Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي - Coggle Diagram
المسؤولية الجزائية
للشخص المعنوي
.
إن الاتجاهات الحديثة في علم السياسة الجزائية تستوجب ألا يقف القانون الجزائي عند حد مساءلة الفاعل المباشر، بل أضحى من المتعين تتبع كل من ساهم بنشاط أو خطأ أسهمت بدور فعال في وقوع الجريمة، فلهذا أصبح يدخل في دائرة المسؤولية الجزائية كفاعلين أصليين أشخاص لم يساهموا ماديا في اقتراف الجريمة ولكنهم يعدون
مع ذلك منخرطين فيها بواسطة الوسائل المادية التي وضعوها بين أيدي الآخرين أو بصفة أخص بسبب ما وفروه من إمكانيات.
ويأتي الشخص المعنوي على رأس هؤلاء، إذ أصبحت الأشخاص المعنوية في الوقت الراهن ظاهرة ملموسة تلازم المجتمعات الحديثة بل هي من ابرز خصائص تلك المجتمعات، وصار دورها في الحياة العامة واضحا جدا للعيان، فللشخص المعنوي إمكانات وقدرات كبيرة وهامة ، يمكن استغلالها في ميدان الإجرام، وبما أن القانون يحمي التصرفات المشروعة التي تقوم بها الأشخاص المعنوية فإن المنطق القانوني السليم يستوجب مؤاخذتها حين تقترف أفعالا غير مشروعة .
فالشخص المعنوي هو اجتماع عدد من الأشخاص الطبيعيين، أو الأموال يقدر له القانون كيانا قانونيا مستقلا ، أي أن له إرادة مستقلة تختلف عن إرادة مكونيه من الأشخاص الطبيعيين، كما أن له مصلحة متميزة عن جملة مصالح مكونيه أو أعضائه
أمام الدور المتزايد للأشخاص المعنوية وفي إطار تطور قانون المسؤولية وقع إسناد مسؤولية مدنية للشخص معنوي لتحميله التزاما بتعويض الأضرار، وقبلت كذلك المسؤولية الإدارية له وسلطت عليه خطايا وجزاءات إدارية أخرى .
لكن هناك من يعتقد أن الأشخاص المعنوية لا زالت بعيدة من حيث المبدأ عن أن تكون شخصا من أشخاص القانون الجزائي ، انطلاقا من فكرة غير دقيقة مفادها أن طبيعة الجريمة تأبى أن يكون مرتكبها شخصاً معنوياً، بل إن وقوعها من هذا الشخص محال. و هو رأي محل جدل لدى شق من الفقهاء
المشرّع التونسي لازال يمتنع عن وضع نص عام في المجلة الجزائية يقر أو ينظم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي رغم قبوله لها في كثير من الحالات.
وهذا الغياب للنص العام مع التردد الواضح في النصوص الخاصة أثارا بلبلة في الأذهان وتضاربا في فقه القضاء
I- شخصية المسؤولية
الجزائية للشخص معنوي
يؤسس المعارضون للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي موقفهم على جملة من الحجج المحددة التي منها خلص أصحاب هذا الرأي إلى إنكار قيام مسؤولية الأشخاص المعنوية جزائياً، ورغم أن أغلب التشريعات تجاوزت موقف الرفض المطلق إلا أن تأثرها بحجج الرافضين لهذه المسؤولية أدى أحيانا إلى اعتماد حلول غير مقبولة من وجهة نظر المنطق القانوني السليم ، فهناك رؤية خاطئة إلى المسألة أدت إلى نتائج غير شرعية (الفقرة الأولى) وهو ما يستوجب تصحيح الرؤية وتحكيم الشرعية (الفقرة الثانية).
أ- رؤية خاطئة و
نتائج غير شرعية
يعمد المشرع في عدد من النصوص ذات الطابع الجزائي إلى إسناد المسؤولية الجزائية إلى مسيري وممثلي الشخص المعنوي حسب الحالة حيث نجد غالبا فصلا ينص على أنه "عندما يكون المخالف ذاتا معنوية، تطبق العقوبات المنصوص عليها سابقا بصفة شخصية وحسب الحالة على الرؤساء المديرين العامين والمديرين والوكلاء وبصفة عامة على كل شخص له صفة لتمثيل الشخص معنوي"
يتأسس الرأي المعارض للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي على حجّتين إثنتين
1- أن الأشخاص المعنوية مجرد افتراض قانوني اقتضته الضرورة من أجل تحقيق مصالح معينة، الأمر الذي يحول دون إمكانية تصور إسناد الجريمة إليه
وأن التسليم بمساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا يتنافى مع أحد أهم مبادئ القانون الجزائي، وهو مبدأ شخصية العقوبة، انطلاقا من أن توقيع العقوبة الجزائية على شركة مثلاً سيؤدي لامتداد أثر هذه العقوبة إلى كل الشركاء و المساهمين الذين قد يكون من بينهم من لم يسهم في ارتكاب الجريمة، لا باعتباره فاعلاً ولا شريكاً بل قد يكون من بينهم من لم يعلم بها أو حتى عارض في ارتكابها.
لكن هذا الرأي يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة ذلك أن أن تكون العقوبة شخصية والوكيل هو المسؤول عن الجرائم التي ترتكبها الشركة التي يديرها ومخالف لصريح أحكام الفصل 13 من الدستور
وهذا التوجه التشريعي أيدته محكمة التعقيب في قرارها عدد 9464 الذي جاء فيه: "وحيث أن الشركة هي شخصية معنوية يمثلها حسب قانونها الأساسي أو محاضر اجتماعات مجلس إدارتها شخص طبيعي يكون وكيلها أو مديرها العام أو ممثلها القانوني الذي يبرم التصرفات باسم الشركة ويتحمل المسؤولية المدنية عنها وكذلك مسؤولية الأخطاء الجزائية التي تقع بالشركة التي يمثلها..."
كما أن اعتبار أن الشخص المعنوي هو المخالف والمسير هو المعاقب يطرح التساؤل هل يمكن أن يكون منطق قانوني سليم
هناك من يبرر إسناد المسؤولية الجزائية إلى المسيرين في هذه الحالات بأنه كلما نص القانون على نفي المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي (أو رأى القضاء ذلك)، فإنه لابد من إسناد هذه المسؤولية إلى مسيريه، وما دفع بالمشرّعين إلى ذلك هو ما ووجهوا به من خطر اجتماعي كبير فيما لو حكم ببراءة الأشخاص الطبيعيين و بعدم مسؤولية الشخص المعنوي باعتبار أن الأمر سيؤدي إلى فراغ مزعج في شأن تنظيم المسؤولية إذ ستوجد جريمة ولن يوجد مسؤول عنها.
لكن هذا التوجه جوبه بالنقد الشديد على أساس أنه غير شرعي ذلك أن العملة أو الممثلين يتعرضون إلى مسؤولية عن ارتكاب جرائم قد يجهلون أحيانا وجودها ، إلى جانب أن الفعل المعاقب عليه قد لا يكون من اختصاصهم أصلا فكيف يمكن تحميلهم مسؤولية عدم القيام بواجب محمول على غيرهم؟ . فالمسؤولية الجزائية لمسيري الأشخاص المعنوية أو حتى موظفيها مهما كانوا غير مقبولة عندما يكون الفعل المجرم غير منسوب إليهم شخصيا ... وهو ما يستوجب تصحيح الرؤية وتحكيم الشرعية.
ب- تصحيح الرؤية
و تحكيم الشرعية
إن الاقتصار على مسؤولية مسيري الشخص المعنوي لم يعد مقبولا أو ممكنا لأن وجود هؤلاء في الوقت الحاضر أصبح مجرد وجود مادي لا يشخص من الناحية القانونية الإرادة الحقيقية للشخص المعنوي
فأحد الأسباب التي دفعت بالمشرّع الفرنسي إلى إقرار مسؤولية الشخص معنوي هو حصر مجال المسؤولية الشخصية للمسيرين وذلك حتى يقع ضمان مبدأ مسؤولية الشخص عن الأفعال الصادرة عنه فحسب
من خلال الإقرار بمؤسسة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ستضمحل قرينة المسؤولية الجزائية المحمولة على المسيرين بالنسبة لبعض الجرائم التي لا يعلمون بوقوعها أو يجهلون وجودها
العدالة وشخصية العقوبة يقتضيان مساءلة الأشخاص المعنوية عن مخالفاتها، أما مساءلة الشخص الطبيعي ممن يقوم بالعمل لديها، دون مساءلتها، فإنه يخل بالعدالة وشخصية العقوبة، لأن ثمار جهود الممثلين لها تعود عليها فكيف لا تتحمل نتائج مخالفتهم؟
من العدالة أن تصيب العقوبة الشخص معنوي في ماله، خاصة وأنه إذا اقتصر أثرها على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة (مادياً) فلن تكون مجدية، إذ قد لا تسمح أمواله بتغطية الضرر ولن يحول عقابه دون تكرار المخالفة .
بإقرار المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية يمكن تلافي مستقبلا أن يتحمل فرد لوحده وزر تبعات القرارات الجماعية التي عادة ما تكون آثارها وخيمة
يجب تأكيد على أن الإقرار بوجود المسؤولية الجزائية للشخص معنوي لا يؤثر في شيء على مواصلة وجود حالات من "المسؤولية الجزائية عن فعل الغير"، ذلك أن هذه المسؤولية الجزائية للشخص معنوي لا يمكن أن تستوعب كل حالات المسؤولية الجزائية عن فعل الغير . بل إن ذلك الشخص المعنوي نفسه قد يكون محل مساءلة عن جريمة ارتكبها الغير.
ويبدو أن محكمة التعقيب التونسية قد سارت في هذا الاتجاه ففي القرار التعقيبي الجزائي عدد 5801 مؤرخ في 20-02-2001 أكدت مايلي: " حيث أسست محكمة القرار المطعون فيه قضاءها بالبراءة على أساس أن مرتكب المخالفة هي الشركة وليس المتهم، وكان من الأجدر إحالة الشركة المذكورة في شخص ممثلها القانوني ولا إحالة المتهم رأسا تطبيقا لمبدأ شخصية العقوبة... كما كان من واجب المحكمة المتعهدة بالأفعال.. القضاء على الشركة المخالفة في شخص ممثلهـا القـانوني..." .
نفس الموقف تبنته محكمة التعقيب في القرار عدد 6194 مؤرخ في19-3-2001 وجاء في حيثيات هذا القرار ما يلي: "وحيث أن العقوبة شخصية ولا تسلط إلا على من خالف القانون شخصيا وبالرجوع لأوراق قضية الحال يتضح أن لا شيء يفيد ارتكاب المعقب ضده للمخالفات المحال من أجلها مباشرة والحال أنها تنسب للشركة في شخص ممثلها القانوني..".
==> يتبيّن من هذين القرارين فإن محكمة التعقيب تعتبر أن المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية هي مسؤولية شخصية وليست مسؤولية عن فعل الغير، بل إنها تعتبر مؤاخذة المسير عن الجريمة بدلا عن مؤاخذة الأشخاص المعنوية خرقا لمبدأ شخصية العقوبة.
ومما يدعم الطابع الشخصي للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن المشرع يقر في عديد الحالات ازدواجية المسؤولية، فيسأل عن الجريمة كل من الشخص المعنوي و الشخص الطبيعي المجسد له. وهذا الإقرار يهدف إلى تجنب أن تكون مسؤولية الشخص المعنوي درعا يتوقى به الشخص الطبيعي لارتكاب الجرائم، أو العكس
لذلك لا يمكن أن نتصور إعفاء الشخص الطبيعي من مسؤوليته الجزائية الناجمة عن الجريمة بعلة أنه قام بها لحساب الشخص المعنوي. فممثل الشخص المعنوي أو من ارتكب الجريمة من ممثليها، يسأل جزائياً عن أفعاله الإجرامية، ولو كان قد ارتكب هذه الأفعال لمصلحة الشخص المعنوي الذي يعمل لديه أو يمثله قانوناً فالمشرع لم يرد بهذه المسؤولية
أن يعفي الشخص الطبيعي من تحمل مسؤوليته عن الجريمة.
النقاش الحقيقي الذي يطرح في هذا الإطار هو حول مدى إمكانية اعتبار الشخص المعنوي شخصا من أشخاص القانون الجزائي، وهو ما يدعو إلى طرح الإشكالية الآتية: هل يملك الشخص المعنوي ذاتية تؤهله لتحمل المسؤولية الجزائية؟
المقصود بالذاتية هنا أمرين هما الوجود الحقيقي و الإرادة المستقلة، فالوجود الحقيقي يسمح بتحميل الشخص المعنوي مسؤولية أفعاله بصفة شخصية، والإرادة المستقلة تسمح بإسناد الركن المعنوي للجريمة إليه، فالوجود الحقيقي ينهي مشكلة شخصية المسؤولية (I) والإرادة المستقلة تنهي مشكلة إسناد الجرائم المعنوية إليه (II).
II- الإرادة الإجرامية
للشخص معنوي
يطرح السؤال في هذا الجزء هل يمكن أن تسند الى الذوات المعنوية مسؤولية عن جريمة قصدية ؟
ينص الفصل 37 م ج على مبدأ عام مفاده أنه: "لا يعاقب أحد إلا عن فعل ارتكب قصداً..."
يرى معارضو المسؤولية الجزائية للذات المعنوية أن القوانين التي تشترط أنه لا يعاقب أحد إلا عن جريمة ارتكبت عن إرادة وسوء قصد ترفض ضمنا المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ولو لم تأخذ موقفاً صريحاً في ذلك، لكن هذا الرأي يتعارض مع الواقع القانوني، كما أنه يتعارض مع التحليل القانوني السليم الذي يثبت أن الإرادة الإجرامية للشخص المعنوي موجودة ومستقلة (الفقرة الأولى)
وهي إرادة حقيقية رغم أنها مشروطة (الفقرة الثانية).
أ- إرادة
إجرامية موجودة
إن الحجة الأساسية التي يستند إليها معارضو المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية هي عدم إمكان توفر الركن المعنوي للجريمة في حق الشخص المعنوي، فالجماعات التي يعترف لها القانون بالشخصية القانونية لا تستطيع أن تجرم نتيجة غياب الإرادة لديها ، فالأشخاص المعنوية خلو من الإرادة والقصد، وهي لا تستطيع تحقيق العناصر المادية للجريمة، ولا أن يتوافر لديها خطأ .
وكون الأشخاص المعنوية محض افتراض مصطنع عن طريق القانون فهي لا تتلاءم مع وجود قدرة على الإرادة والفعل وليس لها وجود مادي، و القانون الجزائي لا يبني أحكامه على الافتراض والمجاز فهي لا يمكن أن تعد من أشخاص القانون الجزائي. فالشخص المعنوي غير قادر على ارتكاب الجرائم لأنها يفتقد للإرادة والوعي فهو لا يستطيع تحقيق العناصر المادية للجريمة لأنه
مجرد افتراض لا قدرة ولا إرادة له .
في حين يرى دعاة الاتجاه المؤيد للمسؤولية
الجزائية للأشخاص المعنوية أن
تلك الأشخاص تملك وجودا حقيقيا بسبب المصالح الخاصة التي تقوم بتحقيقها والتي من شأنها أن تجعل لها شخصية مستقلة ومتميزة عن شخصيات أصحاب المصلحة فيها فهي ذات وجود حقيقي لا جدال فيه من الناحية القانونية، ويعترف لها القانون بإرادة متميزة عن الأشخاص الطبيعيين المكونين لها ويتجسد ذلك من خلال الإقرار بوجود مصالح مستقلة للشخص المعنوي، وذمة مالية مستقلة.
من وجهة نظر قانونية يمكن للأشخاص المعنوية أن تكون لها إرادة خاصة معبر عنها بواسطة أعضائها، وهذه الإرادة مستقلة وقد لا تتماشى بالضرورة وإرادة العناصر الطبيعية التي ساهمت في بلورتها فالإرادة هنا لم تنحصر في دائرة ضيقة بل هي وليدة إدراك وإرادة الأفراد والأعضاء المكونين للذات المعنوية.
فالإرادة فردية بالنسبة للشخص الطبيعي، وجماعية بالنسبة للذات المعنوية. وهذه الإرادة الجماعية أهل لأن ترتكب خطأ تماماً كالإرادة الفردية . فهي وليدة مجموعة من الإرادات تتداول فيما بينها ثم تقرر التنفيذ .
وبناء على هذا فقد وقع الاعتراف للأشخاص المعنوية بإرادة جماعية تختلف عن إرادة أعضائها يمكن، أن تثير مسؤوليتها المدنية أو تجعلها عرضة لعقوبات إدارية والمسؤولية المدنية (أو الإدارية) تشترط من حيث المبدأ وجود خطأ ولا يوجد خطأ إلا مع الإرادة فلماذا لا تقبل مثل تلك الإرادة لتأسيس المسؤولية الجزائية ؟
مسيري أو عمال الشخص المعنوي يعتبرون أعضاء في جسده، وبالتالي فإن توافر القصد الجزائي لديهم، يؤدي إلى توافر أركان الجريمة لدى الشخص المعنوي باعتبار أن فعلهم هو فعل الشخص المعنوي نفسه . فالقصد الجزائي ممكن التحقق لدى الشخص المعنوي عبر إرادة وعلم المساهمين فيها، والقرار الذي يتخذ ضمنه هو قرار إرادي، حر، كما أن العلم بالقوانين والواجبات الملقاة على عاتق الشخص المعنوي عبر الأشخاص الطبيعيين متوفر إذ دون علم وإرادة هؤلاء لا يوجد قرار ويمكن إثبات القصد الجزائي للشخص المعنوي من خلال اعتماد مداولات مجلس الإدارة أو المذكرات أو التعليمات الكتابية أو شهادة الشهود والقرائن المادية، فالأمر يتعلق بجريمة ويخضع لمبدأ الإثبات الحر المعتمد في المادة الجزائية.
وفي ذات الاتجاه فإن إقرار المشرع صلب الفصل 37 م ج بأن لا عقاب مبدئيا إلا على الجريمة القصدية لم يمنعه من إقرار المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية عن جرائم قصدية وذلك ضمن العديد من القوانين الخاصة منها:
1- مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية وخاصة الفصول (94، 98،(قصد التهرب) 99، 101( تعمدوا... قصد الانتفاع وقصد التخلص) التي جرم فيها المشرع أفعال عمدية وأقر إمكانية أن تنسب للشخص المعنوي الذي سيتحمل العقوبات المالية حسب الفصل 107 من ذات المجلة.
2ـ مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والشركات الصادرة سنة 1989 ، الفصل 83 الذي يقر مسؤولية جزائية قصدية للأشخاص المعنوية اعتماداً على أنه يشمل الخاضعين للضريبة على الشركات وهم أشخاص معنويون
3- قانون النفايات لسنة 1996 ، الفصل 47 الذي ينص هذا الفصل على جملة من الجرائم العمدية ويستعمل في جميع فقراته كل شخص تعمد … " وحسب الفصل الثاني من القانون ذاته وهو فصل خصص للتعريفات فإن عبارة " شخص " تشمل كل شخص مادي أو معنوي
فالشخص المعنوي يتمتع بإرادة شرعية هي إرادة الأشخاص الطبيعيين الذين يعدون بمثابة الأعضاء بالنسبة له، وهذه الإرادة قد تتحقق في صورة القصد الجزائي قد تكون في صورة خطأ غير قصدي أي لارتكاب جريمة غير قصدية، كما ورد في الفصل 95 من مجلة الغابات لسنة 1988 الذي ينص على ما يلي: "يجب على الشركات والمقاولين وغيرهم ممن يستعملون الطرقات والممرات داخل الغابات أو على مسافة 200 متر منها أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب حدوث الحرائق". --> فهذا الفصل يقر صورة من صور الخطأ غير القصدي وهي عدم أخذ الاحتياطات اللازمة ويحمل مسؤولية هذا الخطأ إلى الشركات مما يعني أن المشرّع يقبل بفكرة إسناد جرائم غير قصدية للأشخاص المعنوية إلى جانب قبوله لإسناد جرائم قصدية لها.
ب- إرادة
إجرامية مشروطة
وضع المشرع شروطا لابد من توفرها في الشخص الطبيعي حتى يكون فعله تجسيدا لإرادة الشخص المعنوي تحدد تلك الشروط بالأشخاص الطبيعيين الذين يجسدون إرادة الأشخاص المعنوية من جهة ومن جهة أخرى ما يتعين أن يتوفر من شروط في تصرفهم حتى يعتبر ذلك التصرف بمثابة التصرف الصادر عن الشخص المعنوي ذاته
تكاد تجمع جميع التشريعات التي أقرت هذه المسؤولية على نفس الشروط تقريبا و هما إثنين: ان يكون الفعل الإجرامي مرتكبا لحساب الشخص المعنوي و أن يكون الفعل الإجرامي مرتكبا من طرف أحد أعضائه أو من أحد ممثليه
أما بالنسبة للتشريع التونسي، فإن شروط مساءلة الشخص المعنوي جزائياً لم ترد صراحة، إلا في الفصل 33 من مجلة الصرف والتجارة الخارجية لسنة 1976، الذي يقر الشرطين ذاتهما الواردان في أغلب التشريعات المقارنة سالفة الذكر
وتطبيقا لأحكام الفصل 33 صرف أقرت محكمة التعقيب في قرارها عدد15129 الصادر بتاريخ 5/10/2006 انه <<استنادا إلى صريح الفصل 33 من مجلة الصرف فلا يمكن مؤاخذة الذات المعنوية إلا إذا ثبت ارتكاب الجريمة الصرفية من قبل أعضاء مجلس الإدارة او متصرف او مدير. وحيث وطالما لم يبين الحكم المطعون فيه ان للمحكوم عليهما "ف" و "ن" إحدى الصفات المذكورة بالفصل المذكور ولم يبرز أركان الجرائم الصرفية بحقهما فإنه يكون قد خرق مقتضيات الفصل 33 المذكور>>.
يبدو من خلال هذا القرارا أن محكمة التعقيب قرأت النص قراءة ترمي إلى البحث عن الأشخاص الذين يملكون التعبير عن الإرادة الجماعية التي تجسد إرادة الشخص المعنوي.
ويمكن تحديد الأعضاء بالرجوع إلى القانون المنظم للشخص المعنوي ولقانونه الأساسي ، وذلك بعد أن يقع تحديد طبيعته القانونية.
ضرورة تلازم الشرطين معا يطرح تساؤل أخر: هل أن خروج أعضاء الشخص المعنوي عن اختصاصهم يحول دون توفر الإرادة الإجرامية للشخص المعنوي؟
رأي أول: اتخاذ الأعضاء أو الممثلين قرارات تتجاوز حدود اختصاصهم ينتج عنها جرائم لا تختلف من حيث إثارتها لمسؤولية الشخص المعنوي عن تلك المتخذة في حدود اختصاصهم لأن تحديد الإرادة الإجرامية للشخص المعنوي في الميدان الوظيفي للهيكل المتصرف قد يؤدي إلى إنشاء دائرة واسعة وغير مبررة لانعدام المسؤولية فالذين يعتبرون أن الشخص المعنوي حقيقة قانونية واجتماعية يقولون بأنه لا مبرر لوضع أي قيود أو حدود تحد من أهليته الجزائية وتحصرها في نطاق اختصاصات محددة بل يتعين إطلاق قدرته، وعدم ربطها بدائرة معينة، للحيلولة دون إفلات الكثير من التصرفات، وعدم وقوعها في دائرة التجريم و العقاب .
رأي ثان : ما يرتكبه أحد أعضاء الشخص المعنوي من تصرفات خارج حدود الدائرة المرسومة لنشاطه، لا يمكن إسنادها إلى الشخص المعنوي باعتبار أن تجاوز العضو لاختصاصه يجعل التصرف الصادر منه كأن صدر عنه بصفته الشخصية ، فشرط ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي يكون متوفراً، إذا كان الفعل يدخل في أهداف الشخص المعنوي المنصوص عليها في قانونه الأساسي فتجاوز
موضوع الشخص المعنوي يحول دون قيام مسؤوليته
رأي ثالث: وأمام هذا التضارب في الآراء ظهر رأي ثالث، يعتبر أن العضو حينما يزاول النشاط المنوط به، يكون معبرا، ومجسدا، لإرادة الشخص المعنوي، وبالتالي فإن أي نشاط يجاوز ذلك المسموح به للعضو، لا يقيم مسؤولية الشخص المعنوي كفاعل، وإنما يمكن أن يقيم تلك المسؤولية ولكن بوصفه مجرد شريك، بشرط توافر الشروط اللازمة لذلك أو بوصفه مسؤول عن فعل تابعه، إذا ما توافرت شروط ذلك أيضا.