Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
جريمة استغلال معلومة ممتازة, خصوصية: تمكين أعوان السوق المالية من…
جريمة استغلال
معلومة ممتازة
مقدمة
نلاحظ ندرة القرارات القضائية في هذا المجال و ذلك يفسر بأن هيئة السوق المالية هي هيئة إدارية مستقلة لها أعوان مختصين و لهم سلطات واسعة (تفتيش /حجز الوثائق اللازمة ) و لها سلطة تقريرية: تصدر تراتيب تهم حسن سير البورصة
بقي المشرع محترزا تجاه مسألة تدخل القانون الجنائي في نشاط البورصة لكن يظهر أن تنامي التجاوزات في هذا المجال دفعت به إلى تغيير اتجاهه على نحو قام معه بتدعيم الأحكام الجنائية من خلال تجريم بعض السلوكات المخلة بحسن سير السوق المالية.
هذا التدعيم تناوله القانون المنظم للسوق المالية والمؤرخ في 14 نوفمبر 1994 تحت عدد 94 - 171 وخصص له بابا تحت عنوان «في الجرائم والعقوبات . من بين هذه الجرائم نذكر جريمة استغلال معلومة ممتازة وهي التي ستكون موضوع هذا البحث .
إن الهدف الرئيسي لتطوير سوق الأوراق المالية يتمثل في الزيادة في الموارد القارة لفائدة الاقتصاد وذلك بشروط تسمح بتوفير تمويلات سليمة للشركات .
لم يعرف المشرع هذه الجريمة لكن قد حاول بعض الفقهاء تعريفها ب: انتفاع الشخص بمهنته ببعض الأخبار والأنباء الهامة حول التعامل في مجال الأوراق المالية ويكون الانتفاع إما مباشرا بتنفيذ الشخص على أساس هذه المعلومة بعض العمليات في سوق البورصة, أو بصفة غير مباشرة وذلك بمده الغير بهذه المعلومات بمقابل مالي وذلك قبل بلوغها للعموم.
إن ظهور التجريم الخاص باستغلال المعلومات الممتازة يتنزل في إطار عام يتعلق بزجر الجرائم التي تحدث في الميدان الاقتصادي ، والتي أصبحت نفوق من حيث أهميتها جرائم الاعتداء على الأشخاص ويبدر تعريف التجريم المتعلق باستغلال المعلومات الممتازة في البورصة صعب ومتشعبا إذ يتعلق الأمر بمفهوم مركب فالتجريم المتعلق باستغلال معلومات ممتازة لا يقتصر على جنحة واحدة بل يتراوح عددها بين الاثنين و هي جريمتي الاستعمال الشخصي والتسريب .
إن المرور بسوق البورصة من طور التسيير الذاتي ( سوق البورصة قادرة على تنظيم نفسها بنفسها ) إلى طور المراقبة يستوجب وضع قواعد جزائية خاصة أن مكونات هذه السوق قد تغيرت، إذ لم تصبح كما في الماضي تشتمل على فئة معينة هي ، البرجوازية ، أصحاب الثروات الطائلة ، الطبقة الميسورة من الشعب هذه الفئة الفطنة المستوعبة لاليات التعامل في البورصة بل توسعت لتشمل فئة أخرى هي فئة المدخر الشعبي Actionnaire populaire الذي يستثمر مدخراته البسيطة والتي يجنيها من عمله.
وتتميز هذه الفئة بحذرها الشديد في استثمار مدخراتها نظرا للقيمة البالغة والأهمية القصوى لهذه الأخيرة في حياتها وقياسا على تواضع مدخراتها فهي تتميز أيضا بتواضع معارفها في خصوص هذا المجال مما يجعل الإضرار بمصالحها سهل و ممكن سواء من طرف الوسطاء الماليين الذين يعهد لهم بإدارة محفظتهم المالية (1) أو بقية المستثمرين الذين يكونون أكثر دراية في هذا المجال وعليه يجب على الدولة أن تسعى لضمان قدر من الديمقراطية الإقتصادية إذ يعتبر حق الفرد في الربح المشروع من بين الحقوق الإقتصادية للمواطن والتي تضاهي في أهميتها الحقوق السياسية ، وقد عملت جل الدول على احترامها وتكريسها .
فهل نجح التجريم المتعلق باستغلال المعلومات الممتازة في المحافظة على هذه المساواة ؟
إن هذا السؤال هو محور الإشكال الذي يتعلق بموضوع استغلال معلومات ممتازة، فالقواعد المجرمة لاستغلال معلومات ممتازة ما انفكت تتضاعف, لكن أسباب عديدة جعلت فاعليتها محدودة والدراسة هذه الإشكالية تنعرض في : توسع على مستوى التجريم (I) عدم نجاعة على مستوى التتبع (II) .
I- توسع على
مستوى التجريم
أ- موضوع التجريم
1- صور
المعلومة الممتازة
+ معلومة متعلقة
بوضعية المُصدر
المصدر هي الشركة خفية الإسم ذات المساهمة العامة .
الشركة تتحمل واجب توفير معلومات حول وضعيتها المالية للعموم.
إن أهم هاجس يقلق المستثمر هر قيمة الأرباح المحققة ومدى تطور نشاط المصدر ازدهار أحواله المالية والاقتصادية لذلك عادة ما تتمحور المعلومات حول شيئين هامين وهما قيمة الأرباح و قيمة الخسائر فهي معلومات إما سلبية أو إيجابية .
معلومات سلبية
- العلم بالخسارة التي تكبدتها الشركة قبل الإعلان عن ذلك للعموم .
- الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها الشركة .
- العلم بالتخفيض المزمع إجراءه في خصوص قيمة منابات الربح المقرر .
- العلم بطرد عدد من العمال التابعين للمصدر فهو دليل على مرور الشركة بصعوبات و عدم قدرتها على تحمل أجور العمال .
معلومات إيجابية: تكون عادة معلومة لا تخص فقط الوضعية الحالية للمصدر بل لها تأثير حتمي على مستقبل المصدر و آفاق تطوره لذلك سيقع التعرض لها في عنصر المعلومات الخاصة بآفاق المصدر .
+ معلومة متعلقة
بآفاق المُصدر
توجد عدة معطيات تدخل في تحديد قيمة الأوراق المالية مثل المعطيات السياسية و سعر البترول .
هي المعلومات التي تخص مستقبل المصدر بصفة عامة ، ولا تقتصر فقط على الاحداث الايجابية والتي تزدهر بها أموره فعبارة الآفاق التي استعملها المشرع إنما تعني مستقبل المصدر و أحواله بصفة عامة
من بين المعلومات الايجابية التي تشد
اهتمام المساهم وجمهور المدخرين بصفة عامة
- نبأ الترفيع في رأس المال فهذا الترفيع له العديد من الدلالات الهامة بمعنى أن المصدر سيعرف توسعا من حيث الأرباح المحققة ومن حيث اتساع الإنتاج إذا فالحالة الصحية تشجع على المساهمة فبه .
- العلم بتحقيق أرباح هامة من قبل المصدر مما يجعل المستثمرين يتهافتون على شراء أسهم الشركة المعنية .
- العلم بصفقة هامة أتمها المصدر ستوفر له أرباحا طائلة .
- العلم بمشروع اندماج بين شركتين مما سيؤدي إلى تضاعف نفوذها .
- العلم باختراع منتوج جديد من طرف الشركة مما سيؤدي الى ارتفاع في التوزيع وتحقيق أرباح هامة .
معلومات سلبية قد تؤثر
سلبا على مستقبل الشركة
- تكبد هاته الأخيرة لخسائر هامة ومتواصلة أي لا يمكن انقاذها .
- العلم بأن شركة ما تعتزم التفويت في جزء من ممتلكاتها وهذا الخبر ولئن تعلق بوضعية المصدر أي تعرضه لصعوبات لكن توحي أيضا بمستقبل هذا الأخير .
الأحداث التي لا تكون مصدرها المصدر بصفة
مباشرة بل بمحيطه وقد تؤثر على مستقبل المصدر سلبيا
۔ افلاس أو تخلي أحد الحرفاء و المتعاملين الهامين مع المصدر مما يؤدي الى مواجهة المصدر أيضا صعوبات
. قرار أحد المنافسين الهامين للمصدر رفع دعوى ضد هذه الأخيرة ، فهذا الخبر له وقع سلبي على المنافسين فالمصدر سیدخل في نزاعات لا يعرف مصيرها
+ معلومة متعلقة
بتطور الورقة المالية
لقد شمل تجريم استغلال معلومة ممتازة الأوراق المالية و هي التي عرفها المشرع صلب الفصل الفصل 404 م م م ت والذي جاء فيه أنه يقصد" بقيم منقولة على معنى هذا القسم ( القيم المنقولة وبيعها ) جميع السندات الاسمية أو المختلفة أو للأمر أو للحامل التي تصدرها الذوات المعنوية العمومية أو الخصوصية والقابلة للتقويم والتداول بالبورصة....."و تعتبر من أهم الأوراق المالية الأسهم.
نلاحظ أن المشرع قد اقتصر التجريم على المعلومات المتعلقة بآفاق تطور ورقة مالية موظفة عن طريق المساهمة العامة بمعنى أنه لا تجريم بخصوص المعلومات المتعلقة بوضعية الورقة, وهذا راجع الى أن المعلومات لا يمكن أن تخص الورقة المالية دون أن يكون لها تأثير على المصدر والعكس صحيح فالمصدر متكون أساسا من مجموع هاته الأوراق اضافة إلي العنصر البشري الذي يسهر على استثمارها وتداولها .
الفرضيات المتعلقة بمعلومات تهم
آفاق تطور الورقة المالية قليلة منها
- تغيير في قيمة الخصم من طرف أحد البنوك .
- إصدار أحد وسطاء البورصة البارزين في مجال المعاملات تقريرا يمدح فيه سهما معينا.
2- خصائص المعلومة الممتازة
1- خاصية السرية و قدرة التأثير
على المبادلات داخل السوق المالية:
دور القضاء يتمثل في التمييز بين الإشاعة و المعلومة الممتازة
هل تكفي الإشاعة لاعتبارها معلومة ممتازة ؟
الخيط بين مجرد الإشاعة و المعلومة المؤكدة جيّد جدا لأن بعض الإشاعات المنتشرة يمكن
وصفها معلومة ممتازة و الأمر يخضع لسلطة محاكم الموضوع .
خاصية السرية تعني أن المعلومة لم يقع نشرها أو إشهارها بطريقة ما ليعلم بها العموم
2- دقة المعلومة و تأكدها
إن أغلب المعلومات التي اعتبرها فقه القضاء معلومات ممتازة والتي يمكن أن تقوم على أساسها جريمة استعمال أو بتسريب لمعلومة ممتازة هي تلك المعلومة التي تكتسي نوعا من الجدية والتأكد أي تأكد تعنتها وهذا ما يمكن أن توصف من خلالها المعلومة بالجدية.
تكتسب المعلومة هاته الصفة خاصة من طريقة الحصول عليها أو مصدرها فإن المعلومة التي ينطق بها الرئيس المدير لا يمكن أن يشكك في صحتها أو في درجة تحققها وكذلك عندما تتأتى هاته المعلومة من الشخص المسؤول بمفرده عن تحقيقها .
لا يمكن اعتبار معلومة ممتازة المعلومة التي تفيد أن أحوال الشركة مزدهرة أو أن الشركة تمر بصعوبات بل يجب أن تكون تلك المعلومة دقيقة كّأن يعلم الشخص بأن بنسبة 60 ٪ أو أن المواد الأولية شهدت نقصا قيمته20 ٪.
تعتبر المعلومة التي يتحصل عليها العارف الشرط المبدئي لقيام جريمة إستغلال معلومة ممتازة, إذ لا يمكن الحديث عن احدى الجريمتين بدونها .فالمشرع لا يعاقب العلم بالمعلومات الممتازة بل يعاقب استغلالها إذا فالمعلومة بمثابة "أداة للجريمة" ، بدونها لا يمكن قيام هاته الأخيرة ، لكن ليس أي معلومة يمكن أن تكون أداة للجريمة بل يجب أن تشتمل على معدة خصائص ومميزات . إذا فما هي خصانص هاته المعلومة ؟
المشرع لم يتحدث عن هذه النقطة
3- صفة التأثير
إن أهم صفات المعلومة الممتازة هي صفة التأثير أي ما قد تحدثه تلك المعلومة من تأثير في أسعار الأسهم فالمشرع لا يعاقب كل معلومة بل الهامة منها والتي لها تأثير على العرض والطلب .
إذا فالمعلومة الممتازة هي المعلومة التي يكون لها تأثير مستقبلي ( حين الاعلان عنها) على أسعار الأسهم وجاذبيتها وطلبها داخل السوق .
غير أن التأثير على أسعار الأسهم يجب أن يكون بصفة محسوسة، وهذا قد يضيق الى حد ما من ميدان التجريم فالمعلومة التي تؤثر بصفة نسبية على هاته الأسعار لا يقع اعتمادها !
تعتبر المعلومة حجر الزاوية بالنسبة للتجريم المتعلق باستغلال معلومات ممتازة. ويعتبر اعتماد القانون الجنائي للبورصة المعلومة كموضوع للتجريم تطورا في موقف القانون بالنسبة لما كان سائدا من اعتبار أن المعلومة كشيء غير مادي لا يمكن أن تكون موضوع احدى الانتهاكات القانونية .
فمفهوم هاته الأخيرة باعتبارها موضوعا للتجريم قد عرف تطورا هاما سواء من حيث صورها (أ) أو من حيث خصائصها (ب) .
ب- نطاق التجريم
1- الأشخاص المعنيين بالتجريم
الفصل وضح بعض المؤشرات حول الأشخاص الذين يقع تتبعهم من أجل هذه الجريمة وهم الأشخاص المطلعين على المعلومة الممتازة و المستفيدين .
$ الأشخاص المطلعين
غالبا ما يكون المطلع من بين :
كذلك مراقب الحسابات و بعض المسؤولين في الإدارة
أعضاء مجلس الإدارة بالضرورة لأنهم الأشخاص الذين يمتلكون المعلومات الدقيقة و الذين لهم حق الإطلاع .
إذا كل شخص مهما كانت وظيفته إذا كان مطلع بحكم تلك الوظيفة يمكن أن يكون موضوع مسائلة عند نشرها للعموم, فالقانون لا يعاقب الشخص المتيقظ الذي يستغل معلومات متاحة للجميع أو ممكن الحصول عليها بقليل من التعب والعناء كشراء المجلات المالية والبحث فيها ومتابعة أنشطة الشركات المدرجة بالبورصة و شركات المساهمة العامة، كما أنه لا يعاقب من صدق شائعات متداولة في سوق البورصة وقام على أساسها بعمليات .
كما هو الشأن بالنسبة لجرائم الإستلاء على أموال عمومية حيث تعد صفة الموظف العمومي الشرط الجوهري و الأساسي فيها فإنه بالنسبة لجرائم القانون الجناني للبورصة يمكن أن نعتبر أيضا أن الوظيفة عنصر لا غنى عنه, فاستغلال المعلومة الممتازة يستوجب معرفة ودراية ببعض التقنيات التي تعتمد عليها البورصة . لذلك فيجب أن يكون «المطلع» من أهل الخبرة في ميدان البورصة على الأقل وفي الميدان المالي بصفة عامة .
لكن القانون يعاقب الشخص الذي يسعى الى القيام بعمليات مرتكزا على معلومات ثابتة وصحيحة ولا مجال للشك فيها بحيث يكون بمنأى عن المخاطرة التي تميز مجال البورصة .
هؤلاء الأشخاص يتحمل البعض منهم قرينة إدانة ننظرا لوظائفهم الهامة والتي تسمح لهم قطعا باکتساب معلومات هامة وذات جدوى في حين تبقى إدانة البعض الآخر رهينة إقامة الدليل واثبات الجرم وذلك ما قد يبدو في أغلب الحالات صعبا.
$ المستفيدين
الأشخاص المطلعين يمكن أن يستعملوا أشخاص آخرين ليس لهم علاقة بالشركة حتى يتجنبوا الشبهات
إن التشريع التونسي لم يتعرض إلى هذه الفئة من الأشخاص فقد اقتصر التجريم على :+ الأشخاص الذين يمسكون معلومات ممتازة ويقومون إما بأنفسهم أو بواسطة بعمليات غير مشروعة + الأشخاص الذين يمكنون الغير من إتمام عمليات في سوق البورصة وذلك بتسريب معلومات ممتازة لفائدته .
المطلع هو الشخص الذي يتحصل على المعلومة مباشرة دون أي واسطة في حين سبد هو الذي يتحصل على المعلومات عن طريق العارف إذا فهو الحلقة الثانية في تسلسل المعلومات وانتشارها لكن مع وجوب نحن شرط هام هو أن يكون هذا المستفيد على علم أو على الأقل بإمكانه العلم بأن تلك المعلومة ممتازة .
تعتبر هاته الفئة من الأشخاص جد واسعة فهي تشمل جميع المتحصلين على المعلومة البينة أو الوظيفة في المتحصلين على معلومات ممتازة نتيجة صدفة أو نتيجة علاقة قرابة أو صداقة .
تجدر الإشارة إلى أن المستفيد يمكن أن يكون شخص معنوي فبما أن العارف يمكن أن يكون شخص معنوي فإن المستفيد أيضا يمكن أن يكون كذلك .
إن المستفيد قد يتحصل على المعلومة إما برغبة من العارف وإما أن يكون قد فرض عليه ذلك .
2- الأفعال المجرمة
+ الاستعمال الشخصي
للمعلومة الممتازة
هي الجريمة التقليدية بالنسبة لجرائم المعلومة الممتازة وقد عرفت , بأنها استعمال لغايات شخصية معلومات ممتازة متحصل عليها بفضل الوظيفية أو العلاقات .
هذه الجريمة لا تتكون بمجرد مسك أو حصول الشخص على معلومات ممتازة بل يجب أن يستعمل الشخص تلك المعلومات ويقوم بعمليات في السوق "أي أن يتوصل بصفة مباشرة أو بواسلة الى اتمام عملية أو أكثر داخل السوق" وعلى هذا الأساس فإن الركن المادي في هذه الجريمة هو ركن مزدوج.
الركن المادي
مسك المعلومة
و تعد الطريقة التي اكتسب بها الشخص المعلومة مهمة إذ أوجب النص على أن يتحصل الشخص على تلك المعلومة "بمناسبة ممارسته مهنته أو بسبب القيام بمهامه"، وعلية فإن المصدر المهني للمعلومة أمر مستوجب ومحدد في تكييف هاته الجنحة فحصول الشخص على معلومة خارج إطار مهنته غير موجب للعقاب .
أما المسألة الثانية فتتعلق بالتثبت من وجود المعلومة بيد الشخص أثناء قيامه بالعملية غير المشروعة, ويتمتع القضاة بسلطة تقديرية هامة في هذا المجال ويعتمدون عادة على مقارنة بين تواريخ العمليات غير المشروعة وتواريخ الاعلان عن المعلومات التي تأسست عليها .
قد نص المشرع التونسي على "مسك معلومات ممتازة" من قبل الشخص يقوم على أساسها بالعمليات الغير مشروعة و لئن وردت العبارة في صيغة الجمع فإن اكتساب "معلومة ممتازة" واحدة كافية للتجریم .
استعمال المعلومة
لا يعقل أن يعاقب الشخص من أجل مجرد معرفته معلومة ما، بل يجب أن يستعملها لإنجاز عمليات يجني من ورائها أرباحا هامة سواء بنفسه أو يعهد بذلك إلى شخص آخر. وانجاز عملية واحدة كافي للتجريم حسب عبارة النص .
أما عن تاريخ انجاز هذه العملية فيجب أن يكون قبل اعلان المعلومة للعموم .
أما المحاولة في هاته الجنحة فهي غير موجبة لعقوبة وتعتبر جريمة استعمال معلومة ممتازة جريمة ايجابية تستوجب القيام بفعل إيجابي لتحققها فهي ليست جريمة امتناع .
الركن المعنوي
إن أول تشریع تونسي مجرم لاستعمال المعلومة الممتازة ذهب إلى اعتبار جريمتي الاستعمال و الإفادة من قبيل الجرائم القصدية إذ نص الفصل 43 المؤرخ في 8 مارس 1989 :"كل شخص يحقق أو يسمحح عمدا......" غير أنه وبمقتضى تنقيح 1994 تراجع بحذف كلمة "عمدا"، لكن هل يعني عدم استعمال النص عبارة ، "قصدا" ، أو ، "عمدا" ، بأن هاته الجريمة جريمة مادية ؟
إن تخلى القانون التونسي في سنة 1994 على عبارة "قصدا"، التي نظمها قانون 1989 لا يعني حتما اعتباره هاته الجريمة جريمة مادية . إذ أن "اتمام" عمليات داخل السوق لا يكون سهوا أو عن غير قصد بل يستوجب دراسته لامكانيات الاستثمار ومعرفة أحوال الأسواق .
إذا فالمشرع لم ينفي تماما وجود هذا الركن لكن لم يحمل النيابة العمومية إثباته .
وما قد يؤيد هذا الرأي عبارة أخرى تضمنها النص وهي "يتوصلون" ، فالوصول إلى شيء ما يستوجب تعبا و عناء، تفكيرا وجهدا فالانسان و توصل لأي شيء إلا نتيجة تعب و تركيز وخاصة عندما يتعلق بالأموال والثروات الطائلة .
+ إفادة الغير
بالمعلومة الممتازة
الركن المادي
يتكون أساسا من فعل الإفصاح للغير عن المعلومة أي وجوب العلم الفعلي بمحتواها وذلك بأي طريقة كانت و هذا الفعل يتميز عن النصح إذ لا يقع إعلام الغير بالمعلومة .
إن هذا الغير هو ذلك الشخص الأجنبي عن مصدر المعلومة سواء المصدر أو كل هيكل آخر قد يشتمل على معلومات بخصوص مصدر بالمساهمة العامة أو أوراقه المالية في إطار وظائفه أي يجب أن لا يكون للشخص أية علاقة عمل بمصدر المعلومة .
المعلومة المجرم الافادة بها هي نفس المعلومة المجرم استعمالها فهي المعلومة السرية الدقيقة والمؤثرة على الأسعار والتي تهم مصدر للأوراق المالية عن طريق المساهمة العامة أو ورقة مالية موظفة عن طريق المساهمة العامة .
لقد جاء بالفصل 81 فقرة 5 من قانون السوق المالية لسنة 1994 :" ويعاقب بخطية تتراوح من 1500 إلى 15.000 دينار كل شخص يحصل بمناسبة ممارسة مهنته أو بمناسبة القيام بمهامه على معلومة داخلية تتعلق بوضعية مصدر للأوراق المالية بالمساهمة العامة أو بآفاقه أو بآفاق ورقة مالية أو أداة مالية موظفة عن طريق المساهمة العامة ويتولى إفادة الغير بها خارج الإطار العادي لمهنته أو لمهامه .
الركن المعنوي
إن الركن المعنوي لهاته الجريمة يمكن أن تستدل عليه من عبارة "الافادة" بمعنى أطلع فهذه العبارة تحيلنا إلى مفهوم الإفصاح والذي لا يمكن أن يعاقب في مادة السر المهني إلا إذا كان عن قصد وتستوجب النية الإجرامية أن يكون الفاعل على علم بأنه بفصح أو يبلغ بمعلومات سرية.
أما بالنسبة للقانون التونسي وخلانا للتشريعين الفرنسي و الأمريكي اللذان اقتصرا على تجريم الاستعمال الشخصي للمعلومة الممتازة ثم مع تطور الساحات المالية العالية و تزايد أهمية البورصة في اقتصاد الدول تم تجريم إفادة الغير بالمعلومة الممتازة فإن المشرع التونسي فمنذ أول نص متعلق بالمعلومة الممتازة جرّم الاستعمال الشخصي للمعلومة وإفادة الغير بها .
إذ جاء بالفصل 43 من قانون 8 مارس 1989 :"كل شخص يحقق أو يسمح عمدا بتحقيق عمليات ينتج عنها ربح غير مشروع سواء مباشرة أو بواسطة......"
وقد حافظ المشرع على نفس التجريم بعد تنقيح 1994 صلب الفصل 81 فقرة أولى .
يبرز التوسع التشريعي في تجريم استغلال المعلومة الممتازة بصورة جلية على مستوى نطاق التجريم ، فالتشريع الخاص باستغلال المعلومات الممتازة عرف تطورا هاما, فلو رجعنا للنص الأول المجرم الاستغلال المعلومة الممتازة نجد أنه تعرض إلى تجريم فعل واحد هو الاستعمال الشخصي للمعلومة من طرف فئة واحدة من الأشخاص هم كبار المساهمون والمسيرون . لكن الأمر تغير بصفة واضحة فقد امتد التجريم ليشمل أفعال أخرى تتمثل في إفادة الغير بالمعلومة الممتازة (1).
كما طال التوسع في مجال التجريم الأشخاص القائمين بالجريمة. فمنطقيا هذا التوسع في الأفعال المجرمة سيرافقه حتما توسعا على مستوى محققي هاته الأفعال (2) .
إن الحركية الدائمة والتطور المطرد كانتا الصفتين الأساسيتين للتشريع المتعلق باستغلال المعلومة الممتازة، فمع كل تنقيح للنص الجزائي كنا نجد إضافة فې هذا التجريم سواء من حيث موضوعه أو نطاقه أو الأشخاص المعاقبين فيه أو العقوبات المسلطة .
أيضا فإن الأفعال المجرمة قد تطورت سواء من حيث عددها أو أركانها هذا التوسع على مستوى نطاق التجريم وهو ما سيخصص له الجزء (II) من هذا الجزء صحبه توسع من حيث موضوع التجريم وهو ما سيتم التعرض إليه في الفصل (I) .
II- عدم نجاعة على
مستوى التتبع
أ- سير التتبع
&2- إجراءات
التتبع
:star: مساهمة الهياكل
القضائية في التتبع
في حالة إذا كانت الهيئة لا ترى مصلحة لإثارة الدعوى العمومية يمكن لأي شخص أن يطلب إجراء التتبعات عن طريق تقديم شكوى للنيابة العمومية و كذلك وفي حالة إستئناف من له مصلحة الطعن في قرار الهيئة أمام محكمة الاستئناف بتونس يقوم القضاء العدلي العادي بتحقيقات حسب الاجراءات العادية ويمكن للقاضي ان يستعين بخبير للتحقق من الأمور التقنية, تختص محكمة الاستئناف بتونس بالنظر في الطعن في قرارات هيئة السوق المالية .
إن إنشاء هياكل خاصة لمعاينة الجرائم المتعلقة بميدان البورصة والبحث فيها لا يعني الاستغناء الكلي عن هياكل القضاء العدلي ففي ما تسهر هاته الهياكل على حماية المصلحة الخاصة فإن هياكل القضاء العدلي تسهر على حماية المصلحة العامة .
هذه الهياكل هي: النيابة العمومية كهيكل تتبع والحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بتونس كمحاكم عدلية تضطلع بالفصل في النزاعات .
بالنظر إلى الفترة 7 من الفصل 39 فان وجود هياكل خاصة بمعاينة جرائم البورصة و البحث عن أدلتها لم يؤثر مطلقا على اختصاص النيابة المتعلق بإثارة الدعوى العمومية فدور هاته الهياكل ينحصر في إعداد المحاضر و استنطاق المشتبه فيهم والقيام بالتحقيقات اللازمة دون أن يتسمع ذلك إلى إثارة الدعوى العمومية .
فقد جاء بالفصل 39 فقرة 6 أن :"تحيل هيئة السوق المالية المحاضر التي تتوفر فيها الشروط المذكورة أعلاه إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس مصحوبة بالطلبات. "
:arrow_left: المحكمة تتعهد إذا لم تتعهد هيئة السوق المالية أو إذا تم الطعن بالاستئناف .
إن إنشاء الهياكل الخاصة وما شملته من كفاءات بشرية وموارد تقنية جعل التتبع يتميز بكفاءة عالية وإن عهد لهم بنفس مهام أعوان الضابطة العدلية فقد فرضت طبيعة المادة بروز عدة خصوصيات جعلت طبيعة أعمالهم تتراوح بين مجرد البحث الأولي وبين التحقيق إلا أن التتبع يستوجب أيضا تدخل القضاء العدلي لذا فسنبيّن مساهمة أجهزة القضاء العدلي في التتبع.
:star: سلطات الهياكل
الخاصة في التتبع
1+ تلتقي الشكايات
والعرائض
تعتبر إحدى الطرق التي يمكن أن تتعهد بمقتضاها الهيئة بالبحث في الجرانم .
قد خول المشرع التونسي لكل من هيئة السوق المالية أو لجنة العمليات بالبورصة تلقي الشكاوى والعرائض الصادرة عن كل من يهمه الامر اذ جاء بالفصل 34 قانون 1994 أنه "يخول لهيئة السوق المالية تلقي العرائض والشكاوى الصادرة عن كل من يهمه الأمر والتي تدخل بحكم موضوعها ضمن صلاحياتها وتتخذ في شأنها القرارات اللازمة وذلك في ظرف شهرين ابتداء من تاريخ إبلاغها» .
حديث النص عن « الهيئة» يقصد به أعوانها أي الجهاز المكلف بتتبع الجرائم والكشف عنها فكل مستثمر سواء شخص عادي او مؤسسة مالية تضررت مصالحها بمناسبة تعامله داخل السوق بإمكانها أن تبلغ الهيئة بذلك . ويعتبر البحث في هاته الجرائم من أهم المهام الموكولة للهيئة .
قد عهد لهم القانون بنفس المهام التي يختص بها أعوان الضابطة العدلية .
2+ الكشف عن المخالفت
إن الطريقة الأساسية المستعملة من طرف هؤلاء الأعوان تتمثل في اطلاعهم اليومي على الجرائد والمجلات المالية المختصة وأيضا نشریات البورصة مع بحث دقيق وتفحص للأخبار المتضمنة لها وخاصة دراسة نتائج التداول .
3+ دخول
المحلات المهنية
أو ما يعبر عنه بحق الزيارة والذي وقع التنصيص عليه بالفصل 37 من قانون 1994 الذي جاء فيه :"يرخص للأعوان المكلفين بالتحقيقات في إطار مهامهم : 1 – بدخول المحلات المهنية أثناء ساعات العمل العادية. "
الأماكن التي خول المشرع زيارتها هي "المحلات المهنية" وهي عبارة عامة تشمل مبدئيا كل الأماكن التي تخضع لرقابة هيئة السوق المالية أي شركات المساهمة العامة، مؤسسات التوظيف الجماعي في الأوراق المالية، مكاتب وسطاء البورصة …
وقد تشمل أيضا العبارة أي محل من المحلات المهنية فقد جاءت مطلقة وعبارة القانون تأخذ على اطلاقها وعليه فإن الزيارة قد تشمل أشخاصا ومحلات لا تخضع لرقابة الهيئة ولا تمت لميدان الأوراق المالية بصلة . فموقع المخالفة المتعلقة باستغلال معلومات ممتازة يمكن أن يتصور في إطار شركات المساهمة العامة في مركزها أو في أحد فروعها ، كما يمكن أن تتم خارج الميدان المالي وفي أماكن أجنبية عنه كمكتب أحد المحامين أو بمقر أحد الجرائد أو المجلات المالية المختصة حديدا بمكتب أحد الصحافيين أو في مكتب من مكاتب وزارة ما .
لقد اشترط المشرع التونسي في الفصل 37 أن يتم دخول الأعوان الى المحلات به ساعات العمل العادية لكن عبارة "ساعات العمل العادية"، غامضة فأي معيار يمكن أن نعتمده لتحديد ساعات العمل العادية فهل يعتمد التوقيت الوارد بمجلة الإجراءات الجزائية أم المتضمن لقانون الوظيفة العمومية ؟
4+ المعاينة
تستوجب المعاينة انتقال مأمور الضابطة العدلية الى مكان وقوع المخالفة للاطلاع على مادباتها أو الآثار التي تدل عليها أو الاتجاه الى أي مكان توجد فيه أدلة تثبت وقوعها .
قد خول المشرع في الفصل 37 فقرة 3 لأعوان هيئة السوق المالية إمكانية إجراء المعاينات اللازمة في إطار أداء مهامهم.
وهي الآتية :
- طلب الاستظهار الحينی وبدون تنقل بالوثائق والحجج مهما كان سندها والحصول على نسخ منها .
الحصول مقابل وصل على الوثائق والحجج اللازمة لتأدية مهامهم ولمواصلة التحقيق .
إن أهمية المعاينة في مجال البورصة ترجع للصلاحيات التي خولها المشرع للأعوان أثناءها .
ويمارس الأعوان هاته الصلاحيات لاتمام عملية التحقيق، ويشمل الطلب : الوثائق (عقود ، سجلات ، محاضر مجالس الادارة والجلسات العامة وكل الوثائق التي لها علاقة بالحسابات ) .
5+ التفتيش
إن المشرع التونسي لم يخول لأعوان هيئة السوق المالية التفتيش الا بالمحلات المهنية وهذا ما يستشف من الفصل 37 فقرة 1 وفقرة 2 - حق الدخول للمحلات المهنية...... - حجز السندات والوثائق .
بخصوص توقيت هذا التفتيش فإن أعوان هيئة السوق المالية ليسوا ملزمین باحترام التوقيت الوارد بالفصل 95 م.إ.ج، فالمشرع نص على أن الدخول المحلات المهنية يكون أثناء ساعات العمل العادية .
ويستوجب هذا الإجراء الحصول على ترخيص من مجلس الهيئة, لكن بالنظر إلى الفصل 51 قانون 1994 فان رئيس الهيئة هو الذي يرخص لهم بالقيام بالتفتيش وهذا راجع إلى طبيعة هذا الإجراء الذي يستوجب سرعة في الانجاز .
واحتراما لنفس الضرورة فإن المشرع لم يشترط حضور المتهم أو من يمثله للقيام بهذه العمليات بل إن أعوان هيئة السوق المالية يمكنهم القيام بهذا الإجراء بمجرد الحلول بالمكان .
6+ الحجز
قد مكن قانون 1994 أعوان هيئة السوق المالية من حجز السندات والوثائق التي تبدو لهم مزورة وغير مطابقة للمواصفات والقواعد الجاري بها العمل ولو كانت بأيدي ماسكيها .
لكن تجدر الملاحظ أن السندات المتضمنة لمعلومات ممتازة غير قابلة للحجز وهو ما يعني أن هذا التدقيق الذي ورد بالفصل 37 فقرة 2 عند التحدث عن إجراء الحجز لا يهم جنح استغلال المعلومة الممتازة بل بقية الجنح الأخرى إذ لا يتصور سندات مزورة في خصوص هذه الجرائم .
في ما يتعلق بإجراءات الحجز فهي مختلفة أيضا عن الإجراءات العادية و المتمثلة في تحرير محضر يضبط قائمة في المحجوزات حسب ما جاء بالفصل 97 م.إ.ج (وهو ما يقتصر تطبيقه على الفقرة الثانية فقط من الفصل 37) .
في حين تختلف اجراءاته في الفترتين 3-4 إذ يقتصر الأمر على تسلم الوثائق سندات أو نسخها مقابل وصل .
7+ سماع الشهود
لقد ورد التنصيص على هذه الصلاحيات صلب الفصلين 37 و 39 من قانون 1994 .
يقع طرح التساؤل هنا هل أن القواعد العامة في الشهادة تطبق بالنسبة للشهادة المتلقاة من طرف هيئة السوق المالية ؟ مثلا هل أن الشاهد يؤدي اليمين أمام أعوان الهيئة ، وهل يقع إنذاره بأن قوله غير الحقيقة يعتبر شهادة زور يؤدي إلى تتبعه جزائيا ؟
كل هاته الأمور تبقى غير واضحة في ظل سكوت المشرع واتباعه طريقة التكتم الأمر الوحيد الذي يبقى واضحا في خصوص الشهادة هو طريقة استدعاء الشاهد فهي نفس طريقة استدعاء المشتبه فيه أي الطريقة الادارية أي بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ وهي احدى الطرق المستعملة في الإجراءات العادية اضافة الى الابلاغ عن طريق عدل المنفذ.
8+ استنطاق المتهم
من المهام التي أنيطت بعهدة أعوان التحقيق استنطاق المتهم إذ جاء بالفصل 39 أنه في " إطار التدقيق في المخالفات المنصوص عليها بالأصل 81 من هذا القانون يمكن للأعوان المكلفين بالتحقيقات ...... استدعاء وسماع الأشخاص المعنيين بالأمر. ويحق للشخص الذي يتم سماعه الاستعانة بمستشار يختاره في طوري الاستنطاق وتحرير المحضر …"
نظرا لأن الاستنطاق من مهام قاضي التحقيق ولا يمكن لأعوان الضابطة العدلية القيام بذلك إلا بمقتضى إنابة عدلية وهذا في طور ما يسمى بالبحث الابتدائي, إذ يمكن أن يتم استنطاق ذي الشبهة من طرف الباحث الابتدائي . وبذلك يمكن اعتبار أعوان هيئة السوق المالية بمثابة أعوان الضابطة العدلية الذين يمارسون البحث الابتدائي نظرا لأن هدفهم واحد وهو جمع الأدلة والكشف عن الحقيقة .
محضر الاستنطاق يجب أن يستجيب للشروط الشكلية و للشروط الجوهرية التي تتمثل أساسا في التنصيصات الوجوبية التي يؤدي إغفالها إلى البطلا المطلق .
:arrow_left: يستنتج أن السلطات المخولة لأعوان الهياكل الخاصة (هيئة السوق المالية أو لجنة العمليات بالبورصة) تقترب كثيرا من السلطات التي خولها القانون لأعوان الضابطة العدلية, فكما سبق التعرض للمهام التي كلفوا بها فهم لا تنقصهم سواء سلطة الاحتفاظ ناص لفائدة البحث .
لكن افتقاد أعوان الهيئة لهاتة السلطة لا يفقدها النجاعة اللازمة لأداء مهامها إذ وفر المشرع لهم الحماية القانونية اللازمة للقيام بمهامهم على أحسن وجه وذلك بإنشاء مختلف التشاريع لجريمة العرقلة .
ويمكن تعريف هذه الجريمة بوضع شخص أو عدة أشخاص لحواجز بفرض تعطيل مهمّة الأعوان المكلفين بالبحث وكذلك عدم تنفيذ الأذون الصادرة عن رئيس المحكمة الابتدائية بتونس . وتميزت هاته الجريمة بعقوبات سالبة للحرية وهي الجريمة الوحيدة في القانون الجزائي المنظم للبورصة التي استوجبت عقوبة سالبة للحرية .
إن العاملات في مجال البورصة تتميز بتعقيدها فطابعها التقني يجعل إدراکه حكرا على بعض المتمرسين في مجال المال والأعمال وبذلك لا يكون بإمكان أعوان الضابطة العدلية تحديد الفاعلين وتوفير أدلة إدانتهم حيث أن تكوين كل أعوان الضابطة العدلية لا يسمح أبدا بالكشف عن هاته الجرائم وبالتالي لا يمكن الإكتفاء بعهد الأمر إلى هؤلاء الأعوان وهو ما دعا البلدان التي تعول كثيرا على أسواق البورصة ومن بينها تونس إلى إحداث هياكل خاصة بتتبع الجرائم التي تقع في هذا الميدان (&1) وقطعا فإن انشاء هاته الهياكل سيؤدي الى إدخال خصوصية على إجراءات التتبع (&2) .
&1- هياكل
التتبع
إن الضرورة التي أوجبت إنشاء فروع جديدة في القانون الجناني مثل القانون الجنائي للأعمال أو القانون الجنائي الاقتصادي هي نفس الضرورة التي دعت الأوساط المالية والقانونية إلى انشاء هياكل مختصة مهمتها الأساسية السهر على حسن تطبيق هاته الفروع الجديدة للقانون الجناني مثل لجنة المنافسة أو هيئة السوق المالية وهي هيئة فتية كلفت بالسهر على حماية سوق البورصة في تونس .
لقد وقع إنشاؤ هيئة السوق المالية بمقتضى قانون عدد 117 المؤرخ في 14 نوفمبر 1994, فبالاضافة الى القوانين الزجرية الكفيلة بالمحافظة على استقرار السوق أنشأ المشرع هذا الهيكل لكي يتفرغ الى السهر على حسن تطبيق هاته القوانين .
قد اشتملت تركيبتها على قضاة و ممثلوا المهنة (رئيس مجلس البورصة) .
تتمتع الهيئة بسلطة ترتيبية وتمارس سلطة قضائية بمقتضی الفصل 1-9 أما أهم السلطات المخولة إليها فهي سلطة البحث في جرائم البورصة والتي سيتم التطرق لها في إجراءات البحث.
ب- مآل التتبع:
العقوبات
:one: ازدواجية
العقاب
&2- العقوبات
الإدارية
خصوصية: هيئة السوق المالية يمكنها إصدار عقوبات مالية و هي جزاء إداري و ليس جزائي. لكن إذا تعهدت المحكمة تصدر عقوبات جزائية.---> ازدواجية في العقوبة
إحتراما للمبدأ الإجرائي القاضي بعدم إمكانية معاقبة الشخص من أجل الفعلة الواحدة مرّتين فإنه رغم وجود ثنائية الزجر لا يمكن صدور عقوبتين بل عقوبة واحدة سواء عقوبة إدارية أو عقوبة جزائية, حيث أنه بالنص إذا تعهدت هيئة السوق المالية لا يمكن اللجوؤ إلى القضاء إذا يجب انتظار صدور قرارها ليقع استئنافه.
ترجع نشأة النظام الزجري الإداري الخاص باستغلال المعلومات الممتازة إلى عدم من الجزائي الذي بدا غير كافي خاصة بالنظر الى التطور الهام الذي شهدته أسواق البورصة وخاصة بظهور العديد من الأدوات المالية الجديدة . والاتجاه نحو عولمة أسواق البورصة ، إضافة إلى عدم دقة قواعد القانون الجزائي وطول إجراءات والتي عادة ما تنتهي دون النتائج المنتظرة من طرف السلطات الساهرة على سواق البورصة وذلك نتيجة عدم تفهم القضاة للاتهامات المقدمة من طرفها .
توازيا مع القانون الجزائي للبورصة الذي جاء بعقوبات جزائية زجرية (&1) قد نشأ قانون إداري خاص بهذا المجال تضمن بالإضافة إلى قواعده الأصلية المنظمة للهياكل الإدارية للسوق المالية حلولا زجرية للتصدي لجرائم إستغلال معلومة ممتازة (&2) .
&1- العقوبات
الجزائية
يلاحظ أن عقوبة جريمة إستغلال معلومة ممتازة هي عقوبة مالية بالأساس و ليست عقوبة سالبة للحرية طبق أحكام الفصل 81 من قانون 1994 الذي جاء فيه :" يعاقب بخطية تتراوح من 1000 إلى 10.000 دينارا الأشخاص الذين ... ويعاقب بخطية تتراوح من 1500 إلى 15.000 دينار كل شخص ..." .
إذا فعقاب استغلال المعلومة الممتازة يكون تقريبا من نفس جنس النتيجة المحققة ، فالربح المحقق من طرف المطلع كان دائما نصب أعين كل المشرعين الذين عاقبوا استغلال المعلومة الممتازة وذلك عبر تسليط خطايا هامة .
العقوبة المالية تؤثر على الذمة المالية للمطلع فهي تنقص من ماله وهذا أمر طبيعي ومنطقي، نعبر هاته الخطية تعيد المطلع للوضعية التي كان ليوجد فيها لولا العملية التي قام بها وحقق من خلالها أرباحا طائلة .
وتختلف قيمة هذه العقوبة في جريمة الإستغلال الشحصي للمعلومة الممتازة ( من 1000 إلى 10.000 دينار) عن قيمة عقوبة جريمة إفادة الغير بالمعلومة الممتازة ( من 1500 إلى 15.000 دينار) ويعتمد في تقدير الخطية الربح المحقق من خلال العملية غير المشروعة .
ما يمكن ملاحظته من خلال استعراض العقوبات المتضمنة للقانون الجزائي للبورصة أنه لا وجود لعقوبات تكميلية فقد اقتصر العقاب على العقوبات الأصلية .
إن مجهود المشرع الجزائي هام في محاولة التصدي لاستغلال المعلومات الممتازة ، لكن خصوصية المجال جعلت اتخاذ وسائل أخرى تساند هذا المجهود أمر ضروري فكيف تمت مؤازرة الحل الجزائي ؟
:two: وجود التوارد
أعضاء مجلس الإدارة هم وكلاء الشركة لذلك يمكن أن تقوم جريمة خيانة الأمانة في شأنهم
الفصل 297 م.ج
توارد صوري --> إعمال الفصل 54 م.ج
بعد التثبت من قيام أركان الجريمة يتم تحديد العقاب وهو ما يتميّز ببعض الخصوصية في جرائم البورصة عامة و جريمة استغلال معلومة ممتازة خاصة و تتمثل هذه الخصوصية في إزدواجية العقاب من جهة (:one:) وفي وجود التوارد من جهة أخرى (:two:).
إن سير الدعوى العمومية في مجال القانون الجنائي للبورصة يختلف عما يعمل به في إطار الإجراءات الجزائية العادية إذ أن اختلاف الضحايا في افي القانون الجنائي للبورصة وخصوصا (استغلال معلومات ممتازة) هؤلاء الذين يكونون عادة سلبييين نظرا لعدم إدراكهم السريع بالضرر الذي لحقهم بالإضافة لصعوبة تحديد الفاعل إن تم ذلك لصعوبة الإثبات يؤدي الى تغيير بقية ملامحها بمعنى أن تغيير نوع الضحايا يؤدي بالضرورة الى تغيير في الأشخاص القائمين بالبحث في هاته الجرائم وأيضا في إجراءات البحث.
هل أن هذا التغيير يشمل أيضا مآل التتبع ؟ هذا ما سنتعرض له في المبحث الثاني (ب) في حين يخصص المبحث الأول لدراسة سير التتبع ( هياكله وإجراءاته ) (أ) .
خصوصية: تمكين أعوان السوق المالية من صلاحيات واسعة :التفتيش/ تلقي الوثائق
نلاحظ وجود
خصوصية في الزجر