Please enable JavaScript.
Coggle requires JavaScript to display documents.
الاقامة بالسجن 2 - Coggle Diagram
الاقامة بالسجن 2
الإقامة بالسجن
(1)
III- المؤاخذة
التأديبية للسجين
يختلف نظام الحياة داخل السجن عن أسلوب الحياة خارجه باعتبار أن السجناء المقيمين بالمؤسسة العقابية يقع إخضاعهم إلى برنامج تأهيلي و إصلاحي يستوجب حسن تطبيق الالتزام بالنظام الداخلي للسجن الذي تفرضه طبيعة العقوبة السجنية و ترتيبا على ذلك يجب على المحكوم عليه الالتزام بقواعد السلوك الناتجة عن هذا النظام
و يمكن أن يخضع النظام
الداخلي للسجن لمفهومين:
المفهوم الضيق ينحصر في القواعد التي تحول دون فرار السجين و تعتدي الحدود والأخلاق داخل السجن .
المفهوم الواسع يشمل جميع القواعد التي تحدد سلوك السجين بهدف تحقيق أغراض العقوبة كالتزام المحكوم عليه بطاعة الأوامر و المواظبة على العمل و الالتزام بما يتلقاه من مواعظ دينية و دروس تعليمية و تثقيفية
و تأسيسا على ما سبق ذكره فإن فرض الانضباط و الأمن داخل السجن من شأنه أن يؤدي إلى المساءلة التأديبية لكل سجين لا يحترم مقتضيات هذا الانضباط و لهذه المساءلة أسباب تبرر تسليط العقوبة على السجين كما يخضع تسليط العقوبات التأديبية لنظام خاص به
أ- أسباب التأديب
حدد المشرع التونسي ضمن الفصل 20 من قانون 2001 مجموعة الواجبات المحمولة على السجين و التي يتجوب عليه احترامها حتى لا يكون عرضة للمساءلة التأديبية
إلا أنه وفقا لمقتضيات الفصل 22 من نفس القانون يكون السجين كذلك عرضة للعقوبات التأديبية إذا مس بحسن سير السجن أو أخل بالأمن به .
و هي عبارات عامة و شاملة من شأنها أن تفسح المجال واسعا أمام الإدارة العقابية لتقدير الأفعال التي تشكل مساسا بحسن سير السجن أو إخلالا بالأمن به لأن الإدارة العقابية هي التي أسندها المشرع ضمن الفصل 21 من قانون 2001 صلاحية مساءلة السجين تأديبيا .
و تجدر الملاحظة في هذا الخصوص أن السلطة التأديبية الواسعة التي أسندها المشرع للإدارة العقابية في مجال المساءلة التأديبية تجد حدودها ضمن ما جاء بالفصل 22 من قانون 2001 الذي ضبط على سبيل الحصر العقوبات التي يمكن أن يتعرض إليها السجين المخالف بحيث لا يمكن للإدارة العقابية توقيع عقوبة غير موجودة ضمن أحكام الفصل 22
تتمثل هذه
العقوبات في
1) الحرمان من تلقي المؤونة والطرود لمدة معينة على ألا تتجاوز خمسة عشر يوما.
2) الحرمان من زيارة ذويه له لمدة معينة على ألا تتجاوز خمسة عشر يوما.
3) الحرمان من تلقي أدوات الكتابة والنشريات لمدة معينة على ألا تتجاوز خمسة عشر پوما
4) الحرمان من الشغل.
5) الحرمان من المكافأة
6) الحرمان من اقتناء المواد من مغازة التزويد بالسجن لمدة لا تتجاوز سبعة أيام.
7) الإيداع بغرفة انفرادية تتوفر فيها المرافق الصحية وذلك لمدة أقصاها عشرة أيام .
و بالتأمل في محتوى الفصل 22 من قانون 2001 يتبين لنا تكريس المشرع لمبدأ شرعية المخالفة التأديبية (الاخلال بمقتضيات الفصل 20 أو 21 من قانون 2001) و كذلك شرعية العقوبة التأديبية بحيث لا تسلط على السجين المخالف إلا احدى العقوبات التأديبية المنصوص عليها بالفصل 22 من قانون 2001 .
كما يتبين لنا أن العقوبات محددة في الزمن حيث لا تتجاوز مدتها القصوى 15 يوما فضلا عن ذلك نلاحظ أنها لا تتسم عموما بالقسوة أو الشدة أو الإهانة لكرامة الفرد و حرمته الجسدية .
غير أن ما تتضمنه الفقرة السابعة من الفصل 22 التي تعتمد الإيداع بغرفة انفرادية كإحدى العقوبات التأديبية تجعلنا نشكك في مدى التزام المشرع التونسي بأحكام المادة 31 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (يجب أن لا تكون العقوبة التأديبية قاسية أو لا إنسانية أو مهينة للسجين).
فقد أكدت مختلف الدراسات المتعلقة بعلم الإجرام و علم النفس قد أكدت أن الحبس الانفرادي و عزل السجين عن بقية السجناء يشكل انتهاكا صارخا للحرمة الجسدية و المعنوية للسجين لأنه يؤثر بشكل كبير على مدارکه العقلية و يؤدي إلى اضطراب حالته النفسية .
هذا بالإضافة لما قد يصاحب عملية العزل من انتهاكات مادية كشد وثاق السجين و حرمانه من الأكل و حتى لا يفسح المشرع التونسي المجال للإدارة العقابية لكي لا تقوم بمثل هذه التجاوزات كلما أخضعت السجين لعقوبة الإيداع بغرفة إنفرادية .
أحاط هذه العقوبة
بجملة من الضمانات
1) تحديد مدة هذه العقوبة بأن لا تتجاوز 10 أيام .
2) أخذ رأي طبيب السجن الذي يمكنه طلب مراجعة هذا الإجراء لأسباب صحية .
3) وجوب توفر مختلف المرافق الصحية داخل الغرفة الانفرادية التي يقع عزله بها .
وقد تساءل النواب أثناء مناقشة قانون السجون لسنة 2001 عن الحالة المادية للغرف الانفرادية و عن مدى تطابق محتوى القانون مع واقع الأمور وقد أجاب وزير العدل عن ذلك بقوله أن "الغرفة الانفرادية بها التجهيزات الضرورية و ما يحتاجه الإنسان و تراقب هذه الغرف من قبل إدارة السجون و من الطبيب الذي من واجبه إشعار الإدارة بحالة السجين و بوضعية الغرفة كما له إعلام عائلة السجين و رفع الأمر إلى القضاء إن وجب ذلك" .
بالإضافة إلى ذلك لم تكن بقية العقوبات التأديبية التي تضمنها الفصل 22 لم تكن بمنأى عن الانتقاد حيث تساءل بعض النواب أثناء مناقشة قانون 2001 عن جدوى بعض هذه العقوبات منها مدى اعتبار الحرمان من تلقي أدوات الكتابة و النشريات لمدة معينة عقوبة،
و الحال أن السياسات العقابية الحديثة تعتبر أن التعليم و التثقيف ركيزة أساسية من ركائز البرنامج الإصلاحي .
كما انتقد النواب عقوبة حرمان السجين من زيارة ذويه و اعتبروها عقوبة تتجاوز شخص السجين و تسلط على عائلته التي ستحرم من مقابلته.
و جوابا عن هذه التساؤلات بين وزير العدل أن هذه العقوبة رادعة للمساجين بطريقة غير مباشرة و ذلك لأن العائلة تضطلع بدور هام لإرجاع السجين إلى الطريق المستقيم لذلك عندما تحرم من زيارته لمدة يمكن أن تصل لأسبوعين من المؤكد أن تبذل قصار جهدها التنصحه بضرورة التحلي بالسلوك الحسن و احترام الواجبات المحمولة عليه حتى لا تحرم من زيارته .
ب- نظام توقيع
العقوبات التأديبية
في صورة إحالة السجين المخالف الحقوق التي تحميه و تتمثل هذه الحقوق في :
1) حق السجين بالعلم
بالمخالقة المنسوبة إليه
لم يتعرض المشرع صراحة لحق السجين في العلم بالمخالفة المنسوبة إليه لا في أحكام الفصل 18 من أمر 1988 لا ضمن أحكام الفصل 24 من قانون 2001.
إلا أنه يمكن استنتاج هذا الحق من خلال إشارة المشرع صلب الفصل 21 من قانون 2001 إلى وجوب الاستماع إلى السجين و تلقي أوجه دفاعه قبل تسليط العقوبة التأديبية عليه و المحكوم عليه حتى يتمكن من إعداد وسائل دفاعه عن نفسه لا بد أن يكون عالما بالتهمة المنسوبة إليه .
أما المشرع الفرنسي فقد اعترف صراحة بحق السجين بالعلم بالمخالفة التي سيسأل عنها تأديبيا وذلك صلب الفصل 249D من مجلة الإجراءات الجزائية الفرنسية .
لذلك يتعين على المشرع التونسي لكي يحرص على حماية الحقوق الفرد مهما كان وضعه القانوني أن ينص صراحة على حق السجين في العلم بالتهمة المنسوبة إليه لأن حقه في الدفاع عن نفسه الذي يكفله القانون لا يمكن ضمانه بصورة فعلية إلا من خلال تكريس حقه بالعلم لأنه دون علم لا يتحقق الدفاع بمفهومه القانوني.
2) حق السجين في
الدفاع عن نفسه
جاء بالفصل 18 من أمر 4 نوفمبر 1988 أنه "لا يمكن تسليط عقاب تأديبي على السجين إلا بعد الاستماع إليه و تلقي ما له من المؤيدات" .
يبدو أن المشرع التونسي من خلال استعماله لمصطلح مؤيدات قد أشار إلى حق السجين في الدفاع فقط دون أن ينص عليه صراحة مما يخول للجنة التأديب امكانية إهماله و عدم إيلائه أهميته المستحقة لأن مصطلح المؤيدات يعد أضعف من مصطلح الدفاع الذي يوحي أن القائم به لا يزال بريئا ولم تثبت عليه التهمة بعد وهو ما يبعث في السجين شيئا من الطمأنينة والحماية القانونية .
و سعيا من المشرع نحو تدعيم حقوق السجين الإنسان تدارك هذا الضعف اللفظي بالتنصيص صراحة على حق دفاع المحكوم عليه المتخذة ضده إجراء تأديبي عن نفسه و ذلك صلب الفصل 24 من قانون 2001 الذي جاء فيه "لا يمكن تسليط عقوبة تأديبية على السجين إلا بعد الاستماع إليه و تلقي أوجه دفاعه" .
تعرض المشرع ضمن الفصل 24 إلى ضرورة الاستماع إلى السجين قبل تسليط عقوبة تأديبية عليه غير أنه لم يضبط كيفية تقديم السجين لأقواله (شفويا أو كتابيا) و يمكن تفسير سكوته هذا بأنه قد ترك الأمر مفتوحا دون أي قيد فالدفاع الشفوي مقبول وقد جرى العمل أن يقد السجين أقواله أمام لجنة التأديب شفاهيا دون اعتماد مذكرة مكتوبة .
تجدر الإشارة إلى أن العقوبات التأديبية تسلط على السجين في التشريع العقابي التونسي من طرف لجنة التأديب المتألفة حسب الفصل 26 من قانون 2001 من مدير السجن بصفة رئيس وعضوية مساعد مدير السجن ورئيس مكتب العمل الاجتماعي وسجين حسن السيرة والسلوك يقع اختياره
من قبل مدير السجن من نفس الغرفة التي يقيم بها السجين المخالف أو ورشة التكوين أو حضيرة العمل، ويمكن للجنة دعوة المكلف بالعمل النفساني الإبداء رأيه .
نلاحظ أن في قانون 2001 قد أقصى العون الضابط المخالفة في تركيبة اللجنة إلا أن هذا الإقصاء لا يعتبر مهما كما أنه لا يضمن حياد المجلس باعتبار أن هذا العون حتى لما كان منظما إلى اللجنة لم يكن له الحق في التصويت .
و من جهة أخرى حافظ قانون 2001 على مكانة مدير السجن كرئيس للجنة و كطرف يخول له القانون توجيه العقاب التأديبي دون الرجوع إلى اللجنة وهو ما من شأنه أن يضر من مصلحة السجين فمدير السجن يمثل في الآن نفسه الخصم و الحكم، و مثل هذا الوضع لا يضمن حق السجين في مجلس محايد.
تفاديا لذلك و حتى تؤمن
للسجين محاكمة عادلة لا بد
من اتباع أحد الحلين:
1- إما أن يكون الاختصاص بإصدار الجزاء التأديبي لإدارة السجن مع إعطاء السجين حق التظلم أمام قاضي تنفيذ العقوبات .
2- أن يحال هذا الاختصاص بأكمله إلى قاضي تنفيذ العقوبات و تأسيسا على هذين الحلين يكون من الأجدر إدماج قاضي تنفيذ العقوبات بشكل أو بأخر في النزاع التأديبي داخل السجون نظرا لكونه محايدا كما يمتلك بحكم طبيعة وضعيته معلومات كافية عن السجين المخالف
مما يخوله تقدير استحقاق السجين للتوبيخ و الإنذار فحسب أو ضرورة تشديد العقاب تجاهه.
كما يجب على المشرع أن يتدخل ليلزم مدير السجن بإعلام قاضي تنفيذ العقوبات التأديبية المتخذة ضد المساجين كوضعهم على انفراد أو توبيخهم أو حرمانهم من بعض المزايا حتى يقرر مدى صحة هذه العقوبة و مدى استحقاق السجين لذلك.
ومهما يكن من أمر لا بد من حماية حقوق المحكوم عليهم من حياد لجنة التأديب الضمان محاكمة تأديبية عادلة لا تغلب عليها مصلحة المؤسسة العقابية و نغيب فيها مصلحة السجين و هو ما قضت به اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان
حيث جاء في أحد قراراتها أن لا بد من توفر الاستقلال و الحياد لأعضاء لجنة التأديب .
VI- واجب العمل
داخل السجن
تكاد تجمع كافة النظم العقابية على الزام المحكوم عليهم بالعمل طيلة مدة قضائهم للعقوبة و تتفق في ذلك النظم القديمة والحديثة على السواء وإن اختلفت من حيث نظرها المدة العمل و تحديدها للشروط التي يمارس وفقها و الحقوق و الواجبات التي تتولد عنها على عاتق المحكوم عليه و يجدر بنا في هذا الإطار معرفة طبيعة الالتزام بالعمل و آثار الالتزام بالعمل .
أ- طبيعة
الالتزام بالعمل
كان الالتزام بالعمل يتصف بصفة العقوبة و يستهدف به الإيلام وأساسه القسوة والتعذيب والإذلال ثم تطور هذا الالتزام فبعد أن كان العمل عقوبة صار إلزاما يضاف إلى العقوبة المحكوم بها.
هذا التطور على مستوى طبيعة الالتزام بالعمل في السجون يدعو إلى بحث أسسه في النظم العقابية القديمة ثم الحديثة.
1- النظم
العقابية القديمة
كان العمل في النظم العقابية الحديثة يكتسي صبغة الزامية فلا يستطيع السجين أن يرفض العمل المفروض عليه .
وقد كان لهذا الالزام صفة العقوبة إذ كان يهدف تعذيب المحكوم عليهم وقد أدى ذلك إلى اعتماد العمل كأداة لتنويع العقوبات السالبة للحرية و التمييز فيما بينها حسب درجة الإيلام التي تلحقه بالسجين .
و بذلك نشأت عقوبة الأشغال الشاقة التي تميزت بمشقة العمل الذي انطوت على الإلزام به، حيث كانت الأشغال تخضع لشروط مجحفة غايتها إيلام المسجون و تعذيبه و إلحاق المهانة به إضافة إلى كون المحكوم عليهم يعملون قصرا و غصبا و كانوا يجرون في أقدامهم كرة حديدية أو يقيد كل إثنين منهم في سلسة إذا كانت نوعية العمل الممارس تسمح بذلك.
الالتزام بالعمل لم يكن تراعى فيه الوضعية الصحية للسجين من حيث اختيار العمل الأكثر ملاءمة له، كما أن قيمة العمل و فائدته لا تعيرها النظم العقابية القديمة أي اهتمام فالتركيز الوحيد يقع على حجم الألم والتعذيب اللذان يحسهما السجين إثر القيام بأحد الأعمال الماسة بكرامته الإنسانية كحمل الأثقال عوض الدواب و جمع الأوساخ و نقلها .
لجميع هذه الأسباب كان العمل في النظم العقابية القديمة وسيلة للزيادة في حجم الألم الذي تلحقه العقوبة السالبة للحرية في حق السجين و هو ما أدى إلى اعتباره عقوبة إضافية إذ كان المحكوم عليهم يعاملون أسوء معاملة و كانوا يغادرون المؤسسة العقابية أسوء حالا بعدما دخلوها حتى أن 95% منهم صاروا عائدين
وقد أدى هذا الوضع إلى كره السجين للعمل و اشمئزازه منه لأنه استقر في ذهنه بأن العمل مهانة فلا يجد في نفسه بعد خروجه من السجن رغبة في العمل فهو بالنسبة له عبارة عن عقوبة قاسية لا تكريما و تشريفا للإنسان و نتيجة لذلك لا يجد أمامه لكسب عيشه إلا طريق الإجرام فيعود إلى الجريمة و الاستمرار في الانحراف .
2- في النظم
العقابية المدينة
أصفت أغلب النظم العقابية الحديثة على العمل صبغة الالزامية و ذلك سواء في القوانين المقارنة أو في التشريع العقابي التونسي .
• في القوانين
المقارنة
اختلفت التشريعات المقارنة في طريقة التنصيص على الزامية العمل العقابي فمنها من أشار إليها بصفة ضمنية و منها من نص عليها صراحة فإثر تنقیح الفصل 720 من مجلة الإجراءات الجزائية الفرنسية بمقتضى القانون المؤرخ في 22 جوان 1887 أصبح ينص على الزامية العمل العقابي ضمنيا حيث جاء فيه "أنشطة الشغل و التكوين المهني تؤخذ بعين الاعتبار بتقديم ضمانات تأهيل و حسن سلوك المحكوم عليهم" .
و من جهتها أكدت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء صلب المادة 71 على الصيغة الالزامية للعمل في السجون حيث نصت : "- يجب أن لا يكون طابع العمل في السجون التعذيب والإيلام
- يجب أن يلزم بالعمل جميع المسجونين المحكوم عليهم مع مراعاة مدى استعدادهم الجسماني بالعمل وفق ما يحرره الطبيب"
و من خلال مختلف النصوص القانونية المقارنة يتبين لأن العمل في السجون لم يعد في ظل السياسة العقابية الحديثة عقوبة مضافة هدفها الوحيد تعذيب المحكوم عليهم وإلحاق المهانة بهم فالتعذيب والإيلام لم يعودا غاية العقوبة و لا غاية السياسة العقابية الحديثة.
إلا أن ذلك لا يعني أن العمل في السجون قد تجرد من صبغته الإلزامية بل بالعكس أصبحت القوانين العقابية المقارنة تنص صراحة على إلزامية العمل إلا أن الأغراض الحديثة للمعاملة العقابية التي تتجرد تماما من طابع العقوبة و قصد الإيلام و التعذيب هي التي تحكم هذه الإلزامية .
فإلزامية عمل المسجونين تهدف إلى تأهيلهم و تهذيبهم و تقویم سلوكهم لا إلى تسليط عقاب إضافي عليهم لأن التهذيب يقتضي إمداد المحكوم عليه بالوسائل التي تتيح له سلوك السبيل المطابق للقانون في مقدمة هذه الوسائل نجد العمل الذي يخوله الحصول على مورد رزق شريف إثر خروجه من السجن .
الصفة الالزامية للعمل العقابي قد تم المحافظة عليهم في القوانين العقابية المقارنة إلا أن أسس مشروعيتها هي التي اختلفت فالعمل في النظم العقابية القديمة هو عقوبة إضافية بينما العمل في النظم العقابية الحديثة أصبح وسيلة لتحقيق أغراض العقوبة من إصلاح و تهذيب و تأهيل
• الالزام بالعمل في
النظام العقابي التونسي
اختلف موقف المشرع التونسي من الصبغة الالزامية للعمل في السجون حيث مر بعدة مراحل، في مرحلة أولى كان المشرع ينص صراحة على هذا الإلزام صلب الفصل 13 من المجلة الجزائية إلا أن المشرع قد ألغي هذا الإلزام الصريح بإصداره للقانون ع89دد لسنة 1999 المؤرخ في 2 أوت 1999
و الذي نقح الفصل 13 من المجلة الجزائية فأصبح ينص على "العقاب السجني يقضي بأحد السجون" .
هل يعني ذلك أن المشرع التونسي قد ألغي صراحة الإلزام بالعمل ؟
أثناء الفترة التي صدر فيها قانون 1999 يتضح لنا أن المشرع قد ألغي الالزام بالعمل في المجلة الجنائية إلا أنه في مقابل ذلك حافض عليه صلب الفصل 61 من أمر 4 نوفمير 1988 الذي جاء فيه "للإدارة العامة للسجون و الإصلاح الحق في تشغيل المساجين باستثناء الموقوفين تحفظيا أو الطاعنين في السن أو الذين لم يبلغوا سن ال20 سنة
أو المودعين لتنفيذ أذون بالجبر بالسجن أو المرضي أو المعاقين" .
مع صدور قانون 2001 نلاحظ أن المشرع قد حول الإلزام بالعمل في السجون من حق الإدارة العامة للسجون و الإصلاح تلزم به المساجين إلى حق للسجين وذلك صلب الفصل 19 الذي جاء فيه "يحق للسجين ...
7) الشغل مقابل أجر وطبق الإمكانيات المتاحة ، بالنسبة إلى المحكوم عليه" .
المشرع قد حول الهدف من تشغيل السجين من هدف إيلامي تعذيبي إلى هدف تأهيلي إصلاحي بالأساس مما جعل إلزامية العمل تقوم على ترغيب السجين في العمل حتى يصبح هدفه الأول بعد خروجه من السجن ليضمن کسب قوته بشرف.
ب- آثار
الإلزام بالعمل
يكتسي العمل الذي يمارسه السجين داخل المؤسسة العقابية طبيعة خاصة و هو ما يجعل الآثار المترتبة عنه مختلفة عن الآثار العادية التي يفرزها العمل في الإطار الحر فالعمل داخل السجون تغيب عنه أي علاقة تعاقدية بين الدولة و المحكوم عليه كما أن الأجر يطرح عدت إشكاليات.
1- غياب علاقة تعاقدية
بين الدولة و المحكوم عليه
على عكس العمل الحر الذي يقوم على علاقة تعاقدية بين المؤجر و الأجير قوامها توافق إرادتين على نوعية العمل و على الامتيازات والحقوق والواجبات المترتبة عنه يضبط القانون و من ورائه اللوائح الداخلية للسجون شروط العمل و ممارسته و ما على السجين قبول ذلك دون نقاش .
فالعمل بالنسبة للسجين هو من نوع من الالتزام القانوني الذي لا يمكن رفضه و هو ما يعني أن المسجونين ليس لهم الحق في نوع معين من العمل الذي يتماشى مع تكوينه المهني أو التعليمي فالإدارة ليس عليها أن تراعي ذلك إلا في حدود المعروض من العمل و الإمكانيات المتاحة بالسجن و هو ما يتأكد بالعودة إلى الفصل 19 من قانون 2001 الذي جاء فيه أنه يحق للسجين الشغل وفق الإمكانيات المتاحة .
بالإضافة إلى ذلك تحول قيود حفظ النظام و الأمن دون القيام ببعض الأعمال على الوجه المألوف مع صعوبة استيعاب المؤسسات العقابية على أنواع العمل و هذا الأمر يؤكد
غياب أي علاقة تعاقدية بين المحكوم عليه و الدولة لأن السجين لا يختار العمل الذي يمارسه رغم أن السياسات الجنائية الحديثة تدعو إلى أن يكون العمل متفقا مع قدرات المحكوم عليه رغم أن السياسات الجنائية الحديثة تدعو إلى أن يكون العمل متفقا مع قدرات المحكوم عليه البدنية و الذهنية كما يتماشى مع ميوله .
و تغييب العلاقة التعاقدية بين المحكوم عليه و الدولة تفرضه الوضعية القانونية الخاصة بالسجين فهو لم يعد شخصا مسؤولا عن أفعاله متمتعا بأهلية كاملة بل أصبح شخصا خاضعا لسلطة الدولة ممثلة في إدارة السجون و الإصلاح و هذه الإدارة هي التي تضبط له تفاصيل برنامجه الإصلاحي بما فيه العمل الذي سيقوم به
2- الإشكاليات التي
يطرحها أجر السجين العامل
إن للأجر الذي يتلقاه العامل أهمية بالغة فهو ينمي لديه الشعور بالمسؤولية كما يشعره بقيمة وجوده في المجتمع و يعينه على تحمل أعباء الحياة المادية إلا أنه بسبب الوضعية القانونية الخاصة بالسجين طرح الأجر الذي يتقاضاه إشكاليات .
• التكيف القانوني
لأجر السجين
اختلفت الاتجاهات الفقهية حول تكييف مقابل العمل في السجون فذهب اتجاه فقهي أول إلى نفي صفة الأجر من المقابل و يعود هذا النفي إلى غياب حق المحكوم عليه في الحصول على هذا المقابل الذي يمثل حسب هذا الاتجاه مجرد تبرع ومبررهم في ذلك هو غياب علاقة تعاقدية .
كذلك وصف المقابل الذي يتقاضاه السجين العامل بالأجر يترتب عنه عدة آثار لا تتماشى و الوضعية القانونية الخاصة بالمحكوم عليه فالأجر يقتضي جواز التجاء السجين للقضاء للمطالبة به و هو ما يضعف هنا سلطة الإدارة العقابية عليه و يؤدي للمساواة بينه و بين أجر العامل الحر الذي يمارس نفس العمل و مثل هذا الأمر غير مقبول
إذ لا يجوز إقرار المساواة بين مجرم و إنسان شريف إلا أن مختلف هذه النتائج المترتبة عن وصف المقابل الذي يتقاضاه السجن بالأجر لا نجدها لا في القانون التونسي و لا في المؤسسات العقابية السجين عامة لا يمكنه بأي وجه الالتجاء للقضاء للمطالبة بأجره .
و من ناحية أخرى تتمتع الإدارة العقابية التونسية بحق التصرف في المقابل الذي يتلقاه السجين حسب ما تقتضيه الاعتبارات العقابية. فقد جاء بالفصل 29 من قانون 2001 "تقسم المبالغ المتأتية من مستحقات عمل السجين إلى قسطين ، يوضع الأول على ذمته ليتصرف فيه وهو داخل السجن ويصرف له الثاني عند سراحه."
و لعل المشرع من خلال هذا الفصل أطلق صفة المبالغ على مستحقات عمل السجين و ليس الأجر إلا أن هذه المسألة تبقى في حاجة إلى مزيد التوضيح في القانون التونسي إذ لا بد من حسم الأمر و انکار صفة الأجر عن مقابل عمل السجين بعبارة صريحة و قد أقر هذا الرأي مؤتمر باريس 1995
الذي جاء فيه أنه ليس للمسجون حق في أجر و إنما للدولة مصلحة في إعطائه منحة.
• غياب حق
السجين في أجر المثل
ذهب جانب من الفقه إلى إقرار حق السجين في أجر المثل و مبرره في ذلك ما تنادي به السياسة الجنائية الحديثة بضرورة تشجيع السجين على العمل لكي ينمو لديه الشعور بقيمة العمل الاقتصادية و الاجتماعية غير أن الإضرار بحق السجين بأجر المثل يقتضي وجود علاقة تعاقدية بين المحكوم عليه و الإدارة العقابية .
إلا أنه من الناحية القانونية لا يمكن أن نصف العلاقة بين الإدارة العقابية و السجين فيما يتعلق بالعمل بالسجن بالتعاقدية بل إن مصدرها هو القانون وهو ما يترتب عنه أن المشرع .
من جهة أخرى يأخذ الوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية بعين الاعتبار عند تحديد شروط و كيفية التأجير تطور مستوى العيش و القدرة الشرائية للمواطن التونسي حتى لا يكون المقابل الذي يمنح للسجين ضئيلا .
• غياب حرية السجين
في التصرف في ماله
لا يسلم للمحكوم عليه كامل المبلغ الذي يتقاضاه على عمله على الفور و يعود ذلك إلى كون السجين في غير حاجة إلى مبلغ كبير أثناء تنفيذ عقوبته فالسجين داخل المؤسسة العقابية لا يملك سوى مغازة التزويد يقتني منها حاجياته الغذائية .
و قد قسم المشرع التونسي المبالغ المتأتية من مستحقات عمل السجين صلب الفصل 29 من قانون 2001 إلى قسطين يوضع الأول على ذمته ليتصرف فيه و هو داخل السجن و يصرف له الثاني عند سراحه إلا أنه بالعودة إلى الفصل 28 من قانون 2001 نلاحظ أنه قد جاء بالجديد حيث نص
على أنه "تؤمن الأموال التي بحوزة السجين عند إيداعه أو الموجهة إليه من قبل ذويه أو المتأتية من مستحقات عمله بمكتب الودائع ويسترجعها عند مغادرته السجن مقابل إمضائه بالدفتر المعد للغرض .
ويمكن للسجين التصرف في المبالغ المودعة على ذمته أو البعض منها لاقتناء حاجياته من مغازة التزويد بالسجن أو إرسالها إلى عائلته" .
فحسب هذا الفصل يمكن للسجين أن يرسل جزءا من مستحقات عمله إلى عائلته و هو ما لم يكن معمولا به ضمن أمر 1988.
و لذلك يتبين أن السجين ملزم بالعمل داخل السجن و ملزم كذلك بالتقسيم الذي يفرضه المشرع على مستحقات عمله و كل هذه القيود ناتجة عن وضعيته القانونية كشخص مسلوب الحرية .