Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
الحلول الوضعية لتنازع القوانين فى شأن المسائل المتعلقة بالمعاملات المالية
الحلول الوضعية لتنازع القوانين فى شأن المسائل المتعلقة بالمعاملات المالية
:الإلتزامات التعاقدية
( مضمون الفكرة المساندة )
العقود الداخلة فى مضمون الفكرة المسندة :
و العقود الخاصة بالأحوال الشخصية، مثل عقد الزواج وعقد التبني وعقد التوريث، لا تدخل في مضمون الفكرة المسندة. |
فالمقصود هنا هو العقود المتعلقة بالمعاملات المالية. وفي هذا المجال الأخير فإنه يتعين استبعاد العقود التي ترد على عقار من مضمون الفكرة المسندة، إذ تخضع هذه العقود القانون موقع العقار
القانون الواجب التطبيق فى شأن عقد العمل :
لعل المشكلة تنازع القوانين في المسائل المتعلقة بعقد العمل تعد من أدق الشاكل. فعقد العمل يعد بحق نموذجا للعقود التي تتنافى طبيعتها مع قاعدة الإسناد العامة في شأن إخضاع الالتزامات التعاقدية لقانون الإدارة.
و ذلك أن تدخل المشرعين منذ مقتبل هذا القرن بالتنظيم الأمر العلاقات العمل، حتى في البلاد الرأسمالية نفسها، قد حصر دور الإرادة في مجال ضيق، ولعل دقة المشكلة محل البحث، وتشعب الخلاف في شأنها، هو ما دفع المشرع المصري إلى حذف المادة 44 من مشروع القانون المدني، والتي كانت تضمن قاعدة اسناد خاصة بعقود العمل، مفضلا ترك هذه المسألة الاجتهاد
(۲) حكم عقد العمل الذي يجري تنفيذه في أكثر من دولة
و يثور التساؤل حول القاعدة الواجبة الاتباع في شأن إسناد عقود العمل التي يجري تنفيذها في أكثر من دولة. ويهون الأمر فيما لو كان العقد منفذا بصفة أساسية في إقليم دولة معينة مع قيام تنفيذه بصفة فرعية أو مؤقتة في دولة أو عدة دول أخرى. إذ يظل العقد خاضعا لقانون الدولة التي يجري فيها تنفذ العمل الرئيسي:
وإنما يدق الأمير مع ذلك بالنسبة لعقود العمل التي تنفذ في أكثر من دولة، ويصعب القول بجريان تنفيذها بصفة أساسية في اقليم دولة معينة، مثل العقود المبرمة مع الوكلاء التجاريين وكذلك العقود المبرمة مع عمال النقل الدولي.
ويتجه كل من الفقه والقضاء الراجح إلى تطبيق قانون مركز إدارة الأعمال على أساس أن العمل المؤقت في اكثر من مكان خارج نطاق الدولة التي توجد فيها إدارة المشروع يعد امتدادا لنشاط هذا الأخير، كل ما في الأمر هو أن الفقه قد اشترط في هذه الحالة أن تكون ثمة رابطة بين العمل الذي يؤديه العامل ومركز المشروع، بأن يتلقى توجيهاته من هذا المركز وفي هذه الحدود يمكن لنا في حكم محكمة النقض المصرية والذي أسند عقد العمل بقانون مركز الأعمال. إذ أن الملاحظ في الدعوى المطروحة أن عقد العمل محل البحث، والمبرم بين إحدى شركات الطيران الأمريكية وأحد طياريها، كان يجري تنفيذه في أكثر من دولة وهو ما يبرر تطبيق القانون الأمريكي بوصفه قانون الجهة التي يوجد بها المركز الرئيسي للشركة.
وعلى هذا النحو يمكن القول بان إخضاع عقود العمل لقانون الدولة التي يجري فيها تنفيذ العقد مشروط بأن يكون العقد منفذا تنفيذا كاملا في هذه الدولة. أما إذا كان العقد منفذا في أكثر من دولة على النحو فإنه يخضع في هذه الحالة القانون مركز إدارة الأعمال. إذ تفقد الاعتبارات الآمرة التي تقوم عليها قاعدة خضوع العقد لقانون دولة التنفيذ أهميتها.
(۱) خضوع عقد العمل لقانون دولة التنفيذ
و تدخل المشرعين في كافة دول العالم لتنظم هذا العقد بمقتضى نصوص آمرة، تحقيقا للسياسة الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إليها الدولة، قد تنبه الفقه إلى عدم صلاحية قاعدة الإسناد الخاصة بالالتزامات التعاقدية.
وقد اقترح البعض تطبيق قانون الدولة التي تم فيها إبرام عقد العمل، باعتبار أنه يعد غالبا قانونا موطن المتعاقدين.
واتجه البعض الآخر إلى تطبيق قانون الجنسية المشتركة.
وبفضل فريق ثالث تطبيق قانون مقر المشروع أو المنشأة، أي قانون مركز إدارة الأعمال.
وقد تأثر مشروع القانون المدني بهذا الاتجاه الأخير حينما نص في المادة 4 منه على أنه (سرى على العقود التي يبريا أصحاب المصانع والمتاجر و المزارع مع عمالهم ومستخدميه القانون المعمول به في الجهة التي يوجد بها مركز إدارة هذه الأعمال). فإذا كان المركز الرئيسي لهذه الأعمال في الخارج وكانت فروعها في مصر هي التي أبرمت هذه العقود فإن القانون المصري هو الواجب التطبيق.
ورغم رجوع الفقه المصري المناصر للاتجاه الوارد في المادة 44 من مشروع القانون المدني عن رأيه، إلا أن محكمة النقض المصرية قد أصرت مع ذلك على اعتناق الاتجاه السالف. وعلى هذا النحو أمدت المحكمة وجوب العمل بقاعدة الإسناد الوارد بالمادة 44 من مشروع القانون المدني رغم صدور هذا القانون خلوا منها
وقد أخذ الفقه الحديث على كافة الاتجاهات السابقة تعاملها لحرص مشرعي دول العالم على تنظيم عقود العمل بقواعد آمرة تهدف إلى حماية العمال وتأمين مستواهم الاجتماعي.
وقد دفعت هذه الاعتبارات بغالبية الفقه الحديث إلى إخضاع عقد العمل لقانون الدولة التي يجري فيها تنفيذ العمل لما لهذه الدولة من مصلحة واضحة في تطبيق قانونها على كافة علاقات العمل، لتعلق الأمر بالحماية الآمرة.
وفي سبيل إرساء هذا الحل على أساس وشي يقرر جانب من الفقه الفرنسي أن تطبيق قانون دولة التنفد هو تعبير عن إرادة المتعاقدين المفترضة. وقد تلافي هذا الرأي ما قد يؤدي إليه منطقه من تطبيق قانون أخر عينته إرادة المتعاقدين الصريحة بالقول بأن مجال أعمال قانون الإرادة يتقيد بالمسائل التي لا تتعلق بالجانب التنظيمي للعقد. أما هذا الجانب الأخير فهو يخضع دائما لقانون بلد التنفية.
بل إن جانبا من الفقه الفرنسي الحديث قد اتجه بعد ذلك إلى القول بإخضاع عقد العمل برمته قانون دولة التنفيذ ولو تملق الأمر بالانتشار التقى العقد.
وازاء خلو التشريع المصري من قاعدة اسناد خاصة بعقود العمل، في الوقت الذي رأينا فيه أن الطبيعة الخاصة بعقد العمل تتنافى مع إخضاعه لقانون الإرادة أو لضوابط الإسناد الاحتياطية، فقد أكد الفقه المصري الغالب بدوره إخضاع الجانب التنظيمي لعقد العمل لقانون الدولة التي ينفذ فيها العقد، لتعلق هذا الجانب بالأمن المدني.
و أما بالنسبة للجانب غير التنظيمي للعقد فهو يخضع لقانون الإرادة.
ويفضل البعض الآخر أعمال ضوابط الإسناد الاحتياطية في حالة سكوت المتعاقدين عن الإفصاح عن القانون الواجب التطبيق. ويسلم هذا الرأي الأخير بأن تطبيق قانون دولة التنفيذ على غير الجانب التنظيمي للعقد أسوة بهذا الجانب قد يكفل وحده القانون الذي يحكم العقد.
ونحن لا نشكك في سلامة تطبيق القانون المصري على الجانب التنظيمي لعقود العمل المنفذة في مصر. ذلك أن القواعد الآمرةالمنظمة لعقد العمل في القانون المصري تعد من قواعد البوليس ذات التطبيق الضروري. فهي قواعد تتصل في رأى البعض اتصالا وثيقا بالكيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة. ولذا فهي تنطبق على كافة علاقات العمل التي تنفذ في مصر دون حاجة إلى إدخال هذه العلاقات في فكرة مسندة معينة.
وبهذه المثابة تفلت القواعد التي تحدد أجور العمال وعدد ساعات العمل والقواعد الخاصة بالتأمين الاجتماعي للعمال من نطاق التنازع، ولو تضمن عقد العمل عنصرا أجنبيا. والوضع لا يختلف عادة في الدول الأجنبية حيث تأخذ القواعد التي تحكم الجانب التنظيمي لعقد العمل طابع البوليس الضرورية التطبيق التي لا يتأتى إدراك مقاصدها الا بتطبيقها على كافة علاقات العمل التي يجري تنفيذها في الدولة، وهو ما يخول للقضاء المصري الحق في تطبيقها إذا ما طرحت عليه دعوى تتعلق بعقد عمل يجري تنفيذه في الدولة الأجنبية، وذلك عملا بالاتجاهات الحديثة السابق.
ولعل التشكك في استقرار القضاء، على اعتناق هذا النظر بما يسمح بتطبيق قواعد البوليس الأجنبية في الدولة التي تشر قواعد الإسناد في قانون القاضي باختصاص قانونها هو ما دفعنا إلى الانتهاء - إلى أنه من الأوثق تطبيق قانون الدولة التي يجري فيها تنفيذ العمل وذلك إعمالا لقاعدة إسناد مزدوجة في القانون المصري تقضي بخضوع علاقات العمل لقانون دولة التنفيذ.
وعلى هذا النحو يمكن للقضاء المصري دون معاناة أن يطبق القواعد الخاصة ببوليس العمل والسائدة في دولة التنفيذ سواء كانت هذه القواعد وطنية أو أجنبية، وذلك كله استنادا إلى المادة 4 مدني والتي تخول للقاضي الحق في الرجوع إلى مبادئ القانون الدولي الخاص لوضع حلول التنازع عند سكوت التشريع عن بيان الحل الواجب الاتباع.
وتتفق هذه النتيجة مع نظرية الأداء المميز فلا شك أن التزام العامل بأداء العمل يفوق في أهميته أي التزام أخر مقرر في العقد مثل التزام رب العمل بأداء الأجر مثلا، وهو ما يؤدي الضرورة إلى التركيز الموضوعي للعلاقة العقدية في الدولة التي يجري فيها تنفيذ العمل، بوصفها دولة محل الأداء المميز
وحذف المادة المذكورة بعد ذلك لا يعدو أن يكون تعبيرا عن رغبة المشرع في ترك هذه المسألة التفصيلية للاجتهاد، بدلا من تقييد القضاء بسلك معين قد يظهر التطور الفقهي بعد ذلك الصورة. وفي ضوء هذا النظر فنحن نأمل أن تتراجع محكمتنا العليا في أحكامها المستقبلة عما سبق أن انتهت إليه والذي اخضعت فيه عقد العمل لقانون الجهة التي يوجد بها مركز إدارة
وهكذا تخرج عقود العمل من نطاق أعمال المادة 19 مدني التي تشير باختصاص قانون الإرادة في العقود بصفة عامة. واذا تصني المتعاقدين لاختبار قانون معان لينطبق على عقد العمل، فلا ينطق من أحكامه إلا ما كان منها أصلح للعامل، ولا يتم تطيق من الأحكام بوصفها قانون الإرادة عملا بقاعدة الاستاد المنصوص عليها، وانما باعتبارها مجرد شروط عقدية لا تتعارض مع الأحكام الآمرة في قانون العقد وهو قانون دولة التفك
(۳) المسئولية عن اصابات العمل في النقل الخاصة بالتأمينات الاجتماعية
دعوى التعويض عن إصابات العمل لا تعد من دعاوى المسئولية التقصيرية. فالمسئولية التقصيرية تقوم على أساس الخطأ الثابت أو
المفروض. أما المسئولية عن إصابات العمل وأمراض المهنة فهي تقوم على عاتق رب العمل ولو لم يكن هناك ثمة خطأ من جانبه، بل ولو كان الخطأ من جانب العامل المصاب.
ومن جهة أخرى، وفي مقابل اتساع مسئولية رب العمل ، فقد خرجت التشريعات الخاصة بحوادث العمل عن البادي العامة في المسئولية التقصيرية إذ لم يعد من اللازم أن يكون التعويض الذي يلتزم رب العمل بدفعه مساويا للضرر. بل يكفي إلزام رب العمل بتعويض يقدر تقديرا جزافا.
ويرى البعض إخضاع المسئوليته عن إصابات العمل وأمراض المهنة لقانون الدولة التي يجري فيها تنفيذ عقد العمل، باعتبار أن العقد هو الأساس الحقيقي للالتزام بالتعويض.
ويرفض البعض الآخر هذا النظر لكون المسئولية عن إصابات العمل لا تستند إلى العقد، وإنما هي ترتكن إلى نصوص القانون التي فرضت على رب العمل. وينتهي هذا الرأي بذلك إلى إسناد المسئولية عن إصابات العمل القانون مكان وقوع الحادث. وعلى هذا النحو تقترب المسئولية عن إصابات العمل من المسئولية التقصيرية.
ومهما كان من أمر هذا الخلاف، فنحن نفضل إخضاع المسئولية عن إصابات العمل لقانون الدولة التي يجري فيها تنفيذ العمل.
ويستقيم هذا الحل في تقديرنا بصرف النظر عن الموقف المتخذ من أساس المسئولية عن إصابات العمل على النحو الذي بيناه. ويستجيب الحل الذي نقول به مع الاعتبارات الامرة التي يقوم عليها إخضاع علاقات العمل لقانون دولة التنفيذ.
ويدق الأمر فيما لو كان قانون دولة تنفيذ العمل يأخذ بنظام التأمين الإجباري عن حوادث العمل كما هو الشأن في كل من فرنسا ومصر، وهو ما يؤدي إلى تدخل سلطة عامة بتنظيم التعويض عن إصابات العمل. إذ تحل المسئولية الجماعية عن إصابات العمل في هذا الفرض محل المسئولية الفردية لأصحاب الأعمال.
وأساس الصعوبة في هذا الفرض هو أن تدخل مرفق عام بتنظيم التعويض، مع ما يترتب على ذلك من تمتع الهيئة الموكول إليها إدارة هذا المرفق بحق استخدام أساليب القانون العام، يضفي في النهاية على القواعد الخاصة بالتعويض عن إصابات العمل طابع القانون العام، إذ قد يترتب على ذلك إخراج التعويض عن إصابات العمل في ظل النظم الخاصة بالتأمينات الاجتماعية من دائرة التنازع، أخذا باتجاه الفقه التقليدي
وفي ضوء هذا النظر يأخذ الاتجاه الغالب بالنسبة لمشكلة التعويض عن إصابات العمل في ظل النظم الخاصة بالتأمينات الاجتماعية بنفس النهج المتبع في شان فروع القانون العام. كما يطية القضاء قواعد القانون العام الوطنية على العلاقات الداخلة في نطاق تطبيق هذه القواعد، فإنه يقوم بالمثل بتطبيق قانون التأمينات الاجتماعية على كافة حوادث العمل التي تخضع الأحكامه.
وعلى العكس فكما يمتنع على القضاء الوطني تطبيق قواعد القانون العام الأجنبي، فإنه وبالمثل لا يجوز للمحاكم أن تنظر في دعوى التعويض عن إصابات العمل التي يحكمها قانون أحني يتبع نظام التأمينات الاجتماعية، أخذا بمبدأ اقليمية القانون العام. وتطبيقا لهذه الأفكار فإذا كان عقد العمل منفذا في مصر، فإنه يجوز للقضاء المصري أن يتصدى للنظر في دعوى
التعويض عن إصابة العمل. أما لو كان العمل ينفذ في الخارج فلا وجه للرجوع إلى قانون التأمينات الاجتماعية في مصر ولو كان العامل المصاب مصريا۔
والأمر في هذه الحالة لا يخلو من أحد فرضين. فإذا كان القانون الأجنبي المختص لا يأخذ بنظام التأمينات الاجتماعية، وإنما يترتب المسئولية الفردية، فلا شبهة في وجوب تطبيق هذا القانون وفقا للمبادئ العامة.
و أما لو كان القانون الأجنبي السائد في دولة تنفيذ العمل يأخذ بنظام التأمينات الاجتماعية، فيبدو أنه لا مفر للفقه التقليدي من الحكم بعدم الاختصاص إعمالا لمبدأ إقليمية القانون العام.
على أننا قد رأينا في ذلك أن الاتجاهات الحديثة لم تعد ترى مانعاً من تطبيق القوانين العامة الأجنبية التي تريد الأنطباق على الوقائع المطروحة على القضاء الوطني.
وهذا ما أكدته بالفعل بعض أحكام القضاء الفرنسي التي انتهت إلى تطبيق قانون أجنبى يأخذ بنظام التأمينات الاجتماعية.
عقد نقل التكنولوجيا :
و حرص المشرع المصري في القانون التجاري الجديد رقم ۱۷ لسنة ۱۹۹۹ المعمول به من أول أكتوبر من نفس العام على التنظيم الموضوعي لعقود نقل التكنولوجيا. وعقد نقل التكنولوجيا بهذا المعنى هو اتفاق يتعيد بمقتضاه مورد التكنولوجيا
بأن ينقل بمقابل معلومات فنية خاصة لانتاج سلعة معينة أو تطويرها أو التركيب أو تشغيل آلات أو أجيزة أو لتقديم خدمات، ولا يعتبر نقلا لتكنولوجيا بهذا المعنى مجرد بيع أو شراء أو تأجير أو استئجار السلع، ولا بيع العلامات التجارية أو الأسماء التجارية أو الترخيص باستعمالها الا إذا ورد ذلك كجزء من عقد نقل التكنولوجيان أو كان مرتبطا به
وحرص المشرع على أن ينطبق التنظيم الموضوعي المباشر لعقد نقل التكنولوجيا القانون التجاري الجديد، طالما كانت التكنولوجيا المنقولة بمقتضى العقد محلا للاستخدام في جمهورية مصر العربية، وذلك بصرف النظر عن كون هذا النقل داخليا أو دوليا.
وقد حرصت المادة ۱ / ۸۷ من القانون التجاري الجديد على تأكيد اختصاص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا ويلتزم كل من القاضي المصري أو المحكم، وفقا للمبادئ العامة في القانون الدولي الخاص، بالتطبيق المباشر للأحكام الموضوعية.
على أن المشرع قد تصور احتمال الرجوع إلى قواعد الإسناد، ما قد تؤدي إليه من تطبيق قانون أجنبي فيما لو كان العقد دوليا، في شأن المسائل التي سكتت المواد ۷۲ وما بعدها من القانون التجاري الجديد عن تنظيمها.
وتحنا لهذه النتيج فقد حرص المشرع المصري على وضع قاعدة اسناد لمواجهة هذا الفرض تقضي بضرورة الرجوع في شأن موضوع النزاع إلى أحكام القانون المصري، بل وأبطال كل اتفاق على خلاف ذلك.
المسائل الداخلة فى فكرة الالتزامات التعاقدية :
ليس هناك خلاف بين الفقه في مصر على وجوب استبعاد مسألتين من مجال فكرة الالتزامات التعاقدية وهما أهنية التعاقد وشكل العقد.
فالأهلية وإن كانت شرطا لصحة التعاقد، إلا أنها تستقل بفكرة خاصة وتخضع لقاعدة الإسناد الواردة في المادة ۱۱ من القانون المدني، وبالتالي اسندها لقانون الجنسية.
و كذلك فإن شكل العقد يخضع للقاعدة الواردة بالمادة ۲۰ من القانون المدني. ويرى جانب من الفقه أن مضمون الفكرة المسندة في المادة 19 مدني ينحصر في أثار العقد. أما ما يتعلق بتكوين العقد فهو يخرج وفقا لهذا الرأي عن مضمون الفكرة المسندة.
وينتهي هذا الرأي بذلك إلى أن المشرع، وقد سكت عن بيان القانون الواجب التطبيق على تكوين العقد، فلا مناص من ترك هذه المسألة الاجتهاد الفقه. وتيزنه عناصر العقد وإخضاع كل منها لقانون مختلف، هو اتجاه يستجيب إلى مذهب يسود لدى بعض الشراح مقتضاه تجزئة العقد بحيث تتعدد القوانين الواجبة التطبيق.
وعلى ذلك فليس هناك ما يمنع المتعاقدان من أن يخضعا كل عنصر من عناصر العقد لقانون معين، ما دامت هناك صلة بين هذا العنصر والقانون الواجب التطبيق عليه. ويقوم هذا الرأي على أساس أن كل عنصر من عناصر العقد قد يرتبط من الوجهة الفعلية بقانون معين، ومن ثم يكون من الخير أن نطبق في شأن كل عنصر القانون الذي يرتبط به أكثر من غيره.
ويرفض الفقه الغالب في كل من فرنسا ومصر هذا النظر، داعيا إلى وحدة القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية تحقيقا للتجانس والانسجام. ومؤدي هذا الرأي أن يخضع العقد من حيث تكوينه وآثاره لقانون واحد.
ويؤكد الفقه المصري الغالب أنه لو كان ظاهر نص المادة 19 مدني قد يفيد غير ذلك، باعتبار أنه اقتصر على مواجهة الالتزامات التعاقدية - أي أثار العقد فأخضعها لقانون الإرادة، إلا أن الأعمال التحضيرية تكشف عن قصد المشرع في التعبير باصطلاح الالتزامات التعاقدية عن كل ما يتعلق بالرابطة التعاقدية من حيث تكوينها وآثارها
(١) تكوين العقد :
(ا) التراضى :
لا خلاف بين الفقه في وجوب استبعاد ما يتعلق بوجود الإرادة، على أساس أن هذه المسألة تدخل في مضمون فكرة الأهلية ، وتخضع بالتالي لقانون الجنسية.
أما وقد استبعدنا مسألة وجود الإرادة، فيرى البعض أن قانون العقد هو الذي يسري على كل ما يتصل بالتعبير عن الإرادة، وهل يشترط أن يكون التعبير صريحا أو ضمنيا، وهل يعتد بالإرادة الظاهرة أم الإرادة الباطنة، ومتي يترتب على التعبير عن الإرادة أثره. كذلك حكم السكون، وكيفية تحديد زمان ومكان العقد الذي يتم بين غائبين.
ويشير بعض الشراح في النهاية إلى ضرورة إخراج عيوب الارادة من مضمون فكرة الالتزامات التعاقدية. فعيوب الإرادة تخضع للقانون الشخصي لمن صدرت إرادته معيبة، باعتبار أن القواعد المتعلقة بهذه العيوب ترمي إلى حماية الشخص ذاته. ويرفض البعض الآخر هذا النظر على أساس أن عيوب الإرادة لا تتعلق بالشخص ذاته قدر تعلقها بظروف التعاقد ومن ثم فهي تخضع للقانون الذي يحكم العقد.
ومع ذلك فقد حاول جانب من الشراح أن يستبعد تطبيق قانون الإرادة في شأن صحة التراضي وعيوب الإرادة، على أساس أن
تطبيق قانون الإرادة يفترض سلامة إبرام العقد. فالرجوع إلى هذا القانون لا يتم إلا بعد انعقاد العقد انعقادا صحيحا.
وينتهي هذا الاتجاه بذلك إلى القول بأن صحة التراضي وعيوب الإرادة لا تخضع لقانون الإدارة وانما لقانون بلد الابرام
ويمكن القول ردا على هذا الاتجاه بأن اتفاق الأطراف على اختيار قانون معين لحكم العقد هو اتفاق مستقل عن العقد الأصلي، وهو بعد اتفاق يخضع في سلامته لقانون القاضي. وعلى هذا النحو فإنه من المتصور أن يؤدي تطبيق القانون المختار إلى إبطال العقد الأصلي لعيب في الإرادة، فتطبيق هذا القانون اذن لا يفترض مسبقا سلامة انعقاد العقد الأصلي، بل على العكس فإن مدى سلامة هذا الانعقاد هي التي تخضع لقانون الإرادة.
(ب) المحل والسبب
و يتفق الفقه الغالب على أن محل العقد يدخل في مضمون الفكرة المسندة ويخضع بالتالي للقانون الذي يحكم العلاقة التعاقدية. ومع ذلك فقد اتجه البعض إلى استثناء العقد الذي يكون محله مالا أو عملا، فيقررون إخضاعه في الحالة الأولى لقانون موقع المال، وفي الحالة الثانية لقانون محل تنفيذ العمل. ويستجيب هذا الرأي الأخير إلى أصول فقهية سليمة وفقا للرأي الراجح لقانون دولة التنفيذ.
و أما بالنسبة للعقود الواردة على الأموال، فأنه ينبغي التفرقة في شأنها بين العقود المتعلقة بعقارات من جهة، والعقود الواردة على المنقولات من جهة أخرى. إذ تخضع العقود المتعلقة بعقار لقانون الموقع في جميع الأحوال. أما العقود المتعلقة بمنقول فلم يقرر المشرع في شأنها أي استثناء، ومن ثم فهي تدخل في مضمون الفكرة المسندة للالتزامات التعاقدية، وتخضع بالتالي لقانون الإرادة أو للقوانين الأخرى.
و أما بالنسبة للسبب فيتفق الفقه الراجح على إخضاعه بدوره لقانون العقد، مع ملاحظة القيد الخاص بالنظام العام. إذ يتعين استبعاد أحكام القانون الواجب التطبيق على العقد في جميع الأحوال التي يقرر فيها هذا القانون مشروعية السبب خلافا للمبادئ العامة في قانون القاضي
أثار العقد :.
(أ) أثار العقد بالنسبة للأشخاص
و تخضع أثار العقد بالنسبة للأشخاص للقانون الذي يحكم العقد. وعلى ذلك فإنه يتعين الرجوع إلى هذا القانون لمعرفة الملتزمين بالعقد والمستفيدين منه سواء كانوا من المتعاقدين أو من الغير. على أن مدى انصراف أثر العقد إلى الخلف العام يدخل في مجال أعمال القانون الذي يحكم الميراث
و أما أثر العقد بالنسبة للخلف الشام فهو يعد وفقا لرأى البعض داخلا في مضمون الفكرة المستدة، بينما يرى البعض الآخر أن
هذا الأثر يخضع لقانون موقع المال.
و أما أحكام التعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير فهي تعد داخلة في مضمون فكرة الالتزامات التعاقدية وتخضع بالتالي للقانون الذي يحكمها. ويثور التساؤل بالنسبة لإضافة اثار تصرف النائب الى الأصيل مباشرة، ومدى نيابة النائب عن الأصيل. فهذا الأخير وأن لم يكن طرفا في العقد إلا أن إرادته هي مصدر صفة النائب، ولهذا يتجه الفقه الغالب إلى الاعتداد بإرادة الأصيل بالنسبة لاختيار الواجب التطبيق على النيابة الاتفاقية.
ومع ذلك يتجه البعض إلى تطبيق قانون العقد الذي يبرمه النائب مع الغير على أساس أن النيابة تؤثر على صحة هذا العقد وآثاره، مما يقتضي وحدة القانون الواجب التطبيق على العقد وعلى علاقة النيابة.
لا وأخيرا فإن النيابة القانونية للفضولي عن رب العمل بالنسبة لما يجريه من تصرفات قانونية لحساب هذا الأخير تخرج بدورها عن مضمون الفكرة المسندة. ذلك أن مدى سلطة الفضولى في إبرام التصرفات القانونية نيابة عن رب العمل تخضع للقانون الذي يحكم الفضالة، وهو قانون المكان الذي تصرف فيه الفضولى لصالح رب العمل.
(ب) أثار العقد بالنسبة للموضوع
وهذه بدورها تدخل في مضمون الفكرة المسندة وتخضع لقانون العقد. ومؤدي ذلك أن يرجع لهذا القانون لمعرفة مضمون الالتزامات التي يولدها العقد وأحكامه. ويقتضي هذا الوضع ضرورة تفسير العقد وفقا للقواعد السائدة في القانون الذي يحكم الرابطة التعاقدية. وعلى هذا النحو تخضع المسئولية العقدية المترتبة على عدم تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين المتعاقدين لقانون العقد.
ويشير الفقه بحق إلى أن أوصاف الالتزام تخضع بدورها لقانون العقد. فهذا القانون هو الذي يبين مدى صحة الشرط وأثر تحققه أو تخلفه، والأجل وآثاره وأسباب سقوطه، وبالمثل فإن انتقال الالتزام يخضع لقانون العقد سواء كان هذا الانتقالية إيجابيا عن طريق حوالة الحق أو سلبيا عن طريق حوالة الدين. أما أسباب انقضاء الالتزام فهي تدخل بدورها في مضمون الفكرة المسندة وتخضع كقاعدة عامة لقانون العقد. ويندرج التجديد أيضا تحت فكرة الالتزامات التعاقدية.
و أما المقاصة فيتعين التفرقة في شانها بين المقاصة الاتفاقية والمقاصة القضائية والمقاصة القانونية. فالمقاصة الاتفاقية تعتبر عقد مستقل وتخضع بالتالي للقانون الخاص به، دون اعتبار للقانون الذي يحكم الدينين تقع المقاصة بينهما.
أما المقاصة القضائية في تفرج عن مضمون فكرة الالتزامات التعاقدية وتخضع لقانون القاضي
ولا تثير المقاصة القانونية صعوبة فيما إذا كان الدينان خاضعين لقانون واحد. إذ أن هذا القانون هو الذي يسري على المقاصة في هذه الحالة. ويدق الأمر في الفرض الذي يختلف فيه القانونان. والرأي الراجح هو أن المقاصة لا تتم في هذه الحالة الا لو أقرها القانونان اللذان يحكمان الدينين
الإلتزامات غير التعاقدية
ضابط الإسناد
موقف المشرع المصرى : القاعدة الأستثناء
المشرع المصري قد وضع في المادة ۲۱ القاعدة العامة في شأن إخضاع الالتزامات غير التعاقدية لقانون البلد الذي وقع فيه
الفعل المنشئ للالتزام، أي القانون المحلي. وبعد أن قرر المشرع القاعدة العامة فأورد استثناء يتعلق بالالتزامات الناشئة عن الفعل الضار مؤداه أن قانون محل وقوع الفعل لا يسري إذا كان القانون المصري يعتبر الفعل المرتكب مشروعا
وعلى ذلك فإنه يتعين الرجوع إلى كل من القانون المحلي والقانون المصري عند تقدير مدى مشروعية الفعل الضار. أما في خارج هذه الحدود فإن القانون المحلي هو الذي يسري وحده على الالتزام الناشئ عن العمل غير المشروع ما لم تصطدم أحكام هذا القانون بالنظام العام في مصر.
تقدير مبدأ تطبيق القانون المحلى :
و رغم الأساس المنطقي الذي يقوم عليه مبدأ تطبيق القانون المحلي على الالتزامات غير التعاقدية، والذي يسود العمل به
في غالبية النظم القانونية، إلا أن جانبا من الفقه قد وجه مع ذلك سهام نقده إلى هذا المبدأ .
و فقد أوضح البعض أن أعمال المبدأ السالف قد يثير صعوبات عملية ملحوظة في بعض الفروض سواء بالنسبة للمسئولية
التقصيرية أو بالنسبة للإثراء بلا سبب.
فبالنسبة للمسئولية التقصيرية قد يحدث أن يقع الفعل الضار في دولة ويتحقق الضرر في إقليم دولة أخرى. بل وقد يقع الفعل المنشئ للالتزام في اقليم لا يخضع لسيادة دولة معينة.
أما بالنسبة للإثراء بلا سبب فقد يقع الافتقار في مكان ويتحقق الاثراء في مكان أخرى
والملاحظ على هذا النقد أنه لم يوجه إلى الميدا في حد ذاته، وإنما إلى أعماله والصعوبات التي قد يثيرها تطبيقه. ونكتفي هنا
بالإشارة إلى أن الصعوبات العملية التي يواجهها القاضي عند أعمال المبدأ في فروض استثنائية لا تتش في تقديرنا سببا كافيا لاستبعاد هذا المبدأ كلية.
و على أن جانبا من الشراح قد انتقد مبدأ إسناد الالتزامات غير التعاقدية إلى القانون المحلي من الوحية القانونية، ويشير هذا الرأي إلى أن مكان وقوع الفعل المنشئ للالتزام قد يتحدد في كثير من الأحيان بناء على ظروف عارضة، بحيث يصبح تطبيق القانون المحلي مفتقر إلى الأساس القانوني السليم. ويشير البعض. فلو افترضنا أن إحدى المدارس الأمريكية قد أنشأت معسكرا صيفيا للطلبة في مكان ناء بكندا بعيدا عن العمران، ثم حدث أن أصيب أحد الطلبة بناء على فعل غير مشروع ارتكبه طالب أخر أو أحد منظمي المعسكر.
ولا شك أن تطبيق القانون الكندي بوصفه القانون المحلي على دعوى المسئولية في هذا الفرض يخلو من أي معنى.
فمرتكب الفعل والمضرور والمشرفين على المعسكر جميعهم يتمتعون بالجنسية الأمريكية ويتوطنون الولايات المتحدة
ومن ثم يبدو وقوع الفعل المنشئ للالتزام في الإقليم الكندي كمجرد ظرف عارض لا يصلح معيار سليما للإسناد.
ويسعى جانب من الفقه الحديث إلى تلافي اوجه النقد السابقة بإخراج فكرة القانون المحلي من جهودها التقليدي. ويرى هذا الاتجاه أنه لا يجوز فيه المقصود بالقانون المحلي على أنه قانون المكان الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام، وإنما على أساس أنه القانون الذي يحكم البيئة الاجتماعية أو الوسط الاجتماعي. وعلى ذلك فإنه يتعين تطبيق القانون الأمريكي على دعوى المسئولية ما دام أن كلا من مرتكب الفعل والمضرور ومنظمي المعسكر والمشرفين عليه يتمتعون بالجنسية الأمريكية ويتوطنون في الولايات المتحدة. أما واقعة وجود المعسكر في مكان ناء بكندا فهي مجرد ظرف عارض.
ويؤكد أنصار هذا الرأي أن محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام يتطابق غالبا مع البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها هذا الفعل. ومع ذلك فقد يحدث أن يختلف الوسط الاجتماعي الذي حدث النشاط الضار في إطاره عن المكان الذي تحقق فيه هذا النشاط ماديا كما هو الشأن في المثال الذي أوضحناه. ومهما كان من أمر هذا الاتجاه، فإنه من العسير أن نفسر القانون
المحلي في مصر على أنه قانون البيئة الاجتماعية ازاء صراحة النصوص
كيفية تحديد القانون المحلى
(۱) تفرق عناصر الواقعة القانونية في أكثر من دولة :.
يتعين التفرقة في هذا الفرق بين المسئولية المترتبة عن الفعل الضار من حية والمسئولية المترتبة عن الفعل النافع من جهة أخرى
(أ) بالنسبة للمسئولية المترتبة على الفعل الضارة
و فقد يحدث أن يقع الخطأ في دولة ويتحقق الضرر في أخرى. من ذلك أن يضع شخص قنبلة زمنية في طائرة ثم تنفجر في دولة أخرى. ويثور التساؤل في مثل هذه الفروض عن القانون الواجب التطبيق. هل هو قانون الدولة التي وقع فيها الخطأ، أما الدولة التي تحقق فيها الضرر. وقد لاحظ جانب من الفقه المصري بحق أن نص المادة ۲۱ من القانون المدني لم يفصل في هذه المشكلة.
وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى القول بأن القانون المختص بحكم المسئولية التقصيرية في هذه الحالة هو قانون محل وقوع الخطا. ذلك أن قواعد المسئولية التقصيرية تهدف أساسا إلى وقاية المجتمع من الأعمال غير المشروعة. ويؤكد جانب من الشراح المصريين هذا الحل.
ويضيف البعض قولهم أن القانون المحلي " بالنسبة للمسئولية المدنية الناشئة على الأفعال الضارة يتدخل هنا كنص من نصوص الأمن المدني الأمرة، نص يرمي إلى تأمين الناس على أقامتهم بمنع ارتكاب الأعمال الضارة غير المشروعة ضدهم فإن ارتكبت ألزم مرتكبها بالتعويض، ومن ثم فالقانون المحلي المختص في مثل هذا الفرض بتقرير الجزاء وبالفصل في التعويض هو قانون المحل الذي غولف فيه الأمر بالامتناع.
وقد أخذ على الاتجاه السالف مقالاته في الاعتداد بمحل وقوع الفعل الضار وتجاهله لمكان الضرر تجاهلا تاما. ومع ذلك فإن الملاحظ أن التطور الحديث في نظام المسئولية المدنية يؤكد اقترافها عن المسئولية الجنائية من حيث الاعتداد بعنصر الفعل غير المشروع. فنظام المسئولية المدنية في تطوره الحديث لا يرمي إلى توقيع الجزاء بقدر ما يهدف أساسا إلى حماية المضرور.
وإزاء هذه النظرة إلى الهدف الذي تسعى إليه قواعد المسئولية التقصيرية، فقد اكد من فقه القانون الدولي الخاص ضرورة الاعتداد بمحل وقوع الضرر. ويؤكد هذا المعنى ذلك التزايد المستمر لصور المسئولية التي قد يصعب إقامتها على فكرة الخطأ وفقا لمفهومها التقليدي، مثل المسئولية عن فعل الخير وعن الأشياء. بل وأنه حتى بالنسبة للفروض التي تقوم فيها المسئولية على المفهوم التقليدي لفكرة الخطأ الواجب الإثبات، فإن أركانها لا تكتمل الا يتحقق الضرر.
وأخيرا فإن تركيز العلاقات التي يحكمها القانون الدولي الخاص لا يتأتى إلا بالنظر إلى العناصر الخارجية للعلاقة، أي العناصر المادية التي يمكن أن تظهر إلى العالم الخارجي. ومؤدي ذلك بالنسبة للمسئولية هو ضرورة تركيزها في البلد الذي تتق فيه الضرر
ورغم صلابة الحجج التي يقوم عليها الاتجاه السالف، إلا أن جانبا من الفقه الحديث قد أكد أنه ورغم التطور في أحكام المسئولية التقصيرية واتجاهها في بعض الفروض نحو الاعتداد أساسا بتعويض المضرور عما أصابه من ضرر بصرف النظر عن الخطا المقترف، إلا أنه من العسير مع ذلك أن تتجاهل أهمية عنصر الخطأ. ومن جهة أخرى فإن القضاء لا يقدر التعويض المقرر للمضرور على أساس قدر الضرر، وإنما هو يضع في اعتباره أيضا مدى خطورة الخطا المقترف.
وأخيرا فإذا كان تركيز العلاقة في المكان الذي وقع فيه الضرر قد يبدو أكثر يسرا في بعض الحالات، فإن هناك حالات أخرى يصعب فيها هذا التركيز. فالقذف أو التشهير قد يترتب عليه أضرار تتعدد بتعدد الأماكن التي تم فيها توزيع الصحيفة،
مما يثير صعوبات ملحوظة بالنسبة لكيفية تركيز مكان حدوث الضرر.
وينتهي هذا الرأي بذلك إلى أن مراعاة عناصر المسئولية التقصيرية يقتضي الامتداد بكل من عنصر القطامن جية والشرر من جنية اخرى. أما التركيز على أحد هذين العنصرين دون الآخر، فهو يتضمن تجاهز للطبيعة الخاصة للمسئولية التقصيرية. ويقتضي هذا القول ضرورة مراعاة كل من قانون مكان حدوث الخطأ ومحل وقوع الضرر.
ونحن لا نتشكك في سلامة هذا التحليل الذي يتفق تماماً مع الطبيعة الخاصة بالمسئولية التقصيرية، ويحقق التوازن بين المصالح المتعارضة للخصوم.
وتحقيق التوازن بين مصالح كل من مرتكب الخطأ من جهة والمضرور من جهة أخرى على هذا النحو يقتضي تمكين هذا الأخير من اختيار القانون الذي يخول له الحق في التعويض عما أصابه من ضرر بالقدر وبالشروط الأكثر ملاومة المصالحة، سواء كان هو قانون محل وقوع الخطأ أو مكان حدوث الضرر، وبشرط أن يعتبر الفعل في هذه الحالة الأخيرة غير مشروع أيضاً وفقاً القانون الدولة التي ارتكب فيها.
ولا يصح الاعتراض على هذا الحل بمقولة أنه قد يثير صعوبات في التطبيق. ذلك أنه ليس من بودره تجزئة أحكام المسئولية
وتطبيق قانون محل وقوع الفعل على شروطها والقانون الأصلح للمضرور على آثارها، وإنما المقصود هو تطبيق القانون الأخير على أحكام المسئولية كلها. كل ما في الأمر هو أنه يتعين الرجوع أيضاً إلى قانون محل وقوع الفعل الذي ترتب عليه الضرر للفصل في مسألة محددة، هي مدى مشروعية هذا الفعل وما إذا كان يستوجب المسئولية من عدمه.
ويستند هذا الحل الأخير كما رأينا إلى اعتبار مؤداه ألا يحاسب شخص على فعل يعتبر مشروعاً وفقاً لقانون الدولة التي وقع فيها هذا الفعل. ويترتب على ما تقدم أن تخضع المسئولية التقصيرية للقانون الذي يراه المضرور أصلح له. ومؤدي ذلك أنه يتعين في هذه الحالة أن يكون الفعل الموجب للمسئولية غير مشروع وفقاً لكل من قانون المكان الذي ارتكب
فيه والقانون المصري.
وفيما عدا تقدير مدى مشروعية الفعل وفقاً لكل من قانون الدولة التي وقع فيها والقانون المصري، فإنه يتعين الرجوع كقاعدة عامة إلى القانون الأصلح للمضرور. وهذا الحل الذي انتهيناً إليه يتسم بالمرونة ويحقق التوازن بين مصالح الخصوم. فالنظرة إلى المسئولية المدنية على أساس أنها ترمي بالدرجة الأولى إلى تعويض المضرور عما لحق به من ضرر،
وبصرف النظر عن تحقق خطأ فعلي، تقتضي تطبيق القانون الأصلح للمضرور. ومن جهة أخرى فإن اعتبارات العدالة تقتضي مع ذلك أن يكون الفعل الذي ترتبت عليه المسئولية غير مشروع في قانون الدولة التي ارتكب فيها.
(ب) بالنسبة للمسئولة المترتبة على الفعل النافع :.
قد يختلف مكان الافتقار عن مكان الإثراء. ويتفق الفقه الراجح على وجوب الاعتداد بقانون المحل الذي تحقق فيه الاثراء
ويستند هذا الحل إلى كون الإثراء هو الأساس القانوني للالتزام في هذا الفرض. فالالتزام الذي يقوم على فكرة الإثراء بلا سبب هو في حقيقته التزام بعدم الإثراء على حساب الغير، وهو ما يقتضي رد ما اكتسب بدون وجه حق، ويبدو بذلك أن أساس تدخل القاضي هو عنصر الإثراء، وهو ما يقتضي ضرورة الاعتداد بالقانون الساري في المكان الذي تحقق فيه.
(۲) حدوث الواقعة في إقليم لا يخضع للسيادة الاقليمية لدولة معينة أو على ظهر سفينة في البحر أو على متن طائرة في الفضاء :
(أ) حدوث الواقعة في إقليم لا يخضع للسيادة الإقليمية لدولة معينة
قد يحدث أن يقع الفعل المنشئ للالتزام في مكان لا يخضع للسيادة الإقليمية لدولة معينة، كما إذا وقع تصادم بين سفينتين في عرض البحر أو بين طائرتين في الفضاء الجوي الذي يعلو وسط البحار. ويثور التساؤل هنا عن القانون الواجب التطبيق على المسئولية المترتبة على حوادث السفن والطائرات في مثل هذه الفروض.
ونشير من البداية إلى أننا نستبعد الفروض التي يقع فيها تصادم السفن في المياه الإقليمية لدولة معينة، أو التي يتم فيها تصادم الطائرات في الفضاء الذي يعلو الإقليم البري أو البحري لدولة ما. فلا صعوبة في تحديد القانون المحلي في مثل هذه الفروض. إذ تخضع المسئولية القانون الدولة التي وقع التصادم في مياهها الإقليمية في الحالة الأولى، والقانون الدولة التي نت التصادم مع اليها البحري أو الجوي في الحالة الثانية
و ويدق الأمر بالنسبة لحوادث السفن التي تقع في وسط البحار أو حوادث الطائرات التي تتم في الفضاء الجوي الذي يعلو هذه المناطق. ولا تثور صعوبة معينة في الفروض التي توجد فيها مشاهدة دولية لتنظيم هذه المسألة. وإنما تثور الصعوبة في الفروض التي لا توجد فيها معاهدات دولية لتنظيم المسألة المطروحة، بل وقد تثور الصعوبة رغم وجود المعاهدة.
ويحدث ذلك بصفة خاصة بالنسبة للمسائل التي تخرج عن مجال تطبيق المعاهدات، أو المسائل التي تركت المعاهدة الفصل فيها.
ولا شك أنه من المتعذر الرجوع إلى قاعدة الإسناد التقليدية التي تقضي بتطبيق قانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام. فواقع الأمر أنه ليس هناك قانون دولة معينة يسود وسط البحار أو الفضاء الذي يعلوها. ومع ذلك فيبدو أن البعض قد تصور تطبيق القانون المحلي في هذا الغرض، وهم يقربون حل التنازع في هذه الحالة من الحل المقترح في الأحوال
التي يقع فيها الخطأ في مكان يختلف عن المكان الذي تحقق فيه الضرر.
و ففي حالة التصادم الحادث بين سفينتين في عرض البحر فإن السفينة التي وقع منها الخطأ تشكل مكان وقوع الفعل الضار، والسفينة التي لحقت بها الأضرار تعتبر في حكم محل تحقق الضرر. وعلى ذلك فإن حل التنازع في هذا الفرض يتم بتطبيق قانون علم السفينة التي أخطأت فيما لو أخذنا بالرأي القائل بإخضاع المسئولية التقصيرية لقانون محل وقوع
الفعل الضار. أما لو انتهينا إلى تطبيق قانون المكان الذي تحقق فيه الضرر، فإنه يتعين إعمال قانون علم السفينة التي الحق بها الضرر.
وقد لاحظ البعض بحق على هذا الاتجاه أنه يقوم على أساس تحليل خاطئ لحقيقة الأمور. فالخطأ لم يقع في حالتنا فوق إحدى السفينتين وانما بواسطتها. وإزاء ذلك فقد ذهبت المحاكم الإنجليزية إلى تطبيق ما يسمونه بالقانون البحري العام.
والقانون البحري العام هو مجموعة العادات والأعراف البحرية التي استقر العمل بها في مختلف الدول التي أصبحت ذات صفة دولية. وقد قيل في الرد على هذا الاتجاه أن فكرة القانون البحري العام في ذاتها تقوم على وهم خاطئ. فليس هناك في واقع الأمر قانون بحري عام.
ولهذا فقد واجه البعض الأمر بصراحة مقرراً وجوب تطبيق قانون القاضي على المسئولية المترتبة على حوادث السفن أو الطائرات الواقعة في عرض البحر أو ما يعلوه من فضاء جوي. ويستند هذا الحل على حجة عملية مؤداها أن القاضي يعلم مضمون قانون أكثر من أي قانون آخر. بل وقد ذهب البعض إلى حد القول بأن مؤدي التصادم الواقع بين سفينتين في عرض البحر أن ينشأ نوع من العقد أو شبه العقد القضائي بين الطرفين يلتزم المدعي عليه مقتضاه بقبول اختصاص المحكمة التي يرفع
المدعى أمامها الدعوى، كما يلتزم بقبول تطبيق قانون الدولة التي تتبعها هذه المحكمة.
و قد قيل في الرد على الحج التي تمسك بها هذا الرأي أن القاضي ملزم بالبحث في مضمون القانون الأجنبي أسوة بالقانون الوطني، ومن ثم فلا يصح تطبيق هذا الأخير بدعوى افتراض العلم بأحكامه. ومن جهة أخرى فإنه من العسير أن يقام اختصاص قانون القاضي على أساس رضاء الخصوم بتطبيقه. وأخيراً فإن مؤدي الرأي السالف تخويل المدعي فرصة الغش والتحايل.
ولعل الحية الوحيدة التي يمكن القول بها تبريراً لتطبيق قانون القاضي هي أن هذا القانون هو صاحب الاختصاص الطبيعي في الأحوال التي يتعذر فيها إعمال ضابط الإسناد. ومع ذلك فقد لاحظ الفقه الحديث بحق أن تطبيق قانون القاضي عند تعذر أعمال ضابط الإسناد مشروط بعدم وجود حل آخر أكثر ملاءمة لطبيعة النزاع.
وقد ذهب البعض إلى أن أكثر الحلون ملامة لطبيعة النزاع في هذا الفرض هو تطبيق قانون على السفينة التي ارتكبت القطا، لا على أساس أنه القانون المحلي، وإنما باعتبار أن تطبيق هذا القانون يتح لمالك السفينة فرصة العلم مقدماً بحدود مسئوليته
وحتى لاي تحمل الالتزامات المقررة في القانون أخر لا يتيسر له العلم المسبق بأحكامه.
وقد قيل في الرد على هذا الاتجاه أن قواعد المسئولية في نطاق القانون التجاري والبحري ترمي أساساً إلى حماية الدائن
وخلافاً لما عليه الحال بالنسبة للقانون المدني. ولهذا فقد اتجه البعض الآخر إلى تطبيق قانون علم السفينة التي لحقها الضرر.
ويبدو أن جانباً من الفقه قد أخذ على كل من الاتجاهات السالفة، قيامه على فكرة خاطئة مؤداها تفضيل قانون السفينة التي ارتكبت الخطأ أو قانون السفينة التي لحق بها الضرر، في حين أن مثل هذا المسلك لا يخلو من التحكم.
و ذلك أن الطبيعة الخاصة للمسئولية التقصيرية في هذا الفرض تقتضي مراعاة كل من قانون السفينة أو الطائرة التي ارتكبت الخطأ وقانون السفينة أو الطائرة التي ارتكبت الخطأ وقانون السفينة أو الطائرة التي لحق بها الضرر. ولهذا فقد أكد فريق من الشراح أن المسئولية لا تقوم في هذا الفرض إلا إذا توافرت شروطها وفقاً لكل من القانونين
ولا يخفي ما قد يثيره هذا الرأي الأخير من صعوبات في التطبيق. فتطبيق كل من قانون السفينة التي ارتكبت الخطأ والسفينة التي لحق بها الضرر تطبيقاً جامعاً سوف يؤدي إلى تجزئة أحكام المسئولية. ومن جهة أخرى فإن هذا الوضع سيؤدي في النهاية إلى تطبيق القانون الأصلح للسفينة التي ارتكبت الخطأ
ونشير في النهاية إلى الاتجاه الذي انتهي اليه الفقه الغالب في كل من فرنسا ومصر. ومؤدي هذا الاتجاه أنه لو وقع التصادم بين سفينتين في عرض البحر أو بين طائرتين في الفضاء الذي يعلو البحار العامة فإنه يتعين تطبيق قانون العلم المشترك. وفي غير هذه الأحوال فلا مناص من الرجوع إلى قانون القاضي بوصفه صاحب الاختصاص الاحتياطي في الأحوال التي يتعثر فيها أعمال ضابط الاسناد وبالتالي يستحيل تطبيق القانون المختص
(ب) حدوث الواقعة على ظهر سفينة في البحر أو على متن طائرة في الفضاء :
قد يحدث أن يقع الفعل المنشئ للالتزام على ظهر سفينة في البحر أو على متن طائرة في الفضاء. ويثور التساؤل في هذا الفرض عن القانون الواجب التطبيق.
(1) إذا كان الفعل المنشئ للالتزام قد وقع على ظهر سفينة في عرض البحار أو على متن طائرة في الفضاء الجوي الذي يعلو البحار العامة، فيري الفقه الشاب تطبيق قانون العلم في هذا الفرض أخذاً بالفكرة التقليدية في اعتبار السفينة أو الطائرة في هذه الحالة جزءاً من إقليم الدولة التي ترفع علمها.
ويبدو أن تشكك البعض في اعتبار السفينة أو الطائرة جزءاً من إقليم الدولة ما دفعهم إلى الاستناد إلى حجة أخرى. فقد أكد البعض أن تطبيق قانون الدولة التي تتبعها السفينة أو الطائرة على الحوادث الواقعة على السفن أو الطائرات أثناء وجودها في الأقاليم غير الخاضعة لسيادة دولة معينة هو الحل الذي يتفق مع الفكرة القائلة بأن أساس تطبيق قانون
محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام هو ضرورة خضوع سلوك الأشخاص للقانون السائد في الوسط الاجتماعي. ومهما كان الأمر فإن الملاحظ أن قانون العلم ينطبق في هذه الفروض بوصفه القانون المحلي.
(۲) أمالو حدث الفعل المنشن للالتزام على ظهر سفينة في المياه الاقليمية لدولة معينة، أو على متن طائرة في الفضاء الجوي التابع لإحدى الدول، فيبدو أن الفقه الغالب يتجه في هذا الفرض إلى تطبيق قانون الدولة صاحبة الإقليم، بوصفه القانون المحلي وفقاً للمبادئ العامة.
وقد أخذ البعض على الرأي السالف ما قد يثيره من صعوبات عملية بالنسبة لتحديد مكان الحادث الواقع فوق السفينة أو الطائرة. إذ قد يتعذر بالنسبة للسفن معرفة ما إذا كانت الواقعة المنشئة للالتزام قد حدثت مثلاً في المياه الإقليمية أو في البحر العام. ولهذا يميل جانب من الفقه في فرنسا، مؤيداً من بعض أحكام القضاء هناك، إلى تطبيق قانون العلم على
الحوادث الواقعة فوق السفن أو على متن الطائرات ولو كانت السفينة أو الطائرة في إقليم دولة أخرى. ونحن وإن كنا لا نتشكك في سلامة الاعتبارات التي يقوم عليها هذا الاتجاه إلا أننا نري مع البعض أن تطبيق قانون العلم على النحو السابق يجب أن ينحصر في إطار الأفعال التي تحدث فوق السفينة أو الطائرة دون أن تمس اعتبارات الأمن المدني في
الدولة صاحبة الإقليم. أما لو كان من شأن الفعل الحادث فوق السفينة أو الطائرة المساس باعتبارات الأمن المدني في الدولة صاحبة الإقليم، فلا مناص من تطبيق قانون الدولة صاحبة الإقليم بوصفه القانون المحلي وفقاً لمفهومه التقليدي.
مضمون الفكرة المسندة
مضمون فكرة الإثراء بلا سبب
اركان الإثراء واثاره
مضت الإشارة إلى أن الإثراء بلا سبب يخضع للقانون الذي تحقق فيه الفعل المنشئ للالتزام، أي للقانون المحلى، فهذا القانون هو الذي يبين معنى الإثراء، والقانون المحلي هو الذي يبين أيضاً معنى الافتقار، وأخيراً فإن القانون المحلي هو الذي يسرى بالنسبة لتحديد معنى انعدام السبب.
ومع ذلك فقد لاحظ البعض بحق أن تحديد معنى انعدام السبب قد يقتضي الرجوع أيضاً إلى قانون آخر غير القانون المحلى. ذلك أن فقه القانون المدني يشير عادة إلى أن مصدر السبب الذي يشترط انعدامه لتحقق أركان الإثراء هو العقد أو القانون. بمعنى أنه لو تبين أن الإثراء قد تحقق بناء على عقد بين المثرى والمفتقر مثلاً فلا وجه لرجوع الأخير على الأول بدعوى الإثراء. وعلى ذلك فلكي يتحقق القاضي من وجود السبب الذي يتمسك به المثري دفعاً لدعوى الإثراء بلا سبب، فلابد من الرجوع إلى القانون الذي يحكم العقد أو القانون الذي يستمد منه حق المثري وجوده، فإذا تبين للقاضي بعد استشارة هذا القانون أن الإثراء قد تحقق بناء على عقد صحيح أو حق مشروع مستمد من القانون، تعين عليه رفض دعوى الإثراء لتخلف أحد أركانها وهو انعدام السبب.
وعلى العكس فإذا اتضح للقاضى انعدام وجود العقد المدعى به أو بطلانه، أو أتضح له أن الحق الذي تمسك به المثرى لا سند له من القانون، فإنه بذلك يكون قد تحقق من انعدام السبب، وهو الركن الثالث من أركان فكرة الإثراء بلا سبب.
والخلاصة: إذن أنه لو كان القانون المحلي هو الذي يسري في شأن كل من ركني الإثراء والافتقار، فإن توافر الركن
الثالث وهو انعدام السبب قد يقتضي الرجوع إلى قانون آخر.
مضمون فكرة المسئولية التقصيرية
أثار المسئولية :
و ينطبق القانون المحلي كقاعدة عامة في شأن آثار المسئولية أسوة بأركانها. وعلى هذا النحو فإن القانون المحلي هو المرجع كقاعدة عامة في شأن كل ما يتعلق بطرق التعويض وكيفية تقديره.
(۲) الدعوى المباشرة
و تعترف بعض التشريعات للمضرور بالحق في رفع دعوى مباشرة قبل المؤمن للحصول على مبلغ التأمين مادام أنه لم يتقاض التعويض من المسؤول. ويثور التساؤل حول القانون الواجب التطبيق على مدى حق المضرور في رفع هذه الدعوى، ويرى جانب من الفقه الفرنسي أن الدعوى المباشرة هي أثر من آثار عقد التأمين المبرم بين المسؤول، ولذا فهي
تخضع للقانون الذي يحكم هذا العقد.
ويرفض الفقه الفرنسي الغالب - ويحق - هذا النظر. فلو كان صحيحاً أن الدعوى المباشرة تهدف إلى تنفيذ عقد التأمين، كما ان هذا العقد هو الذي يتضمن موضوعها وحدودها، إلا أن ذلك لا يعني أن عقد التأمين هو أساس الدعوى المباشرة. فهذه الدعوى تستمد أساس وجودها من نصوص القانون. فالقانون هو الذي قرر حق المضرور في الدعوى المباشرة قبل المؤمن.
و كل ما في الأمر هو أن المشرع قد خول للمضرور هذا الحق بمناسبة عقد التأمين. وهذه الحقيقة الأخيرة لا تغير من حقيقة الوضع في شئ، وقد أكد القضاء الفرنسي هذا النظر فخول للمضرور حق رفع الدعوى المباشرة على المؤمن أعمالاً لأحكام القانون الفرنسى، بوصفه قانون محل وقوع الحادث، وحتى لو لم يكن له هذا الحق بمقتضى عقد التأمين بين المؤمن
والمسؤول.
ويبدو أن تعلق نصوص القانون الفرنسي التي حولت المضرور حقه في الدعوى المباشرة بالنظام العام في فرنسا هو ما دفع البعض إلى القول بأنه لو كان القانون المحلى يجهل هذه الدعوى فإنه يتعين استبعاد أحكامه باسم النظام العام، ويرفض البعض هذا النظر لأنه يتضمن خلطاً بين فكرة النظام العام في القانون الداخلى ومفهوم هذه الفكرة في القانون الدولي
الخاص. فالدعوى المباشرة ليست من النظم الجوهرية في المجتمع الفرنسي حتى يعتبر تجاهلها أمراً ماساً بالنظام العام.
و قد أيد القضاء الفرنسي هذا النظر فأكد أنه ليس من حق المضرور أن يلجأ إلى الدعوى المباشرة قبل المؤمن مادام أن القانون المحلى يجهل هذه الدعوى، ومع ذلك فللمضرور في تقديرنا حق الرجوع على المؤمن مباشرة حتى لو كان القانون المحلى لا يتضمن نصاً عاماً يقرر له هذا الحق كما هو الشأن في مصر.
(۳) اتفاقات المسئولية
و ويثور التساؤل بالنسبة للاتفاقات الخاصة بتعديل أحكام المسئولية التقصيرية إعفاء أو تخفيضاً أو تشديداً. ذلك أن إفراغ مضمون التعديل في أحكام المسئولية في صورة اتفاق قد يغرى بإخضاع هذا التعديل لقانون العقد. وهذا ما اتجه إليه بالفعل جانب من الشراح.
ونحن نرفض هذا النظر ونرى مع جانب من الفقه الفرنسي وجوب التفرقة بين مسألة التحقق من وجود الاتفاق ومضمونه وحدوده من جهة، وبين مدى صحة هذا الاتفاق من جهة أخرى.
فلا شك أن قانون العقد هو المرجع في التحقق من وجود الاتفاق والتيقن من سلامة التراضي.
و أما وقد تحدد موضوع الاتفاق وفقاً للقانون الذي يحكم العقد، فإن تقدير سلامة وصحة هذا الاتفاق يخشع بعد ذلك للقانون المحلى،
ولهذا نفضل القول مع جانب آخر من الشراح بإخضاع الاتفاقات الخاصة بتعديل أحكام المسئولية التقصيرية للقانون المحلى، وعلى ذلك فإنه يتعين الرجوع إلى هذا القانون لمعرفة مدى صحة هذا الاتفاق والحدود التي يجوز الاعتداد به في نطاقها.
(١) التعويض : طريق وكيفية تقديره :
و الأصل أن القانون المحلي هو المرجع في شأن جزاء المسئولية وهو التعويض.
فالقانون المحلي هو الذي يبين أولاً طريقة التعويض، هل يكون بالتنفيذ العيني أم يكون تعويضاً نقدياً أم غير نقدي، وإذا كان تعويضاً نقدياً فهل يؤدي مرة واحدة أم مقسطاً أم في صورة إيراد مرتب مدى الحياة.
وإذا كان الأصل هو أن القانون المحلي هو الذي يحدد طريقة التعويض فإن هذا القانون هو الذي يبين مدى التعويض وكيفية تقديره. هل يقاس بالضرر المباشر وحده أم بغيره، وهل يعتد بالضرر المادي فقط أم أنه يجوز التعويض عن الضرر الأدبي أيضاً. ومع ذلك فقد ذهب البعض إلى القول بضرورة الرجوع إلى قانون القاضي لبيان قدر التعويض، وذلك حماية للمضرور فيما لو كان القانون المحلي يقرر له تعويضاً أقل مما هو مقرر في قانون القاضي. وأساس الرجوع إلى قانون القاضي لحماية المضرور هو فكرة النظام العام.
ويشير جانب من الفقه المصري إلى أن المشرع قد أحسن صنعا بهذا الحذف على أساس أن تقدير مدى التعويض "ليس من النظام العام في شئ".
ولا شك عندنا في سلامة هذا النظر. إذ لا يجوز استبعاد أحكام القانون الأجنبي المختص لمجرد اختلاف تقديره للتعويض عما يقضي به، وإنما يجوز استبعاد القانون الأجنبي في الأحوال التي يتعارض فيها تطبيقه مع المبادئ الأساسية في القانون المصرى، وعلى ذلك فإنه يجوز استبعاد القانون الأجنبي في مصر إذا كان يجرم المضرور من التعويض، أو يقرر له تعويضاً ضئيلاً لا يتناسب البتة ما حاق به من ضرر.
دعوى المسئولية :. تخضع إجراءات رفع دعوى المسئولية أسوة بغيرها من الدعاوى القانون القاضي وفقاً للقواعد العامة
(۳) تقام دعوى المسئولية
قام الخلاف في الفقه حول القانون الواجب التطبيق على تقادم دعوى المسئولية عن الأعمال غير المشروعة التي وقعت في دولة أجنبية. ويعكس هذا الخلاف خلافاً أشمل حول طبيعة التقادم وما إذا كان يعتبر مسألة إجرائية أم موضوعية.
ودون أن نتطرق لمضمون هذا الخلاف، نكتفي هنا بالإشارة إلى أن جانبا من الفقه قد ذهب إلى القول بأن التقادم هو وسيلة إجرائية ومن ثم فهو يخضع لقانون القاضي، وعلى العكس فقد أكد جانب آخر من الشراح أن التقادم مسألة موضوعية تخضع للقانون الذي يحكم الحق محل التقادم، وهو القانون المحلي بالنسبة لدعاوى المسئولية التقصيرية
وقد أيد القضاء الفرنسي على ما يبدو هذا النظر، وهو ما نرجح الأخيه في مصر :
وقد يدق الأمر بالنسبة الدعوى المسئولية عن جريمة ارتكابها مواطن في الخارج، ويميل الفقه الفرنسي في مجموعة إلى إخضاع تقادم دعوى المسئولية المدنية في هذا الفرض القانون القاضي بحيث يسرى في شأن تقادمها المدد المحددة لسقوط الدعوى العمومية.
ونحن لا نميل للأخذ بهذا الاتجاه في إطلاقه، ذلك أن سقوط الدعوى الجنائية بالتقادم وفقاً لقانون القاضي لا يمنع من رفع الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض، ما دام أن هذه الأخيرة لم تتقادم وفقاً لقانون محل وقوع الجريمة القانون المحلي.
و أما إذا كانت الدعوى المدنية قد سقطت بالتقادم وفقاً لأحكام القانون المحلى رغم عدم تقادم الدعوى الجنائية في مصر، فإنه يجوز للمضرور مع ذلك رفع الدعوى بالتعويض أمام المحاكم المصرية.
(۲) المسئولية المدنية المترتبة عن عربية جنائية ارتكبت في الخارج
و كل مصرى ارتكب وهو خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة في هذا القانون يعاقب بمقتضى أحكامه إذا عاد إلى القطر
وكان الفعل معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي أرتكب فيه". وبهذا فإنه يتصور قيام الدعوى العمومية في مصر بصدد جريمة وقعت في الخارج. وإذا كان قانون العقوبات المصري هو الواجب التطبيق في هذا الفرض وفقاً لمبدأ إقليمية القوانين الجنائية، مع ملاحظة الشرط الخاص بضرورة أن يكون الفعل معاقباً عليه أيضاً في الدولة التي ارتكب فيها، فإن
الأمر يدق بصفة خاصة بالنسبة للدعوى المدنية المرفوعة أمام المحاكم الجنائية المصرية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة عن الجريمة.
هل ينطبق في شأنها القانون المحلي، أم أن ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية في هذه الحالة يستلزم تطبيق القانون الوطني على كل من الدعويين؟ تصدي الفقه الفرنسي للإجابة على هذا التساؤل بمناسبة دعاوى التعويض المدنية التي رفعت أمام المحاكم الجنائية الفرنسية أثناء نظرها للدعاوى الجنائية عن الجرائم التي ارتكبها الفرنسيون في
الخارج.
و ذهب البعض إلى القول بوجوب تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية في القانون المدني الفرنسي على دعوى التعويض المقامة أمام المحاكم الجنائية الفرنسية عن الأضرار التي ترتبت على الجرائم الواقعة في الخارج.
وأساس هذا النظر أنه ليس من القول أن يطبق قانون العقوبات الفرنسي في شأن الدعوى الجنائية في الوقت الذي يرجع فيه القضاء إلى القانون الأجنبي بالنسبة لدعوى المسئولية المدنية المترتبة على الجريمة، فارتباط الدعويين يؤكد سيادة القانون الذي يحكم الدعوى الجنائية.
وقد قيل في الرد على ذلك أن رفع الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية لا يفقد هذه الدعوى ذاتيتها وطبيعتها المستقلة.
وإذا كان صحيحاً أن كلاً من الدعوى المدنية والدعوى الجنائية تستند إلى واقعة واحدة، فإن الصحيح أيضاً هو أن تكييف هذه الواقعة قد يختلف في الدعوى الجنائية عنه في الدعوى المدنية، ولهذا فإنه من المتصور دائماً أن تقرر المحكمة أن ما صدر من المتهم لا يرقى إلى حد اعتباره خطاً جنائياً، في الوقت الذي تحكم فيه بالتعويض على أساس أن ما نسب إليه
من إهمال يكفي لاعتباره خطأ مدنياً
وقد يبدو ذلك بوضوح فيما لو كان أساس المسئولية المدنية هو خطأ مفروض. ولهذا فإنه لو حكم القاضي بعدم مسئولية قائد السيارة جنائياً فإن ذلك لا يمنع من اعتباره مسؤولاً مدنياً بوصفه حارساً لها، ولهذا يرى الفقه الفرنسي
الراجح أن تطبيق قانون العقوبات الوطني في شأن الدعوى العمومية المتعلقة بجريمة وقعت في الخارج لا يمنع المحكمة الجنائية من الرجوع إلى القانون المحلي للفصل في دعوى المسئولية المدنية.
وقد أيد القضاء الفرنسي هذا الاتجاه فحكم بأن ارتباط الدعوى العمومية عن الجريمة التي وقعت في الخارج بدعوى المسئولية عن الأضرار المترتبة على هذه الجريمة لا يعني تطبيق القانون الوطني على دعوى المسئولية المدنية
ونحن من وجهة نظرنا نؤيد هذا القضاء، ونرى أن تطبيق القانون المصرى على الدعوى العمومية المرفوعة أمام المحاكم الجنائية لا يمنع هذه المحاكم من الحكم في دعوى المسئولية المدنية وفقاً لقانون الدولة التي وقعت فيها الجريمة. بل إن تحقق الضرر المترتب على الجريمة في دولة ثالثة يخول للمضرور الحق في التعويض وفقاً للقانون الأصلح تمشياً مع الاتجاه الذي سبق لنا الأخذ به.
(١) أطراف دعوى المسئولية وحكم تعدد المسئولين :.
و يؤكد الفقه الغالب أن القانون المحلي هو الذي يبين أطراف دعوى المسئولية وحكم تعدد المسئولين، وما إذا كانت مسئوليتهم تضامنية من عدمه، ومع ذلك فقد يدق الأمر بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على تعديل طرفي دعوى المسئولية في بعض الفروض. فقد يثور التساؤل أولاً عن القانون الواجب التطبيق على مدى حق الزوج في رفع دعوى المسئولية على زوجته أو العكس، ذلك أنه لو كانت بعض النظم القانونية تبيح للزوج رفع هذه الدعوى، فإن هناك نظماً أخرى مثل النظم الأنجلوسكسونية تمنع رفع الدعوى في هذا الفرض أو تقيدها بشروط معينة حفاظاً على وحدة الأسرة.
ويبدو أن مراعاة وحدة الأسرة وحمايتها من الإنشقاق هو ما دفع جانب من الفقه الفرنسي الحديث إلى إخضاع مسألة مدى حق الزوج في رفع دعوى المسئولية للقانون الشخصي، وإن جاز الأخذ بهذا الرأي في مصر فإن مؤداه خضوع مسألة مدى قبول دعوى المسئولية المرفوعة من أحد الزوجين على الآخر لقانون جنسية الزوج وقت الزواج، فإذا تبين أن هذا
القانون يجيز رفع الدعوى، فإن القانون المحلي هو الذي يسرى بعد ذلك.
و وتثور صعوبة ثانية بالنسبة لتحديد القانون الواجب التطبيق على طرفي دعوى المسئولية فيما لوله برفع المدعي دعواه بصفته الشخصية ، وانما بوصفه خلفاً عاماً للضرور، أي بوصفه وارثاً له، فإذا توفي شخص من جراء حادث معين ورفع وارثه دعوى على من تسبب مسلكه الخاطئ في وفاة مورثه مطالبة بالتعويض عما أصاب هذا الأخير من ضرر، بوصفه خلفا عاما له
فإن التساؤل قد يثور حول القانون الواجب التطبيق في هذا الفرض
و إذ يلاحظ أنه لو كانت هناك بعض النظم القانونية تتيح للورثة أن يرفعوا دعوى المسئولية عن الأضرار التي لحقت مورثيهم كما هو الشأن في كل من فرنسا ومصر، فإن هناك نظما قانونيا أخرى مثل النظام الانجليزي لا تخول للورثة هذا الحق.
ولا شك عندنا أن تحديد صفة الوارث هي مسألة أولية يتوقف عليها قبول دعوى المسئولية، وهي تعد مسألة تتعلق بفكرة الميراث وتخضع بالتالي لقانون جنسية المورث.
و أما عن مدى حق الوارث في رفع دعوى التعويض فيرجع في شأنها للقانون المحلي، ومع ذلك يرى البعض أن القانون الذي يحكم الميراث هو الذي يتعين الرجوع إليه لمعرفة ما إذا كان للوارث بصفته هذه أن يرفع دعوى التعويض عن الضرر الذي لحق بمورثه من عدمه، أما إذا رفع الوارث دعوى المسئولية بصفته الشخصية مطالباً بالتعويض عن الضرر المادي أو
الأدبي الذي لحق به من جراء موت مورثه، فلا وجه للرجوع على القانون الذي يحكم الميراث في هذا الفرض. وإنما يتعين الرجوع إلى القانون المحلي لبيان شروط المسئولية وآثارها.
وتثور الصعوبة بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على طرفي دعوى المسئولية أخيراً بالنسبة للدعاوى المقامة ضد ممثلي الأشخاص المعنوية مثل الشركات عن الأعمال غير المشروعة التي ارتكبوها بمناسبة تأدية وظائفهم، وقد يبدو طبيعياً أن تخضع المسئولية عن العمل غير المشروع في هذه الحالة للقانون المحلى وفقاً للقواعد العامة. ولهذا يقرر جانب من
الفقه الفرنسي بأنه لو كان النشاط غير المشروع الذي باشره ممثل شركة أجنبية قد وقع في فرنسا فإن دعوى المسئولية تخضع للقانون الفرنسي بوصفه القانون المحلي.
ومع ذلك فقد يدق الأمر بالنظر إلى أن التركيب العضوي للشخص المعنوي بما يتضمنه من أجهزة نشاطه يخضع لقانون مركز الإدارة الرئيسي، ويبدو أن هذا الاعتبار الأخير هو الذي دعا جانب من الفقه إلى التفرقة بين نشاط ممثلي الشخص المعنوي الذي يتضمن غشاً أو تدليساً وبين مسلك هؤلاء الذي ينطوي على خطأ غير متعمد. ففي الحالة الأولى تخضع المسئولية للقانون المحلى. أما في الحالة الثانية فإن مسئولية الشخص المعنوي تتحدد في ضوء القانون الذي يحكمه، أي قانون مركز الإدارة الرئيسي.
اركان المسئولية :.
و ينطبق القانون المحلي كقاعدة عامة على أركان المسئولية الثلاث، الخطأ والضرر وعلاقة السببية.
(1) المسئولة عن العمل الشخصية :
و يسري القانون المحلي كقاعدة عامة في شأن تحديد مضمون فكرة الخطأ. فهو الذي يقرر ما إذا كان سلوك الشخص يشكل تعدياً غير مشروع من عدمه، وكذلك الأحوال التي تجعل التعدي عملاً مشروعاً كالدفاع الشرعي وتنفيذ أمر الرئيس وحالة الضرورة.
والانحراف في السلوك قد يقع من الشخص وهو يأتي رخصة وقد يقع منه وهو يستعمل حقاً. ويتمشى هذا الرأي مع اتجاه الفقه الغاب في مصر والذي يعتبر التعسف في استعمال الحق من تطبيقات الخطة التقصيري. وإذا كان من المتعين وفقاً للرأي الراجح أن يرجع إلى القانون المحلي لتحديد مدى مشروعية السلوك المكون للركن المادي للخطأ التقصيري
فإن هذا القانون هو الذي يحكم بالمصل عنصر الإدراك، أو أهلية المسائلة، وهو الركن المعنوي للخطأ. وغني عن البيان أن خضوع أهلية المساءلة للقانون المحلي على هذا النحو لا يمنع من إمكان استبعاد هذا القانون إذا تبين مخالفته للنظام العام.
(۲) المسئولية عن عمل الفرد :
و ومثالها مسئولية من تجب عليه رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة عن الأعمال الصادرة عن هذا الشخص، ومسئولية المتبوع عن أعمال تابعه. ويرجع في شأن هذه المسئولية بدورها للقانون المحلي. والقانون المحلي على هذا النحو هو الذي يبين من يعتبر مقولياً للرقابة أو متبوعاً. كما يبين هذا القانون أيضاً أساس المسئولية. ومع ذلك فقد حكمت محكمة النقض المصرية باستبعاد القانون المحلي باسم النظام العام إذا تبين أنه لا يعرف القاعدة المقررة لمسئولية المتبوع عن أعمال التابع غير المشروعة.
(٣) المسئولية عن الأشياء :
ومثال هذا النوع من المسئولية، مسئولية حارس الحيوان عما يحدثه الحيوان من ضرر، أو مسئولية حارس البناء عما يحدثه انهدام البناء من أضرار، أو مسئولية من تولي حراسة الآلات الميكانيكية أو الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر. وهي تخضع بدورها للقانون المحلي أسوة بكل من المسئولية عن العمل الشخصي أو المسئولية عن عمل الغير.
والمقصود بالقانون المحلي في هذا الفرض هو القانون السائد في المكان الذي وقع فيه فعل الحيوان أو فعل الشيء وترتب فيه الضرر. ومع ذلك فيبدو أن القضاء المصري يميل إلى استبعاد القانون المحلي باسم النظام العام فيما لو كان هذا القانون لا يأخذ بنظتام المسئولية عن الأشياء في بعض الفروض.
بل ان مراعاة الحكمة التي يستهدفها اتجاه القضاء في شأن استبعاد القانون المحلي إذا كان لا يأخذ بالقاعدة المقررة في القانون المصري بالنسبة لمسئولية المتبوع من أعمال التابع غير المشروعة. وما تقوم عليه هذه المسئولية من خطأ مفترض، قد يعبر أيضاً عن اتجاهه نحو اعتبار افتراض الخطأ في جانب كل من المتبوع ومتولي الرقابة من ناحية وحارس الأشياء أو الحيوان من ناحية أخرى أمر ماس بالنظام العام في مصر لتعلقه بالحماية المتطلبة للمضرور.
ويتجه جانب من الفقه الفرنسي إلى القول بأن المسئولية عن الأشياء تدخل في بعض الفروض في فكرة مركز أموالي، وتخرج بالتالي عن
مضمون الفكرة المسندة. فقد أكد البعض مثلا إخضاع مسئولية حارس البناء عما يحدثه إنهداء البناء من أضرار القانون موقع العقار.
وقد يبدو الرأي السالف عديم الجدوى من الوجهة العملية باعتبار أن الغالب أن يتحقق الفعل المنشئ للالتزام في ذات المكان الذي يقع فيه المال، بحيث يصبح القانون المحلي هو نفس القانون الذي يحكم الحقوق العينية على المال. ومع ذلك فقد تبدو النتائج العملية لهذا الرأي في بعض الفروض. فقد يحدث أن تخضع الحقوق العينية المترتبة على المال لغير
قانون موقعه، كما هو الشأن بالنسبة للسفن والطائرات.
ففي هذه الحالة فإن أعمال الأفكار السابقة يؤدي إلى القول بخضوع المسئولية المترتبة على الأضرار التي تسببها هذه الأموال المنقولة لقانو العلم وليس لقانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام، أي القانون المحلي. ومهما كان من أمر هذا الاتجاه فإن الرأي الغالب هو سريان القانون المحلي على أركان المسئولية عن الأشياء أسوة بالمسئولية عن العمل الشخصي أو عن فعل الغير على نحو ما بينا.
مركز الأموال
اساس تطبيق قانون الموقع :
و يبرر جانب من الفقه الفرنسي قاعدة خضوع المال، وبصفة خاصة العقار، لقانون موقعه على أساس أن سلامة المعاملات تستلزم الأخذ بهذا الحل. فاطمئنان صاحب الحق العيني على وجود الحق لدي سلفه، وكذلك فإن اطمئنانه على خلو العقار من الرهون، كل ذلك لا يتأتى له إلا لو كان على علم شامل بحالة العقار وتاريخه. ولا يمكن لهذا الاعتبار أن يتحقق إلا بضمان خضوع العقار القانون واحد
ومن جهة أخرى فإن تطبيق قانون موقع العقار هو الذي يوفر حماية الغير على أساس أنه القانون الذي يتم بمقتضاه شهر الحقوق العينية العقارية، أضف إلى ذلك أن المحاكم المختصة بحكم النزاع المتعلق بعقار هي عادة محاكم الدولة التي يوجد العقار في إقليمها، ويذهب أنصار مبدأ الإقليمية إلى حد القول بأن العقار جزء من إقليم الدولة، ومن ثم فإن سيادتها على إقليمها تقتضى امتداد سريان قانونها على ما يوجد فيه من عقارات، وأخيراً يؤكد البعض بحق أن أنسب القوانين لحكم العلاقات المتعلقة بالأشياء المادية هو قانون موقعها.
كيفية تحديد قانون الموقع :
و لا يثير تحديد موقع العقار أدني صعوبة. كل ما في الأمر هو أن التساؤل قد يثار فيما لو وقع العقار على الحدود الفاصلة بين إقليمي دولتين مختلفين. ويبدو أن الفقه لم يتردد في التسليم بضرورة تجزئة العقار وإخضاع كل جزء منه لقانونالدولة التي يوجد هذا الجزء من العقار على إقليمها، وبالمثل فليس هناك صعوبة في تحديد موقع المنقول كقاعدة عامة.
إذ يخضع المنقول لقانون موقعه الفعلي أو الحقيقي.
ومع ذلك فإن الأمر يدق بالنسبة لتحديد موقع وسائل النقل مثل السفن. ومن جهة أخرى فقد تثور الصعوبة في شأن تحديد القانون الواجب التطبيق على البضائع أثناء نقلها.
(1) القانون الواجب التطبيق على السفن والطائرات :.
و ترجع الصعوبة في تحديد موقع كل من السفينة والطائرة إلى أنها دائمة الحركة. ومن جهة أخرى فهي كثيراً ما توجد في مكان لا يخضع للسيادة الإقليمية لدولة ما.
والرأي السائد لدى الفقه هو إخضاع كل من السفينة والطائرة لقانون العل، أي قانون الدولة التي تسجل أو تقيد فيها.
فليست العبرة إذن مكان وجودها الفعلي، وإنما ينطبق قانون العلم على كل ما يتعلق بحيازة السفن والطائرات وما يترتب على أي منها من حقوق عينية.
ويرى البعض إقرار هذا الحل أيضاً بالنسبة للسفن الشهرية التي تقوم بملاحة في الأنهار الدولية.
وأما السفن التي تقوم بالملاحة الداخلية فهي تخضع لقانون موقعها الفعلي، أي قانون الدولة التي تقوم بالملاحة في أنهارها.
(٢) القانون الواجب التطبيق على البضائع أثناء نقلها :
وتبدو الصعوبة في هذا الفرض لكون البضائع قد تجتاز حدود أكثر من دولة خلال نقلها. بل وقد تمر البضائع في إقليم لا يخضع للسيادة الإقليمية لأي دولة، مما يثير التساؤل عن القانون الواجب التطبيق على ما قد يكتسب من حقوق عينية عليها.
و إذ ليس من المقبول أن يرجع إلى قانون الموقع الفعلي ليحكم مثلاً عقد بيع البضائع المشحونة في هذا الفرض. فقانون الدولة التي تمر البضائع على إقليمها ليس له صفة حقيقية بعقد البيع، ولهذا يتجه البعض إلى تطبيق القانون الشخصي لمالك البضائع
أما الفقه الغالب فيرى ضرورة الرجوع إلى قانون الدولة التي تتجه البضائع إليها.
ومع ذلك يميل جانب من أنصار هذا الرأي الأخير إلى إخضاع البضائع التي يحملها المسافر على ظهر السفينة أو الطائرة
القانون العلم.
ويتجه فريق آخر من الشراح إلى القول بأن البضائع المشحونة برا هي فقط التي تخضع لقانون الدولة التي تتجه إليها.
أما البضائع الشحونة على السفن فهي تخضع في جميع الأحوال لقانون العلم.
تطبيق قانون الموقع :.
و يتبين من نص المادة 18 من القانون المدني أن ضابط الإسناد في شأن نظام الأموال المائية هو موقع المال عقاراً كان أم منقولاً، فكل ما يتعلق بحيازة العقار وما قد يترتب عليه من حقوق عينية يخضع لقانون موقعه، وبالمثل فإن حيازة المنقول والحقوق العينية المترتبة عليه تخضع بدورها لنفس هذا القانون، وتعد قاعدة الإسناد السابقة من القواعد المزدوجة، فهي تشير بتطبيق قانون الموقع في شأن كل ما يتعلق بحيازة الأموال والحقوق العينية المترتبة عليها، سواء كان هذا قانون القاضي، أو قانون أجنبي.
ولئن كان ذلك واضحاً تماماً بالنسبة للأموال المنقولة، فإن الأمر قد يختلف، من الوجهة العملية، بالنسبة للعقارات. ذلك أن مؤدي القاعدة السابقة هو تطبيق قانون الموقع في شأن العقار. ولا صعوبة في الأمر بالنسبة للعقارات الكائنة في مصر، إذ يتعين تطبيق القانون المصرى.
و أما بالنسبة للعقارات الكائنة في الخارج، فإن الملاحظ أن القضاء المصري لا يختص بالدعاوى المتعلقة بها، وبذلك فلن تتاح للقضاء المصري غالباً فرصة التصدي للدعاوى المتعلقة بعقار واقع في دولة أجنبية، وبالتالي لن يتسنى له أعمال قاعدة الإسناد في مثل هذه الفروض. وعلى هذا النحو قد يقتصر اعمال هذه المادة، على المنقولات بصفة عامة، وعلى العقارات الكائنة في مصر.
حكم تغير موقع المنقول :
و قد يثار التساؤل عن القانون الواجب التطبيق على الحيازة والحقوق العينية المترتبة على منقول فيما لو تغير موقع هذا
المنقول.
وأول ما يلاحظ بالنسبة لحكم تغير موقع المنقول هو أن المادة 18 من القانون المدني قد نصت كما رأينا على تطبيق قانون الموقع على الحيازة والحقوق العينية المترتبة على منقول (قت تحقق السبب الذي ترتب عليه كسب الحيازة أو الملكية أو الحقوق العينية الأخرى أو فقدها
ولا صعوبة بالنسبة للحيازة والحقوق العينية التي تتحقق أسباب اكتسابها أو فقدها في ظل قانون الموقع الجديد. إذ لا شك في إنطباق هذا القانون، وعلى ذلك "فالمنقول الموجود في سويسرا وبيع فيها لا تنتقل الملكية فيه إلا بالتسليم والمنقول الموجود في فرنسا أو في مصر وبيع فيها تنتقل الملكية فيه بمجرد تمام العقد دون حاجة إلى التسليم".
وإنما يدق الأمر فيما لو تحققت أسباب اكتساب الحق العيني أو فقده في ظل قانون الموقع القديم، ثم نقل المنقول إلى الموقع الجديد، ويرى البعض وجوب تطبيق قانون الموقع الجديد ياثر فورى، وهم بهذه المثابة يضعون للتنازع التغير حلا شبيها بالحل
المتبع في شأن التنازع الزمني للقوانين. ذلك أن سريان قانون الموقع الفعلي للمنقول يوفر في نظر هذا الرأي سلامة المعاملات
ولا يهم في نظر هذا الرأي ما قد يؤدي إليه تطبيق قانون الموقع الجديد من تعطيل لما ترتب على المنقول من حقوق في موقعه، وعلى ذلك فإنه "إذا باع شخص منقولاً في سويسرا الآخر ولم يتسلمه المشتري فلم تنتقل الملكية إليه وفقاً للقانون السويسري، ثم نقل المنقول إلى فرنسا حيث التسليم ليس لازماً لانتقال الملكية في المنقول، أصبح المشتري مالكاً وفقاً للقانون الفرنسي، قانون الموقع الحالي، وهذا هو الأثر المباشر لقانون الموقع الحالي".
وعلى عكس الاتجاه السابق فقد رأى جانب آخر من الفقه أن مبدأ الاحترام الدولى للحقوق يقتضي مراعاة أحكام قانون الموقع القديم فإذا اكتملت عناصر الحق وفقاً لقانون الموقع القديم فيبقى نافذاً رغم انتقال المنقول إلى موقع جديد
وعلى الرغم فلو اشترى شخص منقول في دولة تنتقل الملكية وفقاً لقانونها من البائع إلى المشترى دون حاجة للتسليم، تملك المشتري المنقول حتى لو لم يكن قد تسلمه. ولا يؤثر في ملكية المشتري للمنقول أن يكون البائع قد نقله إلى دولة يشترط قانونها التسليم.
ويبدو أن هذا الرأي الأخير هو الذي يتفق مع حكم القانون المصري الذي حرص كما رأينا على إخضاع المنقول لقانون الموقع وقت
تحقق السبب الذي ترتب عليه كسب الملكية، فالمشرع المصري قد حرص على توفير الاحترام الدولى للحق المكتسب، وهو ما يقتضي وفقاً لرأيه تطبيق قانون الدولة التي يوجد بها المنقول وقت تحقق السبب ولو نقل المنقول إلى إقليم دولة أخرى، ومع اتفاق الفقه المصري الراجح على هذه الحقيقة إلا أنه قد نبه إلى أن نفاذ الحق الذي اكتسب صحيحاً وفقاً القانون الموقع القديم على هذا النحو يقتضي أن يكون من الحقوق التي يقرها قانون الموقع الجديد. إذ من غير المقبول أن يعترف بحق يجهله قانون الموقع الجديد. وعلى ذلك " فإذا كان حق رهن الحيازة الوارد على المنقول يخول الدائن
المرتهن وفقاً لقانون الموقع القديم الذي اكتسب في ظله الحق في تلك المرهون عند عدم وفاء المدين بالدين المضمون
وكان قانون الموقع الجديد لا يعطي الدائن المرتهن هذا الحق فيجب أعمال قانون الموقع الجديد فلا يترتب على عدم الوفاء حق الدائن في تلك المرهون".
مضمون فكرة مركز الأموال :
يختص قانون موقع المال للمسائل الآتيتين :
(1) بيان المركز القانوني للأموال من حيث جواز التعامل فيها من عدمه. كذلك بيان الأوصاف القانونية للمال.
(۲) بيان أحكام الحيازة من حيث كسبها، وانتقالها، وزوالها، ووسائل حمايتها، وآثارها.
(3) بيان الحقوق العينية التي يمكن أن تترتب على المال عقاراً كان أو منقولاً
(4) بيان طرق كسب الملكية والحقوق العينية وانتقالها وانقضائها.
وإذا كان قانون الموقع هو الذي يسرى على بيان مصادر الحقوق العينية كأصل عام فان الأمر يقتضي الإيضاح
(أ) هناك مصادر للحق العيني تخضع في جملة أحكامها لقانون الموقع. وهذه المصادر في الحيازة والاستيلاء والالتصاق والشفعة.
(ب) وعلى العكس من ذلك فهناك مصادر للحق العيني تخضع كأصل عام للقانون الشخصي الميراث والوصية. ومع ذلك فقد رأينا أن قانون الموقع هو الذي يرى بالنسبة لبعض المائل مثل ملي تعلق حقوق الدائنين بالتركة وشهر الارث وشهر الوصية
(ج) أما بالنسبة للعقد كمصدر للحق العيني فإن مؤدي المادة 18 من القانون المدني هو خضوع أثر العقد في إنشاء الحق العينى أو نقله أو زواله لقانون الموقع
فإذا كان قانون الموقع يرتب هذا الأثر على العقد وحده كما هو الشأن في فرنسا ومصر، ترتب الأثر العيني على هذا النحو دون حاجة إلى أي إجراء آخر، وعلى العكس فإذا كان قانون الموقع يستلزم اتخاذ إجراء معين مثل التسليم أو الشهر
فلا يترتب الأثر العينى إلا باستيفاء هذا الإجراء. ومع ذلك فقد مضت الإشارة إلى أن الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون المدني قد قررت استثناء هاماً فأخضعت العقود المتعلقة بعقار لقانون الموقع في جميع الأحوال. وبهذا يمكن القول بأن المشرع المصرى قد فضل إخضاع العقد المتعلق بعقار في مجموعة إلى قانون الموقع، ولم يقتصر النص على سريان هذا القانون في شأن الأثر العيني المترتب على العقد كما هو الحال بالنسبة للعقود الواردة على منقول. ولا يستثنى من مجال تطبيق قانون الموقع بالنسبة للعقود المتعلقة بعقار سوى الأهلية والشكل.
(د) أما بالنسبة للحقوق العينية التي يعتبر القانون مصدراً مباشراً لها كما هو شأن الرهن القانوني الذي تقرره بعض التشريعات للزوجة
على أموال زوجها، فقد مضت الإشارة إلى أنه لا يكفي أن يقرر قانون الموقع الحق العيني التي في هذا الغرض، بل يتعين فوق ذلك أن يكون الحق مقرراً في القانون الذي يحكم الدين المضمون
(هـ) ونشر في النهاية إلى أن حكم القاضي قد يكون مصدراً للحق العيني كما هو الشأن بالنسية لحق الاختصاص في مصر
ولا شك عندنا في أنه لا يجوز تقرير حق اختصاص بناء على حكم أجنبي يجيز قانون القاضي الذي أصدره تقرير مثل هذا الحق للمحكوم له على أموال المحكوم عليه، ما دام أن قانون دولة الموقع يجهل هذا الحق، أما لو كان قانون موقع المال يجيز تقرير حق الاختصاص كما هو الشأن في مصر، فإنه يجوز للمحكوم لصالحه بمقتضى حكم أجنبي واجب التنفيذ في مصر أن يطلب تقرير حق الاختصاص على أموال المحكوم عليه الموجودة في مصر، ولو كان قانون دولة القاضي الذي أصدر الحكم يجهل هذا الحق.
(٥) وأخيراً فإن أحكام الشهر تعد من المسائل الداخلة في فكرة مركز الأموال وتخضع بالتالي لقانون الموقع.