Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
التعاون القضائي في المادة الجزائية: تسليــــــــــــــــم المجرمين…
التعاون القضائي
في المادة الجزائية:
تسليــــــــــــــــم المجرمين الأجانب (1)
يمثل التسليم أهم آلية من آليات التعاون الجزائي الدولي و توجد، إلى جانب التسليم آليات أخرى.
تقتضي دراسة التسليم تحديد شروطه (I) و إجراءاته(II) .
I - شروط التسليم :
يخضع التسليم إلى شروط أصلية (أ) و أخرى إجرائية (ب) .
أ) الشروط
األصلية :
نميز بين الشروط المتعلقة بالجاني (1) و الشروط المتعلقة بالجريمة (2) .
1) الشروط
المتعلقة بالجاني :
نجدها في الفصول 309 و 310 و 312 م.إ.ج .
و بالرجوع إلى مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالتسليم ، يمكن أن نجد عدة شروط ، و هي : -منع تسليم المواطنين (1-1). - منع تسليم الالجئين السياسين (1-2). -منع تسليم المنتفعين بالحصانة (1-3) .
(1-1) مبدأ عدم
تسليم المواطنين :
من أهم المبادئ التي يقوم عليها قانون التسليم . و تقتضي دراسة مبدأ عدم التسليم القيام ببعض الملاحظات :
1-1-1) أسس
المبدأ:
يؤسس مبدأ عدم تسليم المواطنين
على جملة من األسباب نذكر منها :
- وجوب خضوع الأشخاص لقضائهم الطبيعي .
- الواجب المحمول على كل دولة لحماية رعاياها في أي مكان يوجدون فيه.
- مبدأ سيادة الدولة ، فقضاء كل دولة يمتد إلى مواطنيها و تسليم المواطنين فيه إنتقاص من هذه السيادة .
- فكرة حسن سير العدالة الذي يتطلب أن تكون المتابعة و المحاكمة في وطن المتهم حيث يوجد سجله الشخصي و كذلك لإلطالع على ظروفه االجتماعية و العائلية .
- فكرة عد الإطمئنان إلى القضاء الأجنبي ، لكن جميع هذه الأفكار يمكن دحضها .
1-1-2) تكريس مبدأ
عدم تسليم المواطنين :
تكريس مبدأ عدم تسليم المواطنين يكرسه الدستور التونسي القديم لسنة 1959 في فصله 11 بأنه "يحجر تغريب المواطن عن تراب الوطن أو منعه من العودة إليه " .
كما يكرس دستور 2014 في فصله 25 نفس الحل " يحجر سحب الجنسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن " .
كما تكرس ه العديد من اإلتفاقيات الثنائية التي تربط البالد التونسية و بلدان أخرى . و تكرسه كذلك بعض اإلتفاقيات المتعددة األطراف مثل اإلتفاقية األوروبية للتسليم المؤرخة في 13 ديسمبر 1957 في فصلها 6-1.
Article 6-1 –a :" Toute partie contractante aura la faculté de refuser l’extradition de ses nationaux " .
تكرس هذا المبدأ أيضا الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998 إذ جاء في فصلها السادس أنه " لا يجوز التسليم في الحالات التالية ...(ج) إذا كان النظام القانوني للدولة المطلوب منها التسليم ال يجوز لها تسليم مواطنيها " .
هذا الفصل فيه إحالة للقانون الداخلي للدولة المطلوب منها التسليم .
يكرس كذلك الفصل 51 من إتفاقية التعاون القانوني و القضائي بين دول إتحاد المغرب العربي نفس المبدأ .
تكرس كذلك إتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالجريمة المنظمة عبر الوطنية نفس المبدأ بصفة غير مباشرة، إذ ينص فصلها 16-7 أن تسليم المجرمين في إطار مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية خاضع للقانون الداخلي لكل دولة أو لمعاهدات التسليم التي أبرمتها تلك الدولة (بالنسبة للبلاد التونسية إحالة إلى الفصلين 310 و 312 م.إ.ج).
من أهم المبادئ في قانون التسليم لكنه شهد تراجعا .
- تراجع مبدأ
منع تسليم المواطنين :
بالرغم من أهميته و قدمه في النصوص القانونية ، شهد مبدأ عدم تسليم المواطنين تراجعا . و يمكن أن نالحظ هذا التراجع على مستوى اإلتفاقيات الدولية و الممارسة .
فأجازت بعض الإتفاقيات
الدولية التسليم، من ذلك :
- الإتفاقية الأوروبية للتسليم
المؤرخة في 27 سبتمبر 1996
و لكن الفصل 1-2 سمح للدول بإجراء تحفظ على هذا الفصل .
Article 7-1 :" L’extradition ne peut être refusée au motif que la personne réclamée est un ressortissant de l’Etat requis ".
Article 1-2 :" Admet la possibilité qu’un "Etat membre n’accorde pas l’extradition de ses nationaux, on ne l’autorisera que sous certaines conditions qu’il spécifie ".
تطبيقا لهذه الإمكانية التي أتاحتها الاتفاقية ، أعلنت فرنسا عند الموافقة على الاتفاقية (مرسوم 8 جويلية 2005 ) أنها " تقبل بتسليم مواطنيها بشرط المعاملة بالمثل ، و في صورة الحكم بعقوبة سجنية بشرط قضاء تلك العقوبة في التراب الفرنسي إلا إذا كان الشخص غير راغب في ذلك" . و يمكن كذلك أن نذكر نظام روما األساسي المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية (المؤرخ في 17 جويلية 1998).
فقد جاء في الفصل السابع أوال أنه "لا يمكن رفض تسليم المواطنين في إطار الإتحاد الأوروبي " .
لا يتضمن نظام روما مبدأ عدم تسليم المواطنين ، بل بالعكس، يفترض نظام روما تعاونا بين الدولة التي ينتمي إليها الشخص المتهم و المحكمة الجنائية الدولية (عادة ما يوجد فوق ترابها). و يستعمل نظام روما آلية مختلفة ، و هي آلية التقديم التي تختلف على التسليم.
وقد وقع إنتقاد التمييز بين التقديم و التسليم، ففي كلتا الحالتين تتخلى الدولة عن متابعة و محاكمة شخص
بالرجوع إلى الفصلين 86 و 100 من نظام روما و إلى األعمال التحضيرية يبرز جليا أن مبدأ عدم تسليم المواطنين لا يمكن أن يكون مكرسا في هذا الإطار.
مثال السلط اليوغسالفية هي التي سلمت ميولوسيفيتس إلى محكمة الجنايات الدولية (يوم 28 جوان2001 ).
1-1-3) مبدأ عدم
تسليم المواطنين
في الواقع السياسي :
كثيرا ما يقع إستبعاد مبدأ عدم تسليم المواطنين في الواقع .
من أهم الأمثلة، قضية لوكربي : يوم 21 ديسمبر 1988 وقع إنفجار هائل على متن طائرة كانت تحلق في الفضاء الجوي البريطاني، و بالتحديد فوق مدينة لوكربي ) في سكوتلندا( و تسبب هذا الانفجار في وفاة 270 شخص .الطائرة كانت أمريكية تنتمي لشركة 'بان آم '.
و التحقيقات التي وقع القيام بها أدت الشرطيتين الأمريكية و البريطانية إلى إتهام أجهزة المخابرات السرية الليبية (تفتقد هذه اإلتهامات إلى الموضوعية غرضها سياسي) .
يوم 13 نوفمبر 1991 أصدر قاضي التحقيق في سكتلندا أمرا للقبض على شخصين تابعين لأجهزة المخابرات الليبية من أجل محاكمتهم في إسكتلندا .
ورفضت في أول الأمر هذه الاتهامات . و تطورت القضية لتصير محل نزاع و خالف كبيرين بين الدول الغربية (خصوصا أمريكيا و بريطانيا و ليبيا) . و عبرت ليبيا عن رفضها بصورة واضحة في إطار منظمة الأمم المتحدة يوم 17 نوفمبر 1991 . و أبدت الحكومة الليبية بصفة جلية عدم رغبتها في تسليم مواطنيها و ذلك وفق قانونها الداخلي .
ورغم المحاولات الليبية أصدر مجلس الأمن قراره في هذه القضية رقم 731 في 21 جانفي 1992 ، و جاء في هذا القرار أن نتائج التحقيقات أبرزت تورط المسؤولين الليبيين في أعمال الإرهاب . (مجلس الأمن فيه أمريكا وبريطانيا وهم أعضاء قارين يفرضون وجهة نظرهم) .
و نتيجة رفضها تعرضت ليبيا لعدة عقوبات دولية . فأتخذ يوم 31 مارس 1992 مجلس الأمن قرارا فرض فيه الحظر الجوي على ليبيا و تسليط العقوبات االقتصادية ) نقد : وقع إتخاذ هذا القرار إستنادا إلى الفصل 7 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتعلق بالعقوبات في صورة قيام دولة بعدوان على دولة أخرى .
بقي الحضر نافذا إلى حدود سنة 1999 ، إذ قبلت أخيرا الحكومة الليبية، و بعد أن دفعت ثمنا باهضا تسليم األشخاص المتهمين في تفجير لوكربي.
ووجهت الحكومة الليبية إلى الأمين العام لألمم المتحدة كوفي عنان رسالة العالمي بقبول التسليم . و يعتبر ذلك رضوخا للأمر الواقع . و رضيت الحكومة الليبية بتسليم مواطنيها نظرا للنتائج الوخيمة على إقليم بلادها .
1-1-4) مسألة
تقدير الجنسية:
متى يقع تقدير الجنسية ؟ بالرجوع إلى الفصل 312 م.إ.ج يجب أن يكون الشخص تونسيا عند النظر في مطلب التسليم .
و هذا الحل يختلف عن ما هو معمول به في القانون المقارن . مثال في القانون الفرنسي : الفصل 696- 4 من مجلة الإجراءات الجزائية يقع تقدير صفة المواطن عند إرتكاب الجريمة .
Article 696-4 :" La qualité de français est appréciée à l’époque de l’infraction pour laquelle l’extradition est requise" .
كذلك الحل الذي جاء في الفصل 312 م.إ.ج يختلف عن الحل الذي جاءت به الإتفاقيات الثنائية التي صادقت عليها البالد التونسية ، مثال الفصل 35 من المعاهدة بين المغرب و تونس (9 ديسمبر 1964.)
على العكس من ذلك تكرس الإتفاقية المبرمة بين تونس وفرنسا الحل الذي جاء في الفصل 312 م.إ.ج (الفصل 23 من الاتفاقية بتاريخ 28 جوان 1972).
هذا الحل قابل للنقد، ومخالف للمبادئ العامة التي تسري على تنازع الجنسيات . ففي صورة إكتساب جنسية أخرى، الوضعيات السابقة تبقى خاضعة للجنسية القديمة .
من يقدر مسألة الجنسية ؟
يمكن أن تكون مسالة الجنسية محل نزاع و تمثل مسألة أولية ينبغي على القضاء أو اإلدارة التطرق إليها قبل رفض أو منح التسليم. في هذه الصورة يجب أن تقع إحالة المسالة إلى المحكمة الإبتدائية. الإختصاص حصري، إذ جاء في الفصل 48 من مجلة الجنسية أنه
" تختص المحكمة الابتدائية وحدها بالنظر في النزاعات المتعلقة بالجنسية التونسية " .
2-1) منع تسليم
اللاجئ السياسي
تمنع صفة اللاجئ السياسي من تسليم المجرم، و ذلك عمال بأحكام الفصل 17 من الدستور القديم بأنه "يحجر تسليم اللاجئين السياسيين". و ينص الفصل 26 من دستور 2014 على أنه " يحجر تسليم اللاجئين السياسيين" .
و يعتبر ذلك المنع تطبيقا لاتفاقية جنيف المؤرخة في 28 جويلية 1951 فقد جاء في الفصل 33 فقرة أولى أنه " ال يجوز ألي دولة متعاقدة أن تطرد الجئا و ترده أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية ".
هناك إستثناء في صورة ما إذا كان اللاجئ يمثل خطورة على البلاد الموجود فيها .
يجب الربط بين هذا الشرط (عدم تسليم اللاجئ السياسي) وعدم التسليم في صورة إرتكاب جريمة سياسية .
تمنع العديد من الإتفاقيات الثنائية التي أبرمتها البالد التونسية كذلك التسليم عندما تكون للجريمة صبغة سياسية ، و لكنها لا تشير إلى منع تسليم اللاجئ .
هناك تقارب إلى حد الخلط بين الشخص الذي يقترف جريمة سياسية، و الشخص الذي يتمتع بصفة اللاجئ السياسي . فقد يكون اللاجئ السياسي، هو الشخص الذي إرتكب جريمة تعتبر جريمة سياسية ، لكن اللاجئ أوسع .
-غياب قانون
حول اللجوء السياسي :
كان ذلك مفهوما في العهد السابق نظرا لصبغة النظام السياسي (خنق الحريات العامة ، الحريات السياسية)، لكن اليوم نستغرب من ذلك ، فينبغي إرساء قانون يتعلق باللجوء السياسي . أعدت وزارة العدل مشروعا حول اللجوء، لم ير النور. صفة اللاجئ السياسي هي صفة تمنحها السلط الإدارية في كل دولة بعد دراسة الملف
في غياب قانون يتعلق بحق اللجوء، يبقى مبدأ منع تسليم اللاجئين السياسيين حبرا على ورق .
و تطالب العديد من الجمعيات الحقوقية و منها الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بإرساء قانون يتعلق باللجوء .
هذه ثغرة كبيرة في القانون التونسي خصوصا بعد الثورات العربية ، إثر الحرب في ليبيا وقبل سقوط نظام معمر القذافي مئات الأشخاص طالبوا بحق اللجوء في تونس ، كانوا موجودين في ليبيا و أتوا من بلدان إفريقية، في هذه البلدان حياتهم مهددة نظرا لأسباب سياسية عرقية ، دينية ...
:star: توجد بعض الاستثناءات
لمبدأ عدم تسليم اللاجئين :
- إذا كان وجود اللاجئ السياسي مهددا لأمن البلد الذي يوجد فيه، فإن التسليم يصبح حائزا. هذا ما أقره صراحة الفصل 33-2 من إتفاقية جنيف .
-أقر فقه القضاء الفرنسي (محكمة التعقيب 15 سبتمبر 2004 دائرة جنائية) أن تسليم اللاجئ السياسي يعتبر ممكنا إذ تم توجيهه إلى بلد آخر مختلف عن البلد الذي يكون مهددا فيه بالسجن أو التعذيب أو سوء المعاملة من أجل جريمة سياسية أو ما يشابهها .
1-3) عدم تسليم الأشخاص
المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية :
مبدأ عدم تسليم الأشخاص المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية في إتفاقية فيينا المؤرخة في 18 أفريل 1961 المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية .
كما تحتوي بعض الإتفاقيات الثنائية على نفس المبدأ ، إذ يتمتع هؤلاء الأشخاص بالحصانة القضائية في المادة الجزائية ، فال يمكن محاكمتهم في البلد الذي يوجدون فيه (إستثناء الإقليمية) ولا تسليمهم إلى بلد آخر، فلا يمكن تسليمهم إلا لبلدهم .
و يمكن أن نفسر
ذلك بعدة نظريات :
- نظرية إمتداد الإقليم : و معناها أن إقليم الدولة التي يمثلها الممثل الدبلوماسي يمتد إلى الدولة التي يوجد فيها . هذه النظرية لم تعد صالحة اليوم ، فهي تتحالف مع مبدأ السيادة .
- نظرية الصفة التمثيلية : و تعني أن الممثل له صفات خاصة متعلقة بمهمته .
- نظرية مقتضيات الوظيفة : و هي أكثر النظريات صحة ، و هي النظرية السائدة اليوم، و يعني ذلك أن مبدأ منع التسليم يشكل ضمانا للممثل الدبلوماسي و ضمان الأداء الفعلي لوظيفته .
عدم تسليم الأشخاص
المتمتعين بالحصانة :
:star:
Pinochet قضية
و هو رئيس الشيلي من سنة 1974 إلى سنة 1990، وصل إلى السلطة بعد انقلاب عسكري . فكان النظام الذي أرساه "بينوشي " دكتاتوريا قمعيا، دكتاتورية عسكرية . وخلف 3000 وفاة ، إلى جانب حالات أخرى (الأشخاص المفقودين).
غادر الحكم سنة 1990 ،إذ عرفت البلاد آنذاك انتقالا ديمقراطيا ، لكن بقي سنة 1998 مستشارا متمتعا بالحصانة الدبلوماسية و حافظ على دور هام في المؤسسة العسكرية. و سافر إلى لندن لأسباب صحية .
فطالبت السلط الإسبانية السلط البريطانية بتسليمه متهمة إياه بارتكاب جرائم ضد اإلنسانية، جرائم الإبادة، تعذيب .
و هناك عدة قرارات صادرة عن القضاء البريطاني من بينها قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 28 أكتوبر 1998 ، رفضت المحكمة العليا التسليم ألن الدكتاتور السابق كان متمتعا بالحصانة الدبلوماسية .
و بعد إجراءات طويلة و صراع سياسي بين الشيلي و إسبانيا و بريطانيا، أصدر مجلس الشيوخ البريطاني (الذي يتمتع ببعض الصلاحيات القضائية) قرار بتاريخ 24 مارس 1999 رفض فيه إعتبار الرئيس " بينوشي " متمتعا بالحصانة الدبلوماسية .وأقر المجلس إمكانية التسليم بتاريخ 15 أفريل 1999 ، و سمح رئيس الحكومة البريطاني جاك ستراو بتسليم "بيناشار " . Straw Jacques
يوم 11 جانفي 2000 عبر وزير الداخلية البريطاني عن صعوبة التسليم نظرا للحالة الصحية للمعني بالأمر. و وقع نقله إلى مطار بعيد عن العاصمة و منه عاد إلى بلاده .
وتواصلت الإجراءات و تتالت مطالب التسليم من طرف عدة دول منها إلى جانب فرنسا و إسبانيا و بلجيكا و عدة منظمات حقوقية للدفاع عن حقوق الإنسان ، لكن بدون جدوى و بدون أن يستجيب لها القضاء الشيلي إلى أن توفي الدكتاتور سنة 2006 . و بذلك انتهت قضية "بينوشي ".
2) الشروط المتعلقة بالجريمة
(الشروط الموضوعية) :
وضعت مجلة الإجراءات الجزائية والاتفاقيات الدولية عدة شروط تتعلق بالجريمة، و هي ارتكاب الجريمة بالخارج (1-2)، و ازدواجية التجريم (2-2)، و يتم استثناء بعض الجرائم (2-3) .
2-1) ارتكاب
الجريمة بالخارج
يجب التمييز بين مسألة تحديد مكان ارتكاب الجريمة في القانون الداخلي (2-1-1) ومكان ارتكاب الجريمة في القانون الدولي، أي حسب الاتفاقيات (2-1-2) .
2-1-1) مكان ارتكاب
الجريمة في القانون الداخلي
جاءت مسألة تحديد مكان اقتراف الجريمة بالفصلين 310 ( فقرة 2 ) و 312 ثانيا. لا يمكن تسليم المجرمين الأجانب في صورة إرتكاب الجريمة بالبالد التونسية. فالجريمة التي يقع إرتكابها بالبالد التونسية تبقى خاضعة لمبدأ الإقليمية .
يمنع الفصل 312 ثانيا بصفة واضحة التسليم في صورة ارتكاب الجريمة في التراب التونسي .وهذا تعبير عن سيادة الدولة و سلطاتها القضائية . و أكدت العديد من الاتفاقيات الدولية على هذا المبدأ .
و بالرجوع إلى الفصل 310 نستنتج أن التسليم لا يمكن الاستجابة له إلا إذا ارتكبت الجريمة بالخارج . لكن هل يكفي أن تكون الجريمة قد ارتكبت في الخارج ؟
ينص الفصل 310 م .إ.ج على ما يلي : "لا يمكن منح التسليم
إلا إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها قد ارتكبت :
"* بتراب الدولة الطالبة" (من أحد رعاياها أو من أجنبي) : تطبيق غير مباشر لمبدأ الإقليمية : إقليمية القانون و القضاء الأجنبي على التراب الأجنبي .
"* خارج ترابها من أحد رعاياها" ، و يعتبر ذلك تطبيقا الاختصاص الشخصي الإيجابي للمحاكم األجنبية .
"* خارج ترابها من أحد رعاياها"، و يعتبر ذلك تطبيقا الاختصاص الشخصي الإيجابي للمحاكم الأجنبية .
مثال فرنسي يرتكب في المغرب جريمة و يهرب إلى تونس ، و تطالب فرنسا بتسليمه، القضاء الجزائي الفرنسي يقر بإختصاصه الشخصي الإيجابي، أي بناءا على الفصل 113-6 من المجلة الجزائية الفرنسية. فالقانون التونسي يقر للمحاكم الجزائية التونسية بالاختصاص الشخصي الإيجابي (الفصل 305 م.إ.ج) و يستعرف بنفس الاختصاص للمحاكم األجنبية : مبدأ المعاملة بالمثل يفسر ذلك .
:star:
" خارج ترابها من أجنبي عنها إذا كانت الجريمة من الجرائم التي يخول القانون التونسي تتبعها بالبلاد التونسية و لو إقترفها أجنبي بالخارج . "
هنا يجب الانطلاق من القانون التونسي لمعرفة الجرائم التي يشير إليها الفصل 310 (إلى جانب الحالتين الأوليتين : حالة إرتكاب الجريمة بالتراب الأجنبي و الإختصاص الشخصي) .
فماهي الحالات التي يقر فيها القانون الجزائي التونسي بإختصاص المحاكم التونسية عندما يقع إرتكاب الجريمة بالخارج ؟
1) حالات الاختصاص الشخصي السلبي للمحاكم التونسية :
عندما يكون المتضرر من الجريمة تونسيا :
-النص العام: الفصل 307 مكرر م.إ.ج .
- النصوص الخاصة : الفصل 14 من مجلة الطيران المدني و الفصل 55 من قانون الإرهاب لسنة 2015 .
2 )حالات
الإختصاص الموضوعي :
الفصل 307 ( أمن الدولة – تقليد الطابع – تدليس العملة) .
الفصل 83 من قانون 2015 ( يقر بالاختصاص الموضوعي عندما تكون الجريمة إرهابية ) .
3) حالات
الاختصاص الكوني
(الفصل 14 من مجلة الطيران المدني ، الفصل 83 من قانون 2015 المتعلق بالإرهاب والفصل 27 من قانون الاتجار بالبشر) .
إذ وجدنا في القانون الأجنبي (قانون الدولة الطالبة) حالات تقر فيها لمحاكمها بالاختصاص بناء على نفس المعايير، فإن التسليم ممكن .
القانون الفرنسي مثال يقر بنفس الحالات (الرجوع إلى الدرس).
أما إذا كان قانون الدولة الطالبة يتضمن حالات غير موجودة في القانون التونسي فإن التسليم ليس ممكنا.
مثال القانون الفرنسي يتضمن عدة حالات تدخل
في إطار الإختصاص الكوني للمحاكم الفرنسية :
- الفصل 689-1 من مجلة الإجراءات الجزائية الفرنسية ينص على الاختصاص الكوني العالمي تطبيقا لعدد من الاتفاقيات الدولية .
Article 689-1 : " En application des conventions visées aux articles suivants, peut être poursuivie et jugée par les juridictions français, si elle se trouve en France, toute personne qui s’est rendue coupable hors du territoire de la république de l’une des infractions énumérés par ces articles …"
بعد هذا الفصل تأتي عدد من الفصول لإقرار إختصاص المحاكم الفرنسية تطبيقا لاتفاقيات دولية و منها إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية و الالإنسانية أو المهينة : نيويورك 10 ديسمبر 1984 .
Article 689-2 : " Par application de la convention , la torture et autres peines ou traitant cruels , inhumains ou dégradants adopté à New York le 10 décembre 1984 peut être poursuivie et jugée dés tels conditions prévues à l’article 689-1 toute personne coupable de torture au sens de l’article 1er de la convention " .
مثال شخص مغربي إرتكب جرائم تدخل في إطار الاتفاقية بالمغرب موجود بفرنسا ، يمكن للمحاكم الفرنسية محاكمته ، هرب إلى تونس ، طالبت فرنسا بتسليمه ، فهل ذلك ممكن ؟ ال ألن القانون التونسي ال يتضمن على هذه الحالة من الاختصاص .
2-1-2) مكان إرتكاب الجريمة
في الإتفاقيات الدولية :
ماهي الحلول التي تحتوي عليها الاتفاقيات الدولية في مسألة تحديد مكان الجريمة ؟ مثال الإتفاقيات الثنائية تحتوي على نفس الحل، أي منع التسليم إذا ارتكبت الجريمة بالتراب الوطني .
مثال الفصل 29 من الاتفاقية التي أبرمت بين البالد التونسية و الجزائر بتاريخ 26 جويلية 1963 بأنه " يرفض التسليم ... إذا ارتكبت الجريمة في الدولة المطلوب منها التسليم " .
الفصل 26 من الاتفاقية المبرمة بين تونس والإمارات العربية المتحدة بتاريخ 7 فيفري 1975 بأنه "يكون التسليم واجبا ... إذا توفرت الشروط الآتية ) (أ) أن تكون الجريمة المطلوب التسليم من أجلها قد أرتكبت في أرض الدولة طالبة التسليم، أو أن تكون قد ارتكبت خارج أراضي الدولتين و كانت قوانين كل منهما تعاقب على ذات الفعل إذا أرتكبت خارج أراضيها "، هذا الفصل فيه إحالة للقانون الداخلي و يشابه الحل الذي جاء به الفصل 310 من م.إ.ج .
الفصل 29 من الاتفاقية المبرمة بين تونس وفرنسا بتاريخ 28 جوان 1972 .
الفصل الثالث من الاتفاقية المتعلقة بالتسليم و المبرمة بين تونس و مالطا (14 ديسمبر 2006 )، "لا يمنح التسليم إذا اقترفت الجريمة فوق تراب الدولة المطلوب إليها " .
ونجد في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب حل مغاير ، فهي لا تحتوي على فصول صريحة تحجر التسليم عندما تكون الجريمة مرتكبة فوق أرض الدولة المطلوبة، ولا نجد تنصيصا على ذلك .
مثال في الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (9 ديسمبر 1999) و الاتفاقية الدولية لقمع الاعتداءات الإرهابية بالمتفجرات .
و تذهب الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب إلى أبعد من ذلك ، فهي تحتوي صراحة على حل مخالف ، فلقد جاء في فصلها السادس ) ج ( أن التسليم ال يجوز : " إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم قد ارتكبت في إقليم الدولة المتعاقدة المطلوب إليها التسليم " : إقرار بنفس المبدأ و لكن نفس الفصل يحتوي على استثناء هام و هو " إلا إذا كانت هذه الجريمة قد أضرت بمصالح الدولة المتعاقدة طالبة التسليم، وكانت قوانينها تنص على تتبع مرتكبي هذه الجرائم ومعاقبتهم ما لم تكن الدولة المطلوب إليها التسليم قد بدأت إجراءات التحقيق أو المحاكمة " .