك الأحكام ، وهي جزاءات تتناسب وطبيعته
ووضعه القانوني فلا يحكم عليه في حالة الإدانة إلا بالغرامة والمصادرة ونشر الحكموالتدابير الاحترازية العينية .
ويكتسب الإنسان صفة المدعلی علیه طالما أنه على قيد الحياة ، فلا تقام
الدعوى العامة إلا على الإنسان الحي . فإذا مات لا يكتسب تلك الصفة وتسقط عنه إذا كان قد اكتسبها . وقد عبرت محكمة النقض عن هذا المعنى حين قضت بأنه" حيث أن المرء إذا توفاه الله وأمحی شخصه من الوجود وانقطع من هذه الدنيا سقطت كل تكاليفه الشخصية فإن كان قبل الوفاة لما يحاكم أمحت جريمته وإن كان محكوما عليه سقطت عقوبته لا يرثه في هذه التكاليف أحد من أم أو أب أو صاحبه أو ولد .
وتعتبر الوفاة أحد أسباب انقضاء الدعوى العامة ، فإذا لم تكن تلك الدعوى قد تحركت وجب على النيابة العامة أن تصدر قرارا بحفظ الأوراق، وإذا كانت قد تحركت أمام سلطة التحقيق وجب على تلك السلطة إصدار قرارا بألا وجه لإقامة الدعوى وإذا مات المدعى عليه بعد رفع الدعوى وأثناء مباشرتها أمام المحكمة وقبل أن يصدر فيها حكم بات قضت المحكمة بانقضاء الدعوى لوفاة المدعى عليه ، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز رفع الدعوى العامة على جثة المدعى عليه بعد وفاته ، كما لا
يجوز رفعها على ورثته أو أقاربه .
ويمكن اعتبار حل الشخص المعنوي بمثابة وفاة له ، فإذا تم حل هذا الشخص اختيارية بإرادة مؤسسيه أو إجباريا عن طريق حكم قضائي أو لأي سبب آخر فإنه لا تجوز إقامة الدعوى العامة على مثل هذا الشخص لأنه قد زال من الوجود ، إذ لم يعد له وجود قانونی ، كما لا يجوز إقامتها على أحد مؤسسية لأنهم فقدوا صفته التمثيلية له بمجرد حله، اللهم إلا إذا كان يمكن مساءلتهم شخصية عن الجريمة التي وقعت باسم الشخص المعنوي الذي تم حله. .
ثالثا- أن يكون معينا:
يترتب على مبدأ شخصية الدعوى الجنائية ، أن تلك الدعوى لا ترفع ضد
مجهول ، بل يجب أن يكون المدعى عليه أي من ينسب إليه ارتكاب جريمة أو المساهمة فيها معينة أو محددة .
ولكن تلك النتيجة ليست مطلقة في جميع مراحل الدعوى ، إذ يجب التمييز این مرحلة التحقيق الابتدائي ومرحلة المحاكمة.
في مرحلة التحقيق ، يجوز فتح التحقيق في تلك المرحلة ضد مجهول إذا لم كشف شخصية الفاعل أو المساهم في مرحلة الاستقصاء أو التحرى ، ويكون أحد أهداف مرحلة التحقيق الابتدائي هي الكشف عن شخصية مرتكب الجريمة أو المساهم فلا يقبل دخول أحد أصول الصيف
فيها . فيجوز للنيابة العامة أن تدعى ضد مجهول . وتتحرك الدعوى العامة في هذا الفرض وتضع يدها عليها بصورة عينية in Remn أي من حيث الوقائع وليس من حيث الأشخاص in personam ، وتباشر التحقيق توصلا إلى معرفة الفاعل أو المساهمين في الجريمة , فإذا تعذر عليها ذلك فإنه لا يجوز لها إحالة الدعوى إلى المحكمة .فإذا توصلت إلى معرفة بعضهم وبقى الآخرون مجهولي الهوية أحيل من عرف منهم فقط إلى المحكمة، وترسل مذكرة تحر دائم إلى مأموري الضبط القضائي
وإلى السلطة العامة لمواصلة البحث عن المجهولين إذ لا تجوز إحالة الدعوى ضد مجهول إلى المحكمة .
أما في مرحلة المحاكمة فلا يجوز أن ترفع الدعوى العامة ضد مجهول ، إذ
يجب أن يكون المدعى عليه في تلك المرحلة معينة أو محددأ ولا يشترط التحديد أو التعيين الدقيق ، أي لا يشترط أن يكون معينة باسمه ولقبه وجنسيته بصورة دقيقة ، أي لا يشترط أن تحدد هويته أو شخصه بالتفصيل وبدقة ، وإنما يكفي أن يكون معينة بذاته ، أي معينة تعيينة نافية للجهالة دون أن تحدد هويته ، طالما لا يوجد شك على أنه هو الشخص الذي ارتكب الجريمة او ساهم فيها . مثال ذلك من يقبض عليه متلبسة بجريمة ويكتم اسمه ويصر على ذلك أو يذكر اسمأ غير اسمه الحقيقي، فمثل هذا الشخص لا يوجد مانع من رفع الدعوى العامة عليه بإحالته إلى المحكمة ومحاكمته إذ لا يثور أدنى شك في نسبة الجريمة إليه ولا يخشى أن يؤخذ غيره بجريرته .
واشتراط ضرورة تعيين المدعى عليه على النحو السابق في مرحلة المحاكمة أمر منطقي حتى تتاح له إمكانية الحضور للدفاع عن نفسه وسماع الحكم الصادر ضده ولذلك يبطل إدعاء النيابة العامة (وكذلك شكوى المضرور) أمام المحكمة إذا انطوى على غموض أو التباس حول هوية المدعى عليه
ولكن لا يوجد تلازم بين ضرورة تعيين المدعى عليه وحضوره إجراءات
المحاكمة ، إذ يجوز أن ترفع الدعوى على مدع عليه معين بشخصه أو بذاته حتى ولو لم يحضر جلسات المحاكمة أو حضر أحدها فقط، إذ تجوز محاكمته غيابية في. هذه الحالة وأن يصدر ضده حكما غيابية أو حكمة بمثابة الحضوري بحسب الأحوال
المقصود بالمدعى عليه (المتهم)
لا تثبت صفة المدعى عليه في الدعوى المدنية - طبقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية - إلا برفع الدعوى المدنية أمام القضاء وذلك بإيداع صحيفة التكليف بالحضور في قلم الكتاب . بينما صفة المدعى عليه (أو المتهم في الدعوى الجنائية قد تثبت قبل رفع الدعوى الجنائية أمام القضاء الجنائي ، لأن تلك الدعوى - على
عكس الدعوى المدنية - قد تحتاج إلى تحقيقات سابقة في سبيل كشف الحقيقة الواقعية ، تفرض بسببها على من ينسب إليه ارتكاب جريمة أو المساهمة فيها التزامات أو اعباء يتحملها في وقت الأصل فيه أنه بري وهو ما تفرض بالمقابل - تمتعه بمجموعة من الحقوق والضمانات . ومن هنا فإن صفة المدعى عليه (أو المتهم) لا تثبت قانونا إلا منذ اللحظة التي تسند فيها سلطة الادعاء أو الاتهام إلى شخص ما ارتكاب الفعل :.
الكون للجريمة سواء بوصفه فاعلا أم شريكة .
وتطبيقا لذلك لا تثبت تلك الصفة في نظر القانون في مرحلة جمع
الاستدلالات أو التحريات ، ولا تثبت من باب أولى في مواجهة الشخص الذي ينسب اليه ارتكاب جريمة في بلاغ أو شكوى أو طلب ؛ وسواء كانت الجريمة متلبس بها أم کے متلبس بها ، وأقصى ما يمكن أن يوصف به مثل هذا الشخص هو" المشتبه فيه "
ولكن محكمة النقض وقبلها قانون الإجراءات الجنائية يأخذان بمعنى أوسع التهم . فقد قضت محكمة النقض بأن المتهم" هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب ديمة معينة ولو كان ذلك في أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجريمة ومرتكبها وجمع الاستدلالات ما دامت قد حامت حوله شبهة أن له ضلعا في ركابها . وهو أيضا ما سار عليه قانون الإجراءات الجنائية حيث يطلق صفة المتهم "منذ مرحلة جمع الاستدلالات المواد ۲۹ وما بعدها) أو في حالة الشكوى أو الطلب (م. ۹۰۶)، وفي حالة التصالح (المادة 18 مكرر ) ، وفي حالة التلبس بالجريمة
المادة 34 وما بعدها) ، وفي حالة الادعاء المباشر من المدعي بالحقوق المدنية المادة ۲۰۱) وفي الأمر الجنائي (المادة ۳۲۳ وما بعدها) ؛ مرورا بمرحلة التحقيق الابتدائي وأخيرا مرحلة المحاكمة . بل في بعض الأحيان يعتبر الشخص محكوما عليه رغم أنه لم يصدر ضده حكم بات بعد وهذا هو الشأن بالنسبة للمعارضة في الحكم الغيابي أو المعتبر حضوري في جنحة (المادة 241 ، 467) وكذلك بالنسبة للحكم الغيابی الصادر في جناية (المادة ۳۹۰) وكذلك عند الطعن بالنقض (المواد ۳۰ " من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض) ، بل يصفه " بالمتهم المحكوم عليه "إذا سقط الطعن إذا لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة (المادة 41 من
قانون حالات وإجراء الطعن بالنقض) وعلى العكس من ذلك يطلق على من صدر ضده حكما من محكمة النقض" المتهم " (المادة 444)
ولتفادي هذا القصور والتداخل يفضل أن يستخدم مصطلح المشتبه فيه "
Suspectفي مرحلة التحريات أو التحقيق الأولى سواء كانت الجريمة متلبسا بها أم. غير متلبس بها . ومصطلح" المدعى عليه "أمام سلطة التحقيق . وكان القانون الفرنسي حتى سنة ۱۹۹۳ يطلق عليه مصطلح "inculpe" ولكنه استبدله بمصطلح
imise en examenي تحت الاختبار أو قيد التصنيف (۱).
فإذا كانت الواقعة جنحة أو مخالفة وأحيلت أمام القاضي الجنائي فيطلق على المدعى عليه اسم " الظنين "ويطلق عليه Prevenu في القانون الفرنسي وتظل له تلك الصفة أمام المحكمة الاستئنافية وأمام محكمة النقض . وإذا كانت الواقعة جناية وأحيلت أمام محكمة الجنايات فيطلق عليه" متهم "ويطلق عليه accuse في القانون الفرنسي وتظل له تلك الصفة أمام محكمة النقض .وبعد صيرورة الحكم بات يطلق على الجميع" المحكوم عليه ."على أن يراعی ضرورة الالتزام بتلك التسميات المختلفة في قانون الإجراءات الجنائية والقوانين الأخرى خلال مراحل الدعوى المختلفة بكل دقة .
وتلتزم به أيضا الأجهزة الإجرائية المختلفة (مأمورو الضبط القضائي، أعضاء النيابة العامة ، قضاة التحقيق ، المحاكم الجنائية المختلفة. اس ت
وعلى ذلك يمكن تعريف المدعى عليه في الدعوى الجنائية بأنه كل شخص تزعم سلطة الاتهام أو الإدعاء بأنه ارتكب جريمة وتطلب معاقبته عليها بوصفه مساهمة فيها ، أيا كانت صورة المساهمة ، أي سواء كان فاعلا أم شريكة .
حقوق وواجبات المدعى عليه
ترند جميع حقوق المدعى عليه إلى قرينة البراءة التي تظل ثابتة له إلى أن يصدر ضده حكما باتا بالإدانة من محكمة مختصة مشكلة تشكيلا صحيحة ووفقا الإجراءات محددة يتوافر له خلالها كل الضمانات لإثبات براءته . وطالما أن الأصل فيه أنه بري فيحق له أن يتمسك بحريته ولا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه وأن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بحرية تامة .
كما أن واجبات المدعى عليه تعود إلى حق المجتمع في ملاحقة من ينسب إليه ارتكاب جريمة أو المساهمة فيها وتمكينه من الوصول إلى حماية المجتمع عن طريق توقيع الجزاء الجنائي العادل على المجرم الحقيقي .وبلوغ ذلك الهدف يقرض على المدعى عليه الخضوع للإجراءات الجنائية الضرورية لذلك وعدم عرقلتها .
وهذه الحقوق التي تنشأ للمدعى عليه وتلك الواجبات التي تقع على عاتقه ستكون محل دراسة تفصيلية خلال تعرضنا لمراحل الدعوى العامة المختلفة .
وسيقتصر بحثا لها الآن على عرضها بإيجاز .
أولا : حقوق المدعى عليه :هذه الحقوق متعددة وتزداد عددأ وأهمية بحسب كل مرحلة من مراحل الدعوي ، وهي ترجع جميعها كما ذكرنا من قبل إلى قرينة البراءة وما يترتب عليها من آثار .
ومن هذه الحقوق :١- الحق في حضور جميع إجراءات التحقيق ، إلا إذا نص القانون على
خلاف ذلك أو إلا إذا دعت الضرورة اتخاذها في غيبته بشرط إطلاعه على ما جرى في غيبته فور انتهاء تلك الضرورة (انظر المادتان ۷۷، ۲۷۰ إجراءات).۲- حقه في أن يحاط علما بالتهمة المنسوبة إليه قبل استجوابه (المادة ۱۲۳ والمادة ۱۹۹ إجراءات).۳- حقه في أن تعلن إليه أوامر الحضور والقبض والحبس الاحتياطي وتسلم له صورة منها (المادة ۱۲۸ إجراءات).
4- حقه في الاستجواب عقب القبض عليه أو قبل أن يصدر أمر بحبه
احتياطيا (المادتان ۱۳۱، ۱۳ إجراءات).
- حقه في دعوة محاميه لحضور إجراءات التحقيق وبصفة خاصة أثناء
الاستجواب أو المواجهة (المادتان ۷۷، ۱۲۹) ولا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه
المادة ۱۲۵)
- حقه في الإجابة أو علم الإجابة عما يوجه إليه من امثلة . والحق في
علم الإجابة يفيد الحق في الصمت ورفض الكلام أو الإجابة على ما يوجه إليه من أسئلة . ولا يجوز أن يستخلص من هذا الصمت قرينة ضده، كما لا يجوز إكراهه على الكلام تحت أي صورة من صور التهديد أو التعذيب المادي أو المعنوي ، ولا يجوز تحليفه اليمين لأنه من قبيل الإكراه المعنوي .
۷- حقه في إبداء طلباته أو دفوعه بحرية سواء في صورة دفاع شفوي أم
كتابي ، وله أن يقدم المستندات المؤيدة لدفاعه ، ولا قيود عليها في كميتها أو نوعها المادتان ۸۱، ۸۲ إجراءات). كما لا يفرض عليه قول الصدق أو الحقيقة فيما يقدم عليه من أقوال او مستندات فقد تكون كانبة وقد يكون قد تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة . فالقاعدة أنه لا يجبر الشخص على أن يقدم دليلا ضد نفسه . كما أن له أن يناقش الأدلة المقدمة ضده وأن يطعن في الحكم الذي يصدر ضده
ثانيا - واجبات المدعى عليه
تمر الدوري العامة بمراحل يتخذ خلالها مجموعة من الإجراءات الجنائية اللازمة للوصول بها إلى نهايتها في سبيل اقتضاء الدولة لحقها في معاقبة مرتكب الجريمة ويتطلب القيام ببعض هذه الإجراءات الضرورية المساس بحرية المدعى عليه أو حرمة مسكنه أر حياته الخاصة ، ومن ثم يتعين عليه الالتزام بتلك الإجراءات أو الخضوع لها من ناحية ، وعدم عرقلتها من ناحية أخرى . فهو يلتزم بالخضوع لإجراءات القبض والحبس الاحتياطيه كما يلتزم بتفتيشه أو تفتیش، مسكنه أو فحصه شخصية للكشف عن آثار الجريمة أو التحقق من أهليته للمسئولية الجنائية او بالسماح بضبط المراسلات أو الأشياء الأخرى التي تفيد في كشف الحقيقة . كما يلتزم بالمثول أمام المحكمة بمجرد اتصال علمه قانون برفع الدعوى عليه ويلتزم بالخضوع للآثار الجنائية الأخرى التي ترتب على الحكم الصادر ضده .هذه الواجبات وغيرها تفرضها مصلحة التحقيق في الدعوى والتي يتحقق بها مصلحة المجتمع .
إقامة الدعوى العامة
بمجرد وقوع جريمة ما ينشأ للمجتمع أو للدولة الحق في معاقبة مرتكب تلك الجريمة ، وينشأ معه في نفس الوقت الحق في الدعوى الذي هو وسيلة الدولة لاقتضاء
حقها في العقاب .
والحق في الدعوى يظل ساكنا أو نظرية إلى أن تقام الدعوى أمام الجهات القضائية المختصة . وهكذا يكون إقامة الدعوى هو الإجراء الأول الذي تفتح به تلك الدعوى وتبدأ منه في الانطلاق نحو السير فيها أو مباشرتها أو استعمالها .
فإقامة الدعوى العامة إذن هو الإجراء الذي يتم بمقتضاه وضعها بين يدي سلطة التحقيق أو قضاة الحكم للتحقيق فيها أو الفصل فيها ، ويعد بمثابة الشرارة الأولى التي تنطلق بعدها إجراءات مباشرة تلك الدعوى واستعمالها إلى أن يصدر في موضوعها حكما فاصلا ياتة بالإدانة أو بالبراءة ..
وقد يطلق على إقامة الدعوى" "تحريك الدعوى أو رفعها "، وهو يختلف في جميع الأحوال عن " مباشرة" الدعوى أو استعمالها" . فما هو المقصود بكل من قامة الدعوى وتحريكها ورفعها واستعمالها . يقصد بإقامة الدعوي أول إجراء تبدأ به أو تفتح به الدعوى سواء أمام سلطة التحقيق أم أمام قضاء الحكم . أو هو الإجراء التي تدفع به الدعوى أو توضع بين يدي سلطة التحقيق أو قضاء الحكم.
ويدهب الاتجاه الغالب في الفقه إلى أن مصطلح "إقامة الدعوى ، يعني : تحريك الدعوى" أو "رفع الدعوى"، أي أن هذه المصطلحات الثلاثة مترادفات تقيد معنى واحدة . ويبدو أيضا أن هذا الاتجاه هو ما يأخذ به المشرع - على الرغم من أنه لم يستخدم إلا مصطلح رفع الدعوى على سبيل المثال المواد ۱ ،۳، ۸، ۹، ۱۱ ،۱۲، ۱۳ إجراءات).
ونفضل من جانبنا أن يستخدم مصطلح تحريك الدعوى" في معنى الإجراء الذي يتم بمقتضاه وضع سلطة التحقيق يدها على الدعوى ، أما مصطلح "رفع الدعوى"
فيقصد به الإجراء الذي يتم بمقتضاه دخول الدعوى في حوزة قضاء الحكم ، ومصطلح إقامة الدعوى" يضم تحريك ورفع الدعوى ، فالدعوى تكون مقامة بالتحريك أو بالرفع أو بهما معا .
ويقصد بمباشرة الدعوى أو استعمالها متابعتها أو السير فيها منذ إقامتها تحريكها ورفعها) وحتی صدور حکم بات فيها وذلك عن طريق مجموعة من الإجراءات التي تتخذ أمام سلطة التحقيق أو قضاء الحكم. بنا دیا۔
وتختص النيابة العامة بمباشرة أو استعمال الدعوى العامة ، واختصاصها في هذا الشأن اختصاص استثاري أو احتكاري ، فهي التي تتولى تقديم طلباتها أمام سلطة التحقيق وهي التي تطعن في قراراتها ، وهي التي تقدم مطالبها وتترافع أمام المحكمة وهي التي تطعن في الأحكام الصادرة بطرق الطعن العادية أو غير العادية
وهذا الاختصاص الاحتكاري للنيابة العامة سوف يكون محل دراسة تفصيلية عند بحث سير الدعوى العامة .
و أما الاختصاص بإقامة الدعوى - تحريكة ورفعة - فهو بحسب الأصل يثبت النيابة العامة واستثناء يسند إلى جهات أخرى غير النيابة العامة .وفي جميع الأحوال
فإن الاختصاص بإقامة الدعوى العامة ليس مطلقأ وإنما يرد عليه بعض القيود .
ونبين فيما يلي الاختصاص بإقامة الدعوى العامة والقيود التي ترد عليه.