Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
النصوص الملغاة في المجلة الجزائية (1) - Coggle Diagram
النصوص الملغاة
في المجلة الجزائية (1)
المقدمــة
الا شك أن حاجيات المجتمع والعالقات االجتماعية متغيّرة بصورة لا متناهية. فالتغيير لذا، فإن القواعد القانونية عرضة بدورها للتغيير، فهي أشبه ما تكون بالكائن الحي.
وخالفا لإلنسان الذي قد تكون وفاته بطرق مختلفة، فإن "وفاة" القاعدة القانونية لا تكون إلا بأداة وحيدة ت س ّمى اإللغاء ت مسك بها سلطة واحدة هي القادرة على القيام بذلك وهي السلطة التشريعية. فالمشرع وحده قادر على "بعث" قاعدة قانونية جديدة وهو الوحيد القادر على إنهاء العمل بها.
ويقصد باإللغاء إنهاء نفاذ القانون وإزالة سلطانه عن األشخاص المخاطبين بأحكامه وذلك عن طريق تجريده من قوته الإلزامية سواء ترتب على ذلك إحلال قواعد أخرى عوضا ّما تم إلغاؤه أو باالستغناء عنه كليا دون سن قواعد تحل محله. وقد يقعع الإلغاء على قاعدة واحدة من مجمل القانون كما قد يتعّداها ليشمل قانونا بأكمله.
ويختلف الإلغاء عن بعض
المؤسسات القانونية الشبيهة
المشرع يستعمل في بعض األحيان عبارتي النسخ واإلبطال للتعبير عن اإللغاء، لكن إذا كان اإللغاء والنسخ ي عب ّران عن نفس المعنى، فإن إبطال القاعدة القانونية يختلف عن إلغائها باعتبار أن اإللغاء لا ينصب إلا على قاعدة قانونية مستوفية لشروط
صحتها وأركانها الجوهرية فيكون مقصد المش ّرع بذلك ال الطعن في صحة هذه القاعدة بل نهاء العمل بها في المستقبل أو إبدالها بقاعدة أخرى دون المساس بما ترتب عنها من آثار ماضية قبل نسخها. لذلك يقال أن إلغاء القاعدة القانونية ليس له مفعول رجعي،
في حين أن إبطال النص القانوني ينبسط على قاعدة ليست مستوفية لمقوماتها فيتم إعدام ما ترتب عنها قبل أن يتق ّرر بطالنها .
--> فيكون إلبطال القاعدة القانونية حينئذ، وعلى نقيض
نسخها، أثر رجعي بما يعنيه من " إلغاء لكل ما تأ ّسس على القاعدة الباطلة من مراكز قانونية أو وضعيات تعاقدية"
واإللغاء نوعان
1- إلغاء صريح
عندما ي فصح المشرع بنص قانوني صريح عن إنهاء العمل بالقانون السابق سواء كان ذلك بشكل كلي أو بإلغاء بعض القواعد في ذلك القانون القديم فقط وهو اإللغاء الجزئي.
وقد يتحقق اإللغاء الصريح أيضا عند حلول األجل الذي ينتهي به سريان قانون مؤقت يصدر في أحوال وظروف خاصة ومثال ذلك قانون التحيين العقاري في تونس
2- إلغاء ضمني
وأما اإللغاء الضمنّي فيستنتج من استحالة الجمع بين قواعد قانونية لتعارضها أو عندما يصدر قانون جديد متكامل يشمل نفس الموضوع الذي حكمه وعالجه قانون سابق .
ويعبّر عن هاتين الصورتين باإللغاء عن طريق التعارض بين النصوص واإللغاء عن طريق إعادة التنظيم واالستيعاب
هذا الموضوغ يطرح
أهمبة مزدوجة:
فزيادة على األهمية العملية لإللغاء المتمثلة في كونه آلية فعّالة لجعل القانون متالئما مع مستجدات األوضاع االجتماعية واالقتصادية والسياسية واإلنسانية، فإن أهميّته تبرز كذلك على المستوى النظري بدليل أن إلغاء القواعد القانونية ي ثير عديد المشاكل ال سيما فيما يتعلق باإللغاء الفعلي.
ففي إطار هذه الصيغة األخيرة من النسخ طرحت مسألة القواعد القانونية المهجورة التي لم يقع تطبيقها لمدة طويلة إلى درجة إنشاء عرف سلبي بعدم استعمالها وتركها.
وقد تساءل عديد الفقهاء، في جميع النظم القانونية المقارنة تقريبا، عن مدى اعتبار هجر القاعدة القانونية مدة طويلة إلغاءا فعليا أو ضمنيا له. فهل يجوز القول بأنها لغيت ضمنيا ولم يعد باإلمكان تطبيقها مستقبلا ؟
مسألة إحالة القواعد
القانونية بعضها على بعض
المشرع غالبا ما يعمد، عند إصدار قانون جدید محدث لمؤسسة قانونية معينة، إلى استعمال تقنية الإحالة على قواعد قانونية مضمنة في قانون قديم يتعلق بتنظيم مؤسسة قانونية شبيهة بها
لكن قد يحصل أن يقع إلغاء هذه القواعد القانونية الأخيرة المحال عليها مما يفضي إلى التساؤل حول مدى سريان هذا الإلغاء على القواعد القانونية المحيلة نظرا إلى انبنائها على قواعد وقع نسخها. أي بعبارة أخرى هل أن نسخ القواعد المحال عليها ينجر عنه أيضا نسخ القواعد المحيلة ؟
في واقع الأمر، تتعلق هذه المسألة بما يسمى بالنسخ بطريق التسلسل « Abrogation par ricochet ». وهي مسالة أثارت ومازالت تثير الكثير من السجال القانونی
كرس المشرع ظرية الإلغاء أو النسخ بصفة
جلية وواضحة ضمن الفصل 542 م.إ.ع
تعد هذه النظرية في مجلة الالتزامات والعقود بمثابة " الشريعة العامة" لكافة فروع القانون الأخرى شأنها شأن القانون المدني ككل, لكن مع الأخذ بعين الاعتبار لخصوصيات بعض المواد القانونية كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجزائي.
على فرض حصول تزاحم بين بعض القواعد ذات الطابع الجزائي الموجودة بالمجلة الجزائية سواء فيما بينها أو مع الأحكام الجزائية الواردة في بعض القوانين الخاصة، فإن فضل هذا التزاحم لا يكون بالضرورة عن طريق اللجوء إلى أحكام الفصل 542 من مجلة الالتزامات والعقود بل يجوز اعتماد أيضا قاعدة التوارد بين الجرائم طبق الفصل 54 من المجلة الجزائية الذي اقتضى أنه " إذا تكون من الفعل الواحد عدة جرائم العقاب المقرر للجريمة التي تستوجب أكبر عقاب هو الذي يقع الحكم به وحده".
الحكمة من ذلك هي أن الإلغاء أو النسخ في المادة الجزائية لا يكون مبدئيا إلا صريحا لأن الأمر يتعلق بجرائم تهم النظام العام فإلغاؤها لا يكون حينئذ إلا صراحة.
لكن يبقى التساؤل قائما بخصوص الإلغاء الضمني،
فهل يجوز التمسك به في المادة الجزائية ؟
فإذا جرم مثلا فصلان أو قانونان مختلفان نفس الفعلة وكانت أحكامهما مختلفة من حيث العقوبة، فانه يطرح السؤال التالي : هل يجوز التمسك بالإلغاء الضمني للقانون الأقدم أم انه يتجه الاحتكام إلى قاعدة التوارد الواردة بالفصل 54 م ج ؟
إن المتأمل في المجلة الجزائية التونسية لا يجد صعوبة في استجلاء الكم الهائل من القواعد القانونية التي تم إلغاؤها صراحة. ويمكن إحصاء واحد وثلاثين حالة إلغاء صریح عرفتها المجلة الجزائية منذ إحداثها سنة 1913
وقد تعالت عديد الأصوات منذ ثورة 14 جانفي 2011 داعية إلى إلغاء عديد الجرائم الواردة بالمجلة الجزائية والخارجة عنها وعلى رأسها جريمة تعدد الزوجات وجريمة الزنا وجريمة استهلاك المخدرات الخفيفة و جريمة إصدار شيك بدون رصيد وجريمة اللواط وغيرها من الجرائم أو العقوبات التي أصبحت اليوم محل جدل كبير.
إن كثرة حالات الإلغاء التي عرفتها المجلة الجزائية، والتي قد تشهدها في مستقبل قريب، وتنوعها بقدر ما تدل على زخم السياسة التجريمية وتعقيداتها بقدر ما قد تفضي إلى مشاكل قانونية يصعب أحيانا فضها فقهيا وقضائيا وقد تنتهي بإصدار أحكام قضائية متناقضة تكون محل نقاش هام جدا
لا ينتهي إلا بتدخل المشرع لتحقيق الوظيفة التطويرية والإصلاحية للتشريع.
غاية دراسة النصوص
الملغاة في المجلة الجزائية
فما الداعي لدراستها والحال أنها فصول ألغيت وولت ولم يعد لها أي أثر في النظام القانوني الجزائي الحالي ؟
بعض النصوص المعتبرة ملغاة مازالت محل تساؤلات لأنها ضلت موجودة بالنسخة الأخيرة والمحينة للمجلة الجزائية وكأنها لم تلغ قط. وما يزيد الوضع القانوني حدة وغموضا هو أن بعض الأحكام طبقت مثل هذه النصوص رافضة اعتبارها ملغاة بأي طريقة من الطرق.
كما أن مسألتي الإلغاء الضمني و الإلغاء الفعلي لبعض النصوص التجريمية وبعض العقوبات لا تخلو بدورها من إثارة عديد الإشكاليات القانونية.
واعتمادا على ما سبق، فان هذه الدراسة ستقتصر على التعرض إلى النصوص الملغاة في المجلة الجزائية المثيرة للجدل فقط ولا تتضمن التعرض لغيرها من النصوص الملغاة التي انقضت وانتهت آثارها في المنظومة القانونية الجزائية
وهو ما يؤول إلى طرح الإشكالية التالية : متى يمكن اعتبار نصوص المجلة الجزائية ملغاة حقيقة ولا يجوز تطبيقها تفاديا للآثار القانونية السلبية للإلغاء ؟
I- تجليات الإلغاء
في المجلة الجزائية
.
شهدت المجلة الجزائية إلغاء عديد الفصول القانونية سواء كان الإلغاء كليا أو جزئيا.
بعض حالات الإلغاء لا تخلو من العيوب الشكلية والأصلية التي تستدعي من الباحث إعادة النظر بعمق في منظومة الإلغاء ككل خاصة إذا تعلق الأمر بالميدان الجزائي الذي تحكمه عديد المبادئ والضوابط أهمها مبادئ الشرعية والتأويل الضيق وعدم جواز القياس وضرورة الدقة عند ضبط الجرائم وحسن اختيار وتحديد المفاهيم...
لكن للأسف الشديد فقد تضمنت منظومة الإلغاء في الم.الج عديد الشوائب سواء فيما يتعلق بنظام الإلغاء الفعلي (الفقرة الأولى) أو الإلغاء القانوني للنصوص الجزائية (الفقرة الثانية).
أ- الإلغاء الفعلي
في المجلة الجزائية
خلافا للإلغاء القانوني الذي يتم بمقتضى نص قانوني يلغي صراحة أو ضمنيا النص القانوني السابق، فإن الإلغاء الفعلي هو حالة واقعية ناتجة عن عدم تطبيق النص القانوني مدة طويلة من الزمن فتجعل منه نصا مهجورا.
قد طال الهجران في المجلة الجزائية عديد النصوص التجريمية (:one:) كما شمل أيضا بعض العقوبات (:two:).
:one:
الجرائم المهجورة
في المجلة الجزائية
غالبا ما يتضح عند تطبيق النصوص القانونية أنها تحتوي على بعض الهينات في أحكامها. وغالبا أيضا ما يتولد الهجر من ثبات النص القانوني وجموده مقابل سرعة الظاهرة الاجتماعية وتطورها. يعبر عن هذه الوضعية في الفقه الفرنسي بحالة الطلاق
أو التباعد بين النص القانوني والواقع « Le divorce ou le décalage entre le texte et le contexte ».
لم يعرف المشرع الهجر أو الهجران, كذلك الشأن بالنسبة لفقه القضاء الذي بدا وكأنه يتجنب الخوض في هذه المسألة، عدا بعض القرارات النادرة. --> قد عرف الأستاذ الساسي بن حليمة النص المهجور معتبرا أن الهجران هو مبدئيا أن يبقى القانون حبرا على ورق أي غير مطبق بالمرة
من أهم الأمثلة التي يمكن استعراضها في مادة القانون العام، والتي تبرز أن القواعد المهجورة في النظام القانوني التونسي لم تكن وليدة العصر الحديث بل سبق ان وجدت تاريخيا، المثال المتعلق بدستور 26 افريل 1861 الذي كان مهجورا و"مهملا " على الصعيد العملي رغم وجوده القانوني.
قد أحدث ذلك تقلبا على مستوى القضاء في تلك الفترة.
تشهد المجلة الجزائية
اليوم عديد الجرائم
المهجورة خاصة
على مستوى المخالفات
الفصل 316 م.ج ينص على ما يلي : "ليستوجب العقاب المقرر بالفصل 315 من هذه المجلة (15 يوما سجن و 4800 دینار): أولا . الأشخاص الذين لم يتخذوا الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع حوادث وذلك عند إقامتهم أو اصلاحهم أو هدمهم البناء على الطريق العام.
ثانيا - الأشخاص الذين يلقون عمدا أو دون احتياط أشياء بالطريق العام من شأنها جرح المارة عند سقوطها أو تلويث ثيابهم... سادسا . الأشخاص الذين يحدثون ضجيجا أو ضوضاء من شانها تعكير راحة السكان او يشاركون في ذلك.
سابعا - الأشخاص الذين يقودون بسوق أو بغيره من الأماكن المسكونة خيلا أو عربات بسرعة مفرطة تشكل خطرا على العموم. ثامنا. الأشخاص الذين يتركون معتوهين أو حيوانات ضارة أو خطرة متجولة أو سائبة..."
الفصل 317 م ج الذي تضمن أنه " يعاقب بالعقوبات المذكورة (15 يوما سجن و 4800 دینار) : أولا - الأشخاص الذين يناولون مشروبات كحولية المسلمين أو لأناس بحالة سكر... ثالثا - الأشخاص الذين يسيئون معاملة حيوانات لغيرهم بدون أن يمنع ذلك من العمل
بأحكام الفصلين 25 و 26 من الأمر الصادر في 15 ديسمبر عام 1896.
رابعا - الأشخاص الذين يباشرون على رؤوس الملا سوء معاملة حيوانات أهلية لهم أو أنيط حفظها بعهدتهم. ويحكم دائما بالعقاب بالسجن في صورة تكرر الفعل".
الفصل 320 م ج الذي ينص على أنه "يستوجب العقوبات المذكورة (15 يوما سجن و 4 . 800 دینار): أولا، الأشخاص الذين يرمون مواد صلبة أو قاذورات على عربات أو ديار أو مبان أو أملاك لغيرهم.
ثانيا، الأشخاص الذين يضعون أو يرتكبون بمجاري المياه أو منابعها مواد أو غيرها من الأشياء الممكن سدها بها".
الفصل 321 مكرر م.ج
كل الجرائم المذكورة هي جرائم مهجورة لأنها لم تطبق منذ سنوات عديدة خاصة بعد ثورة 2011/ 01 / 14 ، وربما منها من لم تطبق مطلقا منذ سن المجلة الجزائية. فالجميع يلقون بفضلاتهم المنزلية في الطريق العام ولا وجود لتتبعات جزائية والمشروبات الكحولية
سقی بمئات الأماكن العمومية للمسلمين وغيرهم والتتبعات الجزائية منعدمة تماما.
الفصل 67 من المجلة الجزائية الذي جاء به أنه :" يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينار أو بإحدى العقوبتين فقط كل من يرتكب أمرا موشا ضد رئيس الدولة في غير الصور المبينة بالفصلين 42 و48 من مجلة الصحافة ". وفعلا كان هذا الفصل مهجورا قبل ثورة 14 جانفي 2011
لأن النظام الاستبدادي لم يكن يسمح بالاعتداء على رئيس الجمهورية السابق وبالتالي كانت أفعال "الأمر الموحش" من الندرة بمكان. وبعد الثورة كثرت مثل هذه الأفعال المنسوبة لرئيس الجمهورية المؤقت السيد محمد المنصف المرزوقي ولكن التتبعات بقيت غائبة تماما.
:two:
العقوبات المهجورة
في المجلة الجزائية
تتضمن المجلة الجزائية عقوبتين مهجورتين : عقوبة الإعدام (&1) وعقوبة الإقصاء (&2)
&1 عقوبة الإعدام
ذكرت عقوبة الإعدام تقريبا في واحد وعشرون فصلا قانونيا تضمنت عدید الجرائم أهمها جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي والاعتداء على موظف عمومي والاغتصاب باستعمال العنف والاعتداء بالعنف المرفوق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة،
والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط وتسليم السفينة إلى العدو، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها أو وضع أشياء أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج القطار عن السكة إذا تسبب ذلك بوفاة شخص...
قد بلغ عدد الأشخاص الذين نفذ فيهم حكم الإعدام منذ تاريخ 1956/ 03 / 20 إلى سنة 1987 مائة وتسعة وعشرون (129) شخصا21. في حين بلغ عددهم الجملي منذ االستقالل إلى اليوم مائة وثالثون شخصا. ولم يسبق أن نفّذ هذا الحكم في حق إمرأة.
آخر مرة تقذ فيها حكم الإعدام في تونس كانت سنة 1991 في حق سفاح نابل "ناصر الدامرجي". ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم، بلغ عدد أحكام الإعدام الباتة حوالي 100 حكم لكن لم يقع تنفيذها و شملت جرائم مختلفة مثل القتل مع سايق النية والاغتصاب والسرقة باستعمال العنف التي تنتهي بجريمة قتل.
وربما كانت الدولة على وعي بأن الإعدام مناف لمبادئ العدل وحقوق الإنسان لذلك أوقفت تنفيذه منذ أكثر من 23 عاما. كما أن حكومات "ما بعد الثورة" حسنت من ظروف إقامة المساجين المحكوم عليهم بالإعدام حيث أصبحت تسمح لأهاليهم بزيارتهم في السجن وتمكنهم من "القفة" عكس ما كان عليه الوضع سابقا.
من الواضح إذن أن النظام السابق تبنى فكرة الإلغاء الفعلي لعقوبة الإعدام منذ سنة 1991. ويرجع ذلك لرغبة رئيس الجمهورية السابق في عدم تطبيق هذه العقوبة الشنيعة وتفعيل حقه في العفو الخاص، وربما كان ذلك تحت ضغط المنظمات العالمية لحقوق الإنسان.
لكن هل يغني الإلغاء الفعلي لعقوبة الإعدام عن إلغائها القانوني ؟ وهل أن عدم التنفيذ الفعلي لعقوبة الإعدام منذ فترة طويلة جدا يجعلها في حكم العدم ويمنع المحاكم الجزائية من إصدار مثل هذه الأحكام مستقبلا ؟ أم أن العكس هو الصحيح طالما لازالت العقوبة منصوص عليها في أعلى هرم العقوبات الأصلية
وخاصة بعد "دسترتها" مؤخرا في الفصل 22 من دستور 26 جانفي 2014 ؟
&2 عقوبة الإقصاء
لم يحدد المشرع في المجلة الجزائية ما المقصود بهذه العقوبة التكميلية الواجبة التنفيذ إثر قضاء العقوبة الأصلية
قد جاء بالفصل الأول من القانون عدد 76 المؤرخ في 8 ديسمبر 1973 المتعلق بعقوبة الإقصاء أن " الإقصاء عقوبة تكميلية تهم الحق العام منتها غير محدودة وتقضي بمؤسسة شغل عنها وزير الداخلية "
يتضح إذن أن عقوبة الإقصاء هي عقوبة تكميلية مقيدة للحرية تتمثل في إيداع المحكوم عليه بمؤسسة ذات نظام خاص يسمح بتقويم الانحراف. وطبقا للفصل الخامس من القانون المذكور أعلاه، لا يحكم بالإقصاء إلا في الصور التي نص عليها القانون
ويمنع الحكم بهذه العقوبة على النساء كما يمنع تسليطها على الذكور الذين لم يبلغوا سن العشرين أو تجاوزوا الستين.
لئن ألغى المشرع الفرنسي هذه العقوبة منذ سنة 1970، فإن مشرعنا لازال يحافظ عليها بسلم العقوبات رغم ما طالها من انتقادات خاصة وأن مدتها غير محددة ويرجع الوزير الداخلية وحده تحديد المؤسسة الواجب قضاء العقوبة بها.
وهي عقوبة غير مطبقة منذ عقود طويلة، وربما لم يقع تطبيقها مطلقا
يثير بقاؤها بالفصل الخامس من الم.الج سجالا قانونيا كبيرا : هل تم إلغاؤها فعليا ولم يعد حينئذ بالإمكان تسليطها أم أن بقاءها تشريعيا، رغم ما عرفه القانون الجزائي من تطور، يدعو جديا إلى التفكير في إلغائها نهائيا ؟
ب- الإلغاء القانوني
في المجلة الجزائية
إن عيوب منظومة الإلغاء في المجلة الجزائية تبرز على مستويين اثنين: الإلغاء الصريح من جهة (:one:) والإلغاء الضمني من جهة أخرى (:two:)
:one:
الإلغاء الصريح
في المجلة الجزائية
نظرا لتعدد حالات الإلغاء الصريح وتشعبها في بعض الأحيان، فقد يغفل المشرع بين الفينة والأخرى عن استبعاد بعض النصوص الواردة بالمجلة الجزائية والتي تم إلغاؤها بنصوص خاصة صريحة وهو ما من شأنه أن يخلق حالة من الفوضى القانونية لأن النص رغم إلغائه صراحة يبقى
موجودا بالمجلة الجزائية في طبعاتها الأخيرة المحينة وقد يقع تطبيقه من طرف بعض المحاكم والحال أنه نص ملغی صراحة.
الدليل على ذلك حالة الإلغاء الواردة بالمرسوم عدد 115 المؤرخ في 2011 / 11 / 02 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشرحيث تم تحديد ميدان الإلغاء في أربعة حالات : -الحالة عدد 1 : إلغاء مجلة الصحافة الصادرة سنة 1975. - الحالة عدد 2: إلغاء الفصول 397 و404 و 405 من مجلة الشغل.
- الحالة عدد 3 : إلغاء النصوص اللاحقة لمجلة الصحافة والمتممة والمنقحة لها. - الحالة عدد 4 : إلغاء جميع النصوص السابقة للمرسوم عدد 115 والمخالفة له.
الصورتان الثالثة والرابعة المذكورتان أعلاه، تثيران عديد الإشكالات القانونية لأن صياغة الفصل 79 المذكور لا تساعد على إيجاد الحل المناسب للتنازعات بين النصوص التجريمية بما يؤكد أن تقنية الإلغاء الواردة بهذا الفصل أحدثت وستحدث مشاكل قانونية جمة.
الصورة التي تستدعي
الانتباه هي الصورة
الثالثة
الفصل 79 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 ألغي صراحة المجلة المذكورة وكل النصوص المتعلقة بها والتي يوجد من بينها القانون الأساسي عدد 43 لسنة 2001 المؤرخ في 3 ماي 2001 المتعلق بتنقيح مجلة الصحافة.
هذا القانون كان قد سحب مجموعة من الفصول، من مجلة الصحافة، وأدرجها بالمجلة الجزائية تحت الأعداد التالية : 121 مكرر، 121 ثالثا، 220 مکرر، 303 مكرر، 303 ثالثا، 315 مكرر و321 مكرر. وقد ورد بالفصل 2 من هذا القانون أنه:" سحب الفصول 35 و37 و38 و39 و45 و61 و62
من مجلة الصحافة وتدرج تباعا بالمجلة الجنائية تحت الأعداد 315 مكرر و303 مكرر و303 ثالثا و321 مکرر و220 مکرر و121 مكرر و121 ثالثا"
:question:
السؤال يطرح حول معرفة هل أن النصوص، المسحوبة من مجلة الصحافة والمضافة للمجلة الجزائية، تعد ملغاة بمقتضى أحكام المرسوم عدد 115 أم أنها ما تزال نافذة المفعول وممكنة التطبيق ؟
إذا ما تم اعتبار القانون عدد 43 لسنة 2001 ملغى، فإنه لا يمكن له أن ينقل أو يحول، بصفة شرعية، بعض النصوص القانونية من مجلة الصحافة إلى المجلة الجزائية ومثل هذا الدور لا يمكن أن يكون ناجعا وفعالا وشرعيا
إلا إذا كان القانون عدد 43 لسنة 2001 ساري المفعول إلى ما بعد تاريخ صدور المرسوم عدد 115.
من خلال مقتضيات الفصل 79 من المرسوم عدد 115 نتبين أن الفصل المذكور قد نص على إلغاء مجلة الصحافة الصادرة بالقانون عدد 32 لسنة 1975 المؤرخ في 28 أفريل 1975. كما نص صراحة على إلغاء جميع النصوص المتممة والمنقحة لهذه المجلة.
ولا جدال أيضا في أن القانونعدد 43 لسنة 2001 الذي قام بعملية السحب والإدراج هو نص منقح وتمم لمجلة الصحافة. وبالرجوع إلى محتوي هذا القانون، يلاحظ أنه جاء معنونا بالقانون الأساسي المتعلق بتنقيح مجلة الصحافة.
وفي الحقيقة عند التثبت أكثر في جميع فصول هذا القانون يتضح أنه نقح مجلة الصحافة وتممها أيضا.
وإذا كان الأمر كذلك، فان جميع الفصول المسحوبة من مجلة الصحافة والمدرجة بمجلات أخرى تكون بدورها ملغاة لأن قانونها المرجعي ألغي وأبطل العمل به وما تأسس على باطل فهو باطل.
وفي هذا الإطار، تندرج الفصول 121 مكرر، 121 ثالثا، 220 مکرر، 303 مكرر، 303 ثالثا، 315 مكرر و321 مكرر من المجلة الجزائية التي تعد ملغاة بالتبعية لأن القانون الذي سحبها من مكانها الأصلي وأدرجها بالمكان الجديد ألغي وأبطل العمل به كليا۔
لكن المثير للدهشة حقيقة، هو أنه بالرجوع إلى المجلة الجزائية في طبعتها الأخيرة والمحينة، يلاحظ أن جميع الفصول المذكورة أعلاه، الملغاة صراحة بالمرسوم عدد 115 لسنة 2011، ما تزال موجودة بها وكأن شيئا لم يكن. و المدهش أكثر هو أن هذه الفصول الملغاة قد طبقها القضاء الجزائي في قضية جريدة التونسية
على خلفية نشرها لصورة اعتبرها القضاء فاضحة ومخلة بالآداب العامة. حيث قد انتهت المحكمة الابتدائية بتونس في حكمها أن الفصل 121 ثالثا من المجلة الجزائية غير ملغی وواجب التطبيق رغم ما قد يوحي به ظاهر الفصل 79 من المرسوم من أنه تم إلغاؤه.
وهو رأي لا يستقیم قانونا، لما سبق بيانه. وتبقى الحجج التي تمسكت بها محكمة البداية واهية لأن الفصل 121 ثالثا من المجلة الجزائية ألغي إلغاءا صريحا لا غبار عليه.
و من الطرافة بما كان أن الفصل 47 من المرسوم عدد 115 تضمن في فقرته الثانية إشارة صريحة إلى أن كل من يتولى خرق الإجراء الوارد بفقرته الأولى يعاقب بالخطية المنصوص عليها بالفصل 315 مكرر من المجلة الجزائية
فمن الغريب أن يلغي المشرع في الفصل 79 من المرسوم عدد 115 الفصل 315 مكرر ثم يعيد إحياءه من جديد بالفصل 47 من نفس المرسوم. وكان من الأسلم، بدل تطبيق نص ملغى، أن يقع التنصيص على عقوبة مالية مستقلة خاصة بالفصل 47 ذاته ولو مع الإبقاء على نفس المقدار، أما أن تقع العودة إلى عقوبة نص تم إلغاؤه صراحة فهذا أمر لا يقبل منطقا وقانونا.
إذ نجد مشرع "ما بعد الثورة" يلغي النص ثم طبقه في نفس المرسوم في سابقة خطيرة جدا .
:two:
الإلغاء الضمني
في المجلة الجزائية
بالرجوع إلى المجلة الجزائية، التي تعتبر الشريعة العامة في ميدان التجريم، يلاحظ أنها تضمنت بعض الجرائم المتصلة بصورة غير مباشرة بالمجال المالي والاقتصادي.
بمقارنة بعض جرائم الحق العام بالجرائم الاقتصادية، يتضح وجود بعض وضعيات التداخل التي من شأنها إفراز تنازعات على مستوى الوصف الجزائي للأفعال المرتكبة. فالنشاط الإجرامي يمكن أن يقع حينئذ تحت طائلة أكثر من نص جزائي، إذ تتعدد بين الفعل والآخر الجرائم وتختلف العقوبات.
ففي صورة ارتكاب أحد الأشخاص لأعمال تهرب جبائي مثلا، فانه قد ينضوي تحت طائلة جرائم التحيل الجبائي التي جاءت بها الفصول 94، 98 و101 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية وهي النصوص الخاصة بهذا النوع من التجريم. وقد يطال نفس الشخص
أيضا وصف جزائي أخر يتمثل في التحيل الجناحي على معنى أحكام الفصل 291 م ج وهو النص العام لهذا النوع من التجريم.
قد تنبني بعض الجرائم التي يرتكبها المستثمر، الواردة بمجلة التشجيع على الاستثمار، كعدم الشروع في انجاز المشروع أو تحويل الوجهة الأصلية للاستثمار على تحليل من طرفه يهدف من خلاله إلى الانتفاع بصفة غير مشروعة بالامتيازات الممنوحة، وهو ما يذگر بجريمة التحيل المنصوص عليها بالفصل 291 م ج.
جريمة توزيع أرباح صورية أو جريمة
التعسف في استعمال أموال الشركة
من أكثر الصور شيوعا التي يظهر فيها التداخل بين جرائم الحق العام والجرائم الاقتصادية الخاصة، صورة التنازع بين جريمة توزيع أرباح صورية أو جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة المنصوص عليهما بالفصل 223 م.ش.ت،
بالنسبة للشركة خفية الاسم ، وجريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها بالفصل 297 م ج.
يعتبر قيام أحد أعضاء مجلس إدارة الشركة أو وكلائها بالاستيلاء على أموالها أو توزيع أرباح صورية في غياب إعداد قائمة أو جدول للإحصاء أو باستعمال قائمات إحصاء مدلسة مكونا الجريمة التعسف في أموال الشركة أو جريمة توزيع أرباح صورية.
لكن نفس الفعل قد يوصف، في ذات الوقت، على أنه مكونا كذلك لجريمة خيانة الأمانة على معنى الفصل 297 مج. وبناء عليه، فإن هذا التقارب بين جرائم الاستثمار وجرائم الحق العام يرتب تعددا في التكييفات والأوصاف الجزائية الممكنة على الفعل الواحدة.
أمام مثل هذه الوضعيات، فإن مهمة النيابة العمومية تتغير وجوبا إذ لم يعد دورها منحصرا في مجرد البحث عن نص قانونی قابل للتطبيق على الفعل المجرم، وإنما في اختيار أي نص يتجه تطبيقه على الأفعال المرتكبة، النص الخاص أم النص العام ؟
تعددت الحلول الفقهية والفقه قضائية المقترحة
عند تعدد الأوصاف الجزائية للفعل الواحد
هنالك من اعتبر أنه يتجه تطبيق أحكام التوارد عملا بالفصلين 54 و55 م ج .
هنالك من رأى ضرورة تطبيق المبدأ القائل بأن النص الجزائي الخاص يستق على النص العام.
في اعتقادي، فإنه يجوز إعمال أحكام النسخ الضمني الجزئي لأحكام المجلة الجزائية في ميدان المال والأعمال. إذ جاء بالفصل 542 م اع أنه :" لا تنسخ القوانين إلا بقوانين بعدها إذا نصت المتأخرة على ذلك نصا صريحا أو كانت منافية لها أو استوعبت جميع فصولها".
لكن بالرغم من وضوح عملية الإلغاء أو النسخ الضمني الجزئي لأحكام المجلة الجزائية في مادة الشركات التجارية، فإن القاضي الجزائي لم يتردد عديد المرات في الرجوع إلى أحكام الفصلين 291 و 297 م ج ليطبقها على مديري الشركات التجارية ضاربا عرض الحائط
نظرية الإلغاء الضمني للنصوص القانونية والمبدأ القائل بأن النص الخاص يسبق على النص العام طبقا لأحكام الفصل 540 م اع
:question:
أليست هذه أيضا حالة أخرى من حالات تطبيق النصوص الملغاة في المجلة الجزائية ؟